ضم مدينة البصرة :
كالما أن سكان البصرة ومناطقها وكذلك سكان ايران هم شيعة ومن اتباع علي بن أبي طالب لذا فقد كان الزنديون يتطلعون دائماً الى احتلال البصرة والكوفة واخضاع العراق العربي لحكمهم واخراج مزاراتهم وحسينياتهم من أيدي السنيين والإستعداد لقتال الترك بالإيرانيين وتطهير البلاد من أعدائهم فكانوا يهيؤن بذلك حرباً بينهم وبين العثمانيين وهذه واحدة من أخطاء دولة الزند وفي هذا الوقت كان والي بغداد العثماني عمر باشا يجبي الضرائب والرسوم الباهظة من إيرانيي العراق ويضع العراقيل في وجه زياراتهم الى الأماكن المقدسة في كربلاء والكوفة وعلى الرغم من شكاوى واحتجاجات كريم خان لدى السلطات العثماني إلا أن أحداً لم يعره آذاناً صاغية ولهذا كان لابد من إرسال جيش بقيادة أخيه صادق خان الى البصرة فاجتاز هذا الجيش الخليج بخمسة آلاف من الجنود وهاجموا المدينة مع ثلاثين سفينة حربية اجتازت الخليج أيضاً لقتال الترك ومن البشير والريغ توجه صادق خان نحو البصرة وعلى الرغم من تواجد بعض من قطع الاسطول التركي في حوض البصرة أو مياهها إلا أنها لم تخض حرباً ولم تصمد أمام الإسطول الإيراني بسبب احكام صادق خان سيطرته على شط العرب بعد اجتيازه بسرعة وسهولة حيث شكل الإيرانيون جسراً من القوارب اجتازوا عليها المياه وحاصروا المدينة لقد كانت البصرة مدينة كبيرة جداً في تلك الأيام فكان عدد سكانها يقارب الخمسين ألفاً وتلفها الحدائق والبساتين كما كان والي المدينة سليمان آغا البصراوي شخصاً شجاعاً ومحبوباً من الجيش والشعب في المدينة ومسموع الكلمة مطاعاً وكان يحيط بالمدينة سوراً عالياً جداً ولكن المدينة كانت ضعيفة في دفاعاتها وقليلة التحصينات وتضم عدة أبراج وما يقارب المئة مدفع وفي عام 1189هجري تم حصار المدينة عندئذ أصدرت الولة العثمانية فرمانات وأوامر الى دياربكر والشام وحلب والموصل حيث أرسلت منها النجدات الى البصرة بشكل متتابع وعندما وصلت النجدات الى بغداد وجد الأتراك أنهم لايستطيعون قتال كريم خان عندئذ بادروا الى قتل والي بغداد وأرسلوا الى كريم خان يقولون له إذا كنت تشكو من سوء أفعال هذا الوالي فقد قتلناه ونأمل ألا تقع الحرب بين إيران والدولة العثمانية وأن تسحب جيوشك من حول البصرة فسركريم خان ذلك على أنه ضعف وخوف فلم يعر لهم بالاً وتابع صادق خان الحصار حتى استسلم له القائد التركي مرغماً بعد أن قاوم الحصار سنة وشهراً وفي عام 1190هجري سلم سليمان والي البصرة المدينة الى صادق خان الذي أرسله مع مجموعة من ضباط الجيش التركي أسرى معززين الى شيراز عاصمة كريم خان وقد أحسن صادق خان الى سكان المدينة وأكرمهم وعطف عليهم كما عين أحد قادة جيشه حاكماً عليهم ويدعى علي محمد خان وعاد هو الى شيراز ولم يلبث أن وقعت حرب بين عشيرتين عربيتين قرب البصرة وعندما ذهب علي محمد خان لوقف الحرب وعقد صلح بين العشيرتين قتل وهو يقوم بواجبه وفور سماع صادق خان بذلك سارع نحو العشيرتين وأوقف الحرب بينهما واستقر في البصرة حتى توفي كريم خان راحلاً مع أكفانه عن الدنيا وعندما سمع صادق خان بوفاة ملكه كريم خان ترك البصرة وذهب الى شيراز عاصمة الدولة فدخل الوالي العثماني البصرة من جديد دون قتال يذكر. هذا وقد عمر كريم خان ثمانين عاماً وتوفي عام 1193هجري وكانت مدة حكمه لإيران ثنانوعشرون عاماً ويعتقد البعض أنه عمر قرابة خمساً وسبعين عاماً وفي عهده ازدهرت التجارة والزراعة والصناعة في إيران وقضي على الفوضى وقطاع الطرق والسرقة والنهب والسلب ونشر المساواة والعدل بين الناس كما تقدمت شيراز من النواحي الإقتصادية والعمرانية والثقافية وعلى الرغم من أن كريم خان كان رجلاً أمياً إلا أنه كان يحب ويحترم العلم والعلماء ويحث الناس على التعلم كما جعل بيته ملتقى العلماء والعارفين والكتاب والشعراء كما جدد قبري الشاعرين سعدي وحافظ وأحاطهما بالحدائق والورود وكان كريم خان رجلاً جبلياً شب على الشجاعة والقتال والنهب والعنف ولكن بعدما صار ملكاً أبعد هذه الأمور ليس عن نفسه فقط بل عن البلاد كلها وقد امتدحه الوزير القدير محمد أمين زكي بك وذكره بكثير من الإعجاب وينقل عنه قصصاً مطولة ولا أريد ذكرها في كتابي هذا.
مابعد وفاة كريم خان :
في الحقية أن من يتأمل مجريات الأحداث بعد وفاة كريم خان فسوف يدرك عودة الصراعات والفوضى والقلق التي عصفت بدولة الكرد وأدت الى تراجعها خطوات نحو الوراء ولايخفى ذلك على أحد وقد خلف كريم خان أربعة أولاد وهم صلاح خان وأبو الفتح خان ومحمد علي خان وإبراهيم خان وتوفي ابنه محمد رحيم خان في حياته والباقون وقعوا في ايدي مناوئين من أقربائهم فقد عمد صادق خان الى فقأ عيني أبو الفتح خان كما فقأ أكبر خان عيني صلاح خان ومحمد علي خان وقطع أيضاً لسان ابراهيم خان وبذلك جلس أولاده الأربعة مكفوفين مقطوعي اللسان لاحول لهم ولا قوة ومن هنا يبدو أن هذه العائلة الغبية المتوحشة والمحبة لسفك الدماء لم تكن قادرة على المحافظة على بلاد إيران تحت سيطرتها ولم تكن لآئقة بحكم إيران وستأتي نهايتها سريعاً لأن أية عائلة تحل نهايتها إذا بدأ الظلم والإقتتال بين أفرادها وستسقط عاجلاً أو آجلاً بيد الغرباء الذين تهتز بهم شجرة الحكم وتتخلحل جذورها بسهولة.
زكي خان زند الكردي :
بعد وفاة كريم خان خلفه أخوه زكي خان الذي أصبح ملكاً على إيران ولكن وجهاء وقادة عشيرة (لك)التي يعتبرالزند أحد أفخاذها لم يوافقوا على ملكية زكي خان وأرادوا تولية أحد أبناء كريم خان وتحصنوا في قلعة المدينة(1) متمردين على زكي خان وبايعوا أبو الفتح ملكاً ولكن قطع زكي خان عليهم الطريق بقوله إن أبو الفتح ومحمد علي خان هما ملكين في مكان أوهما وأنا إلا قائد جيوشهما وقائم بأعمالهما ولكن كانت هذه خدعة فكل شيء كان بيده وبهذا الشكل للم يكن راغباً أن يتحدث عنه الناس بسؤ وكان يكرر دائماً أن ولدا كريم خان طفلين صغيرين وغير مؤهلين لحكم بلد كإيران ولذلك فأنا أقوم بواجبات الدولة وأدير شؤونها وكان مستشاره في هذه الأمور هو ابن اخته علي مرادخان الذي كان ساعده الأيمن فتمكن زكي خان هذا من إخراج المعتصمين بالقلعة بالحيلة وقتلهم جميعاً أما صادق خان فقد خرج من البصرة سريعاً الى عاصمة الدولة شيراز بعد سماعه خبر وفاة كريم خان وعند وصوله ركز جيشه في باب المدينة وبادر الى إرسال لبنه جعفر خان الى زكي خان فسمع من زكي خان الكثير من العهود والكلام المعسول ولكنه لم يكن مرتاحاً لكلام هذا الأخير واندلعت الحرب بين العم وابن الأخ بضراوة بالغة وعندما وجد زكي خان أنه لايستطيع التغلب بسهولة على صادق خان لجأ الى تحصين المدينة وإغلاق أسوارها كما القى القبض على أبو الفتح خان بن كريم خان وسجنه وجعل محمد علي خان بن كريم خان ملكاً بالإسم وقبض على أولاد صادق خان الثلاثة الذين كانوا في المدينة وأرسل الى حلفاء وقادة جيش صادق خان ينذرهم بذبح نساءهم وأولادهم إن هم حاربوا الى جانب صادق خان فصدقوه وخافوه وعرفوا أنه شرس يفعل مايشاء بدون رحمة فتركوا أماكنهم وانضموا إليه فهرب صادق خان مع ثلاثمائة من فرسانه المخلصين الى كرمان عندئذ وجه له زكي خان مجموعة من الفرسان يطاردونه ولحقوا به على بعد أربعين ميلاً شرقي شيراز فدارت حرب شرسة بينهما في دربند أورينجان وأثناء المعركة قتل قائد جيش زكي خان وتشتت شمله فاستطاع صادق خان الوصول الى قلعة كرمان بصعوبة بالغة وتحصن فيها ليستعد لمعركة كبرى.
وفي معرض ذكره لحوادث وقعت في هذا العصر يقول محمد أمين زكي بك في الصفحة (303) من الكنار العدو واحد بعدما اعتقل محمد حسين خان القاجاري هرب أولاده الى تركستان وبعد أربع سنوات عادوا الى كريم خان الذي أكرمهم وأعطاهم مكانة ومنزلة رفيعتين وتمكن محمد أغاخان بن محمد حسين خان القاجاري أخيراً من القضاء على هذه العائلة وحكمها وأصبح ملكاً على إيران وكان كريم خان متزوجاً من ابنة محمد حسين خان القاجاري وبعد موت كريم خان هرب محمد آغاخان الى مازندران وطالب بملكية إيران وقد علم زكي خان نوايا الحاكم القاجاري وبدا أنه يطمح الى أكثر من مازندران ولذلك بادر الى ارسال جيش كبير إليه بقيادة ابن أخته علي مرادخان وكان هذا لايميل الى زكي خان وغير راض عن حكمه وظلمه للناس فبقي ينتظر الفرصة الملائمة للإنقضاض ليه وعندما وصل الى طهران-الري جمع قادة الجيش وخطب فيهم قائلاً:
أيناسبنا أن نكون مع هذا الشخص السفاح الظالم الذي قاد أولاد كريم خان الى السجن أذلاء صاغرين ولم يترك لنا ولا حتى لنفسه صديقاً أو حليفاً واحداً في هذا العالم وحول كل من حولنا الى أعداء يتربصون بنا الدوائر وبهذا الشكل كسب عطف وصداقة قواده وتوجه بهم نحو أصفهان فاستطاع أن يعزل والي زكي خان المعين من قبله وكان يردد دائماً أنه يريد تولية واحد من أولاد كريم خان ملكاً على عرش إيران وأنه لايحمل في نفسه طموحات في شيء لايستحقه أو في اغتصاب حكم ليس من حقه فمال إليه الناس متوسمين فيه الخير والحكمة وعندما سمع زكي خان بذلك توجه بجيش كبير نحو أصفهان وفي الطريق مرب(يزدي خواست) وبدأ فصلاً مريعاً في اضطهاد الناس وفرض عليهم ضرائب باهظة وعندما ذهبت إليه جماعة من سكان المدينة يطلبون منه تخفيف الضرائب عليهم فما كان منه إلا أن أمر برميهم من القلعة فقتلوا جميعاً وهنا اجتمع عليه سكان المدينة وقتلوه.
3- ابو الفتح خان بن كريم خان :
عندما قتل زكي خان في (يزدي خواست)عام 1779هجري أصبح أبو الفتح خان بن كريم خان ملكاً على إيران وعلى الرغم من أنه كان عطوفاً شجاعاً وسخياً معتداً بنفسه فإنه لم يكن ليصلح لحكم إيران ولذلك خرجت الملكية من يده وبسرعة فأصبح صادق خان ملكاً خلفاً لزكي خان.
4- صادق خان شقيق كريم خان زند الكردي:
عندما سمع صادق خان بمقتل زكي خان ذهب بقلب من حديد الى عاصمة الدولة ولم يمض وقت طويل حتى اعتقل أبو الفتح خان وأودعه السجن وفقأ عينيه وفي عام 1194هجري أعلن نفسه ملكاً وأرسل ابنه جعفرخان الى أصفهان وفي هذه الأثناء كان علي مرادخان قد انتصر على عدوه ذوالفقار خان وسيطر على مناطق قزوين والسلطانية وزنجان وأرسل رأس ذو الفقار الذي قطعه في احدى المعارك الى شيراز ثم ذهب الى طهران-الري وعندما سمع بإعتقال أبو الفتح خان أعلن النداء الملكي ورفع راية الإستقلال في وجه صادق خان ثم ذهب الى اصفهان وعين عليها (ولي بك) من قبله حاكماً يأتمر بأمره ولكن أرسل إليه صادق خان عشرين الفاً من الجنود بقيادة ابنه تقي خان الذي استطاع أن يحقق نصراً ساحقاً على عدوه علي مراد خان بعد ما انضم إليه الكثير من جنود هذا الأخير الذي هرب ووصل بصعوبة بالغة الى همدان عندئذ أرسل صادق خان الى ابنه يطلب منه تدمير قوات علي مراد خان.وعدم الإنكفاء عن مطاردته ولكن تقي خان هذا انخدع بهروب علي مرادخان فدخل أصفهان مزهواً واستقر فيها بفرح وطول بال وبذلك أعطى لعدوه الفرصة لتجهيز جيشه وتهيئة نفسه من جديد فجمع علي مرادخان جيشاً كبيراً ومدرباً وعندما سمع تقي الدين خان بذلك سار لملاقاته من جديد وفي الطريق انفض عنه معظم جنوده وتفرقوا في بيوتهم بعد ذلك التقى جيشا الكرد- زند قرب همدان وبدأت الحرب بينهما وفي هذه المرة انتصر علي مراد خان على جيش خصمه واستطاع أن يشتت شمله ولم ينج تقي خان من براثن الموت إلا بفضل حوافر حصانه السريع ووصل بصعوبة كبيرة الى شيراز عندئذ أرسل صادق خان جيشاً آخر لملاقاة عدوه وكان علي مرادخان نفسه يتوجه بسرعة نحو شيراز فوصل جنوده الى سور المدينة حيث تحصن فيها صادق خان وتمت محاصرة المدينة لمدة ثمانية اشهر عندئذ لم يقاوم السكان الجوع وسوء الأحوال فلجأوا الى فتح الأسوار أمام جيش علي مراد خان الذي دخل المدينة بسهولة ولكن بقي صادق خان وقواده ونساؤه مدة يقاومون في القلعة ثم استسلموا أخيراً لعلي مرادخان الذي قتلهم جميعاً بالسيف وكان ذلك في عام 1186هجري عندئذ خبت شعلة دولة صادق خان بعاصفة من الظلم والعنف ولم ينج من عائلته سوى ابنه جعفرخان لأنه كان من أصدقاء علي مرادخان فلم يقتله وعلينا أن ندرك الآن بأن نهاية حكم هذه العائلة قد دنت وبدأت تسير سريعاً نحو حتفها على أيدي الطامعين بمملكتها وهذه حقائق تظهر أنها أبدية لازمت ملوك وحكام الكرد القليلي الحيلة والذين كانوا يديرون شعوبهم بغباء بالغ ولكن متى تنهض ونفتح أعيننا ونلملم جراحنا ونرى مايجري حولنا لنقف صفاً واحداً أمام الشدائد والمحن والأعداء فالتاريخ وحده يستطيع الإجابة عن هذه التساؤلات. هذا وكان مقتل صادق خان وأولاده قد تم بيدي أكبر خان بن زكي خان وبعد مدة تخلص علي مراد خان من أكبر خان على يد جعفر بن صادق خان ثم عين هذا الأخير حاكماً على أصفهان وأصبح ابنه الشيخ ويس قائداً للجيش فنقل عاصمته الى أصفهان ووكل ابنه ويس خان بالحدود الشمالية لإيران وأرسله لقتال محمد آغاخان القاجاري فتمكن من التغلب عليه وهرب آغاخان الى استراباد .
5- علي مرادخان بن أخت كريم خان :
وكما أسلفنا القول فقد نقل علي مرادخان عاصمته الى أصفهان وأرسل ابنه لقتال محمد آغا القاجاري فتغلب عليه وهرب القاجاري الى استراباد ولكن أرسل ويس خان جيشاً كبيراً الى المدينة بقيادة محمد ظاهر خان الذي قتل في ميدان المعركة وأصاب التشتت جيشه فهرب ويس خان من مازندران الى طهران ودخل بين جنوده والده عام 1199هجري وفي تلك الأثناء مرض شاه إيران علي مراد خان وعلى الرغم من مرضه فقد كان يستعد لقتال عدوه.
وفي هذه الأثناء جاءته أخبار غير سارة تفيد بأن جعفر خان بن صادق خان قد ثار في أصفهان يطالب بالملكية فسار إليه بجيشه رغم مرضه واندلع القتال بين الطرفين وبذلك ترك الساحة خالية لمحمد آغاخان القاجاري ولم يصغ علي مرادخان لنصائح أطبائه فتوحه لقتال جعفر خان ولكنه توفي في منتصف الطريق وتمدد تحت الثرى هامداً في سنة 1785م.وكان علي مراد خان هذا رجلاً شجاعاً ذكياً وعطوفاً معتداً بنفسه سخياً كما كان أحولاً فلقبه آغا محمد بالأعور وكان يقول إذا لم يمت هذا الأعور فلن نستطيع أن نفعل مانريد.
6- جعفر خان بن صادق خان :
بعد وفاة علي مرادخان دخل جعفر خان مدينة أصفهان وعزل واليها المعين من قبل علي مرادخان وبلإحضاره أويس خان وفقأ عينيه تزعزعت الدولة الكردية وتخلخلت أركانها وكانت فرصة سانحة لآغاخان القاجاري لضرب الأكراد وتحطيمهم وقتلهم وفقأ عيونهم فسادت فترة من الفوضى والإضطراب بين أكراد المملها سندة مما اثار سخط الناس ونقمتهم على الأوضاع المزرية وطلبوا من الله أن يخلصهم من هذه العائلة المهلهلة فكانوا ينتظرون من يخلصهموينقذهم من هذه المصائب والويلات التي ابتليت بها بلاد إيران. في هذه الأثناء خرج محمد آغا القاجاري ومعه ثلاثمائة فارس من مازندران وفي الطرق انضم إليه الكثير من الجنود وتوجه بقلب من حديد نحو أصفهان ودخلها عام 1788م وكان جعفر خان قد خرج من المدينة قبل وصول جيش العدو إليها ووصل الى شيراز بعدما عين حليفه الحاج ابراهيم حاكماً على فارس وفي هذه المرة لم يستقر آغا محمد خان في اصفهان بل توجه نحو شيراز وفي الطريق وقعت بعض المعارك بينه وبين عشائر لورستان فعاد أدراجه الى طهران- الري مرغماً وتمكن جعفرخان من إعادة سيطرته مرة أخرى على أصفهان وظفر برحيم خان وقتله ثم تراجع ثانية نحو الخلف فوقعت أصفهان مرة أخرى بيد عدوه وللمرة الأخيرة أيضاً لم يستقر في أصفهان فتوجه نحو شيراز وفي هذه الأثناء وقعت لجعفرخان حوادث كبيرة وأهمها حادثة (همدان) فقد تمرد عليه داليه الذي استطاع أن يلحق بجيشه هزيمة ماحقة وأخرج مدينة (يزد) من سيطرته وهنا حالف الحظ جعفرخان حيث أخضع ابنه لطوف خان بلاد لار(لارستان) عندئذ بادر الى ارسال جيشه مرة أخرى الى اصفهان وأخضعها لحكمه ولكنه تركها للعدو من جديد وعاد الى شيراز وقد استطاع جعفرخان وبمساعدة وزيره ميرزا حسين خان من أن يكسب ود الناس وعطفهم ومحبتهم وكانوا لايزالون يكنون له الود والإحترام وهنا اندلعت لهيب ثورة حامية في كاشان وامتد لهيبها يوماً بعد يوم الى مناطق أخرى بقيادة عرب محمد حسين خان ولكن تمكن علي قولي خان الكازروني قائد جيش جعفرخان من اعتقال عرب حسين خان مع ألف وخمسمائة شخص بعد أن أعطاهم العهود والأمان وجاء بهم الى شيراز ولكن لم يأبه جعفر خان لعهود قائده وأودع هؤلاء السجن وإزاء هذا فقد اعتزل القائد الحاج علي قولي خان في بيته غاضباً من سيده ولم يكتف جعفخان بذلك بل أرسل جيشاً الى قائده مرغماً الى شيراز وأدخله السجن ومن زنزانته استطاع الحاج قولي أن يدير مؤامرة ضد سيده فكثر أنصاره ومؤيديه وتطلعوا جميعاً لمقتل جعفرخان ونجحت مؤامرتهم بفضل مساعدة الوزير القديم سيد مرادخان الذي كانت له أياد بيضاء على جعفرخان وقد أدخله هذا الأخير السجن بدون سبب يذكر فتمكنوا من وضع المخدر (الأفيون) في طعامه وعندما فقد وعيه هجموا عليه وقتلوه في سنة 1789م وقطعوا راسه وطافوا به شوارع المدينة بعد سيطرتهم عليها.
7- لطوف علي خان بن جعفرخان بن صادق خان:
كان حاكماً على كرمان من قبل أبيه وعندما قتل والده أعلن(سيدخان) زعيم الحركة الثورة نفسه ملكاً على إيران ومنذ البداية فقد نصح شيخ بلدة (أبي شهر)ابنة الشيخ ناصر بشد أزر لطوف خان فأرسل الشيخ ناصر جيشاً صغيراً الى شيراز ولكنه تراجع أمام جيش حاجي هاشم أخي سيدخان عندئذ أرسل الأخير جيشاً بقيادة(حاجي ابراهيم)(1) لقتال لطوف خان ولكن انحاز هذا القائد الكبير الى لطوف خان وسارا معاً الى شيراز وسيطرا عليها فتحصن سيدخان وحلفائه في القلعة ولكنهم استسلموا فيما بعد فأعدم لطوف عدوه اللدود سيدخان وأطلق سراح حاجي علي قولي خان بناء على توسلات حليفه حاجي ابراهيم ثم أحسن إليه وأكرمه وعلى الرغم من أن لطوف علي خان أصبح ملكاً وهو في ريعان شبابه إذ كان عمره لايتجاوز العشرين ربيعاً إلا أنه لم يكن كفؤاً لحمل أعباء الحكم المرهقة وفي هذه الأثناء هاجم محمد آغاخان القاجاري مدينة شيراز فخرج لطوف خان لملاقاته ولكنه هزم عند بدء المعركة وتراجع الى شيراز وتحصن فيها وبعد شهرين من الحصار انسحب محمد آغاخان نحو طهران وتمكن بذلك لطوف خان من لملمة نفسه وتجهيز جيشه واستعد لحرب حاسمة وطويلة الأمد في هذه الأثناء كان محمد آغاخان يحارب أعداءه في أذربيجان فكان لطوف خان ينتظر قدومه بفارغ الصبر ليلقنه درساً لن ينساه ثم بادر الى شن هجوم صاعق على مدينة كرمان.