حياة ( أحمد خانـي ):
- ( أ. جابا ) يعتبر أول من نشر كتابه , ذات مصدر أوروبي سنة /1960 م/ , في جامعة بطرسبرغ ( الآن ليننغراد ) , حول الشعراء الكلاسيكيين , و من بينهم أحمد خاني , حيث كان جابا قنصلاً لروسـيا القيصرية في مدينة أرز روم ما بين /1855 – 1860 م/ , و قد حصل على معلومات حول حياة و أعمال الشعراء الكلاسيكيين الكرد , بدءاً من ( ملا محمد بيازيدي ) المدرس الكردي الشهير , إضافة إلى أن ( جابا ) جمع عدداً من المخطوطات الكردية , حيث أخذها إلى بطرسبرغ .
و يظهر أن التواريخ التي أعطاها الملا ( محمود بيازيدي ) إلى ( جابا) , كانت جميعها مغلوطة . لقد كانت مجرد تخمينات تقريبية ليس إلا !
- ثمة تفاصيل قليلة , معروفة , حول تاريخ ( أحمد خاني ) و حياته , على الرغم من التنوعات المختلفة لما كتبه الباحثون عن أعماله و حياته , لكنها – لسوء الحظ-متناقضـة .
فالبروفيسور ( قناتي كردو ) , يشير إلى أن السنة التي ولد فيها ( أحمد خاني ) غير واضحة , لكن من الواضح هنا أن كتابة ( أحمد خاني ) لملحمة ( مم و زين) , و قاموسه (الكردي – العربي) , كانت في القرن السابع عشر .
و هناك إشارات أخرى , إلى أن ( خاني ) من مواليد عام /1591 م / أو /1592 م / , لكن ( خاني ) نفسه حدد في ( مم و زين ) , تاريخ ولادته , حيث كتب : عندما أبصر خاني الدنيا كان ذلك عام /1061 هـ -التي توافق /1650-1651 م/ هي التي تكون تاريخ ولادة (خاني ) .
واسم ( خاني ) الأول , هو ( أحمد بن الشيخ الياس ) , و بعض المصادر ترجح إلى أن اسم جده كان ( رستم ) , أو ( رستم بك ) .
و توجد أراء أخرى , مختلفة حول مكان ولادته . فـ ( أ . سجادي ) ينسبه إلى قبيلة خانيان , وأنه مولود في مدينة بيازيد , و آخرون يقولون إنه مولود في قرية خان التابعة لـ : هكاري , أو قرية خان سيه كوندان دشو لاميرغ التابعة لـ : هكاري .
النسبة ( خاني ) هي موزعة حسب أولئك الذين تناولوا الشاعر مأخوذة من اسم خانيان , أو قبيلة خاني , و حسب تصورات آخرين , تكون مأخوذة من اسم قرية خان : المكان الذي ولد فيه .
- أما ( أ. حسني ) فيعتقد أن الشاعر حصل على نسبة خاني , لأن كل أفراد خاني كانوا متدينين و متعلمين , ذوي جاه ( جاه تقابل خان بالكردية ) . و هذا هو السبب الذي ربط الشاعر بـ ( خاني ) نسبةً !
- أما أنا ( مؤلف الكتاب هنا ) , فأعتقد أن اسم خاني آت من قبيلة خاني التي ينتمي إليها الشاعر خاني نفسه , و قد كتب اسمه بطرق ثلاث : خاني – أحمد خاني – أحمد – فمن الواضح أن خاني ينسب إلى خان أو خاني و ليس إلى خانيان , لأن النسبة , خانيان بالكردية هي خانياني , و هذا لم يستخدمه الشاعر ! و ما يؤيد ذلك أكثر , هو ما جاء في المخطوطة التي كتبها ( مارك سايكس ) بعنوان , القبائل الكردية في الإمبراطورية العثمانية . فالمواد التي جمعها ( سايكس ) هي نتاج /7500 / ميلاً من السفر و المحادثات , التي لا تعد و لا تحصى , مع الشرطة و سائقي البغال و الملالي و الرعاة و شيوخ القبائل و الجماعات المختلفة , و تجار الأحصنة و العتالين و أناس آخرين , حيث كان بإمكان هؤلاء إعطاء معلومات أولية و مفيدة .
في هذه الأطروحة سجل (سايكس) أسماء كل القبائل أو العشائر الكردية تلك التي كانت موجودة في تلك الفترة تقريباً , و من بينها : تلك التي أشير إليها , كانت قبيلة خاني , و التي كتب عنها قائلاً : / خاني 180 عائلة , تقيم بالقرب من خوشاب / . ففي أطروحة سايكس لا نقرأ شيئاً حول قبيلة ذات اسم خان أو خانيان . قبيلة الخاني تستوطن منطقة شمال هكاري , حسب الخريطة المقدمة من قبل مارك سايكس . على الرغم من عدم و جود دليل كاف , عن الوضع الاجتماعي لخاني و عائلته . إلا أن موقف الشاعر من الغنى و الفقر , و مشاهده المصورة , عبارة عن رسالة تعطيينا فكرة , و هي أنه ربما ولد في كنف عائلة فقيرة . و كان ذلك مُوالٍ للفئة الاجتماعية فقد كتب ( خاني ) :
أنا عطار لا جوهري بعيد عن كل ما هو مزيف
و كردي من السهول قــــــوي الإرادة
إن الــخضوع هـو مذلــة يعـــــرف الناس جميعاً
و العيب هو عيب أهل الحل و العقد أما الشعراء و الفقراء فهم براء
غزلان كانت تنطرح على الأرض مصابة
و نمور كانت تمسك مقيدة
و ما كان يقتل من الطرائد , للفقراء ,
و في أطروحته المشــار إليها حول القبائل الكردية في الإمبراطورية العثمانية , يذكر ( مارك سايكس ) , أن قبيلة (خاني ) كانت تضم /180/ عائلة , و في المجتمع القبلي الكردستاني , في القرون الماضية ,كان يعتبر سيداً كبيراً , أو مالكاً كبيراً , و رئيس قبيلة , كل قبيلة تعدادها عدة آلاف من العائلات .
و خاني لم تكن قادرة على تشــكيل قبيلة صغيرة , هذه التي كانت تضم فقط /180/ عائلة هذه المستمسكات تدفعنا إلى التصديق , بأن ( خاني ) , و خلاف ما يفكر فيه بعض الكتاب أو الباحثين , لم يكن من عائلة غنية أو من أمراء عائلة ( خان) , و أنه نشأ في صفوف الخدم- أو كان في درجتهم – و في كتابه ( تاريخ الأدب الكردي ) , ثمة إشارات لـ ( علاء الدين سجادي ) , بالاعتماد على التقاليد الرائجة في عصره – فقد درس ( خاني ) القواعد العربية , علم البلاغة , و أساسيات القانون الإسلامي ( أو فقهه) , درس في / بيازيد/ بجامع مرادية , و بعدها في مساجد عديدة من بيازيد , و ضواحيها لفترة , و بعد ذلك , حيث لم يطل به المقام , ذهب إلى : أورفا – أخلات , و إلى بدليس .
و مدينة /بدليس/ تلك التي كانت عاصمة إمارة بدليس , كانت مركزاً ثقافياً مشهوراً , و مركزاً تعليمياً حتى سنة /1066 هـ/ . وقد تعرضت الإمارة للخراب , بعد احتلالها من قبل العثمانيين .
يعتقد أن (خاني) عندما كان طالباً , لم تكن /بدليس/ مركزاً تعليمياً مهماً , وإلا كان سيشير إلى ذلك , لو لم تكن هكذا , من خلال ذكر خبرته في المدينة الكردية المحتلة , بشكل خاص , فقد عاش في فترة انهيارها !
و لكي يحصل على المزيد من المعرفة و العلم و يعلم نفسه , فقد تنقل ( خاني ) كثيراً . و بالإضافة إلى تنقله في مناطق عديدة من كردستان , فقد تنقل في سوريا و مصر . و ثمة لإشارة , تعلمنا عن بقائه عشر سنوات في بلاد فارس , حيث تلقى التصوف من هناك , لكن لا توجد أدلة لتأكيد ذلك – وكذلك فإنه لا يوجد ما يشير إلى ذلك في كتابات ( خاني ) – أي عن بقائه عشر سنوات في بلاد فارس –
ويقال أيضاً أنه ذهب إلى مرفأ التكرير , في مدينة استنبول , بناء على طلب سلطاني .
و في الفقرة الأخيرة من ( مم و زين ) , في مناقشة حوارية له مع قلمه , أشـار ( خاني ) إلى استعماله القلم و الورق منذ ثلاثين عاماً :
لقد أمضيت ثلاثين سنة مغامراً أسجل الذنوب متتالية
و لكن إذا قرأنا الفقرة المذكورة , المتضمنة للمناقشة السالفة الذكر , فسوف نرى سريعاً أن ( خاني ) لم يحدد الزمن الذي أمضاه في كتابة ( مم و زين ) , سوى أنه يتعامل مع القلم و المعرفة بصورة كلية .
و كذلك , فإنه لا توجد معطيات , تتعلق بسنة كتابة ( مم و زين ) لـ ( خاني ) , بينما نجد ( محمد أمين بوز أرسلان ) يشير إلى أن ( خاني ) بدأ بكتابتها سـنة /1690 م / , ولكن دون تقديم براهين تؤيد و جهة نظره .
هناك فقط , إشارة من ( خاني ) إلى ذلك حيث يقول :
قد وصلت السنة هذه الأربعين و أربعاً في ذكر ذنوب الكاتب
ولد سنة /1061 هـ/ . و انتهى من كتابة ( مم و زين ) , في الرابعة و الأربعين من عمره , و بطريقة حسابية نجد أن 1061 + 44 = 1105 هـ . و هذا يعني أنه كتبها سنة /1105 هـ/ . يضاف إلى ذلك , ما أشـار إليـه في محادثته مع قلمه ( بأنه كان يكتب منذ ثلاثين عاماً ) . و هذا يعني أنه / ربما / بدأ حياته الأدبية في عام /1075 هـ/ .
و قد كان ( خاني ) مجيداً للعربية و الفارسية و التركية , إضافة إلى ثقافته المتبحرة في أمور الدين الإسلامي , و اللغة الكردية .
و الأمير ( جلادت بدرخان ) , هذا الذي كان يكتب تحت اسـم مسـتعار هو ( هركول آزيزان ) , يشير إلى أن ( خاني ) , ألف كتاباً في الجغرافيا , حيث ناقش فيه موضوع الفضاء و النجوم , و لكن لم يعثر على ذلك الكتاب , و مما يعرف عنه هو أنه يكتب في هذا الموضوع ( الجغرافيا و علم الفلك ) .
لكننا عند قراءة ( مم و زين ) , نجد تفاصيل تتضمن معلومات فلكية و معرفة فلكية , كان (خاني) يمتلكها .
و يبدو أن فئة من الذين كتبوا عن (خاني ) , كانت عاجزة عن استنتاج الحقيقة التي تنص على أن ( خاني ) , ربما قضى فترة طويلة من حياته في مدينة جزيرة بوتان , عاصمة إمارة بوتان .
و ليس هناك ما يؤكد لنا , فيما إذا كان ( خاني ) يعيش في الجزيرة , عندما كان فقيهاً ( طالب علم التصوف ) , أو ملا , ما نعلمه هنا فقط , هو و جود إمارة بوتان في زمنه , و أنها ضمت عدداً من الأساتذة ( الملالي ) . ذوي التحصيل العلمي الجيد , ومن خلال مدارس تميزت بها .
و هذا يعني كنتيجة , أن ( خاني ) قد دَرسَ و درَّسّ في مدارس الجزيرة , و الإمارات الكردية كانت متشابهة , لكنها كانت تتميز باستقلالية ذاتية عن بعضها بعضاً , و الحياة الثقافية و التعليمية كانت تتقدم باستمرار , و عواصم الإمارات هذه كانت مراكز تعليم و ثقافة و علوم .
و يعلمنا الكاتب الكردي المعاصر ( كندال ) عن ذلك , حيث يشير إلى أن مدناً كردية متعدة , مثل ( بدليس – جزيرة – هكاري ) و التي كانت أكثر عواصم الولايات الكردية قوة , كانت بدورها مراكز مهمة للثقافة , كان الشعراء و الموسيقيون و العلماء يتلمسون فيها الرعاية و العناية .
و رغبة اكتشاف المزيد من المعرفة , تقربنا من حقائق أكثر رسوخاً , تربط بمشاهير عديدين كما في حال : فوزولي – نابي – نفي ... إلخ .
و قد جعل الدكتور ( عز الدين مصطفى رسول ) بعض الصور و الأوصاف المأخوذة من ( مم و زين ) , أرضية له , ليظهر لنا كيف أن (خاني) أمضى فترة طويلة من حياته في الجزيرة , انطلاقاً من وجود معلومات تفصيليـة تتعلق بمنطقة الجزيرة في ( مم و زين ) , و مواقعها الجغرافية , و محطات التوقف فيها , و يستحيل اعطاء تلك المعلومات , إذا لم يكن الشخص مشاهداً لها , و يعيش فيها .
حين أنهى دراسته , اعترف بـ ( خاني) و هو مدرس , حسب التقاليد السائدة في عصره . و قد أمضى حياته مدرساً و مرشداً روحياً ( دينياً) , و قد كانت حياته موزعة بين الشعر و الفكر و التصوف .
و لكي يستثمر أفكاره , كان عليه أن يناضل , مواجهاً للصعوبات , محاولاً ربط أفكاره تلك بالواقع . و لتحويلها ثم إذٍ إلى قوة , يحرض بها الناس , و يستنهضهم . و لكي يفتح الطريق باتجاه أهدافه المرجوة , قصد المشرعين و القواد في عصره , ليقنعهم بصحة أفكاره و شجاعتها , و لتكون قوة لما حوله من أمور !
و كان أمير بوتان أكثر الكرد قوة و بروزاً , و قد كان ( خاني ) مدركاً لحقيقة أن الأمير و المالكين , انطلاقاً من موقع قوتهم , لديهم القدرة على القيام بعمل مؤثر , و إحداث تغيير في العديد من الأمور .
و في ضوء ذلك , يمكنهم إبداء آراء , و أفكار جديدة , من خلال الحالة القانونية و الشرعية الخاصة بهم , باعتبارهم صانعي القرار , و ممثلي السياسة في زمانهم !
لكن – و كما يبدو – فإن أمير بوتان لم يعره انتباهاً , و يظهر ذلك في الأبيات التالية من ( مم و زين ) :
الحاكم الذي لم يكن يفكر في ذلك لم يعره أي اهتمام
لا يكون الأمير أميراً عندما يحمل الاسم فقط
لا تكون نظرته محدودة في تقييم الأمور من حوله
لو كان هناك مائة حمل نقداً رخيصاً لحولها إلى ذهب
و يجعل الأعالي أسفل و الأسفل أعال
وكذلك في قوله :
ولو أنه اهتم بنا مرة لكنا أبناء الحياة
و جعل الأقوال أشعاراً و الفلوس دنانير
- وقد كان رد فعله , تجاه موقف أمير بوتان مشبعاً بالوطنية و الحكمة كونه لم يكن بسيطاً :
لقد كان اهتمامه بنا عادياً ولم يكن صميم القلب
إن رحمته تشمل العامة جميعهم فيا رب اجعلها دائمة