Kurd Day
Kurd Day Team

حكم الملان في ويرانشهر
ينقسم الملان – العشيرة الكردية الكبيرة – في منطقة ماردين إلى قسمين ؛ الأول يدعى ملان الخضر آغا، والثاني ملان الباشا وسنركز في هذا البحث على ذكر ملان الباشا أو الباشوات، ولكن الحقيقة أن الملان ينقسمون بشكل عام – وحسب ألقاب زعمائهم – إلى ثلاثة اقسام وهي، الملان الباشوات، الملان الأمراء، والملان الأغوات, حيث يستقر ملان الباشوات في ويرانشهر، والملان الأمراء في ماردين. أما الملان الأغوات الذين تتزعمهم عائلة خضر آغا، فهم ينتشرون في القرى الواقعة جنوبي ناحية عامودا، وهم أصحاب قرى ومزارع، حيث تتمتع عائلة خضر آغا فيها بشهرة كبيرة. وسيدور حديثنا الآن حول عائلة باشا الملان الشهير بـ ( زنكو زيرين )، كما سنتطرق في حديثنا إلى تاريخ باشوات الملان، آملين أن نقدم من خلاله خدمة متواضعة لشعبنا وتاريخنا. اشتهر من عائلة ( زنكو زيرين ) ومنذ القدم – بعض الباشوات والرجال الذين ذاعت شهرتهم على صفحات التاريخ، وهم مبعث فخار للشعب الكردي الذي لازال يرفع يرأسه عاليا – بسيرتهم وتاريخهم. ومن هؤلاء :
1-كله شبدي :
مع مزيد من الأسف – فإننا لا نعلم شيئاً يستحق الذكر عن تاريخ حياة كله شبدي هذا، وجل ما نعرف عنه هو أنه كان لصاً، سلاباً، قاطع طريق، وقاتل سفاك للدماء. ولهذا فقد ذاع صيته، وتمكن من تولي زعامة الملان بسبب شجاعته وجبروته المعهودة فانضوت عشيرة الملان كلها تحت رايته، ولكننا لا ندري ايضاً متى توفي هذا الرجل المغوار .
2-بشار باشا: ومما يبعث على الأسى والأسف – مرة أخرى – هو أننا لا ندري ابن من يكون هذا الرجل ؟ ومتى ولد ؟ وفي أي عام توفي ؟ ويقال بأن آغا عشيرة الشكاك المدعو ( عبد الله عيسو ) كان قد فر من الدولة العثمانية, والتجأ إلى بشار باشا، ورغم أن الدولة طالبت بتسليمه إليها مراراً، إلا أن الباشا كان يرفض تسليمه إليها، وأخيراً طلب المسؤولون بشار باشا إلى مدينة الرها، حيث قطعوا رأسه هناك، ولكن قبل أن يقتلوه بقليل سألوه ماذا يطلب من الدنيا ؟ فقال الباشا: نعم، بلا-و الله, أريد أن أغني قليلاً ! عندها ضحك الجميع وقالوا: إن باشا الملان فقد عقله أمام رهبة الموت، ولكن الباشا وضع اصابعه في أذنيه وبدأ يغني ويقول:
لو لو .. .. ..
لو لو سوارو ! هاكه بمن هاكه .
طى هه ري كونى عبد اللايى – عيسوه آغايى شكاكا
بىژه, مير أومير بو، كو سوزاخوه، بره سري
هتا خوينا، بشار باشا، هه ركي، لى شكاكا
أي بما معناه :
أيها الفارس ،ا سمع ما أقوله لك .
لتذهب إلى خيمة عبد الله عيسو، آغا الشكاكا
وقل له: كان شجاعاً، ذاك الرجل الذي أوفى بوعده حتى النهاية, وحتى أريق دم بشار باشا على أرض الشكاكا .
كان الباشا ينشد ذلك متوجهاً نحو شاب مسلح بالسيف والترس، ففهم الشاب المللي معنى كلام الباشا، فركب جواده وحرج من المدينة، يريد خيمة عبد الله عيسو، وحال جلوسه في المجلس، سأله الآغا: أخبرني يا بني ماذا سمعت في مدينة الرها ؟ فأخبره الشاب المللي بالقصة من أولها إلى آخرها، ثم قال: وإيم الله لقد قتلوا الباشا، ثم ردد على مسامعه أغنية الباشا، عندها قال عبد الله عيسو: كفى يا بني فقد أبلغت، وأوضحت كل شيء، فقم واذهب يرعاك الله، وسارع الآغا إلى جمع حاشيته وأعوانه وأخبرهم بما حدث، ثم أمرهم قائلاً: قوموا قومة رجل واحد وأعدوا خيامكم للرحيل ليلاً، ولنبتعد عن عشيرة الملان، فوالله لو علموا بمقتل الباشا لأبادونا عن آخرنا! وعندما أرخى الليل سدوله، كان الشكاك يرحلون هائمين على وجوههم، وعند تباشير الصباح كان الملان يتعقبونهم ويقتلون عدداً كبيراً منهم، وهكذا فمنذ ذلك اليوم رحل الشكاك عن هذه البلاد ولم يعودوا إلى أرض الجزيرة مرة أخرى. وكنت قد سمعت هذه الحادثة سابقاً على شكل قصة تروى من بعض المصارد الكردية .
3-تمر باشا الزنكو زيرين :
عندما ضمت الدولة الثمانية، بلاد ماردين إلى ولاية بغداد، كان الناس قيها ينقسمون إلى ثلاث فئات عرقية وهم: الكرد، والعرب والتركمان. وكان الكرد يشكلون أكثرية السكان ويسيطرون على المنطقة بأكملها، لأن عشائر كردية كبيرة كانت تفرض سطرتها على جبال طور عابدين ( قرج داغ ) وسفوحها الواسعة، وكانت هذه العشائر تتمتع بشهرة حربية واسعة، واشهرها وأكبرها كانت عشيرة الملان التي كانت تعيش في سهول ماردين على تماس مباشر مع العشائر العربية؛ كشمر وهو أكبرها، ثم طيء وعنزة، بالإضافة إلى عشائر تركمانية، كانت تلك العشائر ترعى أغنامها في فصل الربيع، على بطاح هذه السهول وفي أجزائها الواقعة جنوبي الجزيرة السورية وشمالها وفي هذه الأثناء – ورغم أن العشائر الكردية لم تكن متوحدة – إلا أنها كانت تتحد عندما يداهمها خطر خارجي مشترك. وكثيراً ما كانت هذه العشائر الكردية يحارب بعضها بعضاً أو أنها كانت تنحاز أحياناً, إلى جانب عشائر عربية ضد عشائر كردية أخرى، وكان نفس الشيء يحدث لدى العشائر العربية أيضاً التي كانت تتحالف مع عشائر كردية ضد أخرى عربية من بني جنسها، ولهذه الأسباب كانت الجزيرة أو بالأصح عشائر الجزيرة، كانت تنقسم في غالب الأحيان إلى حليفين متضادين، يحاربان بعضهما باستمرار .
حلف الأعمام :
أطلقت هذه التسمية حلف الأعمام – كما يسميه العرب – على حلف كان يضم جميع عشائر الجزيرة من الكرد والعرب، ضد عشيرتي شمر والعنزة، لأن هاتين العشيرتين الكبيرتين كانتا تسفكان الدماء بدون حدود، وكانتا في حالة عداء مستمر ليست ضد العشائ الكردية فحسب، بل ضد العشائر العربية الأخرى، الأقل منها شأناً ايضاً، وكانت العشيرتان تمتهنان الغزو والسلب والنهب، لأنهما عشيرتان دخيلتان إلى المنطقة جاءتا من خارجها وكانت تخافهما جميع عشائر الجزيرة، ولم تستطع اية عشيرة أن تواجههما بمفردها بل كانت تستطيع ذلك بالوحدة فيما بينها فقط، ومن العشائر الكردية التي دخلت في الحلف المضاد للعشيرتين هي عشيرة الملان بفرعيها ملان الباشوات، وملان الخضر آغا، ثم عشيرة الكيكية والخله جا، والدقورية، ومن العشائر العربية الداخلة في حلف الأعمام، الطي، والجبور، والبقارة، وبعض العشائر الصغرى الأخرى، وكانت عشيرة الشمر تدخل الجزيرة من العراق، بينما كانت عشائر العنزة تدخلها من مناطق الشامية الواقعة في غربي الفرات، وهكذا كان سكان الجزيرة يجتمعون في حلف يحلفون فيه لبعضهم بالتصدي معاً للعشيرتين الكبيرتين، وكان ذلك هو السبيل الوحيد لحماية أنفسهم وأموالهم من غارات العشائر الدخيلة، إلا أن الشمر تمكنوا – في وقت ما – من فرض سيطرتهم على العشائر الكردية والعربية معاً واخذوا منها الخوة بالقوة والإكراه.
الخوة أو الأخوة:
بما أن الشمر كانوا محاربين اشداء، ويأنسون من أنفسهم الشدة والقوة، ولهذا فقد دفعهم ذلك إلى امتهان الغزو ،والسلب والنهب، وجلب الأذى والبلاء لعشائر الجزيرة، فيستبيحون حيواناتها وأموالها حيث كان الناس جميعاً يهأبونهم ويقدمون لهم الأموال والأغنام وكذلك المنتوجات الزراعية، حتى يكفوا بلاء الشمر عنهم، وليأمنوا أنفسهم من السرقة والسلب والقتل .
في البداية كانت تدفع لهم هذه المغانم باسم ( الخوة ) ولكنهم أصبحوا يأخذونها – فيما بعد – على شكل ضريبة مفروضة بالقوة والإكراه، على جميع الجزراويين من العرب والكرد معاً. ولهذا بدأ العرب والكرد في الجزيرة يتحدون في حلف الأعمام ضد شمر والعنزة، فكانوا ينقلبون عليهما في كثير من المرات، فيهاجمونهما ويقتلون رجالهما ويسلبون منهما الغنائم والأموال، إلا أن الخوف كان يلازم دائماً قلوب أفراد العشائر العربية والكردية، وسكان الجزيرة من سطوة عشائر شمر والعنزة القويتين.
في هذه الأثناء كان زور تمر باشا أو ( زنكو زيرين ) موضوعاً تحت الإقامة الجبرية في استانبول، ولكن لم تكن العشائر العربية والكردية تكف عن الضجر والشكوى من ظلم هاتين العشيرتين ولكن لم يكن أحد ليستجيب لها، إلى أن تمكن باشا الملان من الهرب من استانبول والتجأ إلى عشيرته ليستجيب لصرخات عشائر الجزيرة ويدافع عنها وعن أموالها وممتلكاتها، فبدأ على الفور يوطد حكمه ويهيء نفسه لمواجهات حاسمة، وسرعان ما التفت حوله العشائر العربية والكردية معاً، فاستطاع أن يعد منها جيشاً كبيراً، وبدأ يثير القلاقل ويقوم بالغزو والسلب والنهب، فدبت الفوضى في منطقة الجزيرة بأسرها، وامتد نفوذه إلى مناطق ديار بكر والرها، وحلب والموصل، وأعمل فيها السلب والنهب وأغرق هذه المناطق بالقلاقل والفوضى والظلم والتدمير، فاستبد القلق والخوف بولاة بغداد وديار بكر، وحلب، وساورتهم الوساوس والشكوك، ونزلوا لمحاربة زور تمر باشا، إلا أنهم عجزوا عن القضاء عليه، الأمر الذي أدى بهم إلى إعداد جيش كبير، سلمت قيادته إلى كل من سليمان باشا والي بغداد، وأوزن إبراهيم باشا وإلي رشوان زاده عمر باشا والي ملاطيا .
كان الثلاثة على رأس هذا الجيش الكبير الذي زج به سليمان باشا في حرب ضد زور تمر باشا، الذي رأى أنه لم يعد بإمكانه التصدي لهذا الجيش الجرار، ولذلك سارع إلى التخلي عن عاصمته ( قلعة بوك ) لأعدائه، وتوجه نحو ولاية حلب، فصب سليمان باشا جام غضبه على العشائر الكردية، وأذاق عشيرة الملان – بشكل خاص – الأذى والويلات وألحق بها دماراً كبيراً، واضطهاداً مقيتاً لا حد له, وأزاح حاكم ماردين من منصبه، وقتل عدداً كبيراً من زعماء الملان ووجهائهم، ومن الشخصيات المشهورة الذين قتلوا وأعدموا، كان سعدون بك أحد اشقاء تمر باشا، وكذلك ابن عمه محمود بك واخيراً عمد سليمان باشا إلى تعيين شقيق تمر باشا المدعو إبراهيم بك زعيماً على الملان، وعاد إلى بغداد .
( من كتاب – تاريخ جودت – صفحة 340 – القسم الخامس .
وكان الأتراك يريدون تشتيت شمل الكرد، وضم بلاد ماردين التي كانت تتبع ديار بكر إلى ولاية بغداد التي تبعد عنها ما يقارب الألف كيلو متر، في وقت امتلأت فيه بلاد ماردين بالمرتشين والطامعين والأشقياء واللصوص الذين ساهموا جميعاً في خلق جو من الفوضى والاضطراب، فكانت بلاداً مستباحة، وأصبحت ماردين مدينة بدون حماية، وإمارة تغرق في الجهل والأمية والتخلف، يسود فيها القتل والسلب والنهب، ولم يعد أحد يأبه لأوامر المسؤولين وقراراتهم.
إلا أن سليمان باشا عاد إلى بغداد بخفي حنين، ودون أن يحقق ما يريد، إذ بقي تيمور ( تمر ) باشا طليقاً في الخارج مدة ثلاث سنوات ينتقل من مكان إلى آخر، وفي عام 1209 هـ – 1794 م ذهب بنفسه فجأة إلى بغداد، وطلب العفو والصفح من سليمان باشا الذي استجاب لطلبه ومنحه عفواً على أعماله السابقة، فأصبح تيمور باشا والياً على مدينمة الرقة عام 1215 هـ– 1800 م، ولكنه عجز عن حمل هذا العبء الثقيل لكثرة أعدائه الذين وضعوا الكثير من العراقل والصعوبات في وجهه، ولذك تم نقله إلى سيواس , حيث أصبح والياً عليها، وكان ذلك عام 1218 هـ – 1803 م .
إبراهيم بك المللي :
-وكما مر معنا-، فعندما هاجم جيش والي بغداد، سليمان باشا بالتعاون مع الجيش التركي المتمركز في النواحي القريبة من ماردين – بلاد الملان، أغرقت البلاد في وسط دوامة من الفوضى والسلب والنهب، وجرى قتل عدد كبير من الناس وإعدامهم بدون حدود وقيود، ورأينا كيف أن الباشا المشهور، لجأ إلى تعيين إبراهيم بك شقيق تيمور باشا، زعيماً على بلاد الملان، فتمكن إبراهيم بك من إدارة أمور عشائر الملان والعشائر العربية، والكردية الأخرى بجداة واقتدار، وافلح في جمع شمل هذه العشائر وحل الوئام بينها، وأن يسير بها اشواطاً نحو التقدم والرقي، وأنشأ علاقات ودية حميمة مع الدولة العثمانية، وتمكن من حماية حدود إمارته من الأعداء، إلى أن وافته المنية ورحل عن الدنيا الفانية .
أيوب بك بن إبراهيم بك :
حكم إمارته بجدارة واقتدار، مدة طويلة من الزمن، وامتاز بجوده وكرمه الحاتمي وحتى الدولة العثمانية كانت تخشى الاقتراب من إمارته، التي كان يحكمها حكماً مستقلاً في ويرانشهر، ولكن تمكن جيش عثماني من مفاجأة إمارة الملان، ووقعت بين الترك والكرد معارك دموية حامية، إلى أن وقع أيوب بك في النهاية أسيراً بيد الأتراك العثمانيين، وأودع السجن ولم يخرج منه إلا محمولاً على نعش الموت .
تيمور بك:
إن تيمور بك هذا هو حفيد تيمور باشا الذي مر معنا ذكره سابقاً – وخلال الحرب التي دارت رحاها بين الدولة العثمانية وبين إبراهيم باشا بن محمد علي باشا والي مصر، الذي كان يتقدم بالجيش المصري باتجاه ديار بكر وكردستان، محققاً الانتصار تلو الآخر على جيش السلطان العثماني المدحور – واستولى تيمور بك بجيشه على بلاد الجزيرة، وبرية ماردين ( سهولها ) ولكن لم يلبث أن قتل هذا الكردي المغوار في إحدى معاركه مع العثمانيين، وبدأ الجيش المصري أيضاً بالانسحاب إلى ببلاده من المناطق السورية والتركية التي كانت قد وقعت تحت قبضته الحديدية، فعادت الدولة العثمانية تفرض سيطرتها على هذه المناطق من جديد، في وقت تزعزعت فيه معنويات الملان بفقدهم لزعمائهم، مما أدي إلى إغراق بلادهم في دوامة من العنف، والاضطهاد والظلم، ووقعت العديد من القرى والمناطق الكردية تحت سيطرة بعض العشائر العربية كطيء وشمر وغيرها، التي قامت بسلب أموال الناس وممتلكاتهم.
محمود بك بن تيمور بك:
عندما بدأ محمود بك يدرك ما يدور حوله، ووجد كيف أغرقت بلاده في الفوضى والاضطراب، جمع حوله حلفاءه واصدقاءه ومجموعات من فرسان العشائر المجاورة له، وهكذا تمكن من جمع جيش كبير من العرب والكرد وسارع والى دمشق - بدوره – إلى مد يد المساعدة له، ووضع تحت تصرفه بعض القوات العسكرية، وبذلك بدأ يعد للحرب عدتها، ولم يلبث أن أفلح باشا الملان في استعادة القرى والمناطق الكردية من ايدي شمر وطيء وجعل مدينة ( ويرانشهر) عاصمة له، وبنى فيها قلعة حصينة ضخمة، ولكن لم يلبث أن داهمه عمر باشا والي دياربكر، فألقى القبض عليه وأودعه السجن في قلعة ديار بكر .
إبراهيم بك بن محمود بك بن تيمور بك :
بعد اعتقال ابيه ووضعه في السجن، تولى زمام الحكم محله في ويرانشهر، واستطاع حماية بلاده من الأعداء الطامعين، سعى – بعدها – إلى العمل على إطلاق سراح والده، فتوجه إلى مصر ليتوسط له الخديوي في ذلك، ولكنه لم يفلح هناك في مسعاه فعاد إلى استانبول وحصل فيها على مرسوم من السلطان عبد العزيز- هذه المرة- وبمساعدة من الخديوي إسماعيل يقضي بإطلاق سراح والده المسجون في ديار بكر فسار إلى المدينة وجاء بوالده معه وعاد إلى بلاده .
ولكن لم يدم العمر بمحمود بك طويلاً بعد إطلاق سراحه، فلم يلبث أن توفي راحلاً بخيامه عن الدنيا.
وحال وفاة محمود بك، بدأ ابنه إبراهيم يتدخل في شؤون العشلئر الأخرى، وأدى تدخله هذا إلى خلق نوع من البلبلة والفوضى في البلاد، إلا أن السلطان عبد الحميد الثاني أنعم عليه بلقب ( باشا ) فأصبح يعرف بإبراهيم باشا المللي، كما وضع جميع بلاده تحت حكمه، عندها قامت العشائر الكردية والعربية في الجزيرة تعلن خضوعها له والانضواء تحت راية دولته فذاع صيته في داخل البلاد وخارجها وتمكن من من فرض سيطرته على الطرق الموصلة بين حلب والموصل وماردين، بحيث لم يكن أحد ليجرؤ على المرور في هذه الطريق دون دفع ضريبة المرور, وعندما استفحل أمره مع مرور الزمن، اضطرت الدولة العثمانية إلى إرسال حملة عسكرية كبيرة ضده فتمكنت من اعتقاله وأرسلته إلى سيواس حيث وضع تحت الإقامة الجبرية، وبعد مضي فترة طويلة من اعتقاله، تمكن الباشا من الهرب من حراسه وعاد إلى بلاده موصلاً نفسه إلى عاصمته ويرانشهر يصعوبة بالغة، ولم يمض وقت طويل على هروبه حتى بدأ السلطان عبد الحميد بإنشاء إيالات الفرسان الحميدية – نسبة إلى اسمه – فانضم إليها إبراهيم باشا وأصبح يدعى ( أمير أمراء باشا)، وكان السلطان قد أنشأ هذه الإيالات لقمع خصومه، ولقمع شعوب الدولة العثمانية ولهذا دعي بالسلطان الأحمر, وكان معظم العناصر المنتمية إليها _ إن لم نقل كلهم – من الأكراد لأنه كان يرى أن الأكراد متخلفون، جهلة، وليس هناك ما يمنعهم من أن يضحوا بأرواحهم في سبيل نزعات سلطان رجعي ومهزوز, وبانضمامه إلى الإيالات الحميدية استطاع إبراهيم باشا أن يمد نفوذه إلى كل مكان يرغب الوصول إليه، كما انضمت إليه جميع عشائر المنطقة الكردية منها والعربية أيضاً، وبدأ يحقق أمجاده بخطى سريعة .
وفي عام 1322 هـ – 1904 م حقق البشا نصراً كبيراً على عشيرة (القره كيج) وفرض سيطرته عليها بالقوة والإكراه، ويقال بأن المدعو (دريعي باشا) زعيم عشيرة القره كيج المغلوبة على أمرها ذهب إلى استانبول ليشكي إبراهيم باشا لرؤسائه، وفي لقائه المثير مع السلطان بادر هذا الأخير بإلقاء أول سؤال عليه، وكان السؤال هو: أخبرني كيف هو حال ولدي إبراهيم يا ترى ؟
فدهل عندئذ دريعي باشا ولفرط خوفه من السلطان فقد بدأ يلهج بذكر إبراهيم باشا ويكيل له المديح والثناء ويعدد خصاله ومناقبه، وعندما عاد إى بلاده قام بزيارة الباشا وقال له بالحرف: لا يسعني الآن إلا أن أقول – وأنا مضطر إلى قول ذلك – بأنني منذ الآن تابعك الأمين والأقل منك مقاماً ! إذ من منا يجرؤ على مقاومة ابن السلطان عبد الحميد أيها الباشا. ولكننا سنلتفت الآن إلى الحروب العديدة التي دارت رحاها – فيما بعد – بين عشيرتي شمر والملان .
1- الحرب الأولى أو ما يسمى بصولة عبد الكريم
في هذه الحرب التي سميت بـ ( صولة عبد الكريم ) والتي دارت رحاها بين عشيرتي شمر والملان، كان الشمر هم البادئون بالهجوم على خصومهم بشدة وعنف، ويقال بأن كل أربعة من رجال الشمر كانوا يمتطون جملاً، حاملين أهلهم وذراريهم، متوجهين نحو بلاد ويرانشهر، بعدما انضمت إليهم مجموعات من العشائر الكردية أيضاً، سار هؤلاء وكلهم أمل بأنهم سيلحقون الخراب بويرانشهر، وسيعودون ومعهم أموال الملان وغنائمهم التي لا تعد ولا تحصى، ولكن تبين بعد ذلك أنهم أخطأوا التقدير ولم تصح توقعاتهم حيث أن البعض من الأكراد الذين رافقوهم كانوا يضمرون العداء والكراهية لشمر، فأرسلوا سراً إلى إبراهيم باشا يخبرونه بزحف الشمر نحوهم مع أهلهم وذراريهم ويقولون في رسالتهم " نحن لسنا أعداءك أيها الباشا، ولم نأت معهم إلا مكرهين فلا نبغي قتالك, ولكن جئناك خوفاً من الشمر وسطوتهم.
عندئذ بادر الباشا إلى حفر الخنادق حول عاصمته، وإلى إنشاء التحصينان الدفاعية كما زود رجاله بمدافع الموزر، وهكذا جهز الملان أنفسهم بحيث لم يعودوا يحسبون حساباً للشمر وأتباعهم .
وصلت جموع الشمر إلى ضواحي المدينة ( ويرانشهر ) وبدأوا بنصب خيامهم حولها واستعدوا لمعركة فاصلة. وفي إحدى الليالي فاجأ الملان خيام شمر في عملية اقتحام سريعة ومباغته لمسعكرهم، وعندما سمعت الجمال اصوات الطلقات هربت مذعورة خائفة وداست بأرجلها اطفال شمر ونسائهم، فلاذ الجميع بالفرار لا يلوون على شيء حتى أن الكثيرين منهم لم يتسن لهم الهرب فتجمدوا في مكانهم فإما قتلوا أو وقعوا في الأسر ورغم الشجاعة المعهودة للشمر وعنادهم في القتال، إلا أنهم عجزوا عن الصمود أمام بنادق الملان ومدافع الموزر، فتعقبهم رجال الملان حتى تمكنوا من قتل جمع غفير منهم، وأسروا آخرين، ومن بين الأسرى كان المدعو محمد آغا الدقوري (تاكوري ) الكردي الذي أسر في خيمته، ولكن عفى عنه الباشا ولم يقتله، بل أعاده إلى بلده محملاً بالهدايا ثم قال له: "أنا أعلم أنكم لستم أعدائي، ولكنكم التحقتم بالشمر خوفاً منهم. وهكذا عاد الشمر إلى مراعيهم (الشمرانة) مهزومين مدحورين، وتم إنقاذ سكان الجزيرة من العرب والكرد من مضايقاتهم وظلمهم، حيث كان هؤلاء يذيقون الناس المآسي والويلات، فكانوا ينهبون أموال الناس، ويقتلون الرجال، ويفرضون عليهم الخوة، يستبيحون مزروعاتهم ويسحقونها تحت سنابك الخيل، وأخفاف الجمال، وأظلاف الأغنام وهم ينظرون إليهم، وفي الحقيقة فقد كان الشمر يشكلون هاجساً كبيراً ورعباً دائماً لسكان الجزيرة، ووباء مزمناً في ربوع بلادهم ولم يكن أحد من هؤلاء يستطيع الرد عليهم بأي شكل من الأشكال وكان جزاء من يجرؤ على ذلك القتل بالجناة والدبابيس .
2- الحرب الثانية:
في هذه الحرب كانت المبادرة بيد الملان الذين شرعوا يهاجمون الشمر والعشائر المتحالفة معهم، كطيء, والجبور, وعشيرة الميران ( الميهران ) الكوشرية الكردية، حيث كانت المناطق الجنوبية من سهل نصيبين مسرحاً لهذه الحرب التي دارت رحاها قرب قرية ( حلكو ) الحالية، ولذا فقد دعيت بموقعة حلكو حيث كان يعسكر إبراهيم باشا بجيشه في القرية، بينما كان خصومه يعسكرون في مواجهته قرب قرية ( زندا ) الحالية ايضاً، وكانت هناك مساع حميدة تبذل من قبل بعض فاعلي الخير لفك الارتباط بين الطرفين والعمل على انسحاب الجيشين مسافة كافية إلى الخلف. وكان الباشا قد وافق على هذه المساعي الحميدة واقترح على لجنة الوساطة ما يلي:


فكان المدعو ( عبدي آغا ) زعيم عشيرة آليان الكردية المتحالفة مع شمر أحد المعنيين بهذا الأمر, من الذين حضروا هذه المساومات العشائرية، وهو نفسه الذي روى لي ذلك بإسهاب فقال:

وبعد أخذ ورد طويلين، أيقظ شيخ الطي الباشا وخاطبه: إيه.. ايها الباشا تكلم، ماذا تريد ؟ فصرخ الباشا بصوت عال وهو يقول: نعم سأتكلم إذا وعدتموني بالموافقة على ما أقترحه عليكم !

عندها تكلم الباشا قائلاً: ايها الزعماء وشيوخ العشائر, كلنا يعلم بأن شيوخ الطي هم زعماء الجزيرة كابراً عن كابر، وإن مراعي العشيرة تمتد على طول منطقة نصيبين وسهولها الواسعة، وما أريده من الطي أن يرحلوا بخيامهم الليلة إلى شمال نصيبين، وكذلك الجبور فمركزهم هي قرية ( تل طابان ) وأريدهم أن يرحلوا الليلة بخيامهم إلى طابان ليحطوا رحالهم على تلالهم وحماهم، أما عائلة ( محمد ) فأفرادها – منذ القديم – متآخين مع الملان، وأريدهم أن يرحلوا الليلة بخيامهم ليختلطوا بها مع خيام الملان .
وهنا أنهى الباشا كلامه دون أن يأتي على ذكر عائلة( العاصي ) ثم لزم الصمت، وكان زعيم العواصي حاضراً، فما كان منه إلا وانتفض قائما يصرخ بصوت عال يسئل الباشاويقول :

حلمك أيها الباشا، أراك قد أهملتنا ولم تسحبنا إلى الميدان، فما هو سبب ذلك ياترى؟ فقال الباشا يرد عليه:

عندئذ توجه إباهيم باشا نحو عبد الكريم بك وقال له غاضباً: يا ابن الأخ هؤلاء الرجال جاؤوا لحربي، لإهانة الكرد وإذلالهم, أما أنت فما الذي أقدمك على محاربة عمك ؟ فلم ينبس عبد الكريم بنت شفة ! لكن تابع الباشا يخاطبه قائلاً: فوالله أستطيع أن أقطع أذنيك الساعة ! ولكني أخشى أن يقول الناس عني إن إبراهيم باشا أعجزه أعداؤه فتجاسر على قطع أذني رجل كردي ! فلم يتكلم عبد الكريم بك بل آثر الصمت ! وعند هذا الحد انفض الاجتماع المذكور .
ويتابع عبدي آغا القول: بعد تناول العشاء ذهبنا جميعاً إلى خيمة العاصي، واجتمعنا لديه، وقمنا ببحث الموضوع مجدداً، وفي النهاية قال لنا هادي العاصي:قوموا، هدوا خيامكم وارحلوا الساعة فوالله لو استيقظ الباشا على أوضاعنا، وعلم بما نحن فيه لما ترك واحداً منا حياً، فقد أفلح الرجل في سرقة حلفائنا منا، فهم لم يعودوا يحاربون بعد اليوم إلى جانبنا .
ويقول عبدي آغا متابعاً كلامه: في الحقيقة فقد كان كلام الهادي في محله، حيث قام الطي في نفس الليلة يرحلون إلى شمالي نصيبين ورحل محمد بن عبد الكريم حاطاً رحاله بين الملان، وتحول إلى حليف للباشا، كما خاف الجبور ورحلوا ذاهبين إلى ضفاف نهر الخأبور، بينما بقينا نحن السبعين فارساً كردياً مع هاي العاصي، وفي منتصف الليل – وبينما كنا نجهز أنفسنا للرحيل – فوجئنا برجال الباشا يهاجمون خيامنا، فقمنا – ومن معنا من الناس – بالهرب ممتطين جمالاً بعضها محملة، وأخرى غير محملة، هائمين على وجوهنا في البراري والفلوات فتعقبنا فرسان الباشا، واعملوا فينا السيف والسلب والنهب، بينما كان الهادي يزأر كالأسد الجريح يحامي برمحه الناس والأموال, وهو يعتلي ظهر جواده السريع، ويقاتل قتالاً شديداً، وعندما كان يكر على الفرسان ويهاجمهم بضراوة، كانوا يتشتتون أمامه زرافات ووحداناً , ولكنهم سرعان ما كانوا يطبقون عليه كالسيل الجارف ويهاجمون رجالنا وأموالنا، وفي وسط المعمعة التفت إلينا الهادي يقول صائحاً: ايها الرجال الأشاوس، إذا تمكنتم من حماية هذا القطيع من الجمال لنا اليوم، فكأنما أعدتم إلينا جميع ما سلب منا من أموال وغنائم شمر، حيث كان الألم يعتصر قلب الهادي – في هذا الوقت – وهو يرى القطيع من الجمال في بياض الثلج، وهي تفر مولية الأدبار باتجاه فرسان الباشا، هائجة مذعورة من الحرب. وهذه الجمال هي نوق جميلة مخصصة لركوب نساء وفتيات اسرة شيخ الشمر، ولهذا فقد كانت عزيزة على قلب الشيخ هادي العاصي, فلبينا دعوة الشيخ – نحن السبعين من فرسان الكرد – وقمنا بتعقب النوق البيض، ولكنا ومع الأسف لم نتمكن من استردادها من أيدي فرسان الباشا. عندئذ التفت إلينا الشيخ هادي ليقول: اتركوها فإن نجمة هذا الرجل لمعت في السماء، فوالله كنا جميعاً محظوظين عندما تسنى لنا أن ننقذ أنفسنا بسيقان جيادنا السريعة. فتركنا النوق البيض، وبدأنا نتراجع نحو الخلف هاربين من وجه الباشا وفرسانه نحو قرية (ديرون) محتمين جميعاً بالمرتفعات الأرضية، حتى لا يطالنا فرسان الباشا ويمسكوننا باليد، وقرب قرية ديرون رأى الشيخ محمد أخته وسط جموع نساء المقاتلين، وهي تلطم خديها، تبكي وتقول:
واويلاه، يا محمد ! وفي عرف العشيرة تعتبر هذه إهانة كبرى لشيخ الشمر و لسمعته وكرامته، ولذلك جرد الشيخ محمد سيفه وهجم به على أخته يبغي قتلها، ولكن رده الباشا ومنعه من ذلك وهو يقول لفرسانه: تراجعوا .. تراجعوا – كفى لقد هزمنا الشمر, وليكن ما تبقى فداء لمحمد، فلم نبقي لهم حتى أبسطة يجلسون عليها، سحبناها جميعها من تحت أرجلهم. ويتابع عبدي آغا كلامه فيقول: وبهذا الشكل ارتبكت صفوفنا وتضعضعت قوانا، فدخلنا الأراضي العراقية مدحورين، مهزومين، فتراجع الباشا أيضاً إلى مواقعه وأنهى تعقبه لنا.
معارك إبراهيم باشا مع الأتراك الأحرار :
بعد ضغط الأتراك الأحرار على السلطان الدموي الرجعي عبد الحميد الثاني استنجد السلطان باالبعض من باشوات كردستان أمثال: إبراهيم باشا، وسيف الدين باشا، ومصطفى باشا، وكور حسين باشا، ومن هؤلاء جميعاً كان السلطان يثق كثيراً بابنه إبراهيم باشا ,ألذي أراد أن يسير من دمشق إلى الأستانة عن طريق البحر المتوسط لإنقاذ السلطان وخليفة المسلمين من محنته ولكن لم يتسن له أن يحقق مايريد، حيث كان لا يزال موجوداً في دمشق عندما اعتقل الأتراك الأحرار والمطالبين بالدستور, السلطان عبد الحميد وأودعوه السجن، وكادوا أن يعتقلوا إبراهيم باشا في دمشق أيضاً، لولا أن أخذه عبد الرحمن باشا الكردي إلى بيته واستضافه إلى طعام العشاء، ثم أخذ يعلمه بالخبر وبما يدبر له، فسارع الباشا إلى إخراج جنوده ورجاله من المدينة وهربوا من دمشق ليلاً متوجهين نحو الجزيرة، وبدأوا بفصول من عمليات السلب والنهب في القرى والمدن التي مروا بها، فخرجت الجيوش التركية من حلب، وماردين، والرقة، والموصل لتعقب باشا الملان ودارت بين الطرفين معارك متواصلة إلى أن تمكن الباشا ورجاله من اجتياز نهر الفرات، بعدما غرق أحد فرسانه في مياه النهر، ووصل الباقون مع الباشا إلى ويرانشهر عاصمة الملان الشهيرة، ومن هناك اضطروا إلى حمل أمتعتهم وذراريهم واللجوء إلى جبل سنجار، فاعترضتهم عشيرة الشمر ومنعتهم من الوصول إلى المكان الذي يقصدونه، فاضطر باشا الملان إلى أن يخيم بمن معه في قرية (صفيا ) الواقعة على بعد خمسة عشر كيلومتراً شمالي مدينة الحسكة، وبدا يعد العدة لمعركة فاصلة مع الشمر، حيث كان الباشا يخشى الشمر أكثر من خشيته من الجيش التركي، ولكن – ومع مزيد من الأسف – لم يلبث أن توفي الباشا الكبير في قرية صفيا، وعندما حضرته الوفاة جمع أولاده وقال لهم: ها – أن الشمر يعترضون طريقكم، وأنتم محاطون أيضاً بالجنود الأتراك، أما أنا فسأرحل عن الدنيا عما قريب: فيجيب ألا تكشفوا لأحد موتي ،بل عجلوا عندها بالذهاب إلى نصيبين وسلموا أنفسكم للجيش التركي، فالأتراك – على الأقل – لا يقتلونكم بل إنهم سيعتقلونكم ويعذبونكم، ولكن الله كريم والزمن طويل، ولا بد أن يأتي الفرج يوماً ما، وستعودون إلى أهليكم وعشيرتكم ثم توفي الباشا فدفنه أولاده في تل الصفيا , ثم قاموا بتسليم أنفسهم للسلطات التركية ووصلوا إلى نصيبين قبل أن يعلم الشمر بما جرى لهم، وهناك أودع الأتراك بعض أولاد الباشا في السجون وقاموا بنفي بعضهم الآخر .
وهكذا، فقد مات الباشا الكردي الكبير، والمحارب الذائع الصيت ذهب ولم يعد إلى عشيرته مرة أخرى، وبموته أيضاً انتهت الإمارة المللية ولم تقم لها بعده قائمة، ومنذ ذلك اليوم لم يسمح الأتراك لأولاده بدخول كردستان، أو العودة إلى بلادهم ومدينتهم العزيزة ويرانشهر. وبعد اندلاع ثورة الشيخ سعيد أفندي عام 1925 م، هرب الكثيرون من عائلة الباشا، والتجأوا إلى سورية واستقروا في بلدة رأس العين الواقعة في شمال شرقي سورية، وامتلكوا فيها حقولاً وأراضي زراعية، ولكن تم الاستيلاء على معظم أراضيهم بعد صدور قانون الإصلاح الزراعي في سورية، والآن يقضي أحفاد إبراهيم باشا حياتهم مواطنين عاديين يعلمون أولادهم في المدارس والجامعات، وقد تحسنت أحوالهم ويسيرون في حياتهم نحو الأفضل، ولكن الكثيرين من أبنائهم اليوم لا يعتبرون أنفسهم أكراداً، بل يظنون أنهم يننتمون إلى عشائر الرولة العربية، ومن أولاد الباشا الذين رأيتهم وجالستهم بنفسي أذكر, محمود بك ( مامو )، وخليل بك، وتمر بك، وإسماعيل بك, وعبد الرحمن بك، وقد تحادثت مع هؤلاء جميعاً ورأيت بعضاً من أولاد خليل بك، وكذلك رأيت أولاد الشيخ هادي، مثل الشيخ دهام الهادي، والباشا، وفضة، ورأيت من أولاد الشيخ محمد كلاً من عبد الكريم وابنه ميزر، ومن عائلة الجربا رأيت مشل باشا وآخرين جلست معهم وتحدثت إليهم، ومن بين هؤلاء جميعاً كان الشيخ دهام الهادي هو الوحيد الذي كان يعادي الكرد ولم يكن علىوفاق معهم، بل كان يحاربهم باستمرار، وفي الحقيقة فإن هذا الرجل يتمتع بمكانة كبيرة، وصيت ذائع في جميع أنحاء الجزيرة وخارجها ولم يكن أحد من الكرد يستطيع الوقوف في وجهه سوى حاجو آغا الهفيركي الذي كان ينتصر عليه في كثير من المرات ولم يتركه يستبد بأمور الجزيرة، وفي صراعه معه كان حاجو آغا في الطليعة على الأغلب، ولكن لم يبق اليوم للشيوخ والأغوات أي مكانة اجتماعية أو قيمة تذكر رغم أنهم يستميتون في الدفاع عن مراكزهم وعهودهم البائدة .
قمت بنقل هذه المعلومات عن تاريخ الكرد وكردستان – للوزير الذائع الصيت محمد أمين زكي بك، ومعلومات استطعت أن أضيف إليها من مصادر أخرى.