تاريخ الكرد قبل الاسلام..

تاريخ الكرد قبل الاسلام..
لا يزال الغموض يكتنف اصل الكرد و تاريخهم القديم، شأنه في ذلك شأن المراحل الأخرى من
تأريخهم الذي لم يدرس بعد دراسة علمية دقيقة، بعيدة عن الخرافة و الأسطورة و العاطفة
والأيديولوجيا و المصالح السياسية.
وقد جرت عدة محاولات في نهاية القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين على ايدي المستشرقين
و الرحالة الأوربيين لدراسة و استجلاء التأثيرات الحضارية التي ظهرت في الحياة الدينية والثقافية
و اللغوية لمجمل شعوب الشرق الادنى القديم، التي القت بظلالها على الحقب التاريخية التي مر بها
الشعب الكردي. و من ثم ربط الخصائص القومية التي تحدد معالم الشعب الكردي ومن اهمها،
تسمية الكرد التي كانت تدل على معانٍ و مفاهيم مختلفة عما هي عليه الان، مع بقية التسميات
التي تتقارب و اياها شكلاً و لفظاً و في بعض الأحيان اشتقاقاً، و دراسة و تحليل حوادث التاريخ القديم
التي مر بها الشعب الكردي خلال المراحل التاريخية المتعددة، بدءاً من العصور القديمة
و مروراً بالفترات العديدة التي حكمت فيها: الدول الأكدية، الكوتية، الاشورية، الميتانية
الاورارتية (الخلدية)، الميدية، الأخمينية، اليونانية (الاسكندر و خلفاؤه السلوقيون)
الفرثية (الاشكانية، ملوك الطوائف)، الارمنية، الرومانية وانتهاءً بالساسانية
حيث ظهر الى الوجود مفهوم الكرد بصيغته القومية الحالية(1).

كل هذا كان الدافع الرئيس و المباشر لظهور دراسات و نظريات كثيرة حول اصل الكرد و تاريخ اسلافهم
من سوباريين، حوريين، لولوبيين، كوتيين، ميتانيين.. و غيرهم(2).

و من جهة اخرى تعتبر التنقيبات و التحريات الاثرية من الاهمية بمكان التي ينبغي للباحث في تاريخ الكرد القديم
ان يعتمد عليها، لانها تمده بمصادر بحثه الاصلية سواءً أكانت وثائق كتابية ام بقايا اثرية مادية على اختلاف انواعها.
على ان التنقيب و الكشف عن مخلفات حضارة بلاد ما بين النهرين بصورة عامة و كردستان بصورة
خاصة لم يبدأ في العصر الحديث الا في منتصف القرن الماضي. اما قبل هذا التاريخ فلم يكن ليعرف عن مدنيات
الشرق القديمة بما فيها بلاد مابين النهرين و كردستان سوى اخبار و نتف ورد بعضها في الكتب المقدسة
ولا سيما التوراة و روايات المؤرخين الكلاسيكيين من اليونان، الرومان، السريان، الارمن و غيرهم(3)

ومن هذه المصادر:

اولا: المصادر الأثرية

على الرغم من ان المصادر الاثرية تعتبر المصدر الرئيس الذي نعتمد عليه في دراسة التاريخ
الكردي القديم فان التحريات الاثرية المنظمة في منطقة كردستان لم تبدأ في واقع الامر الا في نهاية
العقد الثالث من القرن العشرين و بالذات في سنة 1928 عندما بدأت الباحثة الامريكية كارود Garrod
ابحاثها في منطقة السليمانية في كردستان العراق في كهف زرزي(4) و هزارميرد(5)،
كما نشر الضابط البريطاني ادموندس C.J.Edmonds صورة لمنحوتة تصور محارباً ملتحياً
طوله نحو عشرة اقدام و يلبس خوذة مدورة. و قد اكتشفت هذه المنحوتة في مضيق دربندي كاور (مضيق الكفرة)
الذي يبعد عن قرية قرةداغ بمسافة 45كم، و تبين ان هذه المنحوتة تعود للملك الاكدي نرام سين (2260-2223 ق.م)
و مما يؤكد ذلك مشابهتها لصور الملك نرام سين الموجودة على سلة النصر و التي عثر عليها في مدينة سوسا
عاصمة الدولة العيلامية(6).
كما اكتشف في منطقة قزقبان التابعة لمحافظة السليمانية كهف اصطناعي يعرف باسم اشكوت كوروكج (كهف الولد و البنت)
اثر يعود الى بداية العصر الميدي(7)، و عثر على منحوتة في جبل باتاس، حرير، تبعد مسافة كيلومتر واحد عن مركز ناحية
حرير التابعة لمحافظة اربيل في كردستان العراق على اثار تعود للعصر الفرثي(8)، كما عثر في ناحية خورمال
التابعة لمحافظة السليمانية على ناظم قديم لتنظيم المياه يعتقد ان زمن بنائه يعود الى اواخر العهد الساساني الفارسي(9).
و بالنسبة للتنقيبات الاثرية في كردستان الايرانية فقد عثر على اثر لأحد الملوك الاسكيثيين بالقرب من مدينة سكز في جنوبي بحيرة اورمية(10)
وعلى الصعيد نفسه قامت بعثة انجليزية عام 1936 بعمل تنقيبات و حفريات في موقع حسنلو hasanlu جنوب بحيرة اورمية بالقرب من الحدود العراقية
وفي عام 1947 قامت مصلحة الاثار الايرانية بالعمل في الموقع نفسه، ثم اكملت بعثة امريكية في جامعة بنسلفانيا عام 1957
العمل في الموقع تحت اشراف الخبير روبرت ديسون Robert Dyson(11).
وقد ترك الملك الاورارتي (اشبويني، Ishpuni) حوالي (824-806 ق.م) و ابنه مينوا كتابة مدونة باللغتين الآشورية و الاورارتية
عند ممر (كيله شين، Kel –i-chin) الحجر الازرق، وهو نقطة الحدود بين العراق و ايران في منطقة اشنوية، و مضمون الكتابة
عبارة عن وصف لمسيرة قام مينوا في منطقة مساسير(12) وقصد بها المعبد الاورارتي الشهير الخاص باله اورارتو (خالدي - Haldi)(13)
كما بنى الملك مينوا عدداً من القلاع و الحصون على طريق خوي في منطقة الشكاك الكردية(14).
وفي كردستان التركية اكتشفت مجموعة من اللوحات الصخرية المدونة بخطوط مسمارية و باللغة الخلدية
ومن هذه اللوحات:

لوحة توبرك قلا التي تخص الملك ساردوري الثاني اكتشفها أ. اوربيلي في بداية القرن العشرين في قلعة مدينة وان(15).

ثانيا: المصادر الدينية

التوراة: كلمة عبرية تعني الهداية و الارشاد ويقصد بها الاسفار الخمسة الاولى (التكوين، الخروج، اللاويين، العدد و التثنية)
و التي تنسب الى موسى عليه السلام وهي جزء من العهد القديم، و الذي يطلق عليه تجاوزاً اسم التوراة
من باب اطلاق الجزء على الكل، او لاهمية التوراة(16).
وقد اشار العهد الجديد الى تقسيم العهد القديم الى قسمين في احدى رواياته، والى ثلاثة اقسام في رواية ثانية وهي:
موسى، الانبياء و المزامير(17)، اما اليهود فقد قسموا العهد القديم الى ثلاثة اقسام: الناموس، الانبياء و الكتب(18).
ومما لاشك فيه ان التوراة بل الكتاب المقدس، لم يذكر اسم الكرد صراحةً و لا كناية في اي سفر من اسفاره المختلفة
و لكن مع ذلك فقد تحدث الكتاب المقدس في بعض اسفاره عن الماديين (الميديين)
كما جاء في اسفار: التكوين، الملوك الثاني، اشعياء، ارمياء، استير دانيال، عزرا، اخبار الايام الاول، اعمال الرسل(19).
و يعزى البعض في تطرق الكتاب المقدس الى الاخبار المتعلقة بالميديين و اصلهم و تاريخ اسلافهم و علاقتهم مع الفرس
الى وضع الاشوريين في عهد ملكهم سرجون الثاني (722-705 ق.م) لسبايا بني اسرائيل في المدن الميدية
بعد ان تمكن سرجون من الاستيلاء على السامرة عام 722 ق.م و قضائه على دولة اسرائيل و ازالتها من الوجود(20).
و لكن ما هي العلاقة بين الميديين و الكرد؟ و لحل هذا الاشكال يلوح للباحث بأن مؤداها تلك النظرية القائلة
بأن الكرد هم احفاد الميديين(21)، و المؤسسة على الاراء التي تبناها المستشرق الروسي فلاديمير مينورسكي
في بحثه المنشور بدائرة المعارف الاسلامية (مادة الكرد) في عام 1905(22).
و اثبت خلالها ان الكرد كقوم انتقلوا من الشرق الى الغرب، وقد اصبحت هذه الاقوال فيما بعد
مقياساً لطروحاته التي اعلنها في البحث الذي قدمه الى المؤتمر العشرين للاستشراق الذي عقد ببروكسل عام 1938
و ذكر فيه بأن الكرد ما هم الا احفاد الميديين الذين هاجروا من المناطق التي تحيط ببحر قزوين غرباً و جنوباً
نحو الغرب (كردستان) بعد سقوط الدولة الاشورية عام 612 ق.م(23).
ولو فرضنا جدلاً بصحة الاراء القائلة بأن الكرد هم احفاد الميديين(24)
و ان اللغة الكردية الحالية هي نفس اللغة الميدية(25)، فاننا يجب ان نقطع الصلة بين الكرد الحاليين
و السكان المحليين القدماء في كردستان و الذين سبقوا الميديين بالسكان المحليين(26).
ومن جهة اخرى فان هذا الربط بين الكتاب المقدس و ذكر الميديين فيه يوقع المتصد لحل هذا الاشكال في مأزق تاريخي
فالتوراة كتاب مقدس انزله الله عز و جل على كليمه موسى، عليه السلام، في القرن الثالث عشر ق.م باجماع المؤرخين(27).
اما الميديون فقد وردت اشارات تاريخية قليلة عنهم في مدونات الملوك الاشوريين في منتصف القرن التاسع ق.م،
و ان اول اشارة ما ذكره الملك الاشوري شليمنصر الثالث (858-824 ق.م) في غزواته الحربية
على المناطق الجبلية في جبال زاكروس في عام حكمه السادس عشر (عام 844 ق.م)
و عام حكمه الرابع و العشرين (836 ق.م)
حيث اتصلت الجيوش الاشورية في حملاتها على مناطق جبال زاكروس بقبائل ايرانية كبيرة.











د. فرست مرعي اسماعيل


مدير مركز الدراسات الكردية في جامعة دهوك

__________________
 
رد: تاريخ الكرد قبل الاسلام..

شكرا لمرورك على موضوعي وهذا شرف لي ووسام على صدري
كل رمضان وانت بخير ..كوليلك
 
عودة
أعلى