muhmmad alo
كاتب
المحتويات
المحتويات 1
الابتلاء طريق الأنبياء: 3
من ثمرات دراسة هذا الموضوع: 4
نماذج من سير الأنبياء: 4
موسى عليه السلام: 4
محمد صلى الله عليه وسلم: 5
مريم عليها السلام: 6
مع أصحاب النبي r 6
عائشة رضي الله عنها: 6
عثمان بن عفان رضي الله عنه: 6
سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: 7
مع سائر السلف: 8
الإمام البخاري: 8
الإمام الشافعي 9
الإمام أحمد بن حنبل: 10
ابن أبي عاصم 10
بقي بن مخلد 10
ابن قتيبه 11
محمد بن الفضل 11
الإمام البربهاري: 11
أبو عثمان المغربي 11
الخطيب البغدادي 12
الشاطبي 13
ابن الجوزي 13
شيخ الإسلام ابن تيمية: 13
محمد بن عبد الوهاب: 13
الخلاصة: 14
الابتلاء طريق الأنبياء:
هذه المحاضرة وقفات حول قول الله عز وجل ]كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون أتواصوا به بل هم قوم طاغون[.
ففي هذه الآية أخبر تعالى أن الأقوام الذين أرسل الله عز وجل إليهم الرسل قد اتفقوا كلهم جميعاً على اتهام المرسلين بالسحر، وأنى أن يكون ذلك وبينهم عصور وقرون متطاولة .
وهي أيضاً قضية نلحظها حينما نتعرض لقصص الأنبياء فنقرأ ما قال قوم نوح لنبيهم نوح، وما قال قوم عاد لهود، وما قالت ثمود لصالح، وما قاله سائر الأقوام المكذبين لأنبيائهم المصلحين، نجد أنها كلمة واحدة، حتى كأنهم قد تواصوا واتفقوا على هذا.
وسيكون حديثنا في ذكر بعض النماذج من اتهام المصلحين والطعن فيهم في أمر دينهم.
إن قضية الإصلاح تستوجب صراعاً مع أهل الباطل؛ ذلك أن المصلحين يرون واقعاً لا يرضي الله ورسوله فيسعون إلى تغيره، والمصلح لا يكون مصلحا ًإلا حين يرد إحقاق حق أو تغيير باطل، ولا شك أن مصالح أهل الباطل سوف تصطدم مع ما يدعو إليه هؤلاء المصلحون، فيسعى هؤلاء إلى تعويق إصلاحهم ودعوتهم من خلال تشويه سيرتهم، ويعلم هؤلاء أن الدين هو القضية التي يدعو إليها هؤلاء، ومن ثم فالطعن في معتقدهم وتشويهه خير وسيلة لتنفير الناس من دعوتهم.
إنها صورة واحدة من صور الابتلاء التي يتعرض لها المؤمنون، والابتلاء سنة ماضية سنة لمن آمن بالله عز وجل ] أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون. ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين [.
ولذا كان الابتلاء سنة في حق المؤمنين؛ فكل من يؤمن فلابد أن يبتلى فما بالك بالمصلحين الذين يسعون إلى تغيير الواقع الذي يخالف شرع الله عز وجل؟ لاشك أنهم أكثر عرضة للابتلاء والامتحان .
وهذا الأمر نقرأه في سير الأنبياء وفي سير المصلحين، فكم عانى الأنبياء من أعدائهم المكذبين وهي صور شتى من التكذيب والتعويق والابتلاء، يسعى إليه المفسدون من أقوامهم ويتواصون به جيلاً بعد جيل وقرناً بعد قرن.
ومن بعد الأنبياء كانت السنة كذلك نفسها للمصلحين، ويشعر المصلح الداعي إلى الله عز وجل أنه حين يختار لنفسه هذا الطريق فإنه يضع نفسه مع هذه القائمة ويسير مع هذا الركب، فلابد أن يصيبه ما أصابهم ويواجه بما ووجهوا به.
من ثمرات دراسة هذا الموضوع:
إن الحديث عن هذا الأمر له ثمرات عدة، منها:
أولاً: أن فيه تسلية لمن يتصدى للدعوة إلى الله عز وجل فيصيبه ما يصيبه من الفتنة والابتلاء، وربما تعرض إلى الطعن في شخصه ودينه، فقد كان أصدق الناس لهجة وأصفاهم سريره واتقاهم لله تعالى، وهم أنبياء الله يتهمون في دينهم وربما اتهموا في أعراضهم، فغيرهم من باب أولى.
ثانياً: حين يسمع الإنسان اتهاماً لأحد من المصلحين، سواء أكان ممن يعيش بين ظهرانيه، أو ممن مضى وسلف فلن يتسرع في تصديق ذلك وتلقيه.
ولنبدأ الحديث حول هذه النماذج من الابتلاء مقتصرين على اتهام المصلحين في دينهم، وحين نتحدث عن المصلحين فإن أول من يتصدر هذه القائمة هم رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم، وقد واجهوا ما واجهوا من الطعن في دينهم واعتقادهم غير ما واجهوه من الابتلاء في أمور أخرى.
نماذج من سير الأنبياء:
موسى عليه السلام:
لقد تعزى نبينا عليه الصلاة السلام بما أصابه فقال:"رحم الله أخي موسى فقد أوذي بأكثر مما أوذيت فصبر".
لقد جاء موسى عليه السلام والناس يؤلهون فرعون من دون الله، ويعتقدون أنه ربهم الأعلى فأرسله الله عز وجل ليخرج الناس من العبودية والذل لفرعون إلى العبودية والذل لله تبارك وتعالى . فشرق أولئك بهذه الدعوة، وشعر فرعون أن في هذا تحطيماً لألوهيته وجبروته وسلطانه على الناس، فلم يجد مبرراً أمام الناس إلا أن يتهم موسى في دينه، كما قال تعالى]وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد [ .
وحين صار ما صار من المناظرة بين موسى والسحرة فحشر فرعون سحرته وجمع جبروته وسلطانه، وكان موعدهم يوم الزينة فاجتمعوا في هذا اليوم فألقى موسى عصاه، فأدرك السحرة الحق فآمنوا بالله وخروا سجداً، حينها اتهمهم بعدم الصدق في إيمانهم، وأن هذا الإيمان جزء من مؤامرة يُستهدف فيها فرعون ومجده ]قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون[.
واتهم موسى بأنه ساحر، وأنه هو الذي علم السحرة السحر ]قال آمنتم له قبل أن آذن اكم إنه لكبيركم الذي علمك السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذاباً وأبقى[
ويحذر الله عباده المؤمنين مما فعله بنو اسرائيل مع موسى عليه السلام ]ياأيها الذين آمنوا لاتكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيهاً[ وقد بين النبي r[FONT=زخـرفـي1] [/FONT]ما اتهمه به بنو إسرائيل في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله r:"إن موسى كان رجلاً حيياً ستيراً لايرى من جلده شيء استحياء منه، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل، فقالوا: مايستتر هذا التستر إلا من عيب بجلده: إما برص وإما أدْرَة، وإما آفة. وإن الله أراد أن يبرأه مما قالوا لموسى، فخلا يوماً وحده فوضع ثيابه على الحجر ثم اغتسل، فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها وإن الحجر عدا بثوبه، فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر. فجعل يقول: ثوبي حجر، ثوبي حجر، حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل فرأوه عرياناً أحسن ما خلق الله وأبرأه مما يقولون، وقام الحجر فأخذ ثوبه فلبسه، وطفق بالحجر ضرباً بعصاه، فوالله إن بالحجر لندباً من أثر ضربه ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً، فذلك قوله ]ياأيها الذين آمنوا لاتكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها["
محمد صلى الله عليه وسلم:
وهاهو محمد صلى الله عليه وسلم صاحب الرسالة الخاتمة الذي اصطفاه تعالى على البشر، هاهو أيضاً يتهم في إخلاصه وفي دينه؛ فحين قسم صلى الله عليه وسلم قسمة لم ترق لبعض ضعاف الإيمان قال أحدهم:"إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله"- قال ابن مسعود - فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فغضب حتى رأيت الغضب في وجهه، ثم قال:"يرحم الله موسى، فقد أوذي بأكثر من هذا فصبر" .
مريم عليها السلام:
وهاهي مريم ابنة عمران تتهم في عرضها؛إذ قذفها اليهود عليهم لعنة الله بالزنا والبهتان، حين أكرمها الله ونفخ فيها من روحه ]فأتت به قومها تحمله قالوا يامريم لقد جئت شيئاً فرياً. ياأخت هارون ماكان أبوك امرء سوء وماكانت أمك بغيا[ فأنطقه الله ]إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً[ ومع هذه الآية الواضحة الخارقة حين نطق هذا الغلام وهو في المهد، مع ذلك كله لا يزال أولئك يصرون على هذه الجريمة البشعة؛ فيتهمون هذه المرأة الطاهرة التي يقول تبارك وتعالى عنها ]إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين[
مع أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم
عائشة رضي الله عنها:
وكأنما تواصى هؤلاء مع أوليائهم فتقذف عائشة رضي الله عنها بما قذفت به مريم، ويسير المنافقون وراء أولئك اليهود فيشيعون الفرية ضد عائشة، فتسمع عائشة ما يقال عنها وما تتهم به، ثم ترى من النبي r ما ترى فتبقى حبيسة الألم وحبيسة هذه الفرية شهراً، والاتهام لعائشة لم يكن اتهاماً لعائشة وحدها بل كان اتهاماً قبل ذلك كله للنبي r وطعناً في فراشه وفي أحب الناس إليه.
عثمان بن عفان رضي الله عنه:
عن عثمان بن عبدالله بن موهب رحمه الله قال: جاء رجل من أهل مصر يريد حج البيت، فرأى قوماً جلوساً، فقال من هؤلاء القوم؟ قالوا: هؤلاء قريش، قال: فمن الشيخ منهم؟ قالوا: عبدالله بن عمر، قال: يابن عمر، إني سائلك عن شيء فحدثني: هل تعلم أن عثمان فر يوم أحد؟ قال: نعم، قال: هل تعلم أنه تغيب عن بدر ولم يشهد؟ قال: نعم، قال: هل تعلم أنه تغيب عن بيعة الرضوان فلم يشهدها؟ قال: نعم، قال: الله أكبر، وكأنما فرح هذا الرجل لأن يجد هذه النقيصة وهذه التهمة في خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كانت تستحي منه الملائكة، فلما قال ذلك قال ابن عمر: تعال أبين لك، أما فراره يوم أحد، فأشهد أن الله عفا عنه وغفر له، وأما تغيبه عن بدر، فإنه كانت تحته بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت مريضة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لك أجر رجل ممن شهد بدراً وسهمه، وأما تغيبه عن بيعة الرضوان فلو كان أحد أعز ببطن مكة من عثمان لبعثه، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان، وكانت بيعة الرضوان بعدما ذهب عثمان إلى مكة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده اليمنى: هذه يد عثمان، فضربها على يده،كانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان خير من يد عثمان لعثمان وقال: هذه لعثمان، ولهذا قال بعضهم ثم قال ابن عمر: اذهب بها الآن معك" . والقصة في صحيح البخاري .
وعن سعد بن عبيدة قال: جاء رجل إلى ابن عمر فسأله عن عثمان، فذكر عن محاسن عمله، قال: فلعل ذلك يسوءك؟ قال: نعم، قال: فأرغم الله بأنفك. ثم سأله عن علي، فذكر محاسن عمله قال: هو ذاك، بيته أوسط بيوت النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: لعل ذلك يسوءك؟ قال: أجل، قال: فأرغم الله بأنفك، انطلق فاجهد علي جهدك" .
نعم إن هؤلاء يسوؤهم أن تذاع مناقب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا كبر هذا الرجل حين أقر له ابن عمر رضي الله عنه بتلك التهم التي اتهم بها عثمان في دينه، وساءه حين برأه منها وذكر محاسنه.
سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه:
وممن اتهم في دينه أحد السابقين إلى الإسلام، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال : شكا أهل الكوفة سعداً إلى عمر، فقالوا: إنه لايحسن أن يصلي، فقال سعد: أما أنا، فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاتي العشي لا أخرم منها، أركد في الأوليين، وأحذف في الأخريين، فقال عمر: ذاك الظن بك ياأبا إسحاق. أهل الكوفة يعلمون صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة؟ أهل الكوفة يتهمون صاحب رسول الله الذي فداه الرسول بأبيه وأمه، يتهمونه أنه لا يحسن أن يصلي؟ فبعث عمر رضي الله عنه رجالاً يسألون عنه بالكوفة، فكانوا لايأتون مسجداً من مساجد الكوفة إلا قالوا خيراً، حتى أتوا مسجداً لبني عبس، فقال رجل يقال له أبو سعده: أما إذ نشدتمونا بالله (انظر إلى منطق هؤلاء حين نُشِد بالله فقد تعينت عليه كلمة حق يجب أن يقولها، وهؤلاء كما أخبر تعالى ]ويشهد الله على ما قلبه وهو ألد الخصام[ ) فإنه كان لا يعدل في القضية، ولا يقسم بالسوية، ولا يسير بالسرية، فقال سعد: اللهم إن كان كاذباً، فأعم بصره، وأطل عمره، وعرضه للفتن، قال عبدالملك فأنا رأيته بعد يتعرض للإماء في السكك، فإذا سئل كيف أنت؟ يقول: كبير مفتون أصابتني دعوة سعد .والقصة في البخاري.
وعن قبيصة بن جابر قال: قال ابن عم لنا يوم القادسية:
ألم تر أن الله أنزل نصره *وسعد بباب القادسية معصم
فأبنا وقد أمت نساء كثيرة *ونسوة سعد ليس فيهن أيم
فبلغ سعداً قوله، فقال: عيى لسانه ويده، فجاءت نشابة فأصابت فاه فخرس، ثم قطعت يده في القتال، فقال -أي سعد-: احملوني على باب، فخرج به محمولاً، ثم كشف عن ظهره وفيه قروح فأخبر الناس بعذره فعذروه، وكان سعد لا يجبن، وفي رواية يقاتل حتى ينزل الله نصره، وقال: وقطعت يده وقتل وهذا الخبر رواه الطبراني كما في المجمع وقال باسنادين رجاله أحدهما ثقات.
المحتويات 1
الابتلاء طريق الأنبياء: 3
من ثمرات دراسة هذا الموضوع: 4
نماذج من سير الأنبياء: 4
موسى عليه السلام: 4
محمد صلى الله عليه وسلم: 5
مريم عليها السلام: 6
مع أصحاب النبي r 6
عائشة رضي الله عنها: 6
عثمان بن عفان رضي الله عنه: 6
سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: 7
مع سائر السلف: 8
الإمام البخاري: 8
الإمام الشافعي 9
الإمام أحمد بن حنبل: 10
ابن أبي عاصم 10
بقي بن مخلد 10
ابن قتيبه 11
محمد بن الفضل 11
الإمام البربهاري: 11
أبو عثمان المغربي 11
الخطيب البغدادي 12
الشاطبي 13
ابن الجوزي 13
شيخ الإسلام ابن تيمية: 13
محمد بن عبد الوهاب: 13
الخلاصة: 14
الابتلاء طريق الأنبياء:
هذه المحاضرة وقفات حول قول الله عز وجل ]كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون أتواصوا به بل هم قوم طاغون[.
ففي هذه الآية أخبر تعالى أن الأقوام الذين أرسل الله عز وجل إليهم الرسل قد اتفقوا كلهم جميعاً على اتهام المرسلين بالسحر، وأنى أن يكون ذلك وبينهم عصور وقرون متطاولة .
وهي أيضاً قضية نلحظها حينما نتعرض لقصص الأنبياء فنقرأ ما قال قوم نوح لنبيهم نوح، وما قال قوم عاد لهود، وما قالت ثمود لصالح، وما قاله سائر الأقوام المكذبين لأنبيائهم المصلحين، نجد أنها كلمة واحدة، حتى كأنهم قد تواصوا واتفقوا على هذا.
وسيكون حديثنا في ذكر بعض النماذج من اتهام المصلحين والطعن فيهم في أمر دينهم.
إن قضية الإصلاح تستوجب صراعاً مع أهل الباطل؛ ذلك أن المصلحين يرون واقعاً لا يرضي الله ورسوله فيسعون إلى تغيره، والمصلح لا يكون مصلحا ًإلا حين يرد إحقاق حق أو تغيير باطل، ولا شك أن مصالح أهل الباطل سوف تصطدم مع ما يدعو إليه هؤلاء المصلحون، فيسعى هؤلاء إلى تعويق إصلاحهم ودعوتهم من خلال تشويه سيرتهم، ويعلم هؤلاء أن الدين هو القضية التي يدعو إليها هؤلاء، ومن ثم فالطعن في معتقدهم وتشويهه خير وسيلة لتنفير الناس من دعوتهم.
إنها صورة واحدة من صور الابتلاء التي يتعرض لها المؤمنون، والابتلاء سنة ماضية سنة لمن آمن بالله عز وجل ] أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون. ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين [.
ولذا كان الابتلاء سنة في حق المؤمنين؛ فكل من يؤمن فلابد أن يبتلى فما بالك بالمصلحين الذين يسعون إلى تغيير الواقع الذي يخالف شرع الله عز وجل؟ لاشك أنهم أكثر عرضة للابتلاء والامتحان .
وهذا الأمر نقرأه في سير الأنبياء وفي سير المصلحين، فكم عانى الأنبياء من أعدائهم المكذبين وهي صور شتى من التكذيب والتعويق والابتلاء، يسعى إليه المفسدون من أقوامهم ويتواصون به جيلاً بعد جيل وقرناً بعد قرن.
ومن بعد الأنبياء كانت السنة كذلك نفسها للمصلحين، ويشعر المصلح الداعي إلى الله عز وجل أنه حين يختار لنفسه هذا الطريق فإنه يضع نفسه مع هذه القائمة ويسير مع هذا الركب، فلابد أن يصيبه ما أصابهم ويواجه بما ووجهوا به.
من ثمرات دراسة هذا الموضوع:
إن الحديث عن هذا الأمر له ثمرات عدة، منها:
أولاً: أن فيه تسلية لمن يتصدى للدعوة إلى الله عز وجل فيصيبه ما يصيبه من الفتنة والابتلاء، وربما تعرض إلى الطعن في شخصه ودينه، فقد كان أصدق الناس لهجة وأصفاهم سريره واتقاهم لله تعالى، وهم أنبياء الله يتهمون في دينهم وربما اتهموا في أعراضهم، فغيرهم من باب أولى.
ثانياً: حين يسمع الإنسان اتهاماً لأحد من المصلحين، سواء أكان ممن يعيش بين ظهرانيه، أو ممن مضى وسلف فلن يتسرع في تصديق ذلك وتلقيه.
ولنبدأ الحديث حول هذه النماذج من الابتلاء مقتصرين على اتهام المصلحين في دينهم، وحين نتحدث عن المصلحين فإن أول من يتصدر هذه القائمة هم رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم، وقد واجهوا ما واجهوا من الطعن في دينهم واعتقادهم غير ما واجهوه من الابتلاء في أمور أخرى.
نماذج من سير الأنبياء:
موسى عليه السلام:
لقد تعزى نبينا عليه الصلاة السلام بما أصابه فقال:"رحم الله أخي موسى فقد أوذي بأكثر مما أوذيت فصبر".
لقد جاء موسى عليه السلام والناس يؤلهون فرعون من دون الله، ويعتقدون أنه ربهم الأعلى فأرسله الله عز وجل ليخرج الناس من العبودية والذل لفرعون إلى العبودية والذل لله تبارك وتعالى . فشرق أولئك بهذه الدعوة، وشعر فرعون أن في هذا تحطيماً لألوهيته وجبروته وسلطانه على الناس، فلم يجد مبرراً أمام الناس إلا أن يتهم موسى في دينه، كما قال تعالى]وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد [ .
وحين صار ما صار من المناظرة بين موسى والسحرة فحشر فرعون سحرته وجمع جبروته وسلطانه، وكان موعدهم يوم الزينة فاجتمعوا في هذا اليوم فألقى موسى عصاه، فأدرك السحرة الحق فآمنوا بالله وخروا سجداً، حينها اتهمهم بعدم الصدق في إيمانهم، وأن هذا الإيمان جزء من مؤامرة يُستهدف فيها فرعون ومجده ]قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون[.
واتهم موسى بأنه ساحر، وأنه هو الذي علم السحرة السحر ]قال آمنتم له قبل أن آذن اكم إنه لكبيركم الذي علمك السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذاباً وأبقى[
ويحذر الله عباده المؤمنين مما فعله بنو اسرائيل مع موسى عليه السلام ]ياأيها الذين آمنوا لاتكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيهاً[ وقد بين النبي r[FONT=زخـرفـي1] [/FONT]ما اتهمه به بنو إسرائيل في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله r:"إن موسى كان رجلاً حيياً ستيراً لايرى من جلده شيء استحياء منه، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل، فقالوا: مايستتر هذا التستر إلا من عيب بجلده: إما برص وإما أدْرَة، وإما آفة. وإن الله أراد أن يبرأه مما قالوا لموسى، فخلا يوماً وحده فوضع ثيابه على الحجر ثم اغتسل، فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها وإن الحجر عدا بثوبه، فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر. فجعل يقول: ثوبي حجر، ثوبي حجر، حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل فرأوه عرياناً أحسن ما خلق الله وأبرأه مما يقولون، وقام الحجر فأخذ ثوبه فلبسه، وطفق بالحجر ضرباً بعصاه، فوالله إن بالحجر لندباً من أثر ضربه ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً، فذلك قوله ]ياأيها الذين آمنوا لاتكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها["
محمد صلى الله عليه وسلم:
وهاهو محمد صلى الله عليه وسلم صاحب الرسالة الخاتمة الذي اصطفاه تعالى على البشر، هاهو أيضاً يتهم في إخلاصه وفي دينه؛ فحين قسم صلى الله عليه وسلم قسمة لم ترق لبعض ضعاف الإيمان قال أحدهم:"إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله"- قال ابن مسعود - فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فغضب حتى رأيت الغضب في وجهه، ثم قال:"يرحم الله موسى، فقد أوذي بأكثر من هذا فصبر" .
مريم عليها السلام:
وهاهي مريم ابنة عمران تتهم في عرضها؛إذ قذفها اليهود عليهم لعنة الله بالزنا والبهتان، حين أكرمها الله ونفخ فيها من روحه ]فأتت به قومها تحمله قالوا يامريم لقد جئت شيئاً فرياً. ياأخت هارون ماكان أبوك امرء سوء وماكانت أمك بغيا[ فأنطقه الله ]إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً[ ومع هذه الآية الواضحة الخارقة حين نطق هذا الغلام وهو في المهد، مع ذلك كله لا يزال أولئك يصرون على هذه الجريمة البشعة؛ فيتهمون هذه المرأة الطاهرة التي يقول تبارك وتعالى عنها ]إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين[
مع أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم
عائشة رضي الله عنها:
وكأنما تواصى هؤلاء مع أوليائهم فتقذف عائشة رضي الله عنها بما قذفت به مريم، ويسير المنافقون وراء أولئك اليهود فيشيعون الفرية ضد عائشة، فتسمع عائشة ما يقال عنها وما تتهم به، ثم ترى من النبي r ما ترى فتبقى حبيسة الألم وحبيسة هذه الفرية شهراً، والاتهام لعائشة لم يكن اتهاماً لعائشة وحدها بل كان اتهاماً قبل ذلك كله للنبي r وطعناً في فراشه وفي أحب الناس إليه.
عثمان بن عفان رضي الله عنه:
عن عثمان بن عبدالله بن موهب رحمه الله قال: جاء رجل من أهل مصر يريد حج البيت، فرأى قوماً جلوساً، فقال من هؤلاء القوم؟ قالوا: هؤلاء قريش، قال: فمن الشيخ منهم؟ قالوا: عبدالله بن عمر، قال: يابن عمر، إني سائلك عن شيء فحدثني: هل تعلم أن عثمان فر يوم أحد؟ قال: نعم، قال: هل تعلم أنه تغيب عن بدر ولم يشهد؟ قال: نعم، قال: هل تعلم أنه تغيب عن بيعة الرضوان فلم يشهدها؟ قال: نعم، قال: الله أكبر، وكأنما فرح هذا الرجل لأن يجد هذه النقيصة وهذه التهمة في خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كانت تستحي منه الملائكة، فلما قال ذلك قال ابن عمر: تعال أبين لك، أما فراره يوم أحد، فأشهد أن الله عفا عنه وغفر له، وأما تغيبه عن بدر، فإنه كانت تحته بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت مريضة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لك أجر رجل ممن شهد بدراً وسهمه، وأما تغيبه عن بيعة الرضوان فلو كان أحد أعز ببطن مكة من عثمان لبعثه، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان، وكانت بيعة الرضوان بعدما ذهب عثمان إلى مكة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده اليمنى: هذه يد عثمان، فضربها على يده،كانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان خير من يد عثمان لعثمان وقال: هذه لعثمان، ولهذا قال بعضهم ثم قال ابن عمر: اذهب بها الآن معك" . والقصة في صحيح البخاري .
وعن سعد بن عبيدة قال: جاء رجل إلى ابن عمر فسأله عن عثمان، فذكر عن محاسن عمله، قال: فلعل ذلك يسوءك؟ قال: نعم، قال: فأرغم الله بأنفك. ثم سأله عن علي، فذكر محاسن عمله قال: هو ذاك، بيته أوسط بيوت النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: لعل ذلك يسوءك؟ قال: أجل، قال: فأرغم الله بأنفك، انطلق فاجهد علي جهدك" .
نعم إن هؤلاء يسوؤهم أن تذاع مناقب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا كبر هذا الرجل حين أقر له ابن عمر رضي الله عنه بتلك التهم التي اتهم بها عثمان في دينه، وساءه حين برأه منها وذكر محاسنه.
سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه:
وممن اتهم في دينه أحد السابقين إلى الإسلام، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال : شكا أهل الكوفة سعداً إلى عمر، فقالوا: إنه لايحسن أن يصلي، فقال سعد: أما أنا، فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاتي العشي لا أخرم منها، أركد في الأوليين، وأحذف في الأخريين، فقال عمر: ذاك الظن بك ياأبا إسحاق. أهل الكوفة يعلمون صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة؟ أهل الكوفة يتهمون صاحب رسول الله الذي فداه الرسول بأبيه وأمه، يتهمونه أنه لا يحسن أن يصلي؟ فبعث عمر رضي الله عنه رجالاً يسألون عنه بالكوفة، فكانوا لايأتون مسجداً من مساجد الكوفة إلا قالوا خيراً، حتى أتوا مسجداً لبني عبس، فقال رجل يقال له أبو سعده: أما إذ نشدتمونا بالله (انظر إلى منطق هؤلاء حين نُشِد بالله فقد تعينت عليه كلمة حق يجب أن يقولها، وهؤلاء كما أخبر تعالى ]ويشهد الله على ما قلبه وهو ألد الخصام[ ) فإنه كان لا يعدل في القضية، ولا يقسم بالسوية، ولا يسير بالسرية، فقال سعد: اللهم إن كان كاذباً، فأعم بصره، وأطل عمره، وعرضه للفتن، قال عبدالملك فأنا رأيته بعد يتعرض للإماء في السكك، فإذا سئل كيف أنت؟ يقول: كبير مفتون أصابتني دعوة سعد .والقصة في البخاري.
وعن قبيصة بن جابر قال: قال ابن عم لنا يوم القادسية:
ألم تر أن الله أنزل نصره *وسعد بباب القادسية معصم
فأبنا وقد أمت نساء كثيرة *ونسوة سعد ليس فيهن أيم
فبلغ سعداً قوله، فقال: عيى لسانه ويده، فجاءت نشابة فأصابت فاه فخرس، ثم قطعت يده في القتال، فقال -أي سعد-: احملوني على باب، فخرج به محمولاً، ثم كشف عن ظهره وفيه قروح فأخبر الناس بعذره فعذروه، وكان سعد لا يجبن، وفي رواية يقاتل حتى ينزل الله نصره، وقال: وقطعت يده وقتل وهذا الخبر رواه الطبراني كما في المجمع وقال باسنادين رجاله أحدهما ثقات.