خلق الله

وإن القرآن الكريم يكشف لنا بعد ذلك أسراراً وعجائب عن جسم الإنسان، لم يكتشفها العلم إلا مؤخراً..
فالجنين في مرحلة المضغة، يكون محاطاً بثلاثة أجواف ذكرناها آنفاً، وأشار القرآن الكريم إلى هذه الأجواف الثلاثة بوضوح :" يَخلُقُكُم في بُطُون أُمَّهَاتِكُم خَلقَاً مِن بَعدِ خَلق، في ظُلُماتٍ ثَلاث " (الزمر 6).
ولقد فُسرت هذه الآية على ضوء آية أخرى وردت فيها هذه الظلمات، ولكن عن موضوع آخر :
" أو كَظُلُمات ٍفي بحرٍلُجِّي يَغشَاهُ مَوج ٌمن فَوقهِ مَوجٌ من فَوقهِ سَحاب، ظُلُمَاتٌ بَعضُها فوقَ بعض " (النور 40).
وهذه الظلمات تعني وجود طبقات مختلفة من الماء في التركيب العمودي للبحر أو المحيط، تختلف عن بعضها البعض بكثافتها وبالتالي بدرجة ملوحتها، وبدرجة حرارتها. وتشير هذه الظلمات إلى التيارات البحرية التي تسير في أعماق المحيط.
وهذا المعنى لكلمة ظلمات ينطبق على الأجواف الثلاثة المتشكلة في الرحم بما تحتويه من سوائل مشابهة في تركيبها لماء البحر.
وبعد انفصال الجنين عن أمه هناك فترة تسمى الرضاعة يجب أن تستمر لعامين كاملين , وبمقارنة آيتين ورد فيهما فصال الرضيع , نستطيع أن نعرف أقصر مدة للحمل
" وَحَملُهُ وَفِصَالُهُ ثلاثُون شَهراً " (الأحقاف 15).
" وَفِصالُهُ في عامين أنِ اشكُر لي وَلِوَالديك َإِليَّ المصير" (لقمان 14)
الحمل والفصال في ثلاثين شهراً، والفصال بمفرده في أربعة وعشرين شهراً، يبقى أقصر مدة للحمل وهي ستة أشهر، يقول علماء الأجنة : إن الجنين يتكامل وتجهز كل أعضائه وأجهزته بنهاية الشهر السادس والفترة التي تلي الأشهر الستة هي فترة نمو وتضخم فقط.
ويستمر المنحى العلمي في الصعود ليكشف حقائق أخرى عن طبيعة جسم الإنسان بالأخص لأولئك المختصين بتشريح الأحياء واكتشاف أسرارها.
" سَنُرِيهِم آيَاتِنا في الآفاقِ وَفي أنفُسِهِم حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُم أَنَّهُ الحق " (فصلت53)
" وَفي أَنفُسِكُم أَفَلا تُبصِرُون ".
ويقف العالِم التايلاندي ( تاجاثات تايسون ) مدهوشاً، وهو عالم التشريح الذي لا تخفى عليه خافية عن جسم الإنسان، فكيف لم ينتبه إلى سر من أسرار هذا المخلوق العجيب، تنتشر في بشرة الإنسان نهايات عصيبة حساسة بالألم واللمس والحرارة ( الحرق ) وهي موجودة فقط في البشرة، فباقي أنسجة الجسم لا تحس بالحرق لعدم وجود مثل هذه النهايات العصبية، وأمام هذه الحقائق أيقن تايسون أن عذاب الخالدين في النار لا يمكن أن تستمر إذا احترقت جلودهم واحترقت معها هذه النهايات.
فلما اطلع على القرآن الكريم وجد فيه مبتغاه :
" كُلَّمَا نَضجَت جُلُودُهُم بَدَّلناهُم جُلوداً غَيرَها ليَذُوقُوا العذاب " (النساء 56).فلا يستمر الحرق لكل الجسم بل للجلد فقط، حتى إذا نضج وتعذب الكافر بألم الحرق، عاد الجلد مجدداً وعادت النهايات العصبية لتحس على الدوام بألم الحرق، فيستمر العذاب. " وفي الأرضِ آياتٌ للموقنين، وفي أنفسكم أفلا تُبصِرون، وفي السماءِ رِزقُكم وَما تُوعَدون، فَوَرَبِّ السَّماءِ والأرضِ إِنَّهُ لحَقٌََ مِثلَمَا أَنَّكُم تَنطقُون " (الذاريات 20 - 23)
إن الإنسان هو الأعجوبة الكبرى في هذا الكون، فلو تفكر بكيانه، واكتشف أسرار جسده لعرف أن الله حق، وكم من عالم مبدع وقف أمام حقائق عجيبة أراد أن يلحقها بمحض الصدفة فلم ينصره عقله فرأى نفسه منقاداً إلى حقيقة الخالق المبدع بقوة خفية، ولقد اندهش الإنسان وتحير حينما وقف أمام عجائب نفسه، وجد فيها عالماً مليئاً بالعجائب تكوين الأعضاء، وتوزيعها، وظائفها وطريقة أدائها لهذه الوظائف، عملية الهضم والامتصاص عملية التنفس والاحتراق، دورة الدم في القلب والعروق، الجهاز العصبي والغدد وإفرازاتها، تناسق هذه الأجهزة وتعاونها، أسرار الروح والطاقات الخفية، أسرار الجنس والتولد والتكاثر، إن كل جزئية في حياة الإنسان توقفنا أمام خارقة من الخوارق لا ينقضي منها العجب، وكل فرد من هذا الجنس عالم بذاته، ومرآة تعكس الوجود كله في صورة خاصة لا تتكرر أبداً على مدار الدهور، ولا نظير له بين أبناء جنسه جميعاً، لا في شكله ولا عقله ومداركه ولا في روحه ومشاعره، إن عجائب الجنس البشري لا يحصرها كتاب، فحتى المعلوم منها يحتاج إلى تفصيل وتشريح والمجهول منها لا يزال أكثر من المعلوم، والقرآن الكريم لا يحصيها ولا يحصرها، ولكنه ينبه العقل البشري ليستيقظ أمام إبداع الخالق.

ذلك الإبداع الذي يتجلى في هذه الصورة المعروضة أمام كل واحد منا طيلة الحياة.

من كتاب ( الانسان بين النشأة والبعث
 
هور يانعه في بساتين المنتدى نجني ثمارها من خلال الطرح الرائع لمواضيع اروع
وجمالية لا يضاهيها سوى هذا النثر البهي
فمع نشيد الطيور
وتباشير فجر كل يوم
وتغريد كل عصفور
وتفتح الزهور
اشكرك من عميق القلب على هذا الطرح الجميل
بانتظار المزيد من الجمال والمواضيع الرائعه
 
عودة
أعلى