كول نار
Kurd Day Team
الحمد لله رب العالمين حمداً يوافي نعمه ويكافيء مزيده ، احتفظ لنفسه بسرّ الروح فقال :" وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا " اللهم إنا نسألك السداد والتوفيق في موضوعنا هذا ، فإنا سنتكلم عن بعض ما جاء في القرءان والسنة عن صفات الروح من حيث إمكان تنقلها وعروجها في السموات وتلاقيها بأرواح من سبقها من الأموات وليس من باب الاطلاع على ماهية الروح التي لايعلم حقيقتها إلا الله تعالى
إن إحدى النوافذ التي يطل عبرها الأحياء على عالم البرزخ وأرواح الأموات أو عالم ملكوت السموات هو النوم ، قال تعالى : اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" الزمر42
أين يكون المؤمن وهو نائم ؟ أين تذهب الروح والى أي مدى تصل ؟ وهل تتلاقى أرواح الأموات وأرواح الأحياء ؟ هل الموت للروح أم للجسد ؟ وهل تتعارف الأرواح وتلتقي بعد الموت ؟
أسئلة سنعمل على الإجابة عنها إن شاء الله تعالى من ضوء القرءان والسنة النبوية الشريفة بعيداً عن الاجتهاد الشخصي فيها
أما بالنسبة للسؤال الأول وهو أين يكون النائم وهل النوم مجرد غيبوبة للعقل عن الوعي والإدراك أم إن الروح تسيح في عالم الأرواح الأحياء منهم والأموات ، عدا عن عروجها في ملكوت السموات ! يقول سعيد بن جبير – رضي الله عنه- فيما يرويه عن ابن عباس – رضي الله عنه- في تفسير الآية التي ذكرناها يقول : " بلغني أن أرواح الأحياء والأموات تلتقي في المنام ، فيتسائلون بينهم فيمسك الله أرواح الموتى ويرسل أرواح الأحياء إلى أجسادها " رواه الطبراني في الاوسط ؛ وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية " فيمسكُ التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى الى أجل مسمى " إن في الآية دلالة على أن الأنفس تجتمع في الملأ الأعلى كما ورد في الصحيحين عن أبي هريرة – رضي الله عنه- قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم- : " إذا أوى أحدكم الى فراشه فلينفضه بداخلة إزاره ، فإنه لا يدري ما خلفه عليه ، ثم ليقل : باسمك وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فارحمها ( أي قبضت روحي ) ، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين "
وقال بعض السلف : يقبض الله أرواح الأموات إذا ماتوا وأرواح الأحياء إذا ناموا فتتعارف ما شاء الله تعالى أن تتعارف -ابن كثير- وهذا التعلق للروح بالأبدان والانفصال عنها عند النوم قال تعالى فيه : " إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ".
ومن الأدلة في السنة النبوية على سياحة روح النائم حتى تصل إلى الجنة وتلتقي بأهلها ما رواه عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلَيْنِ قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ إِسْلَامُهُمَا جَمِيعًا وَكَانَ أَحَدُهُمَا أَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنْ صَاحِبِهِ فَغَزَا الْمُجْتَهِدُ مِنْهُمَا فَاسْتُشْهِدَ ثُمَّ مَكَثَ الْآخَرُ بَعْدَهُ سَنَةً ثُمَّ تُوُفِّيَ قَالَ طَلْحَةُ فَرَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ كَأَنِّي عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ إِذَا أَنَا بِهِمَا وَقَدْ خَرَجَ خَارِجٌ مِنَ الْجَنَّةِ فَأَذِنَ لِلَّذِي تُوُفِّيَ الْآخِرَ مِنْهُمَا ثُمَّ خَرَجَ فَأَذِنَ لِلَّذِي اسْتُشْهِدَ ثُمَّ رَجَعَا إِلَيَّ فَقَالَا لِي ارْجِعْ فَإِنَّهُ لَمْ يَأْنِ لَكَ بَعْدُ فَأَصْبَحَ طَلْحَةُ يُحَدِّثُ بِهِ النَّاسَ فَعَجِبُوا لِذَلِكَ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مِنْ أَيِّ ذَلِكَ تَعْجَبُونَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا كَانَ أَشَدَّ اجْتِهَادًا ثُمَّ اسْتُشْهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدَخَلَ هَذَا الْجَنَّةَ قَبْلَهُ فَقَالَ أَلَيْسَ قَدْ مَكَثَ هَذَا بَعْدَهُ سَنَةً قَالُوا بَلَى وَأَدْرَكَ رَمَضَانَ فَصَامَهُ قَالُوا بَلَى وَصَلَّى كَذَا وَكَذَا سَجْدَةً فِي السَّنَةِ قَالُوا بَلَى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ فَلَمَا بَيْنَهُمَا أَبْعَدُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ * والشاهد في القصة أن الشهيدين قالوا لطاحة ارجع فإنه لم يأن لك بعد ، وهذا يدلّ على أن روحه وصلت بسياحتها الى الجنة ، وتخاطبت مع الشهيدين من الصحابة ، وعندما آن وقت استيقاظه وعودته الى الدنيا ، قالا له لم يأن لك بعد ، لأنه ما زال على قيد الحياة
كثيراً ما ينام الواحد منا وقد امتلأ قلبه شوقاً لأحد أعز الناس على قلبه الذين ماتوا ، فينام من ليلته فيرى والده أو والدته المتوفاة وقد جُبر خاطره ، وقد يكلِّمه في مشكلة يعيشها في أعماقه لا يعلمها إلا الله تعالى ، فما الذي يحصل عند هذه الحالة
إن أرواح المؤمنين تزور أهل بيتها بإذن ربها ، وهي طليقة بقدر منزلتها عند الله تعالى بل إن أعمال الأحياء تعرض على أقربائهم من الأموات كما ورد في الحديث الذي يرويه أبو أيوب الأنصاري – رضي الله عنه- " تعرض أعمال الأحياء على الموتى ، فإذا رأو حسناً فرحوا واستبشروا ، وإذا رأوا سوءاً قالوا : اللهم راجع به " أي رب أرجعه الى الهدى - وفي مسند أحمد عن أنس بن مالك يقول قال النبي : " إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من الأموات فإن كان خيراً استبشروا به وإن كان غير ذلك قالوا اللهم لا تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا
وفي عهد الصحابة كان الأحياء منهم يلتقي بإخوانه من الأموات ، ويخاطبونهم مخاطبة جليّة تأتي كفلْق الصباح ، فها هو الصحابي الجليل معاذ بن جبل الذي كان كصاحب يس ، دعا قومه الى الإسلام وعاب أصنامهم فانقضوا عليه وقتلوه ، فرآه الصحابي عبد الرحمن بن غنم في المنام بعد وفاته بثلاثة أيام على فرس أبلق (أي فيه سواد وبياض وهو من الخيل النفيسة ) وخلفه رجال بيض ، عليهم ثياب خضر على خيل بلق وهو قدامهم ، وهو يقول : " يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين " ثم التفت عن يمينه وشماله يقول : يا بن رواحة يا بن مظعون وهم إخوانه من الشهداء :" الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوّأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين " الزمر 74
قد يقول بعض الناس أن هذه مجرد أحاديث النفس وما تتوق إليه فتستقر في العقل الباطني ثم يعود العقل ليُفرِز هذه الأحاسيس والمشاعر فيترجمها الى رؤى ؟
لا شك أن هناك أنواعاً من الرؤى منها ما سماه رسول الله – صلى الله عليه وسلم- حديث النفس كما سنبينه مفصلاً إن شاء الله تعالى في الحلقة القادمة ، إلا أن هذا النوع من الرؤى هو رؤيا حق وخاصة أن كثيراً من الخبايا التي لم يكن يعلمها أحد من أهل الميت ، كلأموال المدفونة أو الأمانات أو أشخاص أساء إليهم فأكل أموالهم فإنه يأتي في المنام لأحد أقاربه ويكشف عن تلك الأمور ، وهناك قصة عجيبة ، ووصية نادرة من صحابي استشهد يوم معركة اليمامة في عهد الخليفة أبي بكر الصديق وقد طبقت الوصية بحذافيرها ، وهو الصحابي الجليل ثابت بن قيس – رضي الله عنه- الذي بكى من قوله تعالى : " إنَّ اللهَ لا يحبُّ كلَّ مُخْتالٍ فَخُورْ " لقمان18 / أغلق عليه بابه وطفق يبكي ففقده رسول الله – صلى الله عليه وسلم- فأرسل إليه فأخبره فقال يا رسول الله : إني أحب الجمال ، وأحبّ أن أسود قومي ، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم- : " لست منهم ، بل تعيش حميداً وتقتل شهيداً ، وتدخل الجنة " وكان هذا من نبوءاته – صلى الله عليه وسلم- فلما كان يوم اليمامة ، خرج مع خالد بن الوليد الى مسيلِمة الكذاب ، فلما التقوا وانكشفوا لشدة الكرّ والفرّ في هذه المعركة ، قال ثابت وسالم مولى أبي حذيفة ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله ثم حفر كلّ واحد له حفرة ، فثبتا وقاتلا حتى قتلا ، وعلى ثابت بن قيس يومئذ درع له نفيسة ، فمرّ به رجل من المسلمين فأخذها ، فبينما رجل من المسلمين نائم إذ أتاه ثابت في منامه فقال له : أوصيك بوصية فإياك أن تقول هذا حلم فتضيعه ، إني لما قتلت بالأمس ، مرّ بي رجل من المسلمين فأخذ درعي ، ومنزله في أقصى الناس ، وعند خبائه ( أي خيمته ) فرس يستن في طوله ، وقد كفأ على الدرع بُرمة (أي غطّاه بقدر) وقد وضع فوق القدر رحل دابته ( السرج) ، فأت خالداً فمره أن يبعث الى درعي فيأخذها وإذا قدمت على خليفة رسول الله – صلى الله عليه وسلم- - يعني أبا بكر الصديق – رضي الله عنه- فقل له : إنّ عليّ من الدين كذا وكذا ، وفلان من رقيقي عتيق ، فأتى الرجل خالداً فأخبره فبعث الى الدرع فأتي بها ، وحدّث أبا بكر برؤياه فأجاز وصيته قال : ولا نعلم أحداً أجيزت وصيته بعد موته غير ثابت بن قيس
رواه الحاكم 3/235 والبيهقي في الدلائل 6/356 وأبو نعيم في الدلائل 2/730
هل هذا التلاقي يكون بين الأرواح المعذبة أيضاً ؟
الذي ورد في الأحاديث يتكلم عن أرواح المؤمنين حيث عندهم خاصية التزاور والسياحة في الملكوت ، بينما الأرواح المعذبة في شغل عن التزاور والتلاقي لأنها حبيسة العذاب ، بعكس أرواح المؤمنين المنعمة فهي مرسلة غير مقيدةٍ تتلاقى وتتزاور وتتذاكر ما كان منها في الدنيا وما يكون من أهل الدنيا
كما ورد في الحديث
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا حُضِرَ الْمُؤْمِنُ أَتَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ بِحَرِيرَةٍ بَيْضَاءَ فَيَقُولُونَ اخْرُجِي رَاضِيَةً مَرْضِيًّا عَنْكِ إِلَى رَوْحِ اللَّهِ وَرَيْحَانٍ وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ فَتَخْرُجُ كَأَطْيَبِ رِيحِ الْمِسْكِ حَتَّى أَنَّهُ لَيُنَاوِلُهُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا حَتَّى يَأْتُونَ بِهِ بَابَ السَّمَاءِ فَيَقُولُونَ مَا أَطْيَبَ هَذِهِ الرِّيحَ الَّتِي جَاءَتْكُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَيَأْتُونَ بِهِ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ فَلَهُمْ أَشَدُّ فَرَحًا بِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ بِغَائِبِهِ يَقْدَمُ عَلَيْهِ فَيَسْأَلُونَهُ مَاذَا فَعَلَ فُلَانٌ مَاذَا فَعَلَ فُلَانٌ فَيَقُولُونَ دَعُوهُ فَإِنَّهُ كَانَ فِي غَمِّ الدُّنْيَا فَإِذَا قَالَ أَمَا أَتَاكُمْ قَالُوا ذُهِبَ بِهِ إِلَى أُمِّهِ الْهَاوِيَةِ ، وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا احْتُضِرَ أَتَتْهُ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ بِمِسْحٍ فَيَقُولُونَ اخْرُجِي سَاخِطَةً مَسْخُوطًا عَلَيْكِ إِلَى عَذَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَتَخْرُجُ كَأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ حَتَّى يَأْتُونَ بِهِ بَابَ الْأَرْضِ فَيَقُولُونَ مَا أَنْتَنَ هَذِهِ الرِّيحَ حَتَّى يَأْتُونَ بِهِ أَرْوَاحَ الْكُفَّارِ * رواه النسائي
وقد روى ابن أبي الدنيا قصة رجل من آل عاصم الجحدري قال : رأيت عاصماً الجُحدري في منامي بعد موته بسنتين ، فقلت : أليس قد متّ ؟ فقال : بلى ، قلت فأين أنت ؟ قال : أنا والله في روضة من رياض الجنة أنا ونفر من أصحابي ، نجتمع كل ليلة جمعة وصبيحتها الى بكر بن عبد الله المزني فنتلقى أخباركم ، قال : قلت أجسادكم أم أرواحكم قال هيهات ، بليت الأجسام وإنما تتلاقى الأرواح ، قال: قلت فهل تعلمون بزيارتنا إياكم ؟ قال نعم نعلم بها عشية الجمعة ويوم الجمعة كله ، ويوم السبت الى طلوع الشمس ، قال : قلت فكيف ذلك دون الأيام كلها قال : لفضل يوم الجمعة وعظمته " رواه ابن أبي الدنيا في المنامات رقم58
إذاً الأموات تعلم بزيارة الأحياء لها بل وهي تنتظر منهم دعوة صالحة أو صدقة عن روحهم فهم كالمستغيثون ينتظرون عوناً أو مساعدة من إخوانهم الأحياء الذين ما زالوا يستطيعون العمل الذي انقطع عند إخوانهم الأموات ، وهذه قصة شاب كان يزور المقابر في زمن الطاعون ، ويشهد الصلاة على الجنائز فإذا أمسى وقف على باب المقابر فقال : آنس الله وحشتكم ورحم غربتكم وتجاوز عن مسيئكم وقبل حسناتكم. . . لايزيد على هؤلاء الكلمات . قال فأمسيت ذات ليلة وانصرفت الى أهلي ، ولم آت المقابر فأدعوا كما كنت أدعو ، فقال فبينا أنا نائم إذا بخلق كثير قد جاءوني ، فقلت : ما أنتم وما حاجتكم ؟ قالوا : الدعوات التي كنت تدعوا بها ، قال : قلت فإني أعود لذلك ، قال : فما تركتها بعد ذلك ". رواه ابن ابي الدنيا والبيهقي في الشعب كما في شرح الصدور صـ30
وقد علم النبي – صلى الله عليه وسلم- أمته إذا زاروا القبور أن يقولوا : " سلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين ، نسأل الله لنا ولكم العافية " رواه مسلم في الجنائز
وفي هذا دليل على أن الصلة باقية بين الحي والميت فإنه يسمع وينتفع بالدعاء ، فلولا أن المخاطب يسمع ، وإلا لكان ذلك بمنزلة الخطاب للتراب والخشب والحجر
http://www.antimagic.net/default/zawhr/tatlki.html#topإن إحدى النوافذ التي يطل عبرها الأحياء على عالم البرزخ وأرواح الأموات أو عالم ملكوت السموات هو النوم ، قال تعالى : اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" الزمر42
أين يكون المؤمن وهو نائم ؟ أين تذهب الروح والى أي مدى تصل ؟ وهل تتلاقى أرواح الأموات وأرواح الأحياء ؟ هل الموت للروح أم للجسد ؟ وهل تتعارف الأرواح وتلتقي بعد الموت ؟
أسئلة سنعمل على الإجابة عنها إن شاء الله تعالى من ضوء القرءان والسنة النبوية الشريفة بعيداً عن الاجتهاد الشخصي فيها
أما بالنسبة للسؤال الأول وهو أين يكون النائم وهل النوم مجرد غيبوبة للعقل عن الوعي والإدراك أم إن الروح تسيح في عالم الأرواح الأحياء منهم والأموات ، عدا عن عروجها في ملكوت السموات ! يقول سعيد بن جبير – رضي الله عنه- فيما يرويه عن ابن عباس – رضي الله عنه- في تفسير الآية التي ذكرناها يقول : " بلغني أن أرواح الأحياء والأموات تلتقي في المنام ، فيتسائلون بينهم فيمسك الله أرواح الموتى ويرسل أرواح الأحياء إلى أجسادها " رواه الطبراني في الاوسط ؛ وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية " فيمسكُ التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى الى أجل مسمى " إن في الآية دلالة على أن الأنفس تجتمع في الملأ الأعلى كما ورد في الصحيحين عن أبي هريرة – رضي الله عنه- قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم- : " إذا أوى أحدكم الى فراشه فلينفضه بداخلة إزاره ، فإنه لا يدري ما خلفه عليه ، ثم ليقل : باسمك وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فارحمها ( أي قبضت روحي ) ، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين "
وقال بعض السلف : يقبض الله أرواح الأموات إذا ماتوا وأرواح الأحياء إذا ناموا فتتعارف ما شاء الله تعالى أن تتعارف -ابن كثير- وهذا التعلق للروح بالأبدان والانفصال عنها عند النوم قال تعالى فيه : " إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ".
ومن الأدلة في السنة النبوية على سياحة روح النائم حتى تصل إلى الجنة وتلتقي بأهلها ما رواه عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلَيْنِ قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ إِسْلَامُهُمَا جَمِيعًا وَكَانَ أَحَدُهُمَا أَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنْ صَاحِبِهِ فَغَزَا الْمُجْتَهِدُ مِنْهُمَا فَاسْتُشْهِدَ ثُمَّ مَكَثَ الْآخَرُ بَعْدَهُ سَنَةً ثُمَّ تُوُفِّيَ قَالَ طَلْحَةُ فَرَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ كَأَنِّي عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ إِذَا أَنَا بِهِمَا وَقَدْ خَرَجَ خَارِجٌ مِنَ الْجَنَّةِ فَأَذِنَ لِلَّذِي تُوُفِّيَ الْآخِرَ مِنْهُمَا ثُمَّ خَرَجَ فَأَذِنَ لِلَّذِي اسْتُشْهِدَ ثُمَّ رَجَعَا إِلَيَّ فَقَالَا لِي ارْجِعْ فَإِنَّهُ لَمْ يَأْنِ لَكَ بَعْدُ فَأَصْبَحَ طَلْحَةُ يُحَدِّثُ بِهِ النَّاسَ فَعَجِبُوا لِذَلِكَ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مِنْ أَيِّ ذَلِكَ تَعْجَبُونَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا كَانَ أَشَدَّ اجْتِهَادًا ثُمَّ اسْتُشْهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدَخَلَ هَذَا الْجَنَّةَ قَبْلَهُ فَقَالَ أَلَيْسَ قَدْ مَكَثَ هَذَا بَعْدَهُ سَنَةً قَالُوا بَلَى وَأَدْرَكَ رَمَضَانَ فَصَامَهُ قَالُوا بَلَى وَصَلَّى كَذَا وَكَذَا سَجْدَةً فِي السَّنَةِ قَالُوا بَلَى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ فَلَمَا بَيْنَهُمَا أَبْعَدُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ * والشاهد في القصة أن الشهيدين قالوا لطاحة ارجع فإنه لم يأن لك بعد ، وهذا يدلّ على أن روحه وصلت بسياحتها الى الجنة ، وتخاطبت مع الشهيدين من الصحابة ، وعندما آن وقت استيقاظه وعودته الى الدنيا ، قالا له لم يأن لك بعد ، لأنه ما زال على قيد الحياة
كثيراً ما ينام الواحد منا وقد امتلأ قلبه شوقاً لأحد أعز الناس على قلبه الذين ماتوا ، فينام من ليلته فيرى والده أو والدته المتوفاة وقد جُبر خاطره ، وقد يكلِّمه في مشكلة يعيشها في أعماقه لا يعلمها إلا الله تعالى ، فما الذي يحصل عند هذه الحالة
إن أرواح المؤمنين تزور أهل بيتها بإذن ربها ، وهي طليقة بقدر منزلتها عند الله تعالى بل إن أعمال الأحياء تعرض على أقربائهم من الأموات كما ورد في الحديث الذي يرويه أبو أيوب الأنصاري – رضي الله عنه- " تعرض أعمال الأحياء على الموتى ، فإذا رأو حسناً فرحوا واستبشروا ، وإذا رأوا سوءاً قالوا : اللهم راجع به " أي رب أرجعه الى الهدى - وفي مسند أحمد عن أنس بن مالك يقول قال النبي : " إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من الأموات فإن كان خيراً استبشروا به وإن كان غير ذلك قالوا اللهم لا تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا
وفي عهد الصحابة كان الأحياء منهم يلتقي بإخوانه من الأموات ، ويخاطبونهم مخاطبة جليّة تأتي كفلْق الصباح ، فها هو الصحابي الجليل معاذ بن جبل الذي كان كصاحب يس ، دعا قومه الى الإسلام وعاب أصنامهم فانقضوا عليه وقتلوه ، فرآه الصحابي عبد الرحمن بن غنم في المنام بعد وفاته بثلاثة أيام على فرس أبلق (أي فيه سواد وبياض وهو من الخيل النفيسة ) وخلفه رجال بيض ، عليهم ثياب خضر على خيل بلق وهو قدامهم ، وهو يقول : " يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين " ثم التفت عن يمينه وشماله يقول : يا بن رواحة يا بن مظعون وهم إخوانه من الشهداء :" الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوّأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين " الزمر 74
قد يقول بعض الناس أن هذه مجرد أحاديث النفس وما تتوق إليه فتستقر في العقل الباطني ثم يعود العقل ليُفرِز هذه الأحاسيس والمشاعر فيترجمها الى رؤى ؟
لا شك أن هناك أنواعاً من الرؤى منها ما سماه رسول الله – صلى الله عليه وسلم- حديث النفس كما سنبينه مفصلاً إن شاء الله تعالى في الحلقة القادمة ، إلا أن هذا النوع من الرؤى هو رؤيا حق وخاصة أن كثيراً من الخبايا التي لم يكن يعلمها أحد من أهل الميت ، كلأموال المدفونة أو الأمانات أو أشخاص أساء إليهم فأكل أموالهم فإنه يأتي في المنام لأحد أقاربه ويكشف عن تلك الأمور ، وهناك قصة عجيبة ، ووصية نادرة من صحابي استشهد يوم معركة اليمامة في عهد الخليفة أبي بكر الصديق وقد طبقت الوصية بحذافيرها ، وهو الصحابي الجليل ثابت بن قيس – رضي الله عنه- الذي بكى من قوله تعالى : " إنَّ اللهَ لا يحبُّ كلَّ مُخْتالٍ فَخُورْ " لقمان18 / أغلق عليه بابه وطفق يبكي ففقده رسول الله – صلى الله عليه وسلم- فأرسل إليه فأخبره فقال يا رسول الله : إني أحب الجمال ، وأحبّ أن أسود قومي ، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم- : " لست منهم ، بل تعيش حميداً وتقتل شهيداً ، وتدخل الجنة " وكان هذا من نبوءاته – صلى الله عليه وسلم- فلما كان يوم اليمامة ، خرج مع خالد بن الوليد الى مسيلِمة الكذاب ، فلما التقوا وانكشفوا لشدة الكرّ والفرّ في هذه المعركة ، قال ثابت وسالم مولى أبي حذيفة ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله ثم حفر كلّ واحد له حفرة ، فثبتا وقاتلا حتى قتلا ، وعلى ثابت بن قيس يومئذ درع له نفيسة ، فمرّ به رجل من المسلمين فأخذها ، فبينما رجل من المسلمين نائم إذ أتاه ثابت في منامه فقال له : أوصيك بوصية فإياك أن تقول هذا حلم فتضيعه ، إني لما قتلت بالأمس ، مرّ بي رجل من المسلمين فأخذ درعي ، ومنزله في أقصى الناس ، وعند خبائه ( أي خيمته ) فرس يستن في طوله ، وقد كفأ على الدرع بُرمة (أي غطّاه بقدر) وقد وضع فوق القدر رحل دابته ( السرج) ، فأت خالداً فمره أن يبعث الى درعي فيأخذها وإذا قدمت على خليفة رسول الله – صلى الله عليه وسلم- - يعني أبا بكر الصديق – رضي الله عنه- فقل له : إنّ عليّ من الدين كذا وكذا ، وفلان من رقيقي عتيق ، فأتى الرجل خالداً فأخبره فبعث الى الدرع فأتي بها ، وحدّث أبا بكر برؤياه فأجاز وصيته قال : ولا نعلم أحداً أجيزت وصيته بعد موته غير ثابت بن قيس
رواه الحاكم 3/235 والبيهقي في الدلائل 6/356 وأبو نعيم في الدلائل 2/730
هل هذا التلاقي يكون بين الأرواح المعذبة أيضاً ؟
الذي ورد في الأحاديث يتكلم عن أرواح المؤمنين حيث عندهم خاصية التزاور والسياحة في الملكوت ، بينما الأرواح المعذبة في شغل عن التزاور والتلاقي لأنها حبيسة العذاب ، بعكس أرواح المؤمنين المنعمة فهي مرسلة غير مقيدةٍ تتلاقى وتتزاور وتتذاكر ما كان منها في الدنيا وما يكون من أهل الدنيا
كما ورد في الحديث
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا حُضِرَ الْمُؤْمِنُ أَتَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ بِحَرِيرَةٍ بَيْضَاءَ فَيَقُولُونَ اخْرُجِي رَاضِيَةً مَرْضِيًّا عَنْكِ إِلَى رَوْحِ اللَّهِ وَرَيْحَانٍ وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ فَتَخْرُجُ كَأَطْيَبِ رِيحِ الْمِسْكِ حَتَّى أَنَّهُ لَيُنَاوِلُهُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا حَتَّى يَأْتُونَ بِهِ بَابَ السَّمَاءِ فَيَقُولُونَ مَا أَطْيَبَ هَذِهِ الرِّيحَ الَّتِي جَاءَتْكُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَيَأْتُونَ بِهِ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ فَلَهُمْ أَشَدُّ فَرَحًا بِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ بِغَائِبِهِ يَقْدَمُ عَلَيْهِ فَيَسْأَلُونَهُ مَاذَا فَعَلَ فُلَانٌ مَاذَا فَعَلَ فُلَانٌ فَيَقُولُونَ دَعُوهُ فَإِنَّهُ كَانَ فِي غَمِّ الدُّنْيَا فَإِذَا قَالَ أَمَا أَتَاكُمْ قَالُوا ذُهِبَ بِهِ إِلَى أُمِّهِ الْهَاوِيَةِ ، وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا احْتُضِرَ أَتَتْهُ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ بِمِسْحٍ فَيَقُولُونَ اخْرُجِي سَاخِطَةً مَسْخُوطًا عَلَيْكِ إِلَى عَذَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَتَخْرُجُ كَأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ حَتَّى يَأْتُونَ بِهِ بَابَ الْأَرْضِ فَيَقُولُونَ مَا أَنْتَنَ هَذِهِ الرِّيحَ حَتَّى يَأْتُونَ بِهِ أَرْوَاحَ الْكُفَّارِ * رواه النسائي
وقد روى ابن أبي الدنيا قصة رجل من آل عاصم الجحدري قال : رأيت عاصماً الجُحدري في منامي بعد موته بسنتين ، فقلت : أليس قد متّ ؟ فقال : بلى ، قلت فأين أنت ؟ قال : أنا والله في روضة من رياض الجنة أنا ونفر من أصحابي ، نجتمع كل ليلة جمعة وصبيحتها الى بكر بن عبد الله المزني فنتلقى أخباركم ، قال : قلت أجسادكم أم أرواحكم قال هيهات ، بليت الأجسام وإنما تتلاقى الأرواح ، قال: قلت فهل تعلمون بزيارتنا إياكم ؟ قال نعم نعلم بها عشية الجمعة ويوم الجمعة كله ، ويوم السبت الى طلوع الشمس ، قال : قلت فكيف ذلك دون الأيام كلها قال : لفضل يوم الجمعة وعظمته " رواه ابن أبي الدنيا في المنامات رقم58
إذاً الأموات تعلم بزيارة الأحياء لها بل وهي تنتظر منهم دعوة صالحة أو صدقة عن روحهم فهم كالمستغيثون ينتظرون عوناً أو مساعدة من إخوانهم الأحياء الذين ما زالوا يستطيعون العمل الذي انقطع عند إخوانهم الأموات ، وهذه قصة شاب كان يزور المقابر في زمن الطاعون ، ويشهد الصلاة على الجنائز فإذا أمسى وقف على باب المقابر فقال : آنس الله وحشتكم ورحم غربتكم وتجاوز عن مسيئكم وقبل حسناتكم. . . لايزيد على هؤلاء الكلمات . قال فأمسيت ذات ليلة وانصرفت الى أهلي ، ولم آت المقابر فأدعوا كما كنت أدعو ، فقال فبينا أنا نائم إذا بخلق كثير قد جاءوني ، فقلت : ما أنتم وما حاجتكم ؟ قالوا : الدعوات التي كنت تدعوا بها ، قال : قلت فإني أعود لذلك ، قال : فما تركتها بعد ذلك ". رواه ابن ابي الدنيا والبيهقي في الشعب كما في شرح الصدور صـ30
وقد علم النبي – صلى الله عليه وسلم- أمته إذا زاروا القبور أن يقولوا : " سلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين ، نسأل الله لنا ولكم العافية " رواه مسلم في الجنائز
وفي هذا دليل على أن الصلة باقية بين الحي والميت فإنه يسمع وينتفع بالدعاء ، فلولا أن المخاطب يسمع ، وإلا لكان ذلك بمنزلة الخطاب للتراب والخشب والحجر