" لا يرى الإنسان غير الشيء القريب منه . وفي المدونات العالمية لتاريخ البشرية الكثير من القرون الكاملة التي يبدو شطبها ومحوها ممكنين ، لأنها غير ضرورية . فهناك الكثير من الضلالات في هذا العالم تبدو الآن لا يمكن أن يقوم بها حتى طفل . فكم من الطرق المعوجة المسدودة الضيقة ، المنيعة المنحرفة بعيدًا اختارتها الإنسانية في سعيها للوصول إلى الحقيقة الأزلية ، بينما كان مفتوحًا أمامها الطريق المستقيم ، كالطريق المؤدي إلى هيكل عظيم مخصص ليكون مقرًا للقيصر ! فهو أوسع الطرق كلها ، وأفخرها ، منوَّر بالشمس ومضاء طوال الليل بالأنوار ، ولكن الناس تجاوزته ، وسارت في الظلام الدامس . وكم من مرة ، حتى بعد أن تزودوا بالرسالة المنزلة من السماء ، زاغوا وانحرفوا سواء السبيل ، ووقعوا من جديد وفي وضحِ النهار في مغارات نائية مسدودة ، وأنزلوا من جديد غشاء العمى على عيون بعضهم البعض ، منجذبين إلى السراب الخادع ، ووصلوا إلى الهاوية ، ليسألَ بعضهم بعضًا فيما بعد : أين المخرج ، أين الطريق ؟ ".
للنسيان خفة طيران في قلب السعادة لن تكون مطلقًا للذاكرة الرازحة تحت أثقال. خفة رمي الثقل ومحو اللطخات لاستقبال الصفاء. سعادة اللحظة، إذ ترمي عنها ما قبلها وما بعدها. ما علق بها وأعادها إلى غيرها. فصلها عن ذاتها. جعلها لحظةَ آخر لا لحظة ذات. شطبها. سعادة اللحظة التي لا تستقبل من السابق ما يخدّشها، ولا ترسل ما يخدّش اللاحق.
الما قبل ثقلٌ على الآن، والما بعد ثقل. الما قبل والما بعد، إذ يحلاّن في الآن،
يميتانه.
ما كان هو الآن موت، وما سيأتي.
الحياة هي: الآن."
وديع سعادة - سعادة النسيان
"هل نطمئن إذ نعرف أم نزداد قلقًا؟ أفي المعرفة أمل أم يأس؟ هل هي طريق خلاص أم طريق هلاك؟ ولكن أولاً، هل نمتلك يقينًا أم شكًّا؟ حقيقة أم افتراضًا؟ وسواء كان هذا أو ذاك، هل يقود إلى الخلاص؟ إنما.... أي خلاص؟ كلما ازددنا معرفة ازددنا شكًّا، فكل معرفة شك. ومن يعرف أكثر يقلق أكثر، وييأس أكثر، ويهلك أكثر. كل معرفة جديدة شك جديد ويأس جديد. حتى لكأنّ التفاؤل ليس سوى الجهل. حتى لكأنّ الجهل هو الخلاص! المعرفة ليست ضوء النفق. شعاعٌ ما أن يكشف عتمةً حتى تتبدّى عتمات، مجاهل. والذين يدخلون نفق معرفتهم ليس أمامهم غيرُ العتمات، والموتُ في عتمة. الجاهل لا يدخل الأنفاق ولا يحتاج إلى ضوء. يبرئه جهله، فيموت على مدخل النفق، في الضوء. هل الجهل هو الضوء، والمعرفة العتمة؟ وهل بسبب المعرفة ينتحر المنتحرون ويَقتل القتلة ويموت الذين لا يجرؤون على الإنتحار أو القتل في الزاوية الصامتة من وحدتهم؟ وحدتهم التي جعلوا فيها زاوية للكلام، وزاوية لوداع الكلام؟ كل معرفة جهل، كل جهل يقين. كل معرفة قلق، كل جهل اطمئنان. ما يلغي فروقهما، ما يوحّدهما، هو الهلاك. غير أن العارف يهلك في قلق معرفته، أما الجاهل فيهلك في اطمئنان الجهل."
هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز ) للمساعدة في تخصيص المحتوى وتخصيص تجربتك والحفاظ على تسجيل دخولك إذا قمت بالتسجيل.
من خلال الاستمرار في استخدام هذا الموقع، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط.