muhmmad alo
كاتب
ابتلاء طريق الانبياء (الجزء الثاني)
مع سائر السلف:
ونتجاوز ما قيل عن أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وهو كثير إلى ما قيل عن الأئمة بعدهم:
الإمام البخاري:
ها هو الإمام البخاري رحمه الله صاحب الصحيح أصح كتاب بعد كتاب الله، هاهو يتهم في عقيدته ودينه؛ فقد اتهم بأنه يقول بخلق القرآن في مسألة اللفظ المشهورة وممن اتهمه محمد بن يحيى
قال محمد بن يحيى: قد أظهر هذا البخاري قول اللفظية، واللفظية عندي شر من الجهمية.
وحين قدم بخارى استقبله الناس، فكتب بعد ذلك محمد بن يحيى الذهلي إلى خالد بن أحمد أمير بخارى: إن هذا الرجل يعني البخاري قد أظهر خلاف السنة، فقرأ كتابه على أهل بخارى فقالوا: لانفارقه، فأمره الأمير بالخروج من البلد فأخرج رحمه الله .
وروى الحاكم عن محمد بن العباس الضبي قال: سمعت أبابكر بن أبي عمرو الحافظ البخاري يقول:كان سبب منافرة أبي عبدالله أن خالد بن أحمد الذهلي الأمير خليفة الطاهرية ببخارى سأل أن يحضر منزله فيقرأ الجامع والتاريخ على أولاده، فامتنع عن الحضور عنده فراسله بأن يعقد مجلساً لأولاده، لايحضره غيرهم، فامتنع وقال: لاأخص أحداً، فاستعان الأمير بحريث بن أبي الورقاء وغيره، حتى تكلموا في مذهبه، ونفاه عن البلد، فدعا عليهم، فلم يأت إلا شهر حتى ورد أمر الطاهرية، بأن ينادى على خالد في البلد، فنودي عليه على أتان، وأما حريث فإنه ابتلي بأهله، فرأى فيهم مايجل عن الوصف، وأما فلان فابتلي بأولاده وأراه الله فيهم البلايا. وبقي الإمام البخاري بعد ذلك إماماً عالماًَ يترحم الناس عليه.
الإمام الشافعي
والإمام المجدد الشافعي رحمه الله اتهم بالتشيع لذا قال هذه الأبيات المشهورة التي حكاها عنه الربيع بن سليمان، قال: حججنا مع الشافعي، فما ارتقى شرفاً، ولاهبط وادياً، إلا وهو يبكي وينشد:-
ياراكبا قف بالمحصب من منــــى*واهتف بقاعد خيفنا والناهــــض
سحرا إذا فاض الحجيج إلى منــى * فيضاً كملتطم الفرات الفائـــــض
إن كان رفضاً حب آل محمــــــد *فليشهد الثقلان أني رافضـــــــي
قال الذهبي: لو كان شيعياً وحاشاه من ذلك لما قال: الخلفاء الراشدون خمسة، بدأ بالصديق، وختم بعمر بن عبدالعزيز.
وقال أحمد عن ذلك: اعلموا رحمكم الله أن الرجل من أهل العلم إذا منحه الله شيئاً من العلم، وحرمه قرناؤه وأشكاله، حسدوه فرموه بما ليس فيه، وبئست الخصلة في أهل العلم.
ولما دخل مصر أتاه جلة أصحاب مالك، وأقبلوا عليه، فلما رأوه يخالف مالكاً، وينقض عليه جفوه وتنكروا له، حتى حدث أبو عبدالله بن منده قال حدثت عن الربيع أنه قال: رأيت أشهب بن عبدالعزيز ساجداً يقول في سجوده: اللهم أمت الشافعي لايذهب علم مالك، فبلغ الشافعي فأنشأ يقول:-
تمنى رجال أن أموت وإن أمــــــــت*فتلك سبيل لست فيها بأوحـــــد
فقل للذي يبغي خلاف الذي مضـــى *تهيأ لأخرى مثلها فكأن قـــــــــد
ولهذا كان يقول الشافعي رحمه الله:رضى الناس غاية لاتدرك، وليس إلى السلامة منهم سبيل.
الإمام أحمد بن حنبل:
والإمام أحمد رحمه الله محنته مشهورة، ابتلي واتهم بأنه قد ابتدع في دين الله ما ليس فيه، وضرب وأوذي، وكانت تهمته في دينه وأنه يفتري على الله تبارك وتعالى، ويبتدع ويتجرأ على الله عز وجل وقضيته مشهورة نتجاوزها.
ابن أبي عاصم
وممن اتهم في دينه الإمام أبي عاصم رحمه الله، قال عنه الذهبي: حافظ كبير، إمام بارع، مطيع للآثار، كثير التصانيف .
اتهم بالنصب، وأرسل له ليلى الديلمي غلاماً له ومخلاة وسيفاً، وأمره أن يأتيه برأسه فأتاه وهو في مسجده يحدث، فقال أن الأمير قد أمرني أن آتي برأسك، فوضع الكتاب الذي كان يقرأ فيه على رأسه ثم أتاه آت فقال: إن الأمير ينهاك عن ذلك.
والشاهد أن الإمام أبي عاصم إمام من أئمة أهل السنة يتهم بأنه ناصبي يبغض آل البيت.
بقي بن مخلد
قال عنه الذهبي: الإمام القدوة، شيخ الإسلام، أبو عبدالرحمن الأندلسي القرطبي، الحافظ صاحب التفسير والمسند اللذين لانظير لهما .
وكان إماماً مجتهداً صالحاً، ربانياً صادقاً مخلصاً، رأساً في العلم والعمل، عديم المثل، منقطع القرين، يفتي بالأثر، ولايقلد أحداً، قدم إلى الأندلس فأحيا فيها مذهب أهل الحديث، فشرق به أولئك.
قال ابن حزم: وكان حمد بن عبدالرحمن الأموي صاحب الأندلس محباً للعلوم عارفاً، فلما دخل بقي الأندلس بمصنف أبي بكر بن أبي شيبة، وقريء عليه أنكر جماعة من أهل الرأي مافيه من الخلاف واستبشعوه، ونشطوا العامة عليه، ومنعوا من قراءته، فاستحضره صاحب الأندلس محمد وإياهم، وتصفح الكتاب كله جزءاً جزءاً، حتى أتى على آخره، ثم قال لخازن الكتب: هذا كتاب لاتستغني خزانتنا عنه، فانظر في نسخه لنا، ثم قال لبقي: انشر علمك، وارو ما عندك، ونهاهم أن يتعرضوا له.
ابن قتيبه
اتهمه سبط ابن الجوزي بأنه يميل إلى التشبيه، وأن كلامه يدل عليه، وأنه يرى رأي الكرامية.
قال عنه شيخ الإسلام:"ابن قتيبة من أهل السنة... وهو من المنتسبين إلى أحمد وإسحاق والمنتصرين لمذاهب السنة المشهورة، وله في ذلك مصنفات متعددة. قال فيه صاحب التحديث بمناقب أهل الحديث: هو أحد أعلام الأئمة والعلماء الفضلاء، أجودهم تصنيفاً وأحسنهم ترصيفاً... وكان أهل المغرب يعظمونه ويقولون: من استجاز الوقيعة في ابن قتيبة يتهم بالزندقة، ويقولون: كل بيت ليس فيه شيء من تصنيفه فلا خير فيه، قلت -أي شيخ الإسلام-: ويقال هو لأهل السنة مثل الجاحظ للمعتزلة، فإنه خطيب السنة، كما أن الجاحظ خطيب المعتزلة" .
هذه هي حال ابن قتيبة كما حكى شيخ الإسلام ومع ذلك يتهمه سبط ابن الجوزي في عقيدته بالتشبيه وبأنه يرى رأي الكرامية.
محمد بن الفضل
قال السلمي في محن الصوفية: لما تكلم محمد بن الفضل ببلخ في فهم القرآن وأحوال الأئمة، أنكر عليه فقهاء بلخ، وقالوا: مبتدع، وإنما ذاك بسبب اعتقاده مذهب أهل الحديث.
الإمام البربهاري:
قال أبو الحسين الفراء: كان للبربهاري مجاهدات ومقامات في الدين، وكان المخالفون يغلظون قلب السلطان عليه، ففي سنة إحدى وعشرين (وثلاث مائة) أرادوا حبسه فاختفى، وأخذ كبار أصحابه، وحملوا إلى البصرة، فعاقب الله الوزير ابن مقلة، وأعاد الله البربهاري إلى حشمته وزادت، وكثر أصحابه، فبلغنا أنه اجتاز الجانب الغربي، فعطس فشمته أصحابه، فارتفعت ضجتهم، حتى سمعها الخليفة، فأخبر بالحال فاستهولها، ثم لم تزل المبتدعة توحش قلب الراضي حتى نودي في بغداد: لا يجتمع اثنان من أصحاب البربهاري؛ فاختفى وتوفي مستتراً في رجب سنة ثمان وعشرين وثلاث مائة.
أبو عثمان المغربي
ومنهم أيضاً أبو عثمان المغربي قال عنه الذهبي :الإمام القدوة شيخ الصوفية أبو عثمان سعيد بن سلاَّم المغربي القيرواني نزيل نيسابور.
قال السلمي: كان أوحد المشايخ في طريقته، لم نر مثل في علو الحال وصون الوقت، امتحن بسبب زور نسب إليه، حتى ضرب وشهر على جمل ففارق الحرم .
الخطيب البغدادي
قال محمد بن طاهر: حدثنا مكي بن عبدالسلام الرميلي، قال: كان سبب خروج الخطيب من دمشق إلى صور، أنه كان يختلف إليه صبي مليح، فتكلم الناس في ذلك، وكان أمير البلاد رافضياً متعصباً، فبلغته القصة، فجعل ذلك سبباً إلى الفتك به، فأمر صاحب شرطته أن يأخذ الخطيب بالليل فيقتله، وكان صاحب الشرطة سنياً، فقصده تلك الليلة في جماعة ولم يمكنه أن يخالف الأمير، فأخذه وقال: قد أمرت فيك بكذا وكذا، ولا أجد لك حيلة إلا أني أعبر بك عند دار الشريف ابن أبي الجن، فإذا حاذيت الدار اقفز وادخل فإني لا أطلبك، وأرجع إلى الأمير فأخبره بالقصة، ففعل ذلك، ودخل دار الشريف ابن أبي الحسن، فأرسل الأمير إلى الشريف أن يبعث به، فقال: أيها الأمير، أنت تعرف اعتقادي فيه وفي أمثاله، وليس في قتله مصلحة، هذا مشهور بالعراق، إن قتلته قتل به جماعة من الشيعة وخربت المشاهد، قال: فما ترى؟ قال: أرى أن ينزحل من بلدك، فأمر بإخراجه، فراح إلى صور وبقي فيها مدة .
وقال أبو القاسم بن عساكر: سعى بالخطيب حسين بن علي الدمنشي إلى أمير الجيوش، فقال: هو ناصبي يروي فضائل الصحابة وفضائل العباس في الجامع.
وليست هذه التهمة نهاية ما تعرض له الخطيب من التهم فمن عجائب ذلك ما اتهمه به النخشبي فقال في معجم شيوخه ومنهم أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب... حافظ فهم ولكنه كان يتهم بشرب الخمر، كنت كلما لقيته بدأني بالسلام، فلقيته في بعض الأيام فلم يسلم علي، ولقيته شبه المتغير، فلما جاز عني لحقني بعض أصحابنا، وقال لي: لقيت أبابكر الخطيب سكران! فقلت له قد لقيته متغيراً واستنكرت حاله، ولم أعلم أنه سكران.
قال ابن السمعاني: ولم يذكر من الخطيب رحمه الله هذا إلا النخشبي مع أني لحقت جماعة كثيرة من أصحابه.
الشاطبي
يقول عن نفسه مصوراً ما اتهم به: فتارة نسبت إلى القول بأن الدعاء لا ينفع ولا فائدة فيه؛ كما يعزي إلى بعض الناس؛ بسبب أني لم ألتزم الدعاء بهيئة الاجتماع في أدبار الصلاة حالة الإمامة، وسيأتي ما في ذلك من المخالفة للسنة وللسلف الصالح والعلماء -وذلك أن هذه البدعة قد انتشرت عند الناس كانوا يلتزمون أن يدعو الناس بعد الصلاة بصوت عالٍ فأنكر الإمام الشاطبي هذه البدعة لأنها لم تكن واردة عن سلف الأمة فاتهموه بأنه يرى أن الدعاء أي أن دعاء الله عز وجل لا ينفع- ثم قال :وتارة نسبت إلى الرفض وبغض الصحابة -رضي الله عنهم - بسبب أني لم ألتزم ذكر الخلفاء الراشدين منهم في الخطبة على الخصوص، إذ لم يكن ذلك من شأن السلف في خطبهم، ولاذكره أحد من العلماء المعتبرين في أجزاء الخطب. وتارة أضيف إلي القول بجواز القيام على الأئمة، وما أضافوه إلىًّ إلا من عدم ذكرهم في الخطبة، وذكرهم فيها محدث لم يكن عليه من تقدم.ثم ذكر جوانب أخرى اتهم فيها رحمه الله.
ابن الجوزي
قال الذهبي: وقد نالته محنة في أواخر عمره، وشوا به إلى الخليفة الناصر عنه بأمر اختلف في حقيقته.
شيخ الإسلام ابن تيمية:
فقد امتحن وابتلي في عقيدته فاتهم بأنه ينتقص النبي صلى الله عليه وسلم والصالحين حين أفتى بتحريم شد الرجال إلى زيارة القبور وأصابه في ذلك ما أصابه .
واتهم أيضاً -حين أفتى في مسألة الطلاق- بخروجه عن إجماع الأئمة الأربعة وشذوذه، واتهم في عقيدته حين صنف العقيدة الواسطية وعقدوا له مجالس للمناظرة حكى أجزاء منها وهي موجودة في كتابه الفتاوى.
محمد بن عبد الوهاب:
اتهم بتهم كثيرة، منها أنه ينطبق عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم حين قال : " اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا قالوا يارسول الله وفي نجدنا قال : اللهم بارك لنا في شامنا، ثم قال الرسول صلى الله عليه وسلم : "نجد يطلع منها قرن الشيطان" قالوا : أن المقصود نجد التي خرج فيها محمد بن عبد الوهاب.
والمقصود ينجد هذه بلاد العراق حيث أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى المشرق، وقال حيث يطلع قرن الشيطان وذلك أن العراق في جهة المشرق وفعلاً منها الفتن والزلازل فالكثير من الفتن التي مرت بالأمة إنما جاءت من هناك .
واتهم ببغض النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه كان ينهى عن الصلاة عليه، واتهم بأنه صاحب مذهب خامس.
الخلاصة:
الحديث حول هذه القضية حديث يطول لكن هذه هي صورة من صور الابتلاء التي يتعرض لها المصلحون وذلك لأسباب وعوامل منها :
1- أن هؤلاء المصلحين لابد أن يأتوا الناس بأمر لم يعهدوه، وإلا ما معنى الإصلاح؟ معنى الإصلاح أن يقول المصلح للناس إنكم تفعلون أمراً محرماً، أو تتركون واجباً؛ فيصعب على الناس ويشق عليهم أن يتركوا ما ألفوه وما اعتادوه؛ فيلجؤون إلى اتهامه في دينه ليبرروا موقفهم.
2 – قد يدفع لذلك الحسد حين يكتب للمصلح شهرة حسنة وقبول لدى الناس، وأكثر ما يقع ذلك من الأقران، وكما قيل: حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه.
وحينئذ يتلقف الشبة والاتهام من كان في قلبه هوى، ومن كان يحمل الاستعداد من الداخل لأن يسئ الظن بإخوانه المسلمين .
أما الذين تربوا بتربية القرآن فيحكمهم قول الله عز وجل ]لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً[ . ]فلولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم[.
ومما يلحظ في هذه المواقف أن هؤلاء المبطلين لا بد أن يزينوا باطلهم، ولا بد أن يلبسوه لباساً يقبله الناس؛ لهذا فهم يخرجون القضية كما يقال إخراجاً مقبولا؛ ذلك أنهم يستغلون موقفاً وقع فيه أولئك يمكن أن يصدقهم فيه الناس حين يتهمونهم، فموسى اتهم بالعيب في بدنه حين اغتسل بعيداً عن قومه، ومريم اتهمت بالسوء لما جاءت تحمل معها الغلام.
ولما جاءت عائشة رضي الله عنها مع صفوان قال ذاك الرجل الفاجر كلمة واحدة سارت بعد ذلك : امرأة نبيكم باتت مع رجل جاء بها يقودها فو الله لا نجت منه ولا نجا منها ? فسارت هذه الفرية .
والمقصود أنها سنة الله تبارك وتعالى سنة الله أن يكون الصراع بين أهل الحق وأهل الباطل، وسنة الله أن يبتلي المصلحون؛ ولهذا فينبغي للمسلم أن لا يستجيب لما يسمع خاصة عن أهل العلم والمصلحين.
أسأل الله عز وجل أن يقيض لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ناصراً ومعينا؛ إنه سميع مجيب هذا والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد، وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .
مع سائر السلف:
ونتجاوز ما قيل عن أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وهو كثير إلى ما قيل عن الأئمة بعدهم:
الإمام البخاري:
ها هو الإمام البخاري رحمه الله صاحب الصحيح أصح كتاب بعد كتاب الله، هاهو يتهم في عقيدته ودينه؛ فقد اتهم بأنه يقول بخلق القرآن في مسألة اللفظ المشهورة وممن اتهمه محمد بن يحيى
قال محمد بن يحيى: قد أظهر هذا البخاري قول اللفظية، واللفظية عندي شر من الجهمية.
وحين قدم بخارى استقبله الناس، فكتب بعد ذلك محمد بن يحيى الذهلي إلى خالد بن أحمد أمير بخارى: إن هذا الرجل يعني البخاري قد أظهر خلاف السنة، فقرأ كتابه على أهل بخارى فقالوا: لانفارقه، فأمره الأمير بالخروج من البلد فأخرج رحمه الله .
وروى الحاكم عن محمد بن العباس الضبي قال: سمعت أبابكر بن أبي عمرو الحافظ البخاري يقول:كان سبب منافرة أبي عبدالله أن خالد بن أحمد الذهلي الأمير خليفة الطاهرية ببخارى سأل أن يحضر منزله فيقرأ الجامع والتاريخ على أولاده، فامتنع عن الحضور عنده فراسله بأن يعقد مجلساً لأولاده، لايحضره غيرهم، فامتنع وقال: لاأخص أحداً، فاستعان الأمير بحريث بن أبي الورقاء وغيره، حتى تكلموا في مذهبه، ونفاه عن البلد، فدعا عليهم، فلم يأت إلا شهر حتى ورد أمر الطاهرية، بأن ينادى على خالد في البلد، فنودي عليه على أتان، وأما حريث فإنه ابتلي بأهله، فرأى فيهم مايجل عن الوصف، وأما فلان فابتلي بأولاده وأراه الله فيهم البلايا. وبقي الإمام البخاري بعد ذلك إماماً عالماًَ يترحم الناس عليه.
الإمام الشافعي
والإمام المجدد الشافعي رحمه الله اتهم بالتشيع لذا قال هذه الأبيات المشهورة التي حكاها عنه الربيع بن سليمان، قال: حججنا مع الشافعي، فما ارتقى شرفاً، ولاهبط وادياً، إلا وهو يبكي وينشد:-
ياراكبا قف بالمحصب من منــــى*واهتف بقاعد خيفنا والناهــــض
سحرا إذا فاض الحجيج إلى منــى * فيضاً كملتطم الفرات الفائـــــض
إن كان رفضاً حب آل محمــــــد *فليشهد الثقلان أني رافضـــــــي
قال الذهبي: لو كان شيعياً وحاشاه من ذلك لما قال: الخلفاء الراشدون خمسة، بدأ بالصديق، وختم بعمر بن عبدالعزيز.
وقال أحمد عن ذلك: اعلموا رحمكم الله أن الرجل من أهل العلم إذا منحه الله شيئاً من العلم، وحرمه قرناؤه وأشكاله، حسدوه فرموه بما ليس فيه، وبئست الخصلة في أهل العلم.
ولما دخل مصر أتاه جلة أصحاب مالك، وأقبلوا عليه، فلما رأوه يخالف مالكاً، وينقض عليه جفوه وتنكروا له، حتى حدث أبو عبدالله بن منده قال حدثت عن الربيع أنه قال: رأيت أشهب بن عبدالعزيز ساجداً يقول في سجوده: اللهم أمت الشافعي لايذهب علم مالك، فبلغ الشافعي فأنشأ يقول:-
تمنى رجال أن أموت وإن أمــــــــت*فتلك سبيل لست فيها بأوحـــــد
فقل للذي يبغي خلاف الذي مضـــى *تهيأ لأخرى مثلها فكأن قـــــــــد
ولهذا كان يقول الشافعي رحمه الله:رضى الناس غاية لاتدرك، وليس إلى السلامة منهم سبيل.
الإمام أحمد بن حنبل:
والإمام أحمد رحمه الله محنته مشهورة، ابتلي واتهم بأنه قد ابتدع في دين الله ما ليس فيه، وضرب وأوذي، وكانت تهمته في دينه وأنه يفتري على الله تبارك وتعالى، ويبتدع ويتجرأ على الله عز وجل وقضيته مشهورة نتجاوزها.
ابن أبي عاصم
وممن اتهم في دينه الإمام أبي عاصم رحمه الله، قال عنه الذهبي: حافظ كبير، إمام بارع، مطيع للآثار، كثير التصانيف .
اتهم بالنصب، وأرسل له ليلى الديلمي غلاماً له ومخلاة وسيفاً، وأمره أن يأتيه برأسه فأتاه وهو في مسجده يحدث، فقال أن الأمير قد أمرني أن آتي برأسك، فوضع الكتاب الذي كان يقرأ فيه على رأسه ثم أتاه آت فقال: إن الأمير ينهاك عن ذلك.
والشاهد أن الإمام أبي عاصم إمام من أئمة أهل السنة يتهم بأنه ناصبي يبغض آل البيت.
بقي بن مخلد
قال عنه الذهبي: الإمام القدوة، شيخ الإسلام، أبو عبدالرحمن الأندلسي القرطبي، الحافظ صاحب التفسير والمسند اللذين لانظير لهما .
وكان إماماً مجتهداً صالحاً، ربانياً صادقاً مخلصاً، رأساً في العلم والعمل، عديم المثل، منقطع القرين، يفتي بالأثر، ولايقلد أحداً، قدم إلى الأندلس فأحيا فيها مذهب أهل الحديث، فشرق به أولئك.
قال ابن حزم: وكان حمد بن عبدالرحمن الأموي صاحب الأندلس محباً للعلوم عارفاً، فلما دخل بقي الأندلس بمصنف أبي بكر بن أبي شيبة، وقريء عليه أنكر جماعة من أهل الرأي مافيه من الخلاف واستبشعوه، ونشطوا العامة عليه، ومنعوا من قراءته، فاستحضره صاحب الأندلس محمد وإياهم، وتصفح الكتاب كله جزءاً جزءاً، حتى أتى على آخره، ثم قال لخازن الكتب: هذا كتاب لاتستغني خزانتنا عنه، فانظر في نسخه لنا، ثم قال لبقي: انشر علمك، وارو ما عندك، ونهاهم أن يتعرضوا له.
ابن قتيبه
اتهمه سبط ابن الجوزي بأنه يميل إلى التشبيه، وأن كلامه يدل عليه، وأنه يرى رأي الكرامية.
قال عنه شيخ الإسلام:"ابن قتيبة من أهل السنة... وهو من المنتسبين إلى أحمد وإسحاق والمنتصرين لمذاهب السنة المشهورة، وله في ذلك مصنفات متعددة. قال فيه صاحب التحديث بمناقب أهل الحديث: هو أحد أعلام الأئمة والعلماء الفضلاء، أجودهم تصنيفاً وأحسنهم ترصيفاً... وكان أهل المغرب يعظمونه ويقولون: من استجاز الوقيعة في ابن قتيبة يتهم بالزندقة، ويقولون: كل بيت ليس فيه شيء من تصنيفه فلا خير فيه، قلت -أي شيخ الإسلام-: ويقال هو لأهل السنة مثل الجاحظ للمعتزلة، فإنه خطيب السنة، كما أن الجاحظ خطيب المعتزلة" .
هذه هي حال ابن قتيبة كما حكى شيخ الإسلام ومع ذلك يتهمه سبط ابن الجوزي في عقيدته بالتشبيه وبأنه يرى رأي الكرامية.
محمد بن الفضل
قال السلمي في محن الصوفية: لما تكلم محمد بن الفضل ببلخ في فهم القرآن وأحوال الأئمة، أنكر عليه فقهاء بلخ، وقالوا: مبتدع، وإنما ذاك بسبب اعتقاده مذهب أهل الحديث.
الإمام البربهاري:
قال أبو الحسين الفراء: كان للبربهاري مجاهدات ومقامات في الدين، وكان المخالفون يغلظون قلب السلطان عليه، ففي سنة إحدى وعشرين (وثلاث مائة) أرادوا حبسه فاختفى، وأخذ كبار أصحابه، وحملوا إلى البصرة، فعاقب الله الوزير ابن مقلة، وأعاد الله البربهاري إلى حشمته وزادت، وكثر أصحابه، فبلغنا أنه اجتاز الجانب الغربي، فعطس فشمته أصحابه، فارتفعت ضجتهم، حتى سمعها الخليفة، فأخبر بالحال فاستهولها، ثم لم تزل المبتدعة توحش قلب الراضي حتى نودي في بغداد: لا يجتمع اثنان من أصحاب البربهاري؛ فاختفى وتوفي مستتراً في رجب سنة ثمان وعشرين وثلاث مائة.
أبو عثمان المغربي
ومنهم أيضاً أبو عثمان المغربي قال عنه الذهبي :الإمام القدوة شيخ الصوفية أبو عثمان سعيد بن سلاَّم المغربي القيرواني نزيل نيسابور.
قال السلمي: كان أوحد المشايخ في طريقته، لم نر مثل في علو الحال وصون الوقت، امتحن بسبب زور نسب إليه، حتى ضرب وشهر على جمل ففارق الحرم .
الخطيب البغدادي
قال محمد بن طاهر: حدثنا مكي بن عبدالسلام الرميلي، قال: كان سبب خروج الخطيب من دمشق إلى صور، أنه كان يختلف إليه صبي مليح، فتكلم الناس في ذلك، وكان أمير البلاد رافضياً متعصباً، فبلغته القصة، فجعل ذلك سبباً إلى الفتك به، فأمر صاحب شرطته أن يأخذ الخطيب بالليل فيقتله، وكان صاحب الشرطة سنياً، فقصده تلك الليلة في جماعة ولم يمكنه أن يخالف الأمير، فأخذه وقال: قد أمرت فيك بكذا وكذا، ولا أجد لك حيلة إلا أني أعبر بك عند دار الشريف ابن أبي الجن، فإذا حاذيت الدار اقفز وادخل فإني لا أطلبك، وأرجع إلى الأمير فأخبره بالقصة، ففعل ذلك، ودخل دار الشريف ابن أبي الحسن، فأرسل الأمير إلى الشريف أن يبعث به، فقال: أيها الأمير، أنت تعرف اعتقادي فيه وفي أمثاله، وليس في قتله مصلحة، هذا مشهور بالعراق، إن قتلته قتل به جماعة من الشيعة وخربت المشاهد، قال: فما ترى؟ قال: أرى أن ينزحل من بلدك، فأمر بإخراجه، فراح إلى صور وبقي فيها مدة .
وقال أبو القاسم بن عساكر: سعى بالخطيب حسين بن علي الدمنشي إلى أمير الجيوش، فقال: هو ناصبي يروي فضائل الصحابة وفضائل العباس في الجامع.
وليست هذه التهمة نهاية ما تعرض له الخطيب من التهم فمن عجائب ذلك ما اتهمه به النخشبي فقال في معجم شيوخه ومنهم أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب... حافظ فهم ولكنه كان يتهم بشرب الخمر، كنت كلما لقيته بدأني بالسلام، فلقيته في بعض الأيام فلم يسلم علي، ولقيته شبه المتغير، فلما جاز عني لحقني بعض أصحابنا، وقال لي: لقيت أبابكر الخطيب سكران! فقلت له قد لقيته متغيراً واستنكرت حاله، ولم أعلم أنه سكران.
قال ابن السمعاني: ولم يذكر من الخطيب رحمه الله هذا إلا النخشبي مع أني لحقت جماعة كثيرة من أصحابه.
الشاطبي
يقول عن نفسه مصوراً ما اتهم به: فتارة نسبت إلى القول بأن الدعاء لا ينفع ولا فائدة فيه؛ كما يعزي إلى بعض الناس؛ بسبب أني لم ألتزم الدعاء بهيئة الاجتماع في أدبار الصلاة حالة الإمامة، وسيأتي ما في ذلك من المخالفة للسنة وللسلف الصالح والعلماء -وذلك أن هذه البدعة قد انتشرت عند الناس كانوا يلتزمون أن يدعو الناس بعد الصلاة بصوت عالٍ فأنكر الإمام الشاطبي هذه البدعة لأنها لم تكن واردة عن سلف الأمة فاتهموه بأنه يرى أن الدعاء أي أن دعاء الله عز وجل لا ينفع- ثم قال :وتارة نسبت إلى الرفض وبغض الصحابة -رضي الله عنهم - بسبب أني لم ألتزم ذكر الخلفاء الراشدين منهم في الخطبة على الخصوص، إذ لم يكن ذلك من شأن السلف في خطبهم، ولاذكره أحد من العلماء المعتبرين في أجزاء الخطب. وتارة أضيف إلي القول بجواز القيام على الأئمة، وما أضافوه إلىًّ إلا من عدم ذكرهم في الخطبة، وذكرهم فيها محدث لم يكن عليه من تقدم.ثم ذكر جوانب أخرى اتهم فيها رحمه الله.
ابن الجوزي
قال الذهبي: وقد نالته محنة في أواخر عمره، وشوا به إلى الخليفة الناصر عنه بأمر اختلف في حقيقته.
شيخ الإسلام ابن تيمية:
فقد امتحن وابتلي في عقيدته فاتهم بأنه ينتقص النبي صلى الله عليه وسلم والصالحين حين أفتى بتحريم شد الرجال إلى زيارة القبور وأصابه في ذلك ما أصابه .
واتهم أيضاً -حين أفتى في مسألة الطلاق- بخروجه عن إجماع الأئمة الأربعة وشذوذه، واتهم في عقيدته حين صنف العقيدة الواسطية وعقدوا له مجالس للمناظرة حكى أجزاء منها وهي موجودة في كتابه الفتاوى.
محمد بن عبد الوهاب:
اتهم بتهم كثيرة، منها أنه ينطبق عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم حين قال : " اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا قالوا يارسول الله وفي نجدنا قال : اللهم بارك لنا في شامنا، ثم قال الرسول صلى الله عليه وسلم : "نجد يطلع منها قرن الشيطان" قالوا : أن المقصود نجد التي خرج فيها محمد بن عبد الوهاب.
والمقصود ينجد هذه بلاد العراق حيث أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى المشرق، وقال حيث يطلع قرن الشيطان وذلك أن العراق في جهة المشرق وفعلاً منها الفتن والزلازل فالكثير من الفتن التي مرت بالأمة إنما جاءت من هناك .
واتهم ببغض النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه كان ينهى عن الصلاة عليه، واتهم بأنه صاحب مذهب خامس.
الخلاصة:
الحديث حول هذه القضية حديث يطول لكن هذه هي صورة من صور الابتلاء التي يتعرض لها المصلحون وذلك لأسباب وعوامل منها :
1- أن هؤلاء المصلحين لابد أن يأتوا الناس بأمر لم يعهدوه، وإلا ما معنى الإصلاح؟ معنى الإصلاح أن يقول المصلح للناس إنكم تفعلون أمراً محرماً، أو تتركون واجباً؛ فيصعب على الناس ويشق عليهم أن يتركوا ما ألفوه وما اعتادوه؛ فيلجؤون إلى اتهامه في دينه ليبرروا موقفهم.
2 – قد يدفع لذلك الحسد حين يكتب للمصلح شهرة حسنة وقبول لدى الناس، وأكثر ما يقع ذلك من الأقران، وكما قيل: حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه.
وحينئذ يتلقف الشبة والاتهام من كان في قلبه هوى، ومن كان يحمل الاستعداد من الداخل لأن يسئ الظن بإخوانه المسلمين .
أما الذين تربوا بتربية القرآن فيحكمهم قول الله عز وجل ]لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً[ . ]فلولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم[.
ومما يلحظ في هذه المواقف أن هؤلاء المبطلين لا بد أن يزينوا باطلهم، ولا بد أن يلبسوه لباساً يقبله الناس؛ لهذا فهم يخرجون القضية كما يقال إخراجاً مقبولا؛ ذلك أنهم يستغلون موقفاً وقع فيه أولئك يمكن أن يصدقهم فيه الناس حين يتهمونهم، فموسى اتهم بالعيب في بدنه حين اغتسل بعيداً عن قومه، ومريم اتهمت بالسوء لما جاءت تحمل معها الغلام.
ولما جاءت عائشة رضي الله عنها مع صفوان قال ذاك الرجل الفاجر كلمة واحدة سارت بعد ذلك : امرأة نبيكم باتت مع رجل جاء بها يقودها فو الله لا نجت منه ولا نجا منها ? فسارت هذه الفرية .
والمقصود أنها سنة الله تبارك وتعالى سنة الله أن يكون الصراع بين أهل الحق وأهل الباطل، وسنة الله أن يبتلي المصلحون؛ ولهذا فينبغي للمسلم أن لا يستجيب لما يسمع خاصة عن أهل العلم والمصلحين.
أسأل الله عز وجل أن يقيض لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ناصراً ومعينا؛ إنه سميع مجيب هذا والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد، وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .