تأسيس الدولة المروانية

  • بادئ الموضوع بادئ الموضوع Kurd Day
  • تاريخ البدء تاريخ البدء

Kurd Day

Kurd Day Team
الدولة المروانية
تأسيس الدولة المروانية (الحميدية):
في عام 347هجري سيطر المروانيون بقيادة الأمير (حسين أبو الفوارس) و(شاه باذ أبو شجاع)وهما ولدا دوستك الحميدي على عشائر حيزان وأرديش ومعدن ولم يمض وقت طويل حتى تمكنوا من انتزاع مناطق آمد وجزيرة بوتان ونصيبين وحران وأخلاط والرها وبدليس من الحمدانيين حكام حلب وطالبوا بالملكية والحكم وبالإختصار فقد وقعت العديد من المعارك بينهم وبين ملك الديالمة وفي كل هذه المعارك كان النصر حليف الأكراد والمراوانيين.قتل أبو الفوارس (حسين شاه) في بداية هذه المناوشات كما قتل الشاه باذ أبو شجاع في الحروب الأخيرة التي جرت على الموصل وأصبحت الدولة والأموال والأولاد والنساء بيد ابن اختهم (أبو علي حسن شاه) الذي تزوج من امرأة خاله الديلمية واصبح ملكاً خلفاً لأخواله وكان لمروان بن كسرى أربعة أبناء من زوجته ابنة الدوستك وهم أبو علي حسن وسعيد وأحمد وكسرى كك .
1- أبو علي حسن شاه بن مروان بن كسرى:
في سنة 380هجري وعندما جرح خاله(الشاه باذ) في إحدى المعارك ترجل من فرسه ووقف يخاطب خاله وهو في الرمق الأخير(انهض ياخال لآخذك الى مكان آمن) فرد عليه الخال الحصيف والمعتد بنفسه والحريص على جنده في نفس الوقت قائلاً (لافأنا ميت لامحالة وجراحي لاتساعدني على النهوض والهرب فاجمع عساكرك وانسحب بهم الى الجبال وكن حذراً حريصاً على نفسك لئلا تقتل أنت الآخر) ومنذ ذلك اليوم أصبح أبو علي حسن شاهحاكماً على البلاد وقائلاً لجيش كردستان-آمد-فارقين في هذه الأثناء كان مروان حاكماً على قرية (كرماس)التي تقع بين سيرت ومعدن وكان لمروان طواحين ومزارع ومتزوجاً من أخت الشاه باذ وابنة دوستك الحميدي وأولاده كلهم جاؤوا من رحم هذه المرأة وفي سنة 382هجري شن عساكر الروم هجوماً على مدن خلاط وملاذكرد وأرديش وباركيري ولكن استطاع الجيش الفارقي أن يلحق هزيمة ساحقة بالروم بقيادة أبو علي حسن شاه وانتزع البلاد من أيديهم ثم عقد الطرفان فيما بعد هدنة مدتها عشر سنوات وبهذا الشكل وسع حسن شاه حدود بلاده وقام بتجميلها متحفاً إياها بالعمران والقصور الجميلة ومديد الخير والعطاء الى شعبه وسار على طريق المساواة بين الناس فازداد الغنى وازدهرت البلاد وخطت بقوة نحو ميادين العلم والبناء والزراعة والتجارة ولكن علينا أن نكن الإحترام والتقدير لذلك العجوز الذكي والوزير الفطن المدعو (مم) الذي أمسك زمام الوزارة الكردستانية بيد من حديد وكان يقدم للملك المشورة ويقال بأنه كان يدير طواحين بدون ماء (كناية عن ذكائه) وفي سنة 384هجري قال حسن شاه يوماً لوزيره.أنا لم أعد أتحمل إهانات سكان المدينة الذين يقضون حوائجهم لدى ضباط الجيش ولايعيرون انتباهاً لحكام الدولة وهؤلاء الضباط يتحكمون بمصير البلاد ويسيرون كل شي على حسب هواهم.فرد عليه الوزير القدير.مولاي اترك هذا الأمر لي وسأعرف كيف ألوي أعناقهم وبقي الأمر هكذا حتى جاء عيدنيروز وخرج سكان المدينة الى ساحات والضواحي فقال الوزير للملك اليوم هو يومنا وأعطيا الأوامر للجيش بإغلاق جميع أبواب المدينة ثم القوا القبض على زعمائها وأودعوهم السجن أما المقربون من الملك فقد جاؤوا بهم الى المدينة والباقون هربوا الى خارجها وعمدوا الى قتل كل من كان يتسنم في نفسه الزعامة ووضعوهم في السجن أوقتلوهم ونهبوا أموالهم ومات الكثير منهم في الخارج ولم يعد البعض إلا بعد موت الشاه الى المدينة واقتنعوا منذئذ عن إثارة القلاقل واعتباراً من الآن أصبح حسن شاه ملكاً مشهوراً وذاع صيته وخافه الناس وحسبوا له ألف حساب وأصبحت البلاد بفضل ذكاء هذا الوزير القدير تتقلب في النعيم وتتقدم وتزدهر واختفت منها المشاكل والفوضى وفي سنة 386هجري طلب حسن شاه يد(ست الشام) ابنة سعدالدولة شريف بن سيف الدولة ملك حلب وعندما وصلت العروس السيئة الطالع الى مدينة الرها سمعت خبراً غير سار يفيد بمقتل الملك العريس فعادت الست أدراجها الى بيت أهلها حزينة منكسرة القلب تندب حظها العاثر .
مقتل حسن شاه :
في أحد الأيام خرج الملك من فارقين متوجهاً الى آمد (دياربكر) وكان يصحبه وزيره (شروه بن مم ) وكان الوزير الغدار يطمح للوصول الى الحكم وما فتيء يحبك المؤامرات لقتل سيده آملاً في أن يخلفه في الحكم وفي سنة 387هجري نصب الملك الكردي خيامه خارج المدينة فاستقبله زعماؤها ووجهاؤها وجلبوا له الهدايا وكان من جملة من استقبله شخص يدعى(عبدالبر) وينتمي الى أحدى العائلات الكبيرة في المدينة فأكرمه الملك وأجلسه بجانبه باذلاً له العطاء وقضى معه سهرة ممتعة وودية ولكن الوزير غير المؤتمن وجد فيه ضالته فتقدم من عبدالبر وقال له لقد رأيتم وسمعتم ماذا فعل هذا الملك السفاح بأهل فارقين وأنتم لستم بأقوى منا وبدون شك إذا دخل الملك المدينة فإنه سيفعل بكم مثلما فعل بأهل فارقين وأكثر .وبقليل من التردد اتفقا على قتل حسن شاه وحلفا لبعضهما وبذلا العهود والمواثيق وعندما عاد عبدالبر الى المدينة جمع زعماؤها ووجاؤها وحاكوا جميعاً مؤامرة لقتل الملك وأبقوها طي الكتمان وعندما دخل حسن شاه باب المدينة نثر عبدالبر على رأسه الدراهم فخفض الملك راسه وأغمض عينيه فانهال عليه شخص يدعى(ابن دمنة) من الخلف طعناً بالخناجر وقتله ثم رموا بجثته الى جنوده من فوق سور المدينة وأغلقوا أبوابها واستعدوا للحرب ولكن الوزير الخائن جمع جنوده وعاد بهم الى فارقين وخرجت مدينة آمد لفترة من الوقت من أيدي آل مروان وقد دام حكم حسن شاه سبع سنوات بعد أن ترك للشعب الكردي تراثاً وذكراً ومقاماً عالياً ولبلاده التقدير والاحترام وشهرة وصيتاً لامعتين .
ممهد الدولة سعيد شاه بن مروان بن كسرى:
عندما قتل حسن شاه غدراً في مدينة آمد خلفه أخوه ممهد الدولة سعيد شاه ولبس التاج وسلم الوزارة مرة أخرى ل مم وابنه شروه ودفن جسد ورأس حسن شاه في المقبرة المروانية في مدينة أرزن حيث بنيت عليه قبة كانت تقع في شمال الجسر وتشرف على الجامع وكانت ظاهرة للعيان حتى القرنين السادس والسابع الهجريين .وقد نقل مروان وزوجته بيتهما الى أرزن واستقروا قرب قبر ولدهما. خلف حسن شاه ولداً يدعى(الفضل) الذي اشتهر بأبي دلف فزوجه نصرالدولة ابنته وخلف أبو دلف بنتاً تدعى(فاطمة) فتزوجها ابراهيم بن نصرالدولة وكانت أم ابراهيم هي ابنة سنحاريب زعيم أرامنة صاصون.وفي عام 387هجري أصبح سعيد شاه ملكاً على فارقين وآمد وبذلك حل محل أخيه في الحكم وفي سنة 388هجري طلب يد(ست الشام) ابنة سعد الدولة شريف بن سيف الدولة علي حاكم حلب وكما مر معنا فقد كانت هذه الفتاة مخطوبة لحسن شاه الذي قتل بيد وزيره ولم يتزوجها فتزوجها سعيد شاه وأسكنها مدينة فارقين وترك لوزيره شروه أمور البلاد والعباد.
وكانت البلاد تعيش حالة ازدهار ورخاء تحت حكم المروانيين الأكراد وخاصة تحت حكم سعيد شاه حيث كانت كردستان (آمد-فارقين) تخطو خطوات متسارعة نحو التقدم في ميادين البناء والزراعة والمعيشة عاشت البلاد حياة كلها مساواة وتعاون ومحبة وبنيت فيها القصور الجميلة وازداد الغنى وعم الرخاء والرفاهية القرويين والفلاحين والناس جميعاً.
وفي سنة 390هجري هاجم (باسيل) ملك الروم بقوات كبيرة مدينة آمد وفارقين ولكن تصالح الملكان وعاد سعيد شاه الى بلاده كردستان مرفوع الرأس عزيز الجانب وكانت تأتيه الهدايا من الخليفة العباسي ومن بهاء الدولة حاكم بغداد ومن ملك مصر .وفي سنة 396هجري أعاد ترميم الكثير من أجزاء سور مدينة فارقين وقد نقش اسمه على خمس وعشرين موضعاً من الطرف الخارجي للسور وعلى ثلاثين موضعاً من الواجهة الداخلية وعندما تهدم باب السور بناه من جديد وبنى باب (القلوفه). وكذلك البرج الذي يقع في الباب الأوسط بني على يديه .
 
رد: تأسيس الدولة المروانية

آمد بعد مقتل حسن شاه :
بعد مقتل حسن شاه دخلت منطقة آمد كلها تحت سيطرة عبدالبر وصهره أبو طاهر بن دمنة الذي أصبح حاكماً على البلاد وقائداً للجيش وانتشر اسمه وشهرته في كل انحاء البلاد واشترى مدينة آمد كإمارة تحت حكمه على يد الوزير شروة من سعيد شاه ب ميئتي الف درهم وبقيت فقط النقود والخطبة باسم الملك سعيد ومالبث أن بدأت رائحة الحكم تزكم انفه فقتل حماه وقطع رأسه وقام بعرضه على وجهاء المدينة وقال لهم.أنتم تعرفون كم أنا حريص على نفسي وأنا أحرص عليكم أيضاً مثلما أحرص على نفسي ولا أريد لكم إلا الخير ولا أريد أن يغشيكم حتى دخان السجاير وكان حمايي هذا يريد ادخال آمد تحت سيطرة الملك المرواني ويجعلنا جميعاً عرضة للقتل ومن منكم يريدني فليرفع يده ومن لم يرض بحكمي فليخرج الساعة من بلدي ولكن عندما شاهدوا راس عبدالبر قالوا نحن نعاهدك على الولاء والطاعة ورفعوا أياديهم بالموافقة على حكمه ثم عمد الى فتح خزائن حماه وأخذ لنفسه المال والثياب النظيفة ووزع بعضها على اصدقائه وحلفائه وبذلك كسب ودهم وأنعم على سكان المدينة وأغدق عليهم العطاءات وبهذا الشكل تعاطف معه الصغار والكبار وكسب ولاءهم له فعلا شأنه في قلوب الناس وأحبوه ثم أرسل الى شروه وحصل منه بموجب المعاهدة المعقودة بين الملك وحماه عبدالبر على المدن التي كانت من حصة هذا الأخير وألزم نفسه بدفع ميئتي ألف درهم سنوياً للملك سعيد شاه وكما أسلفنا ألقيت الخطبة ونقشت النقود باسم الملك وبنى طاهر بن دمنة لنفسه قصراً شمال المدينة في مكان يشرف على نهر دجلة وحفر نفقاً تحت الأرض أوصله بالمياه التي جرها الى قصره وكتب رسائل الى معاصريه من الملوك والأمراء كما أرسل الهدايا الى ملوك بغداد ومصر وكانت له علاقات مع ملك الروم وأصبح في عداد الملك وأغدقت عليه الهدايا وقصده الناس من جميع الأنحاء وأصبح بيته ملجأ الفارين والمستجيرين ومدحه الشعراء والمغنون ومنهم الشاعر (التهامي) بقصائد رائعة وعندما كان يركب في موكب يرافقه سبعون جملاً محملاً بالأطايب وكل أنواع الزينة والجمال وأضاف الى سور مدينة آمد علو قامة وهو ظاهر للعيان حتى اليوم وبقي طاهر بن دمنة يحكم بهذا الشكل مدة ثمان وعشرون عاماً وفي عهد نصرالدولة أحمد شاه توترت العلاقات بين ابن دمنة وصهره (مرنج) فذهب مرنج هذا خفية الى الوزير القدير أبو قاسم الأصفهاني وكان يلقب (بالخوجة) وقال له إن يعطيني الملك الأمان فساقتل ابن دمنة واخضع آمد لحكمكم وأريد مقابل ذلك المحافظة على حياة أهالي وأقربائي وأن يكونوا أعزاء مكرمين لديكم كما تحافظون على حياتي عزيزاً مكرماً واتفقا على هذا الأساس فذهب مرنج وقتل ابن دمنة ولكن تمكن حاجب ابن دمنة ويدعى(قرواش) من قتل القائد مرنج وجاء الى الوزير بجواهر وذهب ابن دمنة وقال أنا وحدي أعرف أين تخبأ أمواله وخزائنه وعندما وصل الجيش الكردي الى باب المدينة وجد أولاد مرنج قد أغلقوا المدينة وحضوا أسوارها واستعدوا للحرب فقال لهم الملك والخوجه مثلما أعطينا والدكم العهد والأمان فلكم مثلهما أيضاً وإذا سلمتمونا المدينة فلا يشملكم السلب والنهب والقتل فرد أولاد مرنج قائلين إنا نقبل تسليم المدينة لكم إذا سلمتمونا الحاجب الذي قتل أبانا وهنا كانت الغلبة للخوجة على الملك حيث قال نحن لانريد أن نفرط بهؤلاء من أجل شخص قتل أباهم بيده فولفق الملك على تسليم قرواش الحاجب لأبناء مرنج الذين بادروا الى قتله ثم فتحوا أبواب المدينة أمام أحمد شاه وجيشه الذي انتشر فيها.هذا وكلما كان سعيد شاه يعلي ذكره وقدره كان الوزير شروه أيضاً يعلى مقامه وكل يوم بمضي تزداد فيه شهية هذا الوزير الى الحكم ويرنو ببصره عالياً نحو التاج والعرش وبمساعدة قائد الجندرمة (ابن فيلوس) تمكن من تدبير مؤامرة لقتل سعيد شاه وسعى الإثنان الى الدس والمكيدة ونصب الفخاخ للملك وانتظرا الفرصة السانحة لتحقيق مآربهما وقد لجأ الوزير الغدار الى دس السم عدة مرات في طعامه ولكنه لم يمت فأعدا خطة أخرى لقتله فكان الشاه سعيد يزور في كل سنة قلعة هتاخ وفي احدى زياراته استطاع القائد الخائن أن يسمم طعامه فبقي شهراً عند الوزير شروه يقضي فترة نقاهة واستجمام وكانت هذه القلعة عالية تشرف على مروج خضراء مكتظة بالورود والرياحين وبحيرات ماء صافية وحدائق غناء تخلب الألباب وتبهر الأبصار وتبعث في النفس النشوة والراحة وكان الملك والقائد والوزير يقضون أياماً جميلة هناك ويقوم ابن فيلوس بخدمتهما بنفسه وتلبية طلباتهما وفي أحدى الليالي جلس الثلاثة مع آخرون من حاشية الملك يسهرون فوضع الوزير شروه عساكره على أبواب القلعة وأمرهم بمنع دخول أحد إليهم ثم بدأوا بالشراب حتى الثمالة وكان كلما ثمل أحد من أقارب الملك أخذوه الى السجن ويقولون هذه أوامر الملك سعيد شاه وعندما شرب سعيد شاه الكأس الأخيرة على شرف الوزير نهض الى مخدعه لينام فجرد ابن فيلوس سيفه ودخل غرفة نوم الملك ليقتله ولكن استيقظ سعيد شاه بسرعة وصاح به ياولد ماذا تفعل في غرفة نومي فرد عليه قائد الجندرمة قائلاً لأطمئن عليك يامولاي ولكن الشاه انتزع منه سيفه وألقاه أرضاً تحت قدميه ونادى على شروه وعندما دخل هذا الناكر للجميل هجم على الملك بسيفه وقتله ثم قبض المتآمران على (موشرف) حاجب ومستشار الملك وأخذاه معهما الى فارقين وقد فتح الحراس باب المدينة على صوت الموشرف ودخل عساكر شروه المدينة وبايعه أهلها خوفاً على أنفسهم من البطش والقتل وارتضوا بحكمه واصبح المال والسلاح والألبسة في يد الوزير الغدار شروه ونودي بنفسه ملكاً ولبس التاج على العرش .
أحمد شاه بن مروان بن كسرى :
كان سعيد شاه قد أصبح ملكاً بعد مقتل حسن خان وكان أخوه أحمد خان يقيم في فارقين وفي أحد الأيام رأى سعيد شاه حلماً مفزعاً فطلب من أخيه أحمد الخروج من العاصمة وإلا فسيقتل وكان مضمون الرؤيا هو أن سعيد شاه رآى الشمس وهي بازغة تهبط من العلى وتستقر فوق رأس احمد خان فهب من نومه مذعوراً وقال.بورك والله التاج على رأس احمد وقام بنفيه الى مدينة (سيرت) وابعده بذلك عن العاصمة والآن قتل سعيد شاه وأصبح الوزير شروه ملكاً وكان هذا الأخير يريد القضاء على آل مروان وإزالتهم من الوجود حتى لايبق أحد يطالب بالعرش الذي فقدوه وقد حاول غيره القضاء على المروانيين كالأمير عبدالرحمن الدنبلي الذي أرسل جيشاً لقتل احمد خان ولكنه لم يفلح في ذلك.وفي أحد الأيام وبينما كان (الخوجة) في رحلة صيد مع أحد أصدقائه المقربين إذ لمحا فارساً يقبل مسرعاً وعند وصوله إليهما أسر هذا الفارس اللاهث للخوجة.أن شروه قد قتل سعيد شاه وسيطر على البلاد وأرسل جيشاً للقضاء على احمد خان وقتله وأريد أن أذهب الى سيرت لأخبر أحمد خان بذلك فلما سمع الخوجة الخبر أرسل على وجه السرعة بعض الجنود الى سيرت وجاؤوا بأحمد خان إليه وبدأ بتحصين القلاع والمدن وقال له المدينة لك وحرب العدو لي وعندما سمع شروه شاه بذلك أرسل جيشاً كبيراً الى مدينة أرزن وبعد حصار عدة أشهر رجع الى فارقين خائباً ويعد رحيل عساكر العدو عن أرزن جمع الخوجة سكان المدينة والعشائر الكردية وطلب منهم أن يحلفوا لأحمد خان وأصبح بذلك ملكاً وأثناء مراسيم الحلف تعهدت العشائر للملك بقولهم نحن معك حتى الموت لانريد منك جزاء ولاشكورا وروى الخوجه حادثة مقتل سعيد شاه لوالديه وفي اليوم التالي سار الجيش الكردي فيالق متتابعة على فارقين فواجهه شروه شاه بجيش كبير وبدأت المعركة حامية بين الطرفين وأريقت الكثير من الدماء وأخيراً انهار جيش شروه وتراجع الى الوراء تاركاً خلفه الأسلحة والأموال والغنائم وعاد الشاه أحمد الى أرزن ووزع الغنائم على جيشه ثم جهز جيشاً بكامل عدته وتوجه وبصحبة الخوجة نحو فارقين عاصمة الدولة وبدأ الرعب يتملك قلب شروه وعلى الرغم من إحسانه وعطف على أهل المدينة فإنه لم يكن ليأمن لهم جانب وقد قال له قائد الجندرمة ابنفيلوس إذا كنت ستأخذ برأيي فإننا يجب أن نستنجد بملك الروم وتخضع المدينة لسيطرته ولهذا السبب كرهه سكان المدينة ونقموا عليه وأرادو التخلص منه بسرعة وأرسل شروه شاه أمواله بالصناديق الى آمد عند ابن دمنة حيث عقد الإثنان اتفاقية وحلفا لبعضهما على محاربة احمد شاه وفي يوم الجمعة جاء قائد الجندرمة ابن فيلوس ومعه جنوده الى المسجد للصلاة فهاجمه أهل فارقين ووقفوا في وجهه فهرب الى قصر شروه شاه فحاصره الناس وطالبوا بقتله ولكنه لم يسلمهم قائد جيشه وأمر شروه جنود الكرج بالتدخل وكان هؤلاء بقيادة (أبي الليث) قدهربوا من ملكهم الكرجي وجاؤوا الى فارقين واصبحوا جزءاً من جيش كردستان وكان سعيد شاه قد أكرمهم وأحسن وفادتهم .فقتل جنود الكرج الكثير من سكان المدينة بالنبال فهاجمهم الأكراد وصاحوا لن نتراجع ولن نهدأ حتى نقتل ابن فيلوس ومرة أخرة لم يسلمهم شروه قائد جيشه واندلعت حرب شرسة في شوارع العاصمة فهرب شروه وتحصن في برج الملك واستصرخ وجهاء المدينة لنجدته وقال لهم أريدكم أن تسامحوني في أخطاء ارتكبتها وتمنعوا الناس الثائرين من قتلي فأعطاه وجهاء المدينة الأمان وأخذوه الى بين أحدهم ويدعى محمد بن عبيد بن مهور ومحمد هذا هو الجد الثاني من أجداد شيخ الشيوخ علي بن يحيى بن حسن بن محمد بن مهور وقام الثائرون بنهب القصر القديم والعنابر ودمروها ثم أرسلوا الى احمد شاه يستعجلونه بالقدوم وروا له تفاصيل الحادث وبعد تجهيز جيشه أحاط احمد شاه بالمدينة وبرفقته وزيره الخوجة ثم أرسل إليهم يطلب تسليم شروه إليه ولكنهم رفضوا ذلك وقالوا للشاه نحن عهدنا وميثاقنا بالمحافظة على حياته ثم ساد القال والقيل والهرج والمرج بين سكان المدينة بعضهم قالوا يجب تسليمه للشاه لأنه قتل أخاه وبعضهم قالوا لايجوز التنصل من وعد بذلناه ولايجوز تسليمه لعدوه وهنا اعتزل زعيمهم محمد بن عبيد بن مهور في بيته فاختاروا زعيماً آخر يدعى أبو طاهر الحمامي ولم يمض وقت طويل حتى اعتزل هو الآخر في بيته فانتخبوا احمد بن الوصيف وتمكن هذا أن يفرض سيطرته على كامل المدينة بمساعدة أبي الريحانة بعد أن جمع الكثير من الأموال والأنعام وتحصن في المدينة ضد احمد شاه ولكن حاصر الشاه المدينة وقطع عنها الإمدادات والطرق والماء والأرزاق ولجأ الى الإشتباكات المتفرقة ومهاجمة المدينة بشكل متكرر وبعد عدة أشهر طلب ابن الوصيف الأمان من الشاه والوزير وسلمهما المدينة مع التعهد بعدم المس بشروه أو قتله فاتخذ الملك البرج الكبير مقراً له وحل ضيفاً على قصر الحمداني (جرت هذه الحوادث في سنة 401هجري) وهكذا أصبح احمد شاه ملكاً والخوجه وزيراً وكان هذا الوزير المحنك يمسك بزمام الأمور بيده فاستطاع تنظيف المدينة من الأشقياء واللصوص واخرجهم منها وأحسن الى الناس واستحالهم كما جمع الكثير من الذهب والمجوهرات وجعل ابن الوصيف حاكماً على مدن (تنزيغ) و(فافي) وامتد حكمه حتى حدود جزيرة بوتان وبعد مدة أخذ احمد شاه معه شروه الى قلعة هتاخ وقتله في نفس المكان الذي قتل فيه سعيد شاه وعلق جسده على الأعمدة واعتقل الكثير من أتباعه وعمد على نقل رفات سعيد شاه الى أرزن ودفنت في مقبرة آل مروان .ولم يخلف سعيد شاه أولاداً وبعد مقتل شروه وأتباعه هرب ابن الوصيف الى بغداد وترك وراءه الحكم غير مأسوف عليه ولم يعد بعدها الى كردستان أبداً .
هذا وقد علا شأن أحمد شاه كثيراً وخضعت له آمد ووسع حدود بلاده وذاعت شهرته في الآفاق وبنى قصراً قرب برج الملك لأن قصر الحمداني كان قد انهار وكان قصره جميلاً جداً وكبيراً وقد ألحق به حديقة جميلة وأحاطه بسور ضخم كما كان سقف هذا القصر مطلياً بماء الذهب أو نقش بنقوش ذهبية وكتابات ذهبية بحيث لم ير أحد أو يسمع بمثله حتى اليوم في جماله وروعته وفخامته وكان الماء يتدفق عليه من رأس العين فأتحفه بأحواض الماء والبرك والحمامات وكان سكناه فيه يعود الى عام 403هجري وفي السنة زاره رسول خليفة بغداد ومعه محمد بن أحمد بن مزيد حاجب ابن بويه ملك العراق وفارس ومعهما هدايا ورسائل تهنئة لأحمد شاه ومرسوم من الخليفة يقضي بمنحه لقب (ناصر الدولة) .(ملاحظة :لقد أضفت من عندي كلمات مثل شاه وخان .) ( المؤلف).
وكان هدايا الملك عبارة عن سبع قطع من ألبسة ملكية وهي زبون وجبة وعمامة سوداء واسوارين من الذهب وفرس مزين كله بالذهب وجواهر وكتابات تبريك ومرسوم مختوم بخاتم الخليفة يعلنه ملكاً على لآمد وفارقين قريء على سكان المدينة وكان حاضراً القاضي علي بن حامد فلبس الملك التاج وفرح وفرح الناس به وفي هذا اليوم حضر رسول ملك مصر لتهنئة شاه كردستان ومعه هدايا كثيرة وكتابات تهنئة وتبريك وفيها يلقبه (عزالدولة) فاستقبل سكان المدينة الرسول وأوصلوه بالأهازيج والدبكات الى القصر وفي نفس اليوم وصل رسول ملك الروم (باسيل) ومعه تهاني وهدايا قيمة وهي مجموعة من الخيول المطهمة والجمال القوية وهدايا اخرى فجلس ناصر الدولة.عزالدولة احمد شاه على عرشه وعلى يمينه رسول الخليفة والسلطان ورسول ملك الروم ومصر عن يساره وبدأ القراء يرتلون الآيات والشعراء يلقون قصائدهم والمنشدون يرددون الأغاني الجميلة وتليت كتب الملوك وارتدى الشاه أفضل زيه كما ألبس ضيوفه أفاخر الثياب وأغلاها وكان يوماً مشهوداً لم يسمع بمثله قط فأغدق الشاه العطايا على الناس وبذل لهم الأموال والذهب بيد سخية وجعل العديد من القرى والمواقع الأخرى أملاكاً للأوقاف صرفت مواردها على سور المدينة كما أن الوزير القدير الخوجة الأصفهاني مديد المحبة والعطف والإحسان الى كل الناس ونشر المساواة والعدل وأحق الحقوق وحارب الباطل وأراد الخير للناس وللدولة كما خفف الشاه الضرائب على الناس وأبعد عنهم المحن والبلاء وأضاف على سور مدينة فارقين في عدة مواقع وأصلح في بعضها ورممها وجلب الكثير من الحنطة ووضعها في المساجد لتوزع على الفقراء والمحتاجين وفي كل سنة كان يوزع مامقداره (366) كيلاً من الحنطة على من يحتاجها وجعل قرية (أتشا) في غربي المدينة ضمن أملاك الأوقاف ووزعت مواردها على الفقراء والمساكين على يد وزير الأوقاف وكان وزير الأوقاف يدعى حسن بن محمد بن مهور وفي سنة 409هجري أصبح أبو عبدالله حسين بن سلمة المالكي حاكماً شرعياً في فارقين وكان نائباً لوزير الأوقاف حسن بن مهور ولم يمض وقت طويل حتى أصبح الحاكم الشرعي لمدينتي آمد وفارقين وسيأتي ذكر ذلك لاحقاً.
وفي سنة 410هجري تزوج احمد شاه من الفضلونية ابنة فضلون شاه ملك كردستان الشمالية وأرمينيا وكنجو وأران ورزق من هذه المرأة بولدين هما سعيد وشاهنشاه وكان فضلون هذا قد أبدى شجاعة فائقة في وجه الروس وحافظ على استقلال الشرق كله وحماه من ظلم وجور القيصر الروسي وتزوج احمد شاه أيضاً من (سيده) ابنة شرف الدولة (قرواش) ملك الموصل وبنى لها قصراً بجوار قصره وكان يحبها حباً جماً وفي أحد الأيام جاءه شخص من أهل مصر ومعه جارية حسناء رائعة الجمال وذات صوت رخيم وجميل جداً وكان لهذا الشخص منها ولد يدعى محمد أبو الوفا فحاول الملك شراءها ولكن امتنع سيدها عن بيعها وأخيراً اشتراها منه وتزوجها وتعلق بها كثيراً وكان يحبها بما لايقاس مما أثار ذلك غضب زوجتيه الفضلونية وسيدة فغادرتاه الى بيت والديهما وتوفيت الفضلونية في بيت أبيها وبذهاب سيدة الى أهلها استفحل العداء بين والدها قرواش وزوجها ناصر الدولة احمد شاه فطلب قرواش من ناصر الدولة عشرين ألف درهماً ومدينة نصيبين كنفقة لإبنته ولما لم يوافق احمد شاه على شروطه اندلعت الحرب بين الدولتين ثم تصالح الملكان أخيراً حيث دفع احمد شاه خمس عشرة الف درهم لقرواش وأهدى مدينة نصيبين الى بدران شقيق قرواش وتم الصلح.ويقول ابن الأزرق الفارقي. لم تخرج سيدة من بيت زوجها بل جلست في بيته راضية مرضية ويقال بأن احمد شاه كان يقتني في قصره ثلاثمائة وست وستون جارية فكانت الواحدة منهن يأتيها دورها ليلة واحدة مع مرور سنة كاملة .وفي سنة 414هجري بنى الملك احمد شاه مستشفى للمجانين ومم المسجد الكبير على يد (بختيشو) وكان بختيشو هذا أميناً للخزانة ويدير أعمال الدولة وفي هذه السنة بنى أيضاً منارة مسجد (الربد) كما أمر بإصلاح وترميم سور المدينة وعندما استعاد آمد استقر فيها وجمع اموال ابن دمنة من الناس ثم أحسن الى رعيته ومد لهم يد العون والمساعدة وخفف عن كاهلهم الضرائب ونشر لواء العدالة والمساواة بين الناس كما جعل (زنكي بن عوان) حاكم حران والرها حاكماً على آمد ولكنه لم يمض زمن طويل حتى قتل وكان احمد شاه حمواً لإبنه وبعد مقتل الأمير زنكي عين احمد شاه ابنه سعد الدولة حاكماً على آمد وجعل كاتبه (ابن نخوار) وزيراً له وفي سنة 418هجري توفي الوزير القدير الخوجه الأصفهاني فحزن عليه الشاه حزناً عميقاً.
 
رد: تأسيس الدولة المروانية

وزارة علي بن الحسين :
كان أبو حسين علي بن الحسين وزيراً لبلاد مصر فهرب من هناك وذهب الى العراق لاجئاً الى البويهيين الديالمة وحل محله في وزارة مصر ابنه الحسين بن علي بن حسين المغربي ثم اعتقل هو الآخر وهرب الى العراق عند أبيه وبعد فترة توفي الأب بينما يقول البعض أنه قتل في مصر ومن المحتمل أن تكون الرواية الأخيرة صحيحة.هذا وقد ذهب الوزير المشهور من بغداد الى الموصل عند شرف الدولة.معتمد الدولة قرواش حاكم الموصل ولكنه اعتقل في البداية ثم اطلق سراحه أخيراً فذهب الى فارقين وفي الطريق التقى به بدران شقيق معتمد الدولة قرواش فأعاده إلى الموصل وأودعه السجن ثم أطلق سراحه فذهب الى أحمد شاه ملك فارقين في تلك الفترة كانت كردستان بدون وزارة أي كانت وزارتها شاغرة لذلك عين أحمد شاه المدعو علي بن الحسين وزيراً لدولته وجعله الأمر الناهي في البلاد وأعطاه صلاحيات واسعة ويقال بأنه لا أفهم وأقوى وأعظم من هذا الوزير أو يكون أحد قد سمع بمثله على الإطلاق من بين وزراء العصر ورجالات الدولة كما استقر سليمان بن فهد عند الملك أحمد شاه بكثير من الجلال والإحترام حتى تصالح مع قرواش ورجع الى الموصل واستقر في بيته .وكان الوزير علي بن الحسين قد عين ابن البركة رئيساً للديوان وجعل أحمد بن السليك الأرمنازي كاتباً لديه وأحمد بن السليك الآزكري(أحمد بن يوسف) هو من ملاذكرد التي تقع في منطقة (غرت برت) وهذه غير ملاذكرد التي تقع في منطقة خلاط وكان هذا رجلاً ذكياً وكاتباً وشاعراً كبيراً وقد ذهب عدة مرات الى القسطنطينية(استانبول) رسولاً من قبل أحمد شاه لمقابلة ملك الروم وجمع الكثير من الكتب القيمة ووزعها على مكتبات مدينتي آمد وفارقين ويقول ابن خلكان يقال الى اليوم لتلك الكتب (كتب المنازي) وكان أحمد بن سليك الأرمنازي وزيراً لدى أحمد شاه المرواني وله ديوان شعر قيم ولكنه غير متوفر بما فيه الكفاية كما ألف كتباً قيمة أخرى والتقى في معرة النعمان بأبي العلاء المعري وتحاور معه وقد أورد (الختيري) في كتابه (زينة الدهر) اسمه وبعضاً من اشعاره وتوفي في سنة 437هجري وفيسنة 435هجري أو 422هجري توفي جلال الدولة بن بهاء الدولة بن عضد الدولة بن بويه الديلمي فخلفه ابنه عزيزالدولة ولكنه عزل من قبل قواد جيشه الأتراك وأحلوا محله ابن عمه (كاليجار) فهرب عزيز الدولة الى فارقين طالباً حماية أحمد شاه الكردي وبقي عنده معززاً مكرماً حتى توفي سنة 423هجري .هذا وقد بنى أحمد شاه جامع المحدثة(1) شمالي فارقين وصرف عليه الكثير من ماله الخاص وكان آية في التصميم والجمال كما أحدث الوزير المغربي في وزارته أموراً هامة وجيدة وبذلك سار ببلاد كردستان آمد وفارقين خطوات حثيثة نحو التقدم والإزدهار وأوصل الدولة الكردية الى مصاف الدول الكبرى كمصر وبغداد وتبوأت مكانة لائقة بين دول العلم كما أحسن الى الناس وعطف عليهم وتوفي في فارقين سنة 420هجري ووضعوا جسده في تابوت ونقل الى الكوفة حيث دفن بجوار قبر الإمام علي بن أبي طالب وقد وجد فيما بعد الف دينار في تابوته.والآن المغربي هي قرية تقع في مناطق أكراد بادينان(بهدينان) وتسكنها عائلة المغربي التي هي من نفس القرية وليست من بلاد المغرب كما يتبادر الى الذهن .
بناء النصرية :
النصرية مصيف جميل جداً تحلو الإقامة فيها في الصيف والخريف والربيع وسميت بالنصرية نسبة الى بانيها نصر الدولة شاه كردستان الذي أتحفها بالقصور الجميلة والبنايات الفخمة أما قصر الملك الذي بني على ضفة النهر فلا يستطيع أن يصنعه إنسان لحسن جماله وبهاءه وفي المدينة الكثير من البيوت الجميلة والحمامات والأسواق العامرة وفي كل مكان كانت تنتشر البيوت والقصور التي بناها أولاده وأقاربه كما ركب دولاباً على النهر لإستجرار المياه الى المدينة وعمر الحدائق والمصايف والبحيرات والبرك وبنى جسراً في بلدة تل بنان أما باب قصر الملك فكان مصنوعاً من معدن النحاس (الصفر) .ويقول ابن الأزرق.نقل هذا الباب من مكانه وأصبح اليوم باباً لأحد المساجد.ويمكننا القول بأن موقعاً مثل الذي تقع فيه النصرية ليس له مثيل من حيث الجمال والرونق والبهاء ومكان لانظير له للترفيه عن النفس والإستمتاع بالطبيعة الخضراء والماء والجمال وفي الربيع كان الملك يخرج مع أولاده ونساءه وأهاله ومعارفه الى بابودين وفي اليوم التالي يذهبون الى تل بنان وفي اليوم الرابع يصلون الى النصرية ويبيتون في الليلة الأولى في باتري وفي طريق المرور هذا بنيت المضافات والمساجد والجسور وأينما اتجهت تشاهد المروج الخضراء والسهول الواسعة والحدائق الغناء حيث تصدح البلابل على أغصانها أشهى الألحان وأعذبها وخرير الماء الرقاق يطرب آذان العاشقين ويملأ النفس بهجة وحبورا ويعود بالشيوخ الى أيام الصبا والشباب وكان الملك وأهله وأحباءه يقضون أشهر الربيع في هذا المصيف الجميل فخورين بجمال بلادهم أعزاء منتسين بعبق الفصل الباسم وسحره الأخاذ ومن جهته لم يبخل الملك على بلاده فقام بإنشاء الكثير من الجسور الكبيرة على الأنهار أنفق عليها غالباً من أمواله الخاصة وأجرى عليها الأوقاف مثل جسور الحسينية والحميدية وتل بنان وقطينا وبابودين والإبراهيمي وبرسده وبإختصار اهتم هذا الرجل بدولته ومديد الخير والرعاية الى جميع مناطق وميادين بلاده وصرف عليها الأموال وأغدق على الشعب الخيرات والعطايا بدون حساب ولم يمد يده يوماً الى مال أحد على غير وجه حق وكانت الهدايا تأتيه من كل مكان وقد مدحه الشعراء والمغنون أمثال التهامي وفاعيد بن ظريف وابن السوادي وسري عيدالله والفيدري كما أصبحت فارقين تحت حكمه ملاذ الخائفين وقلعة المستجبرين وقد استجار به لكلها كل من عزيز الدولة بن جلال الدولة البويهي وسليمان بن فهد والذخيرة ووالدته زوجة الخليفة العباسي وآخرون التجأوا إليه فأطعمهم وسقاهم وكساهم وأسبغ عليهم حمايته معززين ومكرمين لديه.
وزارة فخرالدولة بن جهير الموصلي :
يقال بأن قائد الجيش الكردي (أبو حكيم) كان من مدينة الحديثة وفي أحد الأيام شبح هذا القائد رأس أحد أقارب الملك والتجأالى بيت ابن عم الملك المدعو مرزبان بن بلاش بن كك كسرى فسعى الملك بنفسه ليخرجه من بيت ابن عمه ويلقي به في السجن فخرج إليه المرزبان ليقول له لايليق بمقام الملك أن يخرج عنوة من استجار ببيت ابن عمه ويمرغ كرامته في الوحل وأنت الملك كلنا نفديك بالدم والروح والمال ولن يعرض احدما تأمر به فأمرك مطاع وحكمك نافذ فاستحيا أحمد شاه وعاد الى بيته ثم أرسل الى حاكم مدينة آمد يطلب منه أن يرسل له ابن الجهير الموصلي فخرالدولة ليستوزره لديه فجاء إليه فخرالدولة واستقر في فارقين وأصبح وزيراً ومن هنا يظهر أن الأكراد لم يكونوا قد اكتسبوا خبرة بعد في أمور إدارة الدول إذ كيف يتسنى لملك كردي الإستعانة بشخص من الحديثة ليكون قائداً لجيشه ويكون ابن الجهير الموصلي وزيراً ليده هل من الحكمة أن يكون قائد الجيش من الديثة من خارج الدولة.وللعلم هناك مدينتان باسم الحديثة فهذا القائد كان من الديثة الواقعة على نهر الزاب قرب الموصل والحديثة الأخرى تقع في الشامية على نهر الفرات مقابل الأنبار. وقد بقي أولاد أبي حكيم ضباطاً وقادة في الجيش الكردي حتى عهد ابن الأزرق.وعندما أصبح ابن جهير وزيراً للدولة الكردية عام 430هجري جلب معه هدايا وتحفاً ثمينة الى أولاد أحمد شاه فلقبوه ب(كافي الدولة) وعندما استوزر هذا لدى خليفة بغداد لقب أيضاً ب(فخرالدولة) ولهذا فقد كان المروانيون يفتخرون بأنفسهم على أنهم شجعان لايهابون الردى وأشخاص أكفاء يتمتعون بعلو المقام والمنزلة الرفيعة كما كانوا يفتخرون لأنهم ساتوزروا وزيرين كبيرين ومشهورين أمثال (المغربي) و(ابن جهير الموصلي) وكانا قبل ذلك وزيرين في مصر وبغداد ولكن يظهر أن هؤلاء المروانيون على عكس ماادعوا كانوا عديمي الخبرة والكفاءة في قيادة الدولة أما كافي الدولة .فخرالدولة ابن جهيرالموصلي فقد كان ذكياً فطناً ووزيراً كبيراً عطوفاً وحكيماً وفي عهده لم يعرف وزيراً آخر في مثل قدرته وحنكته في أي مكان آخر.وقد مدحه الشعراء والمغنون فأجزل لهم العطاء أمثال الشاعر ابن سنان وابن حيوس ويهتقد البعض أن جهيراً قد استوزر في سنة 450هجري وفي هذه السنة دخل البصاصيري بن عبدالله التركي مدينة بغداد وسيطر عليها عنوة فهرب الخليفة القائم بأمر الله والتجأ الى الأمير(محارش) حاكم مدينة الحديثة على نهر الفرات وهرب زعيم عرب بني عقيل و(سيدة) زوجة الخليفة وابنها(ذخيرة) الى بلاط أحمد شاهالمرواني الملك الكردي واستقروا في آمد وفارقين وكان حاكم آمد نيفق على ذخيرة وأمه بعدما استأذن الشاه ليسمح له بالإنفاق عليهما من ماله الخاص وعندما سار(طغرل شاه) من خراسان ودخل بغداد عاد الخليفة وذخيرة وأمه الى بغداد حيث أرسلهما(1) أحمد شاه معززين مكرمين باذلاً لهما الأموال والهدايا بدون حساب وهنا إرتكب أحمد شاه خطأ جسيماً عندما أظهر للخليفة غناه وأمواله وما يملك من مقتنيات وجواهر تغري الطامعين وفي سنة 434هجري وجه طغرل شاه السلجوقي جيشاً بقيادة (ناصغلي) و(بوقا) الى الدولة الكردية للقضاء عليها فدارت رحى معركة حامية الوطيس بين الكرد والترك وكان أحمد شاه قد عرض على القائدين خمسين ألف دينار ليرجعا عن بلاده سلماً وفي لحظات من السكر والعربدة جرد القائدان السيوف على بعضهما فوقع قتلى كثيرون من أنصار الطرفين عندئذ هاجمهم الكرد وأبادوا قسماً كبيراً منهم وأسروا آخرين وغنموا الأموال والسلاح وكانت هذه هي المرة الأولى التي يجري فيها احتكاك مباشر بين الكرد والأتراك السلاجقة ومنذ ذلك اليوم وطوال فترة حكم أحمد شاه لم يعاود السلاجقة مداهماتهملأرض الأكراد وفي عام 439هجري حل القائد (ألب أرسلان) محل طغرل شاه وفي نفس السنة توترت العلاقات بين احمد شاه وشريف الدولة. معتمد الدولة(قرواش) كما القى احمد شاه القبض على حاكم فارقين سعادة بن حسين بن بكر وأودعه السجن بتهمة خيانة الوطن وأغلق عليه الأبواب حتى توفي في سجنه وكان المذكور قد أرسل خفية رسالة الى حاكم الموصل وعندما سأله الملك عن ذلك أنكر ولكن اعترف كاتبه الذي أخذ الرسالة بذلك وقال نعم لقد أعطاني رسالة الى حاكم الموصل ثم أمرني أن أجلب له كتباً لايلتقى مثلها في فارقين ولكن لم يصدق احمد شاه الرواية ويقال بأنه قتل هذا الحاكم في السجن وعين مكانه (محمد بن شازان الطوسي) وسلمه وزارة الأوقاف أيضاً ولكنه اعتقل في عام 435أو 436هجري.هذا وقد نقش اسم احمد شاه على سور مدينة فارقين من الخارج في عشرة الى عشرين موضعاً ومن الداخل على ثلاثين موضعاً أو أكثر وجعل الكثير من القرى ودارداتها وقفاً على السور كما جعل الحمامين اللذين بناهما ملكاً للأوقاف وعمد أيضاً الى شق ثلاث سواقي وجرها من رأس العين (وهذه ليست مدينة رأس العين المشهورة في الجزيرة) الى المدينة ووزعها على القصور والحمامات والمساجد كما سحب المدعو (أحمد بن الجري) الماء من عين (جنباش) الى الجامع مروراً بغربي المدينة وجرها الى الكثير من المحلات والمواقع وصرف عليها خمسين ألف دينار أرمانوسي(روماني) وأرمانوس هذا هو رومانوس ملك الروم الذي توفي سنة 352هجري وهو من أحفاد الملك البيزنطي (باسيل) وفي أحد الأيام ربح أحد التجار في فارقين ويدعى (ابن بهاط) خمسمائة دينار في يوم واحد فأرسل أحمد شاه في طلبه وسأله قائلاً أصحيح أنك ربحت اليوم ب خمسمائة دينار فقال له ابن بهاط التاجر نعم ورأس دولة الملك قالها ثم وضع الخمسمئة دينار بين يديه وقال هذه الدنانير بين يديك فخذ منها ماتشاء ولكن أعاد الملك إليه دنانيره وقال هذه أموالك لا أبغيها وحلف ألا يأخذ منها قرشاً واحداً وقال لاأريد أن آكل أموال أحد ولكني شعرت بفرح غامر حينما سمعت أن رجلاً في مدينتي قد كسب خمسمائة دينار في يوم واحد ولكن ابن مهاباط التاجر القدير حلف اليمين وأقسم ألا يرجع بهذه الأموال الى بيته وبعد أخذورد قال ابن بهاط يامولاي حتى لايرد عليك قسمك أرجو أن تسمح لي أن أشتري بهذه الدنانير قرية بني نوح لأجعلها وقفاً وبهذا الشكل تم شراء القرية المذكورة وأصبحت وقفاً على قلاع (آكل) و(الجاترة) و(اليماني) وهي قلاع تقع في منطقة آمد وتقع قرية بني نوح في جبال (فطراسا) كما بنى أحمد شاه قلعة جديدة في صاصون على الحدود بينه وبين الأرمن وأحاط القرية والقلعة بسور عال وكبير وماعدا أموال أبو بكر بن الجري لم ينهب أموال أحد وأما أبو بكر فقد سلبت أمواله على إثر وشاية أفادت بأن المذكور كان يريد تسليم المدينة الى أرامنة صاصون وعندما داهموا بيته صادروا الكثير من الأموال والأسلحة وأشياء أخرى ومقتنيات تقدر ب أربعمائة ألف دينار وتركوا مايقارب الثمانين ألفاً لأولاده كما بنى صرحاً في حدائق علي بن المنصور وصرف عليها أموالاً طائلة وكان بناءها على يد الوزير المشهور ابن جهير.هذا وقد تزوج أحمد شاه من أربعة نسوة وهن سيدة بنت قرواش ملك الموصل والفضلونية ابنة فضلون شاه حاكم أران وكذلك (كنجة) ابنة زعيم أرامنة صاصون وسنحاريب المغنية المصرية وكانت ابنة سنحاريب قبل ذلك زوجة لأخيه أبو علي حسن شاه. وكان لأحمد شاه ثلاثمائة وست وستون جارية كما كان قصره يعج بمالاتحصى من المغنيات والراقصات اللواتي بدد أمواله عليهن دون طائل ولذا لم يؤسس احمد شاه دولة قوية كانت ستبقى صامدة مئات السنين لينعم بخيراتها أطفال كردستان وشعبها هذه الأموال التي صرفها بدون حساب على النساء والمغنين والموسيقيين وأمور تافهة لاتجدي نفعاً كما صرف قسماً منها على المساجد والمآذن لو صرفت على شراء السيوف والدروع والتروس والمنجنيقات وآلات الحرب والحصار وعلى جيش كبير في عدده وعدته لإستطاع أن يوحد به كردستان ولبقي الأكراد أقوياء مرفوعي الرأس عزيزوا الجانب والما تجرأ أحد على مهاجمتهم أو التحرش بهم ولأصبحت كردستان دولة يحسب لها ألف حساب وقادرة على ردالصالح صاع صاعين للأعداء والطامعين وإذا استثنينا بعض العمران والبناء وبعض ماصرفه على الشعب نراه وقد القى بأعباء ضخمة على كاهل أبنائه يعز حملها.وكان هذا الملك يجلس يوماً مع جنوده فيأكل ويشرب معهم ويماً مع أطفاله وأهله ومعارفه يأكل ويشرب معهم ويجالس يوماً المغنين والراقصات والموسيقيين والجواري وفي الليل كان يترك احداهن عنده ويوماً يجمع أولاده فيأكل معهم ويشرب ويرقص وكان إذا حل دور إحدى نسائه يتركها عنده لينام معها في غرفته وفي الصباح يخرج للصيد ويعود ظهراً وبعد ساعة يدخل إليه وزيره فقط حيث يتداولان في أمور الدولة ثم ينام قليلاً ويستيقظ ليجلس على موائد الطعام وهكذا حتى يمضي الهزيع الأول من الليل فيؤتى عندئذ بالقيان والمغنين والجواري يرقصن بين يديه ويقضي هكذا ليلته بفرح وحبور وفي الصباح ينهض من نومه ليغتسل ويصلي وقد سأل أحد معاصريه فيما إذا كان صحيحاً أن احمد شاه قد حكم ثلاث وخمسون عاماً فرد الرجل وقال بل حكم مئة وست سنوات لأن لياليه كانت كأيامه يمضيها بالفرح والمسرة ويقال بأن فلكياً هندياً زاره في أحد الأيام وقال له هناك شخص تحبه كثيراً سيؤل إليه يوماً ما حكم هذه العائلة والدولة وسنتزع الملك من آل مروان عندئذ التفت أحمد شاه الى ابن جهير وقال غذا كان ذلك الشخص موجوداً فلن يكون غير هذا وأشار الى وزيره ولكن طأطأ الوزير المحنك رأسه بخشوع وقال لا لا يمكن أن تسيء بي الظنون يامولاي فمن أنا حتى أقوم بهذا العمل الجبان أو أستطيع حتى القيام به ويقول ابن الأزرق بهذا الصدد أن أبي حدثني عن هذا الوزير فقال: قال لي ابن الجهير والله لقد دغدغ مشاعري منذ ذلك اليوم حب السيطرة على أملاك ودولة آل مروان وفي سنة 449هجري تمكن ابن جهير من عزل حاكم فارقين محمد بن شازان وعين مكانه علي بن الآمدي لأن والد هذا الأخير كان سبباً في استوزار ابن جهير الذي نصح الملك قائلاً إذا كنت لاتريد أن تخرج مدينة آمد مرة أخرى من يدك فيجب أن تجعل ابن الآمدي حاكماً على فارقين لأننا نكسب مرتين مرة نفرح والده به وأخرى نجعله رهينة لدينا لأنه عندما جاء علي الى فارقين كان والده وأخوه أبو الحسن وابن أيوب وابن بكرون وخطيب بن العقيل كلهم كانوا من زعماء مدينة آمد ووجهاءها وفي سنة 451هجري أودع أحمد شاه الحاكم ابن البغل الآمدي السجن ونهب أمواله وتوفي في سجنه وحل ولديه فيما بعد محل أباهما أحدهما وهو علي أصبح حاكماً على فارقين واستقر أبو الحسن في آمد ودفنا والدهما في مقبرة باب الروم.وتوفي الملك الكردي أحمد شاه في عام 453هجري فترك وراءه الدولة والمال والجاه ودفن في مقبرة السيتلي (الأعمدة الثلاث) ولكن يذهب البعض الى أنه دفن في مسجد المحدثة وقد ورد في الهامش المجلد الأول ان (السيد لي ) ليست كلمة عربية بل يقصد بها (السيتلي) ومعناها بالكردية الأعمدة الثلاث ولذلك أقول أن كلمة السيتلي كردية ويحتمل أن كلمة الصيدلي قد اشتقت منها أيضاً وفي سنة 456هجري أنشأت ابنته ست الملك مقبرة باسم المروانيين في فارقين ونقلت رفاة والدها الى هناك وبنت عليه قبة وكانت القبة تقع بجوار المسجد في ميدان فارقين.
 
رد: تأسيس الدولة المروانية

نظام الدين نصر بن أحمد شاه بن مروان بن كسرى:
توفي الأخ الأكبر المدعو سعد الدولة(محمد) في آمد دون أن يحلف أولاداً فخلف أحمد شاه ابنه نظام الدين نصر وأصبح ملكاً حيث جاء الوزير القدير فخرالدولة. كافي الدولة ابن الدولة ابن الجهير الموصلي جاء بنظام الدين من البيت وأجلسه مكان أبيه وبايعه معلناً الولاء له ونودي به ملكاً وجمع الناس والمغنين وقواد الجيش والحكام وكبار رجالات الدولة وحلفوا له ثم نزل من عرشه وجلس على الأرض فأنشده المنشدون الأغاني الجميلة وألقى الشعراء قصائد في مدح الملك الكبير أحمد شاه وقدموا التهاني الىالملك الجديد وباركوا له الولاية والمنصب. وهذا وقد خلف أحمد شاه أربعين ولداً وأكثر أكبرهم سعد الدولة(حسن) الذي كان حاكماً على آمد من قبل أبيه وتوفي دون أن يخلف أولاداً ويليه أخوه سعيد الذي تزوج من ابنة حاكم حران ثم توفي بعد ماخلف من ابنة الزنك ولداً يدعى اسكو وأخته ست الناس ويليه أخوه نظام الدين نصر كما كان لأحمد شاه ثلاث بنات وهن ست الملك وزبيدة وزبنب فتزوجت ست الملك ثم بنت قبة على قبر أبيها وتزوجت زبيدة من أحمد بن شبل بن ابراهيم حاكم أرزن زتزوجت زينب من موسك بن محمد بن كك كسرى ورزقت بأولاد كثيرين كما كان لأحمد شاه أولاد عمومة كثيرون منهم الأمير موسك بن محمد بن كسرى والأمير أفشين بن منكلان بن كك كسرى والأمير علي بن منصور بن كك كسرى والأمير مرزبان بن بلاشو بن كك كسرى والأمير محمد بن داوود بن كك كسرى وتزوج من هؤلاء مرزبان بن بلاشو من ابنة علي بن منصور وتدعى هند وكان هذا رجلاً قديراً ومهاباً يتطلع نحو الملكية والحكم وبعدما أصبح نظام الدين ملكاً تمرد عليه أخوه سعيد حاكم آمد لأنه أكبر منه سناً ويرى نفسه أحق بالملكية فذهب الى السلطان في بغداد وشكا إليه أمر أخيه وقال إني كبير اخوتي وقد انتزعوا الحكم مني غصباً فارتاح له السلطان وأرسل معه خمسة آلاف من الفرسان وساربهم لمحاربة نظام الدين نصر ولكن استطاع وزيره المحنك الوصول الى مرزبان وقال له يجب ألا يكون ضياع هذه العائلة والدولة على يديك وبسببك ويجب أن تحافظوا جميعاً على هذه الدولة وألا تتركوها تخرج من أيديكم واستطاع بذلك إقناعه فتصالح الأخوان وتعانقا فمنحه أخوه الكثير من الأموال والضياع والمدن ولكن يجب أن نعتبر هذه الحادثة بمثابة الاسفين الأول في نعش الدولة المروانية لأن الصراعات بدأت واعتباراً من الآن تتفاقم بين أفراد هذه العائلة وفي سنة 455هجري أرسل الخليفة العباسي القائم بأمر الله الى نظام الدين يطلب منه أن يرسل له وزيره ابن الجهير الى بغداد فاستجاب نظام الدبن لطلبه وأرسل إليه وزيره القدير محملاً بالهدايا والتمنيات وبذلك استغنى عن أكبر معين لهذه الدولة وهنا يتبادر الى أذهاننا قصة أفضل علي بن صلاح الدين عندما استغنى عن ابن شداد وأرسله الى أخيه في بغداد وهذه واحدة من نقائص وعيوب الكبار وضحالة الفهم السياسي لديهم أو لدى بعضهم عندما يستغنون عن أناس لاتستقيم أمور الملك إلا بهم.هذا ولدى وصول ابن جهبر الى بغداد عينه الخليفة وزيراً لديه ولقبه (فخرالدولة)أما نظام الدين فقد عين وزيراً جديداً لكردستان هو(ابراهبم بن عبدالكريم ابن الأنباري) وكان هذا وزيراً للأوقاف في الموصل ورئيساً لديوان ملكها شرف الدولة وفي عام 455هجري عزل حاكم فارقين أبو حسن علي بن الآمدي وحل محله ابن الجري فذهب الآمدي الى مصر ولم يعد إلا بعد وفاة ابن الجري وفي عام 458هجري أرسل السلطان خمسة آلاف من الفرسان الى فارقين بقيادة (سالار غران) وهاجموا أنحاء المدينة ونهبوا بلاد آمد (دياربكر) ثم نصبوا خيامهم في مكان يشرف على مدينة فارقين وهنا ذهب الوزير ابراهيم الى القائد سالار ودفع له ثلاثمئة ألف دينار ليعود بجيشه من حيث أتى ويجنب بلاد الكرد الأذى والدمار وأخيراً استدرجوه الى المدينة بألف حيلة وحيلة بعد أن تركوا ثلاثة من اخوة نظام الدين كرهائن لدى الترك وهم الحسن وفضلون ومامك وبعد دخوله الى الملك قتل سالار ومعه بعض قواد الجيش ووقعت غنائم من الجيش التركي في أيديهم عندئذ بادر الجنود الأتراك الى قتل اثنين من اخوة الملك وربطوا الثالث بالخيول ومروا به في قرية(ترمين) ولكنه لم يمت وخلف الأمير حسن ولدين هما أبو سعيد ومنكلان وقد بقي أبو سعيد حياً حتى القرن السادس للهجرة ولكنه عمي أخيراً وأدخل في مشفى المجانين ويقول ابن الأزرق لقد رأيته بأم عيني في المستشفى وأخيراً أخذوه الى تاج الدولة محمد بن منصور بن نظام الدين.توفي وزير نظام الدين عام 458هجري ودفن في المشهد فخلفه في الوزارة ابنه سلامة بن ابراهيم بن الأنباري وفي عام 455هجري توفي (طغرل شاه) في أصفهان وأصبح لبن أخيه (ألب أرسلان محمد بن داوود) سلطاناً وفي سنة 460هجري استفحلت العداوة بين نظام الدين نصر وأخيه سعيد حاكم الروم من القسطنطينية (استانيول) وسار بجيشه الى (ملاذكرد) مستغلاً بذلك ضعف الدولة الكردية التي لم تتمكن من حماية أكراد تلك المناطق حيث بدأ الأخوان يعاديان بعضهما البعض وقد مد ألب أرسلان يده أيضاً الى كردستان يريد أن يخضعها لحكمه وسار عساكره باندفاع كبير نحوها وكان معه سعيد خان بن أحمد شاه بن مروان الكردي بحجة محاربة ملك الروم فأرسل ألب أرسلان وزيره نظام الملك الى فارقين ليأتي إليه بنظام الدين ويتمثل بين يديه فذهب نظام الملك الى فارقين وقال للملك الكردي أريدك أن تحضر معي الى السلطان وتحافظ على بلادك من الضياع أو سينتزعها السلطان منك بالقوة ويمنحها لأخوك كإمارة عندئذ تعلق اخوة ونساء الملك نظام الدين بثياب الوزير وترجينه وأظهرت خوفهن على حياة الملك من بطش السلطان فخلف لهن الوزير وقال سآخذه الى السلطان أميراً وسأعود به إليكن سلطاناً وبهذا الشكل تحول نظام الدين من ملك الى حاكم من حكام الدولة السلجوقية تحت حكم ألب أرسلان فذهب به الوزير الى السلطان ثم أعاده محملاً بالهدايا الى بلاده وقال له لقد حلفت أن آخذك أميراً وأعود بك سلطاناً ولكن بما أنه لايجوز أن يكون هناك سلطان غير ألب أرسلان في هذه البلاد فقد لقبك ب سلطان الأمراء ثم دفعوا بسعيد الى يد أخيه سلطان الأمراء فأودعه السجن في قلعة هتاخ(1) وعاد سلطان الأمراء مكرماً معززاً الى بيته وأولاده وكان ألب أرسلان قد أخضع مدينة اخلاط لحكمه وقبلها كان قد استولى على أرزن وبدليس وأبقى فيها حاميات عسكرية كما أرسل ابن المهلبان من قبله الى ملك الروم للتصالح وعندما قال ملك الروم لابن المهلبان بتعجرف أيتهما أفضل أصفهان أم همدان لأستقر فيها فرد عليه الأخير قائلاً:إن أموالك وغنائمك ستذهب الى همدان ولكن ذهابك الى اين فلا أعلم ثم عاد فاشتعلت الحرب أوارها وبعد معارك حامية انهزم جيش الروم وغنم السلطان أرطالاً من الذهب والفضة كما وقعت غنائم كثيرة في أيدي المسلمين حول ملاذكرد واغتنوا من وراء ذلك وعاد السلطان الى أذربيجان وأبقى عساكره في اخلاط وملاذكرد ومدن المنطقة الأخرى هذه المنطقة الواسعة انتزعت من أيدي المروانيين وبقيت تحت حكم سلطان الأمراء مدن فارقين وآمد والجزيرة .وهذا وقد أطلق سلطان الأمراء سراح أخيه سعيد فيما بعد وأدخله الى آمد(دياربكر) ثم تصالحا وتعانقا مع البكاء الحار ولكنه ندم بعد ذلك على اطلاق سراحه وصمم على قتله من جديد فاشترى جارية حسناء ووعدها بالزواج منها إذا تمكنت من قتل أخيه بالسم وأرسل الجارية الى أخيه سعيد في آمد فاستطاعت أن تسممه ومات فتزوجها سلطان الأمراء وأخضع مدينة آمد لحكمه وفي السنوات من 461-477هجري بعث أرسلان شاه جيشاً الى الموصل بقيادة (كير أرتوق) التركماني فهرب شريف الدولة (مسلم بن قريش) الى آمد ولكن تغلب عليه أرتوق قرب المدينة وعاد الى الموصل وتوفي ألب أرسلان شاه في سنة 468هجري في أصفهان
فخلفه ابنه ملك شاه ويدعي البعض أن أرسلان شاه توفي في سنة 465هجري أو في 466هجري وفي سنة 461هجري بنى الملك نظام الدين نصر بن أحمد شاه الكردي في فارقين الطابق الأعلى من برج الملك على يد حاكم المدينة ابن جرجور الذي توفي عام 468هجري وتتابع على حكم المدينة أشخاص عديدون أمثال ابن الأمير وابن زيدان وابن البغل وتولى وزارة الأوقاف أبو حسن بن البغل وكان الوزير أبو طاهر سلمة بن عبدالكريم الأنباري يقرب إليه ابن صدقة الذي جعله حاكماً وكان محمد أبو بكر بن صدقةهذا شخصاً ذكياً عالماً وشاعراً وقد تلاسن مع حاكم أصفهان(الموشتب) ثم ذهب الى ديوان خلفية بغداد. هذا وقد سار نظام الدين بن سلطان الأمراء بمدينة فارقين أشواطاً بعيدة في ميادين العمران والبناء وفي عهده ازداد الناس غنى وأعلوا سور مدينة فارقين وآمد في كثير من المواضيع وكتبوا اسمه(1) عليها كما بنى جسراً كبيراً على نهر دجلة على يد وزيره سلامة بن الأنباري وفي سنة 472هجري توفي سلطان الأمراء نظام الدين في مدينة فارقين وقد ترك العرش والتاج لأولاده من بعده.
5- أبو مظفر منصور بن نظام الدين نصر بن نصر الدولة أحمد بن مروان بن كسرى كك:
اجتمع في قصره الحكام وقادة الجيش والمغنين والعلماء والشعراء والقراء لمبايعته فألبسوه التاج ثم جلس على العرش وألقيت قصائد في مدحه وصدح المغنون بأحلى الأنغام وأعذبها ثم أخذه الوزير الى غرفة أخرى ونزع عنه لباس الملكية وأعاده الى المجتمعين ثم جلس المنصور على الأرض فبادره الناس بالتهاني والتمنيات ثم مزق الوزير ثيابه ومزد عمامته وبدأ الصراخ والعويل والنحيب حزناً على نظام الدين بعد ذلك بدء بقراءة القرآن وألقيت من جديد قصائد المدح والرثاء وفي نفس اليوم توفي الشيخ(خلف) الفقيه التقي الورع صاحب الجامع المجاور للقصر.خلف نظام الدين ثلاثة أولاد وهم المنصور وبهرام وأحمد ووبنتاً تدعى (فاطمة) تزوجها مجاهد الدين هيبةالله بن موسك ولكنه توفي قبل أن يدخل عليها فتزوجها أخوه الأمير محمد بن موسك ولكنها لم تعمر طويلاً فتوفيت أما مجاهدالدين موسك فكان من البيت المرواني وكان حاكماً على بدليس من قبل أحمد شاه. أصبح منصور ملكاً في عام 472هجري وأنعم على وزيره بلقب (زعيم الدولة) ولم يمض زمن طويل حتى عزله المنصور وأودعه السجن وعين طبيباً باسم أبو سالم وزيراً جديداً له وكان للوزير الجديد زوجة تدعى (فريحة) وقد وضعت فريحة وزوجها الجيش والدولة والشعب في أيديهما وفريحة بنت فلسطين هذه تمكنت من التأثير على المنصور وزوجته وضمها تحت جناحيها وأصبحت مع زوجها الوزير راسيوتينين لكردستان .
ذهب فخرالدولة بن الجهير الى بغداد وأصبح وزيراً لدى الخليفة ولكنه ذهب بعد فترة الى السلطان ملك شاه واستقر في أصفهان وزوج ابنه زعيم الرؤساء. عميد الدولة من ابنة الوزير نظام الملك وجعله هو الآخر وزيراً في بغداد وقد طلب ابن الجهير عدة مرات من الوزير نظام الملك أن يعطيه السلطان جيشاً كبيراً ليسير به الى فارقين وآمد ليخضعها لحكمه تحت سيادة السلطان وأكد أنه سيستولي عليهما بسهولة وأنه يراهن على دخول المدينتين دون قتال وكان هذا مايريده ملك شاه ويتمناه منذ زمن طويل وقد واتته الفرصة الآن فأمد ابن الجهير الموصلي بجيش كبير وأرسله الى ابن نظام الدين وبلاد كردستان وكان يرافق ابن الجهير الموصلي ابنه وعندما سمع أبو المظفر منصور بذلك سلم البلاد الى وزيره أبا سالم وزوجته وسار هو الى جزيرة بوتان ومعه بعض كبار رجالات الدولة مثل الأمير أبو الهيجاء الروادي والأمير داوود بن اشكري والرئيس أبو عبدالله بن موسك المرواني والزعيم علي بن حسن الأزرق وبنو غالب وبنو عيسى ثم أمن وضع عمه الأمير حسين بن نصر الدولة أحمد شاه وذهب الى أصفهان عندالملك الأكبر. توجه فخرالدولة ابن الجهير بدوره الى فارقين في سنة 478هجري وسار ابنه بجيشه الى آمد وحاصر المدينتين حتى تشرين الثاني ثم تخلى فخرالدولة عن حصار فارقين وتوجه نحو مدينة سيرت حيث قضى شتاءه هناك وعندما حل الربيع عاد مرة أخرى الى فارقين وحاصرها من جديد وهنا أرسل ملك شاه جيشاً آخر بقيادة أرتوق التركماني لنجدة فخرالدولة الذي تمكن من قطع الطرق وسد المنافذ على المدن الكردية وحتى هذه اللحظة كان منصورخان قابعاً في أصفهان فقال له السلطان إن بيتك الآن في فارقين فخذ المرتبة وخذ آمد أيضاً وسأخذ أنا الجزيرة والمدن الأخرى سنتقاسمها سوية تأخذ واحدة وآخذ أخرى فرد عليه المنصور قائلاً يجب ألا يشغل لك بال فكل شيء سيكون كما تبغي ويجب أن تعلم إذا بقي الجنود الأتراك عشر سنوات في بلادنا فإنهم لن يستطيعوا التغلب علينا لأن المدن والقلاع حصينة جداً وليس بمقدورهم أن يمسونا بسوء وقد سمعت أنهم يطلبون منك قلعة(بارين) ولكن حذاري أن تستجيب لطلبهم لأن ملك الموصل طلب بارين من نصر الدولة فرفض ولم يعطيها إياه ولهذا السبب توترت العلاقات بينهما لأن بارين تشكل الحدود بين آمد ودياربني ربيعة وإذا لم يكن بد من ذلك فاعطيهم قلعة (بالوسا) التي تقع على نهر الهرماس (الجغجغ) وتسمى اليوم قلعة(بونصرة) في شمال نصيبين وفي الصباح ذهب المنصور الى ملك شاه وقال له أنا لا أسلم بلادي على طبق من ذهب لأحد وبلادي الآن تغرق في بحار من الدماء والسلب والنهب قائمين فيها على قدم وساق ولكن السلطان ملك شاه أرسل جيشاً آخر بقيادة (كوهباري) الى كردستان آمد وفارقين ومافتيء هذا يبعث جيشاً وراء آخر وقد أغره الطمع وأعماه الحسد فذاق الناس منه الأمرين فكانوا يقضون أياماً وليالي بدون طعام وماء ونوم حتى سقطت آمد قبل فارقين في يد العدو وفي أواخر سنة 478هجري سقطت فارقين أيضاً ودخل فخرالدولة المدينة ظافراً وقبض على وزير المنصور واستولى على أموال ومواشي وأسلحة ومجوهرات آل مروان ثم عادت جيوش السلطان الى أصفهان وأصبح فخرالدولة حاكماً على البلاد واستقر في فارقين وأعطيت قلعة عزت برت (حسين زياد)الى(جبق) الذي كان ممثلاً للسلطان في هذه الحروب وكان مع جبق ثلاثمائة من فرسان وبعدما خرجت البلاد من يد ابن مروان قال له السلطان وبتوسط من أشخاص خيرين الآن بلادك كلها تحت يدي ولكن أخيرك أن تختار أي مكان من بلادي فسأعطيك إياه عوضاً عن بلادك المسلوبة فرد عليه المنصور قائلاً :لا أريدك سوى أن تغمد خنجرك في صدري لتخرجه من ظهري ولكن لم يقتله ملك شاه وأعطاه قربة(حربة) من بلاد العراق وكانت مواردها ثلاثة آلاف دينار في السنة وأخذ المنصور بيته الى الحربة مرغماً حتى توفي ملك شاه وسيأتي ذكر ذلك لاحقاً.
 
رد: تأسيس الدولة المروانية

حكم فخرالدولة :
الآن حل ابن الجهير محل الملك الكردي وأصبح حاكماً للسلاجقة في فارقين وأصبح ابنه زعيم الدولة حاكماً على آمد ووقعت كردستان في أيدي الغرباء الذين نهبوا وسلبوا أموال وأملاك آل مروان وأخرج فخرالدولة ابن الأنباري من السجن وأطلق سراحه واعتقل وزير المنصور أبو سالم وأحسن الى سكان فارقين وخفف عنهم الضرائب والمصائب ولكنه ندم على إطلاق سراح ابن الأنباري وخاف أن يذهب الى ملك شاه ويخبره باستلاب أموال آل مروان من قبله فيطالبه بها السلطان فإعاده الى حصن كيف سجيناً ووكل به أبي حسن علي بن حسن الأزرق .
ناظر القلعة ثم أصدر فرماناً يعلن موته وأرسل الفرمان الى بغداد لينشر فيها واستطاع علي بن حسن الأزرق وياقوت قائد جيش فخرالدولة أن يحتفظا بإبن الأنباري في هذا الحصن الى حين رحيل فخرالدولة من البلاد وكان فخرالدولة أثناء ولايته على كردستان قد جمع أموال ومقنينات آا مروان وأرسلها الى قلعة حصن كيف عند علي بن حسن الأزرق ناظر القلعة ويقول علي بن الأزرق.زرت يوماً فخرالدولة فقال لي يا علي سيكون حملك هذه المرة خفيفاً فأعطاني طاولة من البلور لها أرجل من نفس مادتها وعرضها خمسة أشبار ثم خمس قطع من زبادي البلور وزوج من الصيني المزجج وثلاثة صحون وخمسة أقداح وقربة واحدة وعقدة من البلور محفورة ومزينة بنقوش جميلة ثم أخرج علبة ذهبية ورفع غطاءها فأضاءت المكان وأخرج منها مسبحة ذات مئة وأربعة حبة من الياقوت نظمت مع بعضها بخيط من الياقوت أيضاً وزنة كل حبة تساوي مثقالاً وفي العلبة أيضاً شريط من الياقوت كان عزيز الدولة بن جلال الدولة البويهي قد أهداها الى أحمد شاه ويضم عشر قطع من الياقوت الملون وعشر قطع من جواهر قيمة لم ير أو يسمع بها أحد وعشر قطع من الزمرد كل قطعة بطول اصبع مدها إلي وقال هذه الأشياء والمقتنيات الثمينة سببت في انهيار دولة آل مروان لأنه عندما توفي احمد شاه أخبر السلطان بوجود هذا الشريط والمسبحة لدى آل مروان كما كان عند أحمد شاه سيف موسك المشهور وكان يمكن قطع أعناق الجمال به بضربة واحدة وعندما طلب السلطان ألب أرسلان من نظام الدين أن يرسل له هذه المقتنيات لم يرسل له نظام الدين الشريط والمسبحة وأنكر وجودهما بل أرسل له مسبحة أخرى غير تلك التي طلبها الملك كما أرسل له مجوهرات وأشياء أخرى قيمة وحلف له أنه لا علم له بهذه الأشياء التي ذكرها وعمدما حل منصور محل أبيه في الحكم أرسل إليه ملك شاه يطلب منه المسبحة مرة أخرى ولكنه لم يرسل له المنصور مثقال ذرة واحدة وفي ذلك اليوم كنت جالساً عند وزير ملك شاه وقلت له أنا وحدي أعرف أين تخبيء كنوز آل مروان عندئذ أمدوني بالجنود ثم ذهبت الى هناك واصبحت حاكماً وضاع حكم بني مروان وكانت قيمة هذه الكنوز تبلغ مئتان وخمس عشرة ألف دينار وقد أرسلتها كلها الى حصن كيف ثم الى بغداد عند عميد الدولة بن فخرالدولة ابن الجهير الموصلي وتم الحصول على مليارين من الدنانير من يد وزير المنصور أبي سالم ماعدا الأواني الخزفية والفناجين والصحون والأنتيكات وأشياء عديدة غالية الثمن وكذلك الجواري والخدم والقصور والدولة والأموال التي تركها آل مروان لقمة سائغة لأعدائهم وبعد سنتين تم عزل فخرالدولة وحل محله عميد الملك قوام الدين البلخي الذي أصبح حاكماً على كردستان لقد ذهب فخرالدولة بعدما ملأ جيوبه وصناديقه من أموال آل مروان ماعدا ثلاثمائة الف دينار أرمانوسي كانوا قد أخذوها من المسيحيين مقابل إعادة ديرهم الذي حولوه الى مسجد.دخل عميد الملك قوام الدين البلخي فارقين سنة 482هجري وفي سنة 479 هجري انتزعت الموصل من ابراهيم بن قريش وأصبح فخرالدولة حاكماً عليها وعندما جاء قوام الدين الى فارقين انتزع الدير مرة أخرى من المسيحيين وحوله الى مسجد وأوقف عليه الأوقاف وكان هذا يحب أكراد فارقين كثيراً ويحسن الى الناس ولكن مع ذلك كان الناس يميلون الى فخرالدولة ويحبوه فذهب رهط من وجهاء المدينة الى بغداد ليطالبوا بعزل عميد الملك قوام الدين البلخي وهم الأمير أبو الهيجاء الروادي والزعيم أبو عبدالله موسك المرواني والحاكم أبو بكر صدقة والحاكم أبو قاسم بن بناته والزعيم علي بن الأزرق وبنو غالب وقد تم عزله فعلاً على يد الوزير نظام الملك وجعلوا عميد الدولة بن فخرالدولة حاكماً وقيل وصول عميد الدولة تم خلع أبو طاهر بن سلامة الأنباري الذي أشاعوا موته وكان قد عين حاكماً من قبل السلطان فعزله أهل فارقين بعد تسعة أيام من حكمه وكان لايزال في بغداد وبذلك حل محله عميد الدولة بن فخرالدولة حاكماً على فارقين وقد أعطي لهؤلاء الوجهاء عشرة آلاف دينار ولكنهم لم يأخذوها وقالوا نرجوا أن ترفقوا الضرائب عن كرومنا وزروعنا فرفعوها عنهم ولكنهم لم يرفعوها عن كل البلاد.
 
رد: تأسيس الدولة المروانية

اطلاق سراح أبي طاهر الأنباري :
عندما طرد فخرالدولة من فارقين ذهب صديد الدولة بن الأنباري الى السلطان وطلب منه إطلاق سراح أخيه وقال له :إن أخي حي يرزق وقد أشاعوا موته كذباً وأرجو أن تصدر فرماناً بإطلاق سراحه فرد عليه وزير السلطان المدعو نظام الملك وقال كيف تدعي إنه حي واسمه مسجل في سجلات الدولة في لوائح الأموات فروى له صديد الدولة القصة وقال إنه معتقل في سجن حصن كيف ويمنعون عنه الزيارات عندئذ أرسلوا الى حصن كيف وجاؤا به الى بغداد حيث استقر فيها وفي سنة 482هجري ذهب عميد الدولة بن الجهير الموصلي الى فارقين وأعاد أموال وذهب آل مروان ومجوهراتهم التي سلبها منهم الى قصرهم السابق واستقر هو في القصر وكان متزوجاً من زبيدة بنت نظام الدين بن أحمد شاه بن مروان التي عادت مرة أخرى الى قصر أهلها خاتوناً وتوفيت زبيدة عام 483 هجري وبقي عميد الدولة في فارقين حتى عام 494 هجري ثم عاد الى أصفهان ومعه الكثير من وجهاء فارقين مثل الحاكم أبو بكر بن صدقة والحاكم أبي القاسم بن نباته وابنه علم الدين وعلي بن الأزرق وابن الموسك وكثير من سكان فارقين وهناك دخل ابن صدقة في نقاش مع شيخ أصفهان ثم خرجوا جميعاً مع عميد الدولة الى بغداد وفي عاصمة الخلافة أصبح هذا الأخير وزيراً لدى خليفة بغداد وعين أخوه كافي والياً على فارقين فبقي فيها حتى سنة 485هجري حيث ذهب بعدها الى ملك شاه في بغداد وترك فارقين لإبنه أبو الحسن وفي الموصل سمع بوفاة ملك شاه وبعده بقليل قتل الوزير نظام الملك فخلف ملك شاه ابنه بركياروق وأصبح سلطاناً وقد عمد الى فقأ عيني أخيه ابن تركان خاتون واستفرد بالحكم وفي فارقين حدث الكثير من الفوضى والإضطراب بعد موت ملك شاه فقد انسحب أبو الحسن بن كافي بن فخرالدولة بن الجهير الموصلي من حكم فارقين وجلس في بيته وهنا اختلف القوم فقال البعض منهم يجب أن نأتي بمنصور شاه من العراق ونجعله حاكماً وآخرون قالوا سنحافظ على المدينة للسلطان ثم اختاروا يحيى بن المهور حاكماً على المدينة واسكنوه في برج الملك وأعطوه مفاتيح المدينة وأرسلوا الى السلطان قائلين نحن حمينا لك المدينة ونرجو أن تبعث من قبلك من يحكم المدينة ولكن لم يأت أحد الى فارقين وطالت القصة وبقي الناس في حالة من عدم الإطمئنان ولا يعرفون كاذا يفعلون وفي هذه الأثناء ذهب منصور من العراق الى جزيرة بوتان وسيطر عليها ثم استقر فيها ولكن لم يحبذه الناس وكراهوا عودة آل مروان الى سدة الحكم مرة أخرى عندئذ بادر البطل والشاعر المشهور(ابن الأسد) الى جمع شباب المدينة وأبطالها الصناديد حوله الذين استصرخوا بالناس وقاموا بتسليم المدينة الى منصور شاه بعدما كتبوا إليه يستعجلونه بالقدوم الى فارقين بعد ذلك جعل منصور شاه المدعو ابن الأسد وزيراً لدولته الجديدة ومنحه لقب محي الدولة وبذلك عادت فارقين مرة أخرى مع آمد الى حكم المروانيين الأكراد وقبل دخول منصور شاه المدينة كان وجهاءها مثل أبو بكر محمد بن صدقة وأبو سالم بن مهور وابن زيدان وابن مساعد وابن بلك قد ذهبوا الى مدينة نصيبين عند تاج الدولة (تتش بن ألب أرسلان) ملك الشام وحلب وقالوا نحن حمينا المدينة لكم فابعثوا إلينا شخصاً يحكم مدينتنا ولانرضى عنكم بديلاً وبذلك دخلت المدينة تحت سيطرة تاج الدولة بن ألب أرسلان وذلك في عام 486 هجري فالتجأ منصور شاه الى خيمة وزير هذا الملك المدعو(ابو نجم) ونجا من الموت وكان حكم منصور شاه بن نظام الدين بن أحمد شاه بن مروان الكردي في هذه المرة خمسة اشهر فقط وقد أحسن تاج الدولة الى سكان فارقين ورفع عنهم الضرائب والمصائب وأعطى لإبن صدقة جبة وأطلس وعمامة وطيلساناً وبغلاً كما أحضر إليه المدعو(كافي بن فخرالدولة) وسلمه الوزارة كما سلم المدينة الى خادم له يدعى (طغ تكين) وذهب هو الى حران وهناك جاءه في عام 487وزير منصور شاه المدعو محي الدولة بن الأسد الذي قتله السلطان فيما بعد وبتحريض من أعدائه ولم يمض بعد ذلك وقت طويل حتى ثار سكان آمد ضد مملوك تاج الدولة المدعو (طغ تكين) ولكن أبيد الكثيرون منهم ونهبت المدينة وفي عام 489هجري قتل تاج الدولة ودخلت بلاد الكرد تحت سيطرة ابنه (دقاق) أما طغ تكين فقد ذهب الى الشام وترك مكانه في فارقين لشمس الدولة أتاش وأصبح وصياً على دقاق وأعطيت حلب (رضوان بن تاج الدولة) واستوزر شمس الدولة أتاش شخص يدعى (ابو حسن علي بن محمد بن صافي) وكان هذا مملوكاً فظاً غلظ القلب سفاكاً ظالماً فهرب من ظلمه خلف كثيرون الى خارج المدينة.توفي ناصر الدولة أبو المظفر منصور شاه بن نظام الدين نصر بن ناصر الدولة أحمد شاه بن مروان بن كسرى في جزيرة بوتان في سجن (جكرمش) في بيت شخص يهودي سنة 486هجري فبنت عليه زوجته ست الناس بنت سعيد بن أحمد شاه قبة في آمد حيث دفن هناك وتقع هذه القبة شمالي القصر في موقع يشرف على نهر دجلة وعندما توفيت الست دفنوها قرب زوجها وكان منصور شاه آخر ملوك هذه العائلة التي حكمت آمد وفارقين وهتاخ مدة مئة وثلاثين عاماً. هذا وسنأتي على ذكر لاحقاً أما ملوك الدولة المروانية وأنسالهم فهم :
1- مروان بن كسرى: أو أخرها ربختي من قرية (كرماس)التي تقع بين سيرت ومعدن .
2- كان لمروان أربعة أولاد وهم أبو علي حسن.وسعيد.وأحمد .وكسرى كك.
3- أما أحمد بن مروان فقد خلف أكثر من أربعين ولداً والمشهور منهم :
1- نظام الدين نصر بن أحمد بن مروان :
خلف نظام الدين ثلاثة أولاد وبنتاً واحدة وهم ناصر الدولة أبو المظفر منصور بن نظام الدين.وبهرم بن نظام الدين.وأحمد بن نظام الدين.وفاطمة بنت نظام الدين.
أ- أبو المظفر ناصر الدولة منصور بن نظام الدين :
في سنة 502 ذهب تاج الدولة محمد بن ناصر الدولة برفقة سكمان القطبي الى فارقين وتزوج من خطافة ابنة عمه بهرام بن نظام الدين بعد أن طلقها الأمير محمد الدويني وبهذا الشكل استقر في فارقين برعاية سكمان ونجم الدين وحسام الدين وأخيراً ذهب الى مدينة (أرزن) عند ياقوت أرسلان بن شمس الدين طاغان أرسلان واستقر فيها وبعد وفاة ياقوت استقر عند أخيه فخرالدين دولت شاه وكان هذا الشخص يجعل تاج الدولة محمد بن ناصر الدولة منصور ويحترمه وأخيراً ذهب تاج الدولة الى السلطان مسعود في أصفهان واستقر لديه عزيزاً مكرماً بعد ذلك توقفت زوجته الخطافة في أرزن ودفنت في فارقين كما توفي تاج الدولة في سنة 554هجري ودفن بجوار زوجته وتقع مقبرتهما في أسفل الجبل تحت سقف مسجد حمزة وكانا قد حجا معاً وماتا دون خلفة.
ب- بهرام خان بن نظام الدين نصر :
توفي بهرام في جزيرة بوتان ودفن في مقبرة باب الجبل بعد أن خلف بنتين هما خطافة وسورة وقد مرت معنا قصة خطافة أما سورة فتزوجها الزعيم أبو عبدالله محمد بن موسك المرواني وتوفيت عندها عمتها فاطمة بنت نظام الدين. وأنجبت سورة ولدها موسك من زوجها أبو عبدالله محمد وتوفي موسك هذا في عهد ابن الأزرق بعد ماخلف بنتان وولداً واحداً يدعمه (مامك)أما البنتان فقد تزوجتا من ولدا علي بن أبي الفوارس بن ابراهيم بن نصرالدولة أحمد شاه وهما سليمان وداوود.
ح- أحمد بن نظام الدين :
ذهب الى السلطان محمد ودخل الموصل وكانت علاقته مع حاكم الموصل (كربوقا) جيدة كما كان بهلواناً وفارساً شجاعاً شديد اليأس أسر من قبل الروم وتزوج من امرأة رومية فولدت له ولداً سمي محمداً وأعطى لزوجته إشارة خاصة به وقال لها إذا شب محمد عن الطوق فليأت الى آمد-فارقين ويسأل عني فسيراني هناك لأني لست مغموراً في قومي ثم عاد الى بلاده بعد إطلاق سراحه وكان يطوف بالبلدان فيصبح حاكماً أحياناً ويجلس مع الحكام أحياناً أخرى حتى أصبح حاكماً على طنزه وأخيراً حاكماً على هناخ ودام حكمه لها فترة طويلة كما خلف أولاداً كثرين ومن بلاد الروم زاره ابنه محمد بعدما أرى الناس إشارته وعرفهم بنفسه بأنه المدعو محمد بن أحمد بن نظام الدين بن أحمد بن مروان الكردي ثم تزوج محمد هذا في هتاخ فخلفولدين هما ابراهيم وحسن اللذان استقرا عند نجم الدين حاكم فارقين وذلك في القرن السادس الهجري ولكن فترت علاقات والدهما بأبيه ولم يدر أحد أين ذهب وكما أسلفنا كان للأمير أحمد أولاداً آخرين مثل الأمير إبراهيم والأمير بهرام وأربعة أطفال صغار وبقي يحكم هتاخ حتى عام 528هجري وفي هذه السنة انتزع ابنه بهرام المدينة من يده فذهب الى حسام الدين سعيد ملك ماردين التركماني الأرتوقي ولكن تمكن أخره الأمير عيسى من انتزاع هتاخ من أخيه بهرام ولم يسلمها الى حسام الدين سعيد وتنازل له عن قلعة هتاخ التي انتزعها بالقوة من عيسى وأولاده الآخرين وقدمها لقمة سائغة الى الأعداء ومنذ ذلك اليوم خرجت بلاد آمد وفارقين من أيدي أولاد مروان.
ويقول شرف خان أن أحدهم ويدعى (قوباد) أصبح حاكماً في بلاد أردلان وشكل دولة هناك أما عيسى وأولاده فقد أقاموا في آمد لأن زوجته كانت ابنة حاكم (حينة) ويدعى (شاه روخ) وبعد مدة ذهبوا الى حصن كيف عند فخرالدين قره أرسلان بن داوود بن سكمان الأرتوقي ثم استقروا عند أولاد فخرالدين في القرن السادس الهجري بكثير من التكريم والإحترام وقد خلف الأمير بهرام بن الأمير أحمد بن نظام الدين ولدين هما أحمد وعلي واستقر الإثنان في فارقين عند ملكها نجم الدين وتوفي الأمير بهرام فيها عام 532هجري ودفن في المقبرة المروانية أمام بهرام بن عيسى بن أحمد بن نظام الدين فقد خلف أربعة أولاد هم عبدالله وسليمان وأبو القاسم ويحيى استقروا جميعاً في ماردين عند حسام الدين وبقوا فترة في فارقين أيضاً عند نجم الدين وقتل الأمير سليمان عند باب البارئية سنة 556هجري ودفن في مقبرة المروانية في فارقين وأقام أبو القاسم بن بهرام بن أحمد بن نظام الدين في أرزن عند ابن عمه تاج الدولة محمد وبعد وفاة تاج الدولة أخذ أمواله وذهب الى فارقين عند الملك نجم الدين وأقام الأمير عبدالله بن بهرام بن عيسى بن أحمد بن نظام الدين عند حسام الدين ملك ماردين ثم ذهب أخيراً الى فارقين عند الملك نجم الدين ثم الى حصن كيف واستقر عند ملكها فخرالدين قره أرسلان وبقي هناك عند أولادقره أرسلان الأرتوقي وكان يقيم أحياناً في قرية الشابانية مع أخيه يحيى .
 
عودة
أعلى