Kurd Day
Kurd Day Team
نابوكوف:الأدب قاعدة راسخة لمقارعة الظلم
بقلم كلود روا
ترجمة:د.حسيب الياس حديد
كلية الآداب / جامعة الموصل
إذا تركنا الأضرار الكبيرة التي يحدثها عصرنا المدهش جانباً بما فيها مساوئ الدولة وعذاب المؤسسات وعبادة وسائل الإعلام علينا أن نخصص مكانة للأضرار الصغيرة بما فيها الموسيقى الصاخبة في المحطات والمتاجر الضخمة والمصاعد، لا بد لنا أن نتذكر في هذا المجال المقابلات كصيغة أدبية وينبغي استبعاد المقابلات التي تخلو من المعاني، وهناك مقابلات رائعة عبر التاريخ منذ زمن سقراط إلى ديدرو تتسم بمعنى عميق لا سيما عندما تتضمن معلومات ممتعة وذات فائدة كبيرة للقارئ، وكما سبق أن نشرنا مقابلات أجراها ستورز تيركيل مع ممثلين أمريكان تتعلق بالحرب العظمى، فإن كال واحد منهم يمثل كتاباً نموذجياً إذا تم التعبير عن الموضوع بكل ذكاء ودقة، ولولا تلك الظروف لما أتيحت الفرصة لهم بالتحدث عن هذا الموضوع، إلا أن المقابلات مع كتاب محترفين لها خصوصيتها فهي فن باستطاعته التعبير عن المؤلفات بأسلوب رائع.
وفي المقابلات التي أجريت مع فلاديمير نابوكوف نجد أنفسن مصانين إلى حد ما من الآفات إذ عرف باهتمامه بالمفردات وبكونه يعير أهمية بالغة للكلمات بصورة عامة، ولا يخفى أن جميع المقابلات التي أجريت معه سواء في الصحف والمجلات أو في الراديو أو على شبكات التلفزيون أو في الأفلام الوثائقية تم تدوينها بكليتها وبدقة شديدة، كما أنه يفكر ملياً بالأسئلة التي توجه إليه قبل الإجابة عليها، واعتاد على أن يحتفظ لنفسه بحق تدوين الأسئلة التي توجه إليه بطريقة غير سليمة وغير لائقة ويهمل الأسئلة البليدة، وتشكل هذه المحاورات جزءاً مهماً من كتاباته وقد اتصف كلامه بصورة عامة بنبرة طبيعية وتلقائية وكثيراً ما تحتدم المناقشات، فإذا كان قصده من المناقشات طبيعياً نراه طبيعياً أكثر من الطبيعة نفسها، وقد ذكر مرة أن رغبته في الحياة تكمن في صيد الفراشات والكتابة، فإن جمع الفراشات بالنسبة له كما يوضحها تمرين ملذ وممتع ويفضل هذه الهواية على مشاهدة الطيور أو لعبة الشطرنج أو التنس، علماً بأنه كان مدرباً للتنس، أما الكتابة فهي كالغذاء الروحي بالنسبة له، فهو مقارع للأقدار في رواياته الرائعة "ماشينكا" وإذا "آدا" وينتمي نابوكوف إلى مدرسة من الكتاب الأعلام الذين يعدون الأدب قاعدة راسخة لمقارعة الظلم، وعلى الإنسان ألا يقف مكتوف اليدين إزاء الظلم، وهو يكرر دائماً ألا نكون غير مهتمين بليو باردي أو أنه نشكو من غزارة أفكار ستندال أو أن نكون مبهورين بمارسيل بروست، ويذكر أن نابوكوف عاش يف المنفى عندما بلغ العشرين من العمر ومنذ ذلك الحين لم يتوقف عن إنتاج كتبه كالشباك لأسر الطفولة مع رسم ممرات خفية في روسيا قبل عام 1914، وقد ذكر دومينيك مرة أن نابوكوف كان يكرر دائماً أنه مهاجر من روسيا وأنه فقد كل شيء ما عدا نبرته وقوة تعبيره وعلى الرغم من أنه عاش في المنفى فإنه احتفظ باللغة الروسية وبالمعرفة التامة للفرنسية وبمهارته باللغة الانكليزية، واحتفظ فعلاً بما يمتلكه من هذه الميزات كما عرف عنه في ذاكرته المرنة، فهي كالعين التي لها عشرة آلف ضلع مرتبطة بذوق رفيع، ويسهل عليه إيقاع القارئ في الشباك التي يضعها له وعرف عنه ذكاؤه ودهاؤه اللذان يستخدمها في حبكة رواياته كما أن خياله الواسع وسخريته الدقيقة تتخذ ألوان قوس قزح وتعطي هذه الميزات لرائعته الأدبية ومؤلفاته الأخرى المزيد من القوة وتمنح القارئ المتعة ليقرأها بشغف شديد كما هو الحال بالنسبة لرائعته "لوليتا".
إن الحب الكبير المعكوس يعد مقتاً محتماً، وليس بالضرورة أن يكون صحيحاً دائما محتما للروح المشوبة بالعاطفة، يحب نابوكوف الأدب العظيم والفراشات وروسيا والحريات، ويكره الدكتاتورية "القهوائي منها والأحمر" على حد تعبيره ويمقت الأغبياء المدعين، واتسمت رغباته بالتواضع، ويكره كثيراً التعذيب والإعدام ولا يهوى الموسيقى ما عد التي يسمعها في الصالات المخصصة لها، وينتقد الإنسان في خوفه وخداعه وريائه وتعذيبه ويحب الإنسان الطيب والفخور الذي يتجاهل الخوف،ولا يتردد في السخرية والكلام الجارح أثُناء مقابلاته التي تتصف بالعمق والسخرية والتهكم والهجاء والتي تكون أحياناً غير عادلة وتتسم بحدة قوية.
ولنابوكوف موقف مناوئ من دستوفسكي المتصوف المتنبئ الصحفي الثرثار، وهيمنعغواي وكونراد (كتاب الأطفال الصغار) ما عدا "القتلة" و"الشيخ والبحر" و"وقائع مزارعي الذرة" لفوكنر، ويعد رواية "يوليسيس" لجيمس جويس رائعة القرن العشرين في الأدب أما العدو الرئيس لنابوكوف فهو فرويد ويعتقد أن كتابه يمثل إيماناً سيئاً، ونابوكوف من الكبار الذين تميّزوا بكتاباتهم، فله من الدهاء ما يجعله يصيب صميم الهدف المنشود، ولم يسجل أي إخفاق في حياته لا في الحب ولا في الاحتراف كما أن مزاجه يمثل مزاج الكتّاب البارزين وحتى إذا اتصف بالحدة والقسوة فإنه يعد مزاجاً طيباً..
بقلم كلود روا
ترجمة:د.حسيب الياس حديد
كلية الآداب / جامعة الموصل
إذا تركنا الأضرار الكبيرة التي يحدثها عصرنا المدهش جانباً بما فيها مساوئ الدولة وعذاب المؤسسات وعبادة وسائل الإعلام علينا أن نخصص مكانة للأضرار الصغيرة بما فيها الموسيقى الصاخبة في المحطات والمتاجر الضخمة والمصاعد، لا بد لنا أن نتذكر في هذا المجال المقابلات كصيغة أدبية وينبغي استبعاد المقابلات التي تخلو من المعاني، وهناك مقابلات رائعة عبر التاريخ منذ زمن سقراط إلى ديدرو تتسم بمعنى عميق لا سيما عندما تتضمن معلومات ممتعة وذات فائدة كبيرة للقارئ، وكما سبق أن نشرنا مقابلات أجراها ستورز تيركيل مع ممثلين أمريكان تتعلق بالحرب العظمى، فإن كال واحد منهم يمثل كتاباً نموذجياً إذا تم التعبير عن الموضوع بكل ذكاء ودقة، ولولا تلك الظروف لما أتيحت الفرصة لهم بالتحدث عن هذا الموضوع، إلا أن المقابلات مع كتاب محترفين لها خصوصيتها فهي فن باستطاعته التعبير عن المؤلفات بأسلوب رائع.
وفي المقابلات التي أجريت مع فلاديمير نابوكوف نجد أنفسن مصانين إلى حد ما من الآفات إذ عرف باهتمامه بالمفردات وبكونه يعير أهمية بالغة للكلمات بصورة عامة، ولا يخفى أن جميع المقابلات التي أجريت معه سواء في الصحف والمجلات أو في الراديو أو على شبكات التلفزيون أو في الأفلام الوثائقية تم تدوينها بكليتها وبدقة شديدة، كما أنه يفكر ملياً بالأسئلة التي توجه إليه قبل الإجابة عليها، واعتاد على أن يحتفظ لنفسه بحق تدوين الأسئلة التي توجه إليه بطريقة غير سليمة وغير لائقة ويهمل الأسئلة البليدة، وتشكل هذه المحاورات جزءاً مهماً من كتاباته وقد اتصف كلامه بصورة عامة بنبرة طبيعية وتلقائية وكثيراً ما تحتدم المناقشات، فإذا كان قصده من المناقشات طبيعياً نراه طبيعياً أكثر من الطبيعة نفسها، وقد ذكر مرة أن رغبته في الحياة تكمن في صيد الفراشات والكتابة، فإن جمع الفراشات بالنسبة له كما يوضحها تمرين ملذ وممتع ويفضل هذه الهواية على مشاهدة الطيور أو لعبة الشطرنج أو التنس، علماً بأنه كان مدرباً للتنس، أما الكتابة فهي كالغذاء الروحي بالنسبة له، فهو مقارع للأقدار في رواياته الرائعة "ماشينكا" وإذا "آدا" وينتمي نابوكوف إلى مدرسة من الكتاب الأعلام الذين يعدون الأدب قاعدة راسخة لمقارعة الظلم، وعلى الإنسان ألا يقف مكتوف اليدين إزاء الظلم، وهو يكرر دائماً ألا نكون غير مهتمين بليو باردي أو أنه نشكو من غزارة أفكار ستندال أو أن نكون مبهورين بمارسيل بروست، ويذكر أن نابوكوف عاش يف المنفى عندما بلغ العشرين من العمر ومنذ ذلك الحين لم يتوقف عن إنتاج كتبه كالشباك لأسر الطفولة مع رسم ممرات خفية في روسيا قبل عام 1914، وقد ذكر دومينيك مرة أن نابوكوف كان يكرر دائماً أنه مهاجر من روسيا وأنه فقد كل شيء ما عدا نبرته وقوة تعبيره وعلى الرغم من أنه عاش في المنفى فإنه احتفظ باللغة الروسية وبالمعرفة التامة للفرنسية وبمهارته باللغة الانكليزية، واحتفظ فعلاً بما يمتلكه من هذه الميزات كما عرف عنه في ذاكرته المرنة، فهي كالعين التي لها عشرة آلف ضلع مرتبطة بذوق رفيع، ويسهل عليه إيقاع القارئ في الشباك التي يضعها له وعرف عنه ذكاؤه ودهاؤه اللذان يستخدمها في حبكة رواياته كما أن خياله الواسع وسخريته الدقيقة تتخذ ألوان قوس قزح وتعطي هذه الميزات لرائعته الأدبية ومؤلفاته الأخرى المزيد من القوة وتمنح القارئ المتعة ليقرأها بشغف شديد كما هو الحال بالنسبة لرائعته "لوليتا".
إن الحب الكبير المعكوس يعد مقتاً محتماً، وليس بالضرورة أن يكون صحيحاً دائما محتما للروح المشوبة بالعاطفة، يحب نابوكوف الأدب العظيم والفراشات وروسيا والحريات، ويكره الدكتاتورية "القهوائي منها والأحمر" على حد تعبيره ويمقت الأغبياء المدعين، واتسمت رغباته بالتواضع، ويكره كثيراً التعذيب والإعدام ولا يهوى الموسيقى ما عد التي يسمعها في الصالات المخصصة لها، وينتقد الإنسان في خوفه وخداعه وريائه وتعذيبه ويحب الإنسان الطيب والفخور الذي يتجاهل الخوف،ولا يتردد في السخرية والكلام الجارح أثُناء مقابلاته التي تتصف بالعمق والسخرية والتهكم والهجاء والتي تكون أحياناً غير عادلة وتتسم بحدة قوية.
ولنابوكوف موقف مناوئ من دستوفسكي المتصوف المتنبئ الصحفي الثرثار، وهيمنعغواي وكونراد (كتاب الأطفال الصغار) ما عدا "القتلة" و"الشيخ والبحر" و"وقائع مزارعي الذرة" لفوكنر، ويعد رواية "يوليسيس" لجيمس جويس رائعة القرن العشرين في الأدب أما العدو الرئيس لنابوكوف فهو فرويد ويعتقد أن كتابه يمثل إيماناً سيئاً، ونابوكوف من الكبار الذين تميّزوا بكتاباتهم، فله من الدهاء ما يجعله يصيب صميم الهدف المنشود، ولم يسجل أي إخفاق في حياته لا في الحب ولا في الاحتراف كما أن مزاجه يمثل مزاج الكتّاب البارزين وحتى إذا اتصف بالحدة والقسوة فإنه يعد مزاجاً طيباً..