صباح الوطن .... يا أهل الخير
كتب : أمجد طه البطاح
كاتب وصحفي ومدير مكتب مجلة منارة الفرات بالحسكة
في البداية لابد من التأكيد على أن ما يحدث هذه الايام على الآراضي السورية بات مكشوفا وواضحا فالمطالب التي ينادي بها المتظاهرون باتت كسقف متحرك لن يقف حتى ما بعد إسقاط النظام .
فكلنا نتفق أن للشعب السوري مطالب مشروعة وأن الحكومة بدات بالعمل على الاستجابة لهذه المطالب وفق برنامج إصلاحي يشمل الإصلاحات الاقتصادية والسياسية وإصلاح القضاء ومحاربة الفساد.
ومعروف أن سورية تحترم حق التظاهر السلمي احتراماً تاماً إلا أن عناصر مخربة استطاعت فيما ظهر من الأحداث الاندساس بين صفوف المتظاهرين وقامت بإطلاق النار على المتظاهرين ورجال الأمن معاً وذلك بهدف الجر للعنف وإحداث الفوضى الأمر الذي أدى إلى خسائر مادية وبشرية مؤسفة لنا جميعاً.
وكون مثل هذه الحوادث تؤدي للأضرار الكبيرة في اقتصاد البلاد وسلامة المواطنين وأمنهم كما أنها محاولة للإساءة إلى سمعة سورية الدولية وهذا ما يهدف إليه المخربون الأمر الذي لم يعد يمكن السكوت عنه ويتطلب اتخاذ الإجراءات الكفيلة بحفظ الأمن والاستقرار وسلامة الوطن ومواطنيه.
نلاحظ أن ما سبق يثير في أنفسنا تساؤلا هاما :
هل الغاية الإصلاح فقط ؟!
لو كانت كذلك لكان الحوار الوطني الشفاف المباشر أسلم طريق للوصول إلى الإصلاح خاصة بعد صدور الكثير من الإصلاحات التي تحتاج للوقت لحصاد ثمارها ومعرفة مصداقيتها .
لكن أن تصدر المراسم اليوم وتخرج المظاهرات في اليوم التالي وتستمر الأحداث مع إستغلال البعض للوضع من خلال بث الفرقة والبغضاء والنعرات الطائفية والعزف على الوتر العرقي مع التهويل والتصعيد الإعلامي فهذا بات منظر مخزي للإعلام العربي .
والسؤال :
ما الذي يريده المواطن السوري ( معارض ومؤيد ) من الحكومة السورية ؟
في الحقيقة لايوجد إتفاق على مطالب محددة إنما هو تصعيد لسقف المطالب الذي يتكلم به البعض من جمعة إلى أخرى وهذا منطقيا تعجيز حيث طالبوا بتحسين المعيشة وعندما تم زيادة الرواتب والوعد بالتثبيت للمؤقتين وتعيين العاطلين قالوا هذا ثمن دم الشهداء ولا يكفي وعندما طالبوا برفع قانون الطوارئ وإستجابت الحكومة برفعه والغاء المحكمة العلية وتنظيم قانون التظاهر قالوا هذا التفاف على القانون ولم يحقق جديدا ولا يكفي فطالبوا بإسقاط النظام وهنا نتسائل :
لو صدقت إحصائيات المتظاهرين حسب القنوات العربية ( التي لا نثق بأغلبها ) لكان عدد المتظاهرين للجمعة الفائتة في أكبر تقديرات مع التهويل الحاصل أقل من 200 ألف بكثير فهل يشكل هؤلاء رقما يسقط النظام أمام الملايين الباقية ؟؟؟
المهم لنحصر مطالب الشعب المحقة في المجموعات التالية :
تثبيت المؤقتين بشكل دوري
إيجاد فرص عمل
الإفراج عن المعتقلين
- تخفيض أسعار المازوت
حماية الصناعة الوطنية:
حرية الصحافة
محاربة الفساد
محاربة الفساد على نحو مطلق هو أحد مستحيلات حياة البشر فما دام هناك إنسان فثمة محاباة وتعاطف وإيثار ولا حيادية، وعندما يكون هذا الإنسان عاطفياً، مثل مواطننا السوري، تحكمه بنية اجتماعية لم تكتمل بعد في نمو مفهوم المواطنة وله ولاءات قبلية وعشائرية وللأسف أحياناً طائفية تصبح محاربة الفساد أكثر تعقيداً وأكثر تحدياً. الكثير من مواطنينا يتحدثون عن محاربة الفساد وكأنها ممكنة بتدخل مارد المصباح السحري أو بقرار سلطوي فوقي يشدد العقوبات حتى درجة الإعدام أو قطع الأطراف على الطريقة القرونوسطية ولكن هذا غير ممكن وغير مقبول في القرن 21 والحل يكمن في تربية طويلة الأجل تستبعد الإثراء السريع وتعلي من قيمة العمل والمحاسبة الدنيوية وربما ما فوق الدنيوية. وبالتوازي مع ذلك لا بد من إيجاد آليات قانونية يشترك الجميع في خلقها وفي تنفيذها تعزز المحاسبة عبر قضاء نزيه قدر ما يستطيعه البشر من النزاهة، وصحافة حرة ومسؤولة، وسلطات تمثيلية برلمانية تحاسب بشفافية وتراقب تنفيذ الخطط والبرامج الحكومية. الكثير من روتين وبيروقراطية الحكومات السورية المتعاقبة وجدت في مسعى للحد من الفساد الذي لم ننج منه بل زادت عليه تضخمات بيروقراطية جعلت الجهاز الحكومي آلية مترهلة صماء بطيئة الحركة ومحدودة الفعالية نجم عن ذلك كله 6 سنوات لإنهاء نفق ساحة العباسيين وأكثر من 45 سنة لمشروع مجمع يلبغا الذي يقف مثل «العين المقلوعة» في قلب عاصمة السوريين دمشق ولم ينته بعد وغيرها من المشاريع الواقفة خرابات تعصف فيها الرياح وتعيث بها الجرذان (مشروع محطة الحجاز) في الوقت الذي يفترض بها أن تضج بالحياة وفرص العمل للكثير من السوريين.
ربما وبدلاً من ذلك تجب المطالبة بفتح الأبواب لا إغلاقها وبتوزيع الصلاحيات والسلطات على نحو لا مركزي وألا تكون في أيد قليلة من المسؤولين لأن ذلك يزيد من البيروقراطية ومن الفساد وهدر الوقت وضعف الكفاءة. فمثلاً الكثير من المشاكل تنجم عن عدم قدرة المسؤول على إصدار قرار يحل مشكلة ما «عندئذ تتشكل لجنة يناط بها أن تشكل لجنة للبت في حل المشكلة وبعد أشهر تخرج اللجنة بمقررات تؤول إلى لجنة تدرس جدوى المقررات، فإذا وافقت اللجنة تدعو إلى تشكيل لجنة لتنفيذ المقررات فإذا جرى شك في نزاهة اللجنة تتشكل لجنة في البت في مدى نزاهة لجنة من سلسلة اللجنات وهكذا. حتى ينتهي المشروع حيث يصار إلى تشكيل لجنة تتسلم المشروع من اللجنة المنفذة وهكذا..»، إذاً الكثير من المشاكل ينجم عن عدم قدرة المسؤولين أو نوابهم عن إصدار القرار الصائب وأحياناً يكون وجود «فساد ما» بمقابل زيادة الكفاءة وسرعة الإنجاز تكون أقل ضرراً من ترهل المشروع وانسحابه عبر الزمن وهدر الكثير من الموارد والرواتب لموظفين ومهندسين لا ينجزون شيئاً يذكر بالمعايير المقبولة في العالم. إن حاجة محافظ مثلاً لتوقيع 350 ورقة يومياً ليس فقط عملاً غير إنساني لرتابته وبيروقراطيته ولكنه لن يسمح لمثل هذا المحافظ أن يتابع شيئاً مهماً خارج مكتبه وخارج أكوام الأعمال الورقية على مكتبه، لن يقوم على ابتكار حلول وتسريع المشاريع والنظر ميدانيا في أمور الناس على حين إن توزيع هذه الصلاحيات وبالتالي هذه التواقيع على مساعديه ونوابه ورؤساء البلديات حسب أهميتها وأولوياتها يوفر الكثير من الوقت ويزيد الكفاءة.
الكثير ممن يأتون إلى بلادنا لتوقيع اتفاقيات مشتركة مع بلدنا سورية يكونون من الصف الثاني أو الثالث من الهرمية الوظيفية في بلادهم ومع ذلك تعتمد تواقيعهم وقد شاهدت ذلك في الدوائر الجامعية والمؤسسات البحثية في أكثر من دولة متقدمة فمجرد الوصول إلى موظف معين تحسم الأمور دون الرجوع إلى الوزارة و«سيادة الوزير» ولا إلى رئيس الجامعة وسكرتيرة العميد ولا حتى إلى تشكيل لجنة لتشكل لجنة للبت في القضية!
حوار شعبي وطني
أخيراً
إن الحاجة الملحة لإصلاح هذه المطالب مماثلة لحاجتنا إلى إصلاح مطالب أخرى لئلا نعود عن منجزات أنجزناها كعلمانية الدولة وحيادية التعليم العام وغيرهما مما يتطلب نقاشات أخرى في مقالات أخرى نحتاج إلى أن نتشارك جميعاً في كتابتها وفي قراءتها ونقاشها فيما بيننا لنبني وعبر الحوار والمنطق مستقبل أولادنا ذلك الأمل الباقي لنا فإن حاجتنا إلى سرعة الإصلاح يجب ألا تؤدي إلى التسرع في الإصلاح فننتهي حيث بدأنا منذ عقود.