اقتادني معهُ وكانت المرة الأولى التي أرى فيها ما هو خلف هذه الزنزانة كانت الجدرانُ قذرة جداً والأرضيّة ملطخةً بالدماء ، صرت أدعو الله أن يخلصني ويرحمني وأرتجف ، وصلنا إلى غرفة مخصصة للتعذيب ، فتح الباب ودعني إلى الداخل ، بقيت واقفاً مكاني أجهل ما يحدث ، فجأة سمعت صوتاً يقول أهلا يا أستاذ كريم ، ألتفت إلى الخلف ورأيتُ رجلاً كأنهُ ديناصور ، طويل وضخم ، أكتافه استطيع الجلوس عليها بحريّة ، وكفاه رهيبتان ، تقدم نحوي بعض خطوات واخذ يحدثني ويعاتبني على ما فعلت وأنا ما زلت في ربيع شبابي وبدأ يطوف حولي ويتكلم معي ويسألني عن اسمي الكامل وعن عمري وعنوان سكني وتحصيلي الدراسي. وكنت أجيبه على كل أسئلته في لحظة أحسست أن شيء نزل على رأسي وكأنه سقط من السماء. وسقطت مغشياً علي ، لا أعلم كم من الوقت استغرقت في حالة الإغماء ، لكني استفقت بعدها لأجد نفسي معلقاً في الهواء ويدايَ مكبلتان بالسلاسل ،، وكانت موصولةً بقطعة من الحديد مقوّسة ومثبتة في سقف الغرفة ، وكان هناك رجلان يحومان حولي وبأيديهم سياط ، كأنهم ذئاب تريد أكل فريستها ، اقترب أحدهم مني وأمسك بشعر رأسي وقال ، قد أخطأت في حساباتك عندما حاولتَ أن تصطاد الأسد بشباكك المسكينة ، ألم تفكر مع نفسك كيف بحقيرٍ مثلك أن يهزأ من السلطان ببضعة كلمات حقيرة في جريدة ؟ ألم يعلموكَ أهلك أن من يحاول إثارة غضب الثور لن يلقى سوى الهلاك .. بقيتُ صامتاً ولم أرد عليهِ بكلمة ، لم أكن أريد أن أتحدث مع إنسان لا يعرف غير لغة الضرب والتعذيب لإشباع غريزتهِ المجنونة ، ثار غضبهُ حين وجدني لا أكلمهُ ، وقال حسناً لا تجيب ، وقف أمامي وصاحبهُ خلفي وبدءا بضربي بكل ما أوتيا من قوة دون شفقةٍ أو رحمة ، تعالت صرخاتي من شدة الألم وقسوة السياط ، لكنهم لم يبالوا بأمري بل بالعكس كانت الضرب يزداد قوة مرة بعد مرة ، وكأنّ ما بين أيديهم حائطاً وليس بشراً ، نصف ساعة من الضرب المبرح ، حتى لم يبقى شبرٌ من جسدي لم تمزقهُ سياطهم ، وأخيراً وبعد أن أنهكهم التعب ، توقفوا عن الضرب ، وأعطوا لأنفسهم استراحة ، وأنا بين الميت والحي ، أخرج أحدهم من جيبهِ علبة سجائر ، فتحها وأخرج منها واحدة وتقدم نحوي وقال ، أسمع أيها اللعين ، بعدما انتهي من هذه السيجارة سأجعل من جسدكَ يحترق دون أن أشعلَ فيهِ ناراً ، ثمّ ذهب هو وصاحبهُ إلى إحدى الزوايا في الغرفة وجلسا هناك ، انتهتْ سيجارتهُ اللعينة بلمح البصر وأحسستُ أنه سيقضي على حياتي هذه المرة ، وما هي سوى لحظات وإذ بي أراهما من جديد ، احدهما يحمل وعاءً والآخر يحمل كيسين من الملح ، وضع الوعاء المملوء بالماءِ أمامي وجاء الآخر وفتح الكيسين وأضافهما للماء ، وقام بخلط الماء حتى أذاب الملح فيه ، أمسكا بالإناء وتقدما نحوي وسكباه علىّ ، وكأنهم ينزلونني في نار جهنّم ، أحسست بجلدي ينسلخ من جسدي المتقطع ، تعالت صرخاتي من شدة العذاب ،وكأنّ قلبي يذوب والشرايين تتقطع ، بعدها لم أعد اشعر بشيء وأغمي عليّ من جديد ، عندما استفقت وجدتُ نفسي مستلقياً على الأرض في زنزانتي لا أقوى على الحراكِ من شدة الألم ، ورأيتُ دماءً كثيرة في الأرض كانت قد نزفت من جسدي ، بقيت على الأرض مستلقياً ، وفي لحظةٍ ما وقع بصري على نملة كانت تمشي على الأرض متوجهةً إلى إحدى الزوايا ، تأملتُ فيها وصرت أحدثها مع نفسي ، ماذا تفعلين هنا أيتها النملة الصغيرة ؟ لستِ مجبرة على البقاءِ هنا مثلي ، لمَ لا تخرجين من هنا ؟ هذا المكان لا يليق بكِ ولا بي ،، عالمنا مختلف جداً ،، عالمنا تشرق شمسهُ وهنا لا .. عالمنا يملؤه الحبّ ..وهنا لا عالمان فيه وردٌ ..وهنا لا .. عالمنا فيهِ أمي ..وهنا لا ، كنت أترقبها بصمتٍ مرير ..حتى وصلتْ إلى إحدى الزوايا ..ودخلت في شقٍ فيه ، أهملت النظر إلى نملتي والتفتُ إلى الجهة المقابلة ، لمحتُ شيئاً ما في تلك الزاوية ! كانَ لونهُ أصفراً ، .. زحفت بجسدي إلى تلك الجهة المقابلة ببطء ، بقيت أزحف حتى وصلت إليها ، كانتْ ورقةً صغيرة صفراء ، مددتُ يدي والتقطتها ، كانتْ ملفوفةً ، فتحتها لأرى ما فيها ، ربما هي تلك الوصية التي حدثني بها ذلك الشاب الفقيد قبل موته ،، لم أفهم ما هو مكتوب فيها ، فقط وجدتُ بعض الحروف المبعثرة ، وكأنها كتبتْ بمسمار وليس بقلم، أو ربما كتبت بعود من الثقاب ! لم أجد معنى لما هو مكتوب فيها ، حاولتُ أن أجمع الحروف لعلي أجد معنى ولو كلمات ، ولكني لم أفلح ، نهاية الحلقة. انتظروني غدا مع الحلقة الخامسة