Kurd Day
Kurd Day Team
الحلقة الثالثة
رابعا: المصادر النصرانية (السريانية):
ترجع اهمية هذه الكتابات الى انها تؤرخ لفترة مهمة من تارخ الكرد في القرون التي سبقت الفتح الاسلامي لبلادهم، فضلا عن علاقات الكرد بكل من الدولتين الساسانية و البيزنطية، كما انها تربط الاحداث بعقد المجامع الكنسية و انشاء الكنائس و الاديرة في المنطقة الكردية باعتبارها المنطقة الفاصلة بين امارة الرها (ادسا)(67) التي انتشرت فيها النصرانية من جهة و الدولة الساسانية من جهة اخرى(68).
فلا عجب ان تسربت النصرانية الى الاقاليم الايرانية عامة و الكردية خاصة لقربها، في الوقت الذي اعتبرت الديانة الزرادشتية رسمية في الدولة الساسانية ابتداء من عهد مؤسسها اردشير الاول (224-241م) الذي امر-حسب الروايات الفارسية- الهر بدان هربد تنسر بجميع النصوص المتعددة من الكتاب المقدس الزرادشتي المقدس الافستا الاشكانية و بكتابة نص واحد منها، حيث تمت اجازة هذا النص واعتبر مقدسا(69).
و من جانب اخرى تضفي الروايات النصرانية (السريانية) هالة كبيرة على الانتشار المبكر للنصرانية في المنطقة الكردية من خلال قيام مارادي(70) بالتبشير بين رعايا الدولة الساسانية (الكرد و غيرهم) في منطقة حدياب (حزة-اربيل) (71)، وانه تمكن من تعميد (تنصير) رجل اسمه فقيذا نحو سنة 99م؟ الذي كان من عائلة فقيرة من اربيل هرب منها والتجأ الى مارادي الذي كان يكرز بالانجيل في الجبال الكردية في امارة حدياب لمدة خمس سنوات، ثم جعله اسقفا وارسله الى اربيل سنة 104م، ويذكر ادي شير قائمة باسماء عشرة اساقفة تولوا الكرسي الاسقفي في مدينة اربيل للفترة من 104م لغاية 312م(72).
ويعتبر تاريخ اربل (اربيل) لمؤلفه مشيحا زخا(73) من اولى المصادر السريانية التي تتحدث عن الحملات التي قامت بها الدولة الفرثية (247-224م) وامارة حدياب المتحالفة معها في اواسط القرن الثاني الميلادي ضد الانتفاضات التي كان يقوم بها الكاردوخيون في بلاد كاردو الجبلية، وما تبع ذلك من نتائج، و اضاف بأن الكاردوخيين (اوقفوا هجومهم علي هذه الجيوش مع عدم تمكنهم من احتلال مدن الملك ارشاك(74) و ذلك اثر تعرضهم لهجوم غير متوقع من قبل اقوام بربرية أخرى حاولوا تدمير مدنهم و حرقها ونهبها و سبي نسائها"(75).
وقد كان اعتماد المؤرخ الكردي جمال رشيد كثيرا على هذا المصدر المنحول في ايراده لبعض فقراته التي تكمل حلقات مفقودة من التاريخ الكردي قبل الاسلام، ويبدو للباحث انه لم يطلع على هذه المصادر التي تثبت زيفه و الا لكان قد غير رأيه من عدمه(76).
في حين يتطرق كتاب داسنائي(77) لمؤلفه الماريوخنا(78) الى ام ملك مملكة كوردوئين عام 120م كان يدعى "مانيزا روز" و تفسيره بمعنى (عبدالشمس)، ويصفه الماريوخنا بانه كان وسيما و على جانب عظيم من رجاحة العقل ورزانة الرأي والقوة، ولهذا احبته ابنة ملك الارمن "سيرانوش" وتعلقت به و تزوجت منه، لذلك كان استيلاء الارمن على مقاطعة كوردوئين اسميا فقط(79). و يضيف الماريوخنا بانه كان في منطقة حدياب هيكلان عظيمان وثنيان، و ان احد هذين الهيكلين كان موجودا في منطقة شوش و شرمن، ويفسر الكاتب كلمة عقرة بـ(اكره) اي بيت النار(80).
و اما كتاب اعمال شهداء الفرس لمؤلفة ماراحا الجاثليق (410-414م) و ماروثا اسقف ميافارقين(81) (اوائل القرن الخامس- 420م) فهو من المصادر السريانية التي ذكرت اضافة الي حوادث الاضطهادات التي لحقت بالنصارى الكرد على ايدي الملوك الساسانيين معلومات قيمة في وصف مدينة كرخ بيث سلوخ (كركوك الحالية) وتجديدها كان علي يد الملك السلوقي سلوقس، و ذكر بداية دخول النصرانية الى هذه المدينة(82)، مع اضافة اعمال و سجل شهداء منطقة حدياب (اربيل الحالية) الي ما سبقه(83).
وكان نرساي الملفان(84) هو السباق في كتابة مقالة تخص اضطهاد الفرس الساسانيين للنصارى الكرد في عهد الملك الفارسي شابور الثاني الذي استمر حكمه لفترة سبعين سنة (309-379م). حاول خلالها ان يستأصل النصرانية من مملكته التي اصبحت خطرا على عبادة النار، وقد الحق نرساي بتلك المقالة انشودة هي حوار بين بين الملك شابور الثاني و الشهداء حسب تعبير الكاتب(85).
و تذكر المصادر السريانية اسماء كثيرة من النصارى الكرد الذين لاقوا حتفهم ايام الاضطهاد الفارسي لهم، و قد حافظ قسم منهم على اسمائهم الكردية رغم تبوءهم مراكز عليا في السلم الكهنوتي النصراني كالجاثليق شاهدوست الذي كان قد احتفظ باسمه الكردي و معناه صديق الملك، وقد انتخب جاثليقا(86)، ولكن امره افتضح فقبض عليه الفرس مع مئة و ثمانية وعشرين اسقفا و شماسا و راهبا و سجنوهم خمسة اشهر تعرضوا خلالها الى اقسى صنوف التعذيب، وعندما لم يرجعوا عن معتقدهم قتل منهم مرزبان المدائن مئة و عشرين شخصا، و ارسل الى الملك شابور الثاني بالجاثليق شاهدوست و من بقي منهم، فلاطفه شابور في الكلام ليدخله الزرادشتية ولما ابى قتل هو و اصحابه في اليوم العشرين من شهر شباط سنة 342 م(87).
و الاسقف افراهاط وهو فرهاد الذي عرف بالحكيم الفارسي الذي اتخذ اسم يعقوب، وقد رسم اسقفا لدير مار متي الواقع في جبل مقلوب شرقي الموصل، حيث مثل مدينة نصيبين في مؤتمر نيقية عام 325م(88). وفي العام الرابع للاضهاد اي سنة 344م قتل الاسقف نرسي وهو كردي من شهرقذ في بيث جرمي (كركوك الحالية)(89).
وفي السنوات الاولى لحكم الملك بهرام الخامس (420-438 م) قتل ميرشابور و فيروز و الكاتب يعقوب(90)، اما ناثنيال الشهرزوري (منطقة السليمانية الحالية) فقد درس في نصيبين واهتم بدراسة (التفسير)، وقد سجنه الملك كسرى الثاني (590-628 م) ست سنوات قبل 628 م ثم قتله لان الجماعة التي كانت بامرته طردوا قائدا فارسيا من المدينة بحجة هدمه لكنيستها(91).
وفي سنة 358م اعدم مارايثالاها النوهدري في امارة حدياب (اربيل الحالية) على يد الفرس بعد ثباته على مبدئه، وقد بني ديرا تخليدا لذكراه في منطقة نوهدرا (دهوك الحالية)(92).
وقد كانت هذه المصادرو الاساطير السريانية مقدمة لاعتقاد بعض المؤرخين بان الكرد قد تقبلوا-النصرانية في اوائل ظهورها(93)- ولا سيما ان المصادر النصرانية الحديثة ما زالت عند موقفها بشان التواجد المبكر للنصرانية في المنطقة الكردية و التي تعود الى القرن الثاني الميلادي(94).
في الوقت نفسه هناك عدد من الباحثين ينفون اية صلة للكرد بالنصرانية، و انما بقوا محافظين علي عقيدتهم الزرادشتية بالرغم من الجهود المضنية التي بذلها رجال الدين النصارى في الترويج لمعتقدهم(95a)". في حين ذهب اخرون الى ان قسما ضئيلا من هؤلاء الكرد اعتنقوا النصرانية بعد فترة طويلة من وصولها الى ديارهم، ولما جاء الاسلام الى هذه المنطقة وجد امامه النصرانية التي لم يكن لها من العمر اكثر من قرنين و وجد الزرادشتية الديانة الرئيس(95).
من كل هذا يبدو للباحث ان التغلغل النصراني في المنطقة الكردية كان بطيئا للغاية، و ان افرادا عديدين قد اعتنقوا هذا الدين الجديد بحيث لم يشكل اية خطورة على السلطة الساسانية التي تستمد نظرية الحكم لديها من الديانة الزرادشتية التي مضى عليها منذ ان بشر بها زرادشت على شواطئ بحيرة اورمية ستة قرون(96).
وقد عاش هؤلاء النصارى الكرد في سلام ما دامت اعدادهم قليلة، و افكارهم لا تؤثر في الخط العام للدولة، ولكن الموقف تغير في بداية القرن الرابع الميلادي حين اصدر الامبراطور قسطنطين costantin (306-337 م) مرسوم ميلان الشهير في سنة 313م معترفا بالنصرانية كاحدى الديانات المصرح باعتناقها داخل الامبراطورية البيزنطية(97). وما اعلنه الملك الارمني تيريدات الثالث tradat III من اعلان تنصير ارمينيا رسميا في عام 301 او 314 م(98).
وقد كانت هذه الحوادث مقدمة لاول اضطهاد وقع على النصارى الكرد وغيرهم ابتداء من سنة 339م حتى وفاة الامبراطور شابور الثاني عام 379م، ومما يؤكد وقوع الاضطهاد على النصارى الكرد ما اورده المؤرخ الدانمركي كريستنسن: "وقد وقع الاضطهاد خاصة في ولايات الشمال الشرقي في المناطق المتاخمة للامبراطورية الرومانية كانت هناك مقاتل و مذابح كما كان هناك تشريد. في سنة 362 م نفي تسعة الاف مسيحي مع الاسقف هيليودور من قلعة فنك في برابره الي خوارزم بعد ثورة"(99).
وهؤلاء هم الذين عني بهم المسعودي عندما ذكر اخبارا عن الكورد اليعقوبية والجورقان وان ديارهم تقع مما يلي الموصل و جبل الجودي(100). واشار اليهم الرحالة ماركوبولو(101) في حديثه عن الموصل بقوله: "انه يسكن الاجزاء الجبلية جنس من الناس يسمي بالاكراد، بعضهم مسيحيون من النساطرة او اليعاقبة و بعضهم الاخر من المسلمين.."(102).
وقد ذهب صاحب كتاب "تقويم الكنيسة النسطورية القديمة" بعيدا حينما فسر كلمة كردستان ب "كلدانستان" واستند الي كتابات المؤرخين السريان: ابن الحجري، و ابن الصليبي، بيت يشوع و ابو فرج بقولهم: "انها كلدانستان لا كردستان، لان اهالي الجبل جميعم كانوا من شيعة الكلدانيين القدماء قبل المسيح (عليه السلام) وفي زماننا بدلوا الكلدان بالكرد والى الان يقولون كردستان و هذا غلط"(103).
وعلي الرغم من الفائدة الكبيرة للمصادر النصرانية في استجلاء حلقات مفقودة من التاريخ الكردي في القرون التي سبقت الاسلام فانها لم تخل من سلبيات منها:
1-تتسم هذه المصادر باسلوب السرد و النقل، مع نزعة غيبية ظاهرة كونها تعتمد على معجزات القديسين التي لا يمكن تاويلها باي شكل من الاشكال(104).
2-تفتقر هذه المصادر الى الموضوعية بدرجة كبيرة، لكننا لا نستطيع ان ننفي عنها هذه الصفة بصورة كاملة(105).
3-يغلب على هذه المصادر الطابع الاسطوري الخرافي، و عدم الدقة في التواريخ المحلية و العالمية(106).
4-ظاهرة التعصب الاعمى التي رافقت مدوني هذه المصادر خلال المراحل التاريخية بدءا من الكتابة ضد الزرادشتية في المرحلة الاولى، و انتهاء بالتدوين ضد الاسلام في مراحل لاحقة(107).
5-ظهور مصادر منحولة و الاعتماد عليها كمصادر لا يرقى اليها الشك عند عدد كبير من الباحثين(108).
يتبع بحلقة رابعة
رابعا: المصادر النصرانية (السريانية):
ترجع اهمية هذه الكتابات الى انها تؤرخ لفترة مهمة من تارخ الكرد في القرون التي سبقت الفتح الاسلامي لبلادهم، فضلا عن علاقات الكرد بكل من الدولتين الساسانية و البيزنطية، كما انها تربط الاحداث بعقد المجامع الكنسية و انشاء الكنائس و الاديرة في المنطقة الكردية باعتبارها المنطقة الفاصلة بين امارة الرها (ادسا)(67) التي انتشرت فيها النصرانية من جهة و الدولة الساسانية من جهة اخرى(68).
فلا عجب ان تسربت النصرانية الى الاقاليم الايرانية عامة و الكردية خاصة لقربها، في الوقت الذي اعتبرت الديانة الزرادشتية رسمية في الدولة الساسانية ابتداء من عهد مؤسسها اردشير الاول (224-241م) الذي امر-حسب الروايات الفارسية- الهر بدان هربد تنسر بجميع النصوص المتعددة من الكتاب المقدس الزرادشتي المقدس الافستا الاشكانية و بكتابة نص واحد منها، حيث تمت اجازة هذا النص واعتبر مقدسا(69).
و من جانب اخرى تضفي الروايات النصرانية (السريانية) هالة كبيرة على الانتشار المبكر للنصرانية في المنطقة الكردية من خلال قيام مارادي(70) بالتبشير بين رعايا الدولة الساسانية (الكرد و غيرهم) في منطقة حدياب (حزة-اربيل) (71)، وانه تمكن من تعميد (تنصير) رجل اسمه فقيذا نحو سنة 99م؟ الذي كان من عائلة فقيرة من اربيل هرب منها والتجأ الى مارادي الذي كان يكرز بالانجيل في الجبال الكردية في امارة حدياب لمدة خمس سنوات، ثم جعله اسقفا وارسله الى اربيل سنة 104م، ويذكر ادي شير قائمة باسماء عشرة اساقفة تولوا الكرسي الاسقفي في مدينة اربيل للفترة من 104م لغاية 312م(72).
ويعتبر تاريخ اربل (اربيل) لمؤلفه مشيحا زخا(73) من اولى المصادر السريانية التي تتحدث عن الحملات التي قامت بها الدولة الفرثية (247-224م) وامارة حدياب المتحالفة معها في اواسط القرن الثاني الميلادي ضد الانتفاضات التي كان يقوم بها الكاردوخيون في بلاد كاردو الجبلية، وما تبع ذلك من نتائج، و اضاف بأن الكاردوخيين (اوقفوا هجومهم علي هذه الجيوش مع عدم تمكنهم من احتلال مدن الملك ارشاك(74) و ذلك اثر تعرضهم لهجوم غير متوقع من قبل اقوام بربرية أخرى حاولوا تدمير مدنهم و حرقها ونهبها و سبي نسائها"(75).
وقد كان اعتماد المؤرخ الكردي جمال رشيد كثيرا على هذا المصدر المنحول في ايراده لبعض فقراته التي تكمل حلقات مفقودة من التاريخ الكردي قبل الاسلام، ويبدو للباحث انه لم يطلع على هذه المصادر التي تثبت زيفه و الا لكان قد غير رأيه من عدمه(76).
في حين يتطرق كتاب داسنائي(77) لمؤلفه الماريوخنا(78) الى ام ملك مملكة كوردوئين عام 120م كان يدعى "مانيزا روز" و تفسيره بمعنى (عبدالشمس)، ويصفه الماريوخنا بانه كان وسيما و على جانب عظيم من رجاحة العقل ورزانة الرأي والقوة، ولهذا احبته ابنة ملك الارمن "سيرانوش" وتعلقت به و تزوجت منه، لذلك كان استيلاء الارمن على مقاطعة كوردوئين اسميا فقط(79). و يضيف الماريوخنا بانه كان في منطقة حدياب هيكلان عظيمان وثنيان، و ان احد هذين الهيكلين كان موجودا في منطقة شوش و شرمن، ويفسر الكاتب كلمة عقرة بـ(اكره) اي بيت النار(80).
و اما كتاب اعمال شهداء الفرس لمؤلفة ماراحا الجاثليق (410-414م) و ماروثا اسقف ميافارقين(81) (اوائل القرن الخامس- 420م) فهو من المصادر السريانية التي ذكرت اضافة الي حوادث الاضطهادات التي لحقت بالنصارى الكرد على ايدي الملوك الساسانيين معلومات قيمة في وصف مدينة كرخ بيث سلوخ (كركوك الحالية) وتجديدها كان علي يد الملك السلوقي سلوقس، و ذكر بداية دخول النصرانية الى هذه المدينة(82)، مع اضافة اعمال و سجل شهداء منطقة حدياب (اربيل الحالية) الي ما سبقه(83).
وكان نرساي الملفان(84) هو السباق في كتابة مقالة تخص اضطهاد الفرس الساسانيين للنصارى الكرد في عهد الملك الفارسي شابور الثاني الذي استمر حكمه لفترة سبعين سنة (309-379م). حاول خلالها ان يستأصل النصرانية من مملكته التي اصبحت خطرا على عبادة النار، وقد الحق نرساي بتلك المقالة انشودة هي حوار بين بين الملك شابور الثاني و الشهداء حسب تعبير الكاتب(85).
و تذكر المصادر السريانية اسماء كثيرة من النصارى الكرد الذين لاقوا حتفهم ايام الاضطهاد الفارسي لهم، و قد حافظ قسم منهم على اسمائهم الكردية رغم تبوءهم مراكز عليا في السلم الكهنوتي النصراني كالجاثليق شاهدوست الذي كان قد احتفظ باسمه الكردي و معناه صديق الملك، وقد انتخب جاثليقا(86)، ولكن امره افتضح فقبض عليه الفرس مع مئة و ثمانية وعشرين اسقفا و شماسا و راهبا و سجنوهم خمسة اشهر تعرضوا خلالها الى اقسى صنوف التعذيب، وعندما لم يرجعوا عن معتقدهم قتل منهم مرزبان المدائن مئة و عشرين شخصا، و ارسل الى الملك شابور الثاني بالجاثليق شاهدوست و من بقي منهم، فلاطفه شابور في الكلام ليدخله الزرادشتية ولما ابى قتل هو و اصحابه في اليوم العشرين من شهر شباط سنة 342 م(87).
و الاسقف افراهاط وهو فرهاد الذي عرف بالحكيم الفارسي الذي اتخذ اسم يعقوب، وقد رسم اسقفا لدير مار متي الواقع في جبل مقلوب شرقي الموصل، حيث مثل مدينة نصيبين في مؤتمر نيقية عام 325م(88). وفي العام الرابع للاضهاد اي سنة 344م قتل الاسقف نرسي وهو كردي من شهرقذ في بيث جرمي (كركوك الحالية)(89).
وفي السنوات الاولى لحكم الملك بهرام الخامس (420-438 م) قتل ميرشابور و فيروز و الكاتب يعقوب(90)، اما ناثنيال الشهرزوري (منطقة السليمانية الحالية) فقد درس في نصيبين واهتم بدراسة (التفسير)، وقد سجنه الملك كسرى الثاني (590-628 م) ست سنوات قبل 628 م ثم قتله لان الجماعة التي كانت بامرته طردوا قائدا فارسيا من المدينة بحجة هدمه لكنيستها(91).
وفي سنة 358م اعدم مارايثالاها النوهدري في امارة حدياب (اربيل الحالية) على يد الفرس بعد ثباته على مبدئه، وقد بني ديرا تخليدا لذكراه في منطقة نوهدرا (دهوك الحالية)(92).
وقد كانت هذه المصادرو الاساطير السريانية مقدمة لاعتقاد بعض المؤرخين بان الكرد قد تقبلوا-النصرانية في اوائل ظهورها(93)- ولا سيما ان المصادر النصرانية الحديثة ما زالت عند موقفها بشان التواجد المبكر للنصرانية في المنطقة الكردية و التي تعود الى القرن الثاني الميلادي(94).
في الوقت نفسه هناك عدد من الباحثين ينفون اية صلة للكرد بالنصرانية، و انما بقوا محافظين علي عقيدتهم الزرادشتية بالرغم من الجهود المضنية التي بذلها رجال الدين النصارى في الترويج لمعتقدهم(95a)". في حين ذهب اخرون الى ان قسما ضئيلا من هؤلاء الكرد اعتنقوا النصرانية بعد فترة طويلة من وصولها الى ديارهم، ولما جاء الاسلام الى هذه المنطقة وجد امامه النصرانية التي لم يكن لها من العمر اكثر من قرنين و وجد الزرادشتية الديانة الرئيس(95).
من كل هذا يبدو للباحث ان التغلغل النصراني في المنطقة الكردية كان بطيئا للغاية، و ان افرادا عديدين قد اعتنقوا هذا الدين الجديد بحيث لم يشكل اية خطورة على السلطة الساسانية التي تستمد نظرية الحكم لديها من الديانة الزرادشتية التي مضى عليها منذ ان بشر بها زرادشت على شواطئ بحيرة اورمية ستة قرون(96).
وقد عاش هؤلاء النصارى الكرد في سلام ما دامت اعدادهم قليلة، و افكارهم لا تؤثر في الخط العام للدولة، ولكن الموقف تغير في بداية القرن الرابع الميلادي حين اصدر الامبراطور قسطنطين costantin (306-337 م) مرسوم ميلان الشهير في سنة 313م معترفا بالنصرانية كاحدى الديانات المصرح باعتناقها داخل الامبراطورية البيزنطية(97). وما اعلنه الملك الارمني تيريدات الثالث tradat III من اعلان تنصير ارمينيا رسميا في عام 301 او 314 م(98).
وقد كانت هذه الحوادث مقدمة لاول اضطهاد وقع على النصارى الكرد وغيرهم ابتداء من سنة 339م حتى وفاة الامبراطور شابور الثاني عام 379م، ومما يؤكد وقوع الاضطهاد على النصارى الكرد ما اورده المؤرخ الدانمركي كريستنسن: "وقد وقع الاضطهاد خاصة في ولايات الشمال الشرقي في المناطق المتاخمة للامبراطورية الرومانية كانت هناك مقاتل و مذابح كما كان هناك تشريد. في سنة 362 م نفي تسعة الاف مسيحي مع الاسقف هيليودور من قلعة فنك في برابره الي خوارزم بعد ثورة"(99).
وهؤلاء هم الذين عني بهم المسعودي عندما ذكر اخبارا عن الكورد اليعقوبية والجورقان وان ديارهم تقع مما يلي الموصل و جبل الجودي(100). واشار اليهم الرحالة ماركوبولو(101) في حديثه عن الموصل بقوله: "انه يسكن الاجزاء الجبلية جنس من الناس يسمي بالاكراد، بعضهم مسيحيون من النساطرة او اليعاقبة و بعضهم الاخر من المسلمين.."(102).
وقد ذهب صاحب كتاب "تقويم الكنيسة النسطورية القديمة" بعيدا حينما فسر كلمة كردستان ب "كلدانستان" واستند الي كتابات المؤرخين السريان: ابن الحجري، و ابن الصليبي، بيت يشوع و ابو فرج بقولهم: "انها كلدانستان لا كردستان، لان اهالي الجبل جميعم كانوا من شيعة الكلدانيين القدماء قبل المسيح (عليه السلام) وفي زماننا بدلوا الكلدان بالكرد والى الان يقولون كردستان و هذا غلط"(103).
وعلي الرغم من الفائدة الكبيرة للمصادر النصرانية في استجلاء حلقات مفقودة من التاريخ الكردي في القرون التي سبقت الاسلام فانها لم تخل من سلبيات منها:
1-تتسم هذه المصادر باسلوب السرد و النقل، مع نزعة غيبية ظاهرة كونها تعتمد على معجزات القديسين التي لا يمكن تاويلها باي شكل من الاشكال(104).
2-تفتقر هذه المصادر الى الموضوعية بدرجة كبيرة، لكننا لا نستطيع ان ننفي عنها هذه الصفة بصورة كاملة(105).
3-يغلب على هذه المصادر الطابع الاسطوري الخرافي، و عدم الدقة في التواريخ المحلية و العالمية(106).
4-ظاهرة التعصب الاعمى التي رافقت مدوني هذه المصادر خلال المراحل التاريخية بدءا من الكتابة ضد الزرادشتية في المرحلة الاولى، و انتهاء بالتدوين ضد الاسلام في مراحل لاحقة(107).
5-ظهور مصادر منحولة و الاعتماد عليها كمصادر لا يرقى اليها الشك عند عدد كبير من الباحثين(108).
يتبع بحلقة رابعة