وضعوا الكيس مرة أخرى على رأسي واقتادوني إلى مكان آخر ، كانوا يسمّوه العالم السفلي،
كان عالماً مختلفاً جدا ، عالماً ليست فيه قوانين ولا سُلطة سوى ما يشاء الجلادون فيه ، فهم كانوا يعتقدون أن الله لا يراهم في ذلك المكان ،
النزول من السلالم الكثيرة جداً والتي لم أحصها والمنعطفات الخطيرة كان يشعرني أنني سأقابل مخلوقات أخرى غير البشر وتلك الأصوات المفزعة والمخيفة والتي كانت ترجوا الخلاص والرحمة ، دون أن تقف السياط من الجلد والصعقِ بالكهرباء ، كانوا يُرمون عراةً في بركِ ماء متجمدةٍ ، ثم يُحملون ويُرمون من أماكن مرتفعة ، ثم يحرقون بالسجائر وأعواد الثقاب في أماكن حساسةٍ من أجسادهم ،
وصلنا إلى باب الزنزانة ، استقبلني رجلان بشعانِ جداً ، رفع أحدهما الكيس من على رأسي وكأن أحدهم كنت قد رأيتهُ في السيارة حين أخذوني ، ابتسم وتوعدني بأيام سوداء لم تمر على أحد ، فتح باب الزنزانة ودفعني بكل قوتهِ إلى الداخل ، حتى كدتُ أن أصطدم بالجدار المقابل للباب ، ثم قال ، أنتظر حتى يأتي دورك ، وأغلقَ الباب ،
يا رب ماذا يحدث؟ ما هذه القذارة؟ كانت الرطوبة فيها تكاد تأكل الجدران ، حتى الهواء كانَ قذراً فيها ، كأنكَ تشتم رائحة غازٍ ما ،
جلستُ على الأرض وصرتُ أسأل نفسي ،
لمَ أنتَ هنا يا كريم ، لمَ لم تستمع لنصائح والدك ، لمَ لمْ تعش حياتك كبقيّة الناس ، لمَ قدتَ نفسكَ إلى جنونِ هذا العالم القذر؟ أحسستُ برغبة شديدة بالبكاء ،
بعد لحظات أغمي عليّ أو أنني لا أذكر ماذا حدث ، المهم أنني فقدتُ الوعيَ تماماً ، لم أبقَ كثيراً على هذه الحالة حتى سمعتُ صوتَ الباب ، ففزعتُ ، قمت من مكاني لأرى ماذا يحدث ،
وإذا بهم يدخلون عليّ شاباً لا تُعرف لهُ ملامحٌ من أثر الدماء التي كانت تغطي وجهه وجسده ،
دفعوا بهِ إلى الداخل وأغلقوا الباب،
سقطَ الشاب مغشيّاً عليهِ ، فركضتُ إليهِ محاولاً مساعدتهُ وأخذتُ رأسهُ بينَ ذراعيّ وصرتُ أضرب بيدي خدّه حتى يستفيق ، ولكني لم أنجح في مسعاي ،
بحثت في الزنزانة عن خرق أستطيع بها إيقاف النزيف الذي كان يملأ وجهه وجسده ولكني لم أجد شيئاً في المكان ،
قررتُ أن أخلعَ قميصي ومزقتهُ وصرتُ أمسح الدماء من وجهه ، وربطت بها بعض الجراح التي كانت في جسده ، ثم بقيت أراقبه حتى استفاق ،
أشارَ بيدهِ لي طالباً أن أساعدهُ كي يستند على الجدار ، أمسكتُ بهِ وقمتُ بسحبهِ إلى إحدى الجدران القريبة ،
جلستُ بجانبهِ وسألتهُ ،
منذ متى وأنتَ هنا؟ قال منذ سبعة عشر يوماً ،
قلت طيّب وما هي تهمتك؟
قال أعذرني لا أستطيع الإجابة على سؤالك ،
لم أرد أن ألح عليهِ فهو في وضع لا يحسد عليهِ ، فبقيتُ صامتاً ، ولكن السؤال بقي في رأسي ،
لمَ هذا الشاب هنا ولمَ لا يريد البوح بتهمته؟
دخل الليل علينا وكنا لم نتحدث لساعات ، كدتُ أن أجن ،، أريد أن أتحدث مع أحدهم وأنسى ما أنا فيهِ من أفكار وهواجس وخوف ،
وبينما نحن جالسانِ بصمت ، فُتحَ الباب ودخل علينا الجلادين ، كانا بشعين لدرجةٍ لا توصف ،
قال للشاب الذي كان معي ، سنأخذك في نزهة تخفف عليكَ ما أنتَ فيهِ وسنسهر ونضحك حتى الصباح ، ستكون سهرة لا تعوّض ، استعد يا صديقي ، …. ثمّ أغلقَ الباب ،
أمسكَ الشاب بيدي وقال لي ،
أنا أسف يا صديقي لأني لم أجبكَ على سؤالك ذاك ، فقد كنتُ قد عاهدتُ نفسي أن لا افشي بسرّ وجودي هنا لأحد حتى بعد إطلاقِ سراحي ،
ولكن السهرة التي يتحدثون عنها أشعر أنها ستنهي حياتي ، سيأتونَ ليأخذوني بعد قليل ،
إن لم أعد إليكَ حتى الصباح ، اعلم أنني قد أصبحتُ في عداد الموتى ، هناكَ حيث لا ظلم ،
عندما تتأكد من موتي ، فتش في الزنزانة جيّداً ، وستجد شيئاً يخصني ، وعندما تجده ستعلم من أنا ولمَ أنا هنا ،وعليكَ أن تحفظ السر إلى يومِ خروجكَ من هنا إن شاء الله ،
بعدها اذهب بهذا الشيء إلى عائلتي ، وسينتهي دوركَ في مساعدتي ،
وداعاً ولا تنسى أن تفتش الزنزانة جيداً ، احتضنني بقوّة ، حين دخل الرجلان وأخذا الشاب معهما ،
أصبتُ باكتئاب على ما يحدث معي وما هو سرّ هذا الشاب المسكين ،؟
ذهب الشاب معهم وأغلقوا الباب مرة أخرى ، نسيتُ ما أوصاني بهِ ، فقد كنت أرجو أن يعود مرةً أخرى لأضمد جراحهُ وأن لا يصيبهُ ما هو أسوأ ،
وربما هذه المرة سأجعله يتحدث أكثر ، لأني لم أعد أحتمل ماذا يحدث وما تراهُ عيني ،
مرّت تلك الليلة ..وكنت أنتظر الصباح على أحرّ من الجمر ،
ربما بعد قليل يُفتح الباب ويدخل الشاب مرة أخرى ،
دخل الصباح عليّ وحدي في زنزانتي ، صرتُ أترقب باب الزنزانة بيأسٍ وأمل ، انتظرتُ طويلاً دون جدوى ،
فجأة فتح الباب بعد صراعٍ طويلٍ مع الانتظار والترقب ،
دخل نفس الجلاد الذي توعدني بأيامٍ سوداء لحظة وصولي إلى هنا ،
نظر إلىّ وابتسم بكل وقاحةٍ وقال لي مرحباً يا صديقي ، جئتُ كي أعزيكَ في صاحبك الذي رحل إلى العالم الآخر وخلصنا منهُ ،
كان عنيداً جداً وقد أنهكنا رحيلهُ وظلّ يصارع الموت حتى الصباح ،
بدأ يضحك بأعلى صوتهِ حتى ملأ الزنزانة ضجيجاً ثم خرج وأقفل الباب ،
لم أستوعب ما يحدث وبشعورٍ لا إرادي بدأت بضرب رأسي بالجدران وأبكي بشدة ،
بقيت فترة على هذا الوضع حتى تذكرتُ وصيّتهُ ،
قررتُ الكفّ عن البكاء وصرت التفت يميناً ويساراً وأرفع وأخفض رأسي كالمجانين باحثاً عن ذلك الشيء الذي حدني عنه ،
ماذا يا ترى تركَ ذلك الشاب في الزنزانة ؟؟ فتشتُ في كلّ الزوايا قرأت كل ما كانَ مكتوباً على الجدران ، وكم كان مؤلماً ما أقرأه ،
كانتْ تحكي قصة الأيام السوداء التي مرّت على من كانَ هنا قبلي ، فبعضهم كان يخاطب زوجتهُ بأبياتٍ من الشعر وبعهم كان يشكي الهمّ لله ، والبعض يوصون بأمور لأولادهم وأقاربهم ،
صرتُ أبحث وأبحث حتى أحسست أني أريد تحطيم تلك الجدران لأبحث تحتها عمّا ترك لي ذلك الشاب ،
لم يبقَ شبر في الزنزانة إلا وبحثتُ فيهِ ولكني لم أجد شيئاً ،
فشلت كل محاولاتي في البحث مرات عدة ،
اقتنعت أنني لن أجد ما تركهُ لي ، حتى جاء الليل ،
صرتُ أفكر أنهم سيأتون لأخذي معهم هذه المرة ، ماذا ينتظرني خلف هذا الباب يا ترى؟؟
سمعتُ صوتاً يقول ، يا حرس ، أحضر لي كريم ،
وما أن سمعتُ اسمي حتى أحسستُ أن ضربات قلبي كالجبال ، ومفاصل أرجلي تكسّرت ،
فتح الباب ودخل الرجل ، قال لي هيّا يا كريم تفضل معي فاليوم سهرتكَ معنا جميلة ،
نهاية الحلقة
انتظروني غداً مع الحلقة الرابعة
كان عالماً مختلفاً جدا ، عالماً ليست فيه قوانين ولا سُلطة سوى ما يشاء الجلادون فيه ، فهم كانوا يعتقدون أن الله لا يراهم في ذلك المكان ،
النزول من السلالم الكثيرة جداً والتي لم أحصها والمنعطفات الخطيرة كان يشعرني أنني سأقابل مخلوقات أخرى غير البشر وتلك الأصوات المفزعة والمخيفة والتي كانت ترجوا الخلاص والرحمة ، دون أن تقف السياط من الجلد والصعقِ بالكهرباء ، كانوا يُرمون عراةً في بركِ ماء متجمدةٍ ، ثم يُحملون ويُرمون من أماكن مرتفعة ، ثم يحرقون بالسجائر وأعواد الثقاب في أماكن حساسةٍ من أجسادهم ،
وصلنا إلى باب الزنزانة ، استقبلني رجلان بشعانِ جداً ، رفع أحدهما الكيس من على رأسي وكأن أحدهم كنت قد رأيتهُ في السيارة حين أخذوني ، ابتسم وتوعدني بأيام سوداء لم تمر على أحد ، فتح باب الزنزانة ودفعني بكل قوتهِ إلى الداخل ، حتى كدتُ أن أصطدم بالجدار المقابل للباب ، ثم قال ، أنتظر حتى يأتي دورك ، وأغلقَ الباب ،
يا رب ماذا يحدث؟ ما هذه القذارة؟ كانت الرطوبة فيها تكاد تأكل الجدران ، حتى الهواء كانَ قذراً فيها ، كأنكَ تشتم رائحة غازٍ ما ،
جلستُ على الأرض وصرتُ أسأل نفسي ،
لمَ أنتَ هنا يا كريم ، لمَ لم تستمع لنصائح والدك ، لمَ لمْ تعش حياتك كبقيّة الناس ، لمَ قدتَ نفسكَ إلى جنونِ هذا العالم القذر؟ أحسستُ برغبة شديدة بالبكاء ،
بعد لحظات أغمي عليّ أو أنني لا أذكر ماذا حدث ، المهم أنني فقدتُ الوعيَ تماماً ، لم أبقَ كثيراً على هذه الحالة حتى سمعتُ صوتَ الباب ، ففزعتُ ، قمت من مكاني لأرى ماذا يحدث ،
وإذا بهم يدخلون عليّ شاباً لا تُعرف لهُ ملامحٌ من أثر الدماء التي كانت تغطي وجهه وجسده ،
دفعوا بهِ إلى الداخل وأغلقوا الباب،
سقطَ الشاب مغشيّاً عليهِ ، فركضتُ إليهِ محاولاً مساعدتهُ وأخذتُ رأسهُ بينَ ذراعيّ وصرتُ أضرب بيدي خدّه حتى يستفيق ، ولكني لم أنجح في مسعاي ،
بحثت في الزنزانة عن خرق أستطيع بها إيقاف النزيف الذي كان يملأ وجهه وجسده ولكني لم أجد شيئاً في المكان ،
قررتُ أن أخلعَ قميصي ومزقتهُ وصرتُ أمسح الدماء من وجهه ، وربطت بها بعض الجراح التي كانت في جسده ، ثم بقيت أراقبه حتى استفاق ،
أشارَ بيدهِ لي طالباً أن أساعدهُ كي يستند على الجدار ، أمسكتُ بهِ وقمتُ بسحبهِ إلى إحدى الجدران القريبة ،
جلستُ بجانبهِ وسألتهُ ،
منذ متى وأنتَ هنا؟ قال منذ سبعة عشر يوماً ،
قلت طيّب وما هي تهمتك؟
قال أعذرني لا أستطيع الإجابة على سؤالك ،
لم أرد أن ألح عليهِ فهو في وضع لا يحسد عليهِ ، فبقيتُ صامتاً ، ولكن السؤال بقي في رأسي ،
لمَ هذا الشاب هنا ولمَ لا يريد البوح بتهمته؟
دخل الليل علينا وكنا لم نتحدث لساعات ، كدتُ أن أجن ،، أريد أن أتحدث مع أحدهم وأنسى ما أنا فيهِ من أفكار وهواجس وخوف ،
وبينما نحن جالسانِ بصمت ، فُتحَ الباب ودخل علينا الجلادين ، كانا بشعين لدرجةٍ لا توصف ،
قال للشاب الذي كان معي ، سنأخذك في نزهة تخفف عليكَ ما أنتَ فيهِ وسنسهر ونضحك حتى الصباح ، ستكون سهرة لا تعوّض ، استعد يا صديقي ، …. ثمّ أغلقَ الباب ،
أمسكَ الشاب بيدي وقال لي ،
أنا أسف يا صديقي لأني لم أجبكَ على سؤالك ذاك ، فقد كنتُ قد عاهدتُ نفسي أن لا افشي بسرّ وجودي هنا لأحد حتى بعد إطلاقِ سراحي ،
ولكن السهرة التي يتحدثون عنها أشعر أنها ستنهي حياتي ، سيأتونَ ليأخذوني بعد قليل ،
إن لم أعد إليكَ حتى الصباح ، اعلم أنني قد أصبحتُ في عداد الموتى ، هناكَ حيث لا ظلم ،
عندما تتأكد من موتي ، فتش في الزنزانة جيّداً ، وستجد شيئاً يخصني ، وعندما تجده ستعلم من أنا ولمَ أنا هنا ،وعليكَ أن تحفظ السر إلى يومِ خروجكَ من هنا إن شاء الله ،
بعدها اذهب بهذا الشيء إلى عائلتي ، وسينتهي دوركَ في مساعدتي ،
وداعاً ولا تنسى أن تفتش الزنزانة جيداً ، احتضنني بقوّة ، حين دخل الرجلان وأخذا الشاب معهما ،
أصبتُ باكتئاب على ما يحدث معي وما هو سرّ هذا الشاب المسكين ،؟
ذهب الشاب معهم وأغلقوا الباب مرة أخرى ، نسيتُ ما أوصاني بهِ ، فقد كنت أرجو أن يعود مرةً أخرى لأضمد جراحهُ وأن لا يصيبهُ ما هو أسوأ ،
وربما هذه المرة سأجعله يتحدث أكثر ، لأني لم أعد أحتمل ماذا يحدث وما تراهُ عيني ،
مرّت تلك الليلة ..وكنت أنتظر الصباح على أحرّ من الجمر ،
ربما بعد قليل يُفتح الباب ويدخل الشاب مرة أخرى ،
دخل الصباح عليّ وحدي في زنزانتي ، صرتُ أترقب باب الزنزانة بيأسٍ وأمل ، انتظرتُ طويلاً دون جدوى ،
فجأة فتح الباب بعد صراعٍ طويلٍ مع الانتظار والترقب ،
دخل نفس الجلاد الذي توعدني بأيامٍ سوداء لحظة وصولي إلى هنا ،
نظر إلىّ وابتسم بكل وقاحةٍ وقال لي مرحباً يا صديقي ، جئتُ كي أعزيكَ في صاحبك الذي رحل إلى العالم الآخر وخلصنا منهُ ،
كان عنيداً جداً وقد أنهكنا رحيلهُ وظلّ يصارع الموت حتى الصباح ،
بدأ يضحك بأعلى صوتهِ حتى ملأ الزنزانة ضجيجاً ثم خرج وأقفل الباب ،
لم أستوعب ما يحدث وبشعورٍ لا إرادي بدأت بضرب رأسي بالجدران وأبكي بشدة ،
بقيت فترة على هذا الوضع حتى تذكرتُ وصيّتهُ ،
قررتُ الكفّ عن البكاء وصرت التفت يميناً ويساراً وأرفع وأخفض رأسي كالمجانين باحثاً عن ذلك الشيء الذي حدني عنه ،
ماذا يا ترى تركَ ذلك الشاب في الزنزانة ؟؟ فتشتُ في كلّ الزوايا قرأت كل ما كانَ مكتوباً على الجدران ، وكم كان مؤلماً ما أقرأه ،
كانتْ تحكي قصة الأيام السوداء التي مرّت على من كانَ هنا قبلي ، فبعضهم كان يخاطب زوجتهُ بأبياتٍ من الشعر وبعهم كان يشكي الهمّ لله ، والبعض يوصون بأمور لأولادهم وأقاربهم ،
صرتُ أبحث وأبحث حتى أحسست أني أريد تحطيم تلك الجدران لأبحث تحتها عمّا ترك لي ذلك الشاب ،
لم يبقَ شبر في الزنزانة إلا وبحثتُ فيهِ ولكني لم أجد شيئاً ،
فشلت كل محاولاتي في البحث مرات عدة ،
اقتنعت أنني لن أجد ما تركهُ لي ، حتى جاء الليل ،
صرتُ أفكر أنهم سيأتون لأخذي معهم هذه المرة ، ماذا ينتظرني خلف هذا الباب يا ترى؟؟
سمعتُ صوتاً يقول ، يا حرس ، أحضر لي كريم ،
وما أن سمعتُ اسمي حتى أحسستُ أن ضربات قلبي كالجبال ، ومفاصل أرجلي تكسّرت ،
فتح الباب ودخل الرجل ، قال لي هيّا يا كريم تفضل معي فاليوم سهرتكَ معنا جميلة ،
نهاية الحلقة
انتظروني غداً مع الحلقة الرابعة