حياة قدري جان

  • بادئ الموضوع بادئ الموضوع Kurd Day
  • تاريخ البدء تاريخ البدء

Kurd Day

Kurd Day Team
حياة قدري جان


لايمكننا أن نتكلم عن حياة الكاتب والشاعر الخالد قدري جان بمعزل عن نتاجاته الأدبية، لأن تلك الابداعات أشبه أو ربما هي بمثابة مذكرات طفولته نشرها على شكل قصص وقصائد، لذا يتوجب على الدارس أو الباحث أن يطلع على ابداعاته الأدبية ليكوّن فكرة حول سيرة الكاتب لأنها المرجع الأكثر ثقة أو بمثابة الوثيقة الوحيدة بين أيدي الدارس، وخاصة لعدم وجود مراجع عن حياته، وقلة المصادر التي تناولت الجانب الأدبي أو الذاتي من سيرة حياة الكاتب، لذا لابد لنا أن نتطرق إلى بعض المقالات الشحيحة والشذرات التي تناولت بعض الجوانب من حياته.

ولد الكاتب والشاعر الكردي قدري جان في بلدة ديريك التابعة لمدينة ماردين في كردستان تركيا، وتتضارب الآراء حول تاريخ ولادته. يقول الكاتب محمد اوزون وكذلك فرات جوهري في كتابه (الثقافة، الفن و الأدب ـ من منشورات نودم:25، الطبعة الأولى، استوكهولم 1996) ولد قدري جان في عام 1919، أما الدكتور عزالدين مصطفى رسول يقول في احد مقالاته أنه ولد في عام 1916، ويبدو أن مصدر معلومات الدكتور عزالدين مصطفى رسول مقتبس من كتاب الأميرة روشن بدرخان (صفحات من الأدب الكردي) تقول السيدة روشن:ولد في كردستان تركيا عام 1916،يذكر الصحفي حسن قيا في جريدة (الديمقراطية)*: ولد الكاتب قدري جان في عام 1911 مستنداً الى أقوال عائلته، ويذكر الكاتب أديب نادر في مقال نشره في مجلة متين:(... وشاعر الكرد قدري جان//1911 ـ 9/8/1972// ) أما الكاتب سليمان علي يقول في مقال نشره في جريدة آرمانج الكردية، (ولد قدري جان في بداية القرن العشرين) ولم يذكر التاريخ، ولم يتطرق أيضاً البروفسور قنات كردو إلى ولادته في كتابه (تاريخ الأدب الكردي). وصلتنا وثيقتان تثبتان تاريخ ميلاده، الوثيقة الأولى (وثيقة عقد قران) أنه من مواليد 1911، والوثيقة الثانية (بطاقة طالب من دار المعلمين في قونيه) وضع تاريخ 1327هجري بجانب التاريخ الولادة ويقابل هذا التاريخ 1911 ميلادية.

ذكرنا في البداية، أننا لا نستطيع أن نتحدث عن حياته بمعزل عن نتاجاته الأدبية، ومن خلال جولاتنا وقراءاتنا في نتاجاته، اكتشفنا في قصته (الخاتمة) التي كتبها في عام 1943 أنه يذكر تاريخ ولادته بشكل غير مباشر في الوقت الذي نسلم أن ابداعاته جزء من مذكرات طفولته يقول الكاتب في قصته:(حدث ذلك قبل خمس وعشرين سنة خلت) ثم يتابع: (لم يفتح أخي العزيز عينيه على الدنيا أبداً في اليوم الثالث) ثم يتابع:(... من الأطفال أمثالي ذوي الأعمار/6ـ 7/ سنوات) ولو عدنا إلى الوراء قبل 25سنة وبعملية حسابية نجد أن حادثة وفاة أخيه فتحي حدثت في عام 1918، وبذلك تنسف مقولة فرات جوهري ومحمد اوزون اللذان يقولان أن ولادته تمت في عام 1919حكماً. وبنفس الوقت تنسف مقولة الدكتور عزالدين مصطفى رسول والأميرة روشن بدرخان، لأنهما يذكران أن ولادته كانت في عام 1916، هذا يعني أنه كان قد بلغ من العمر سنتين فقط، ولايمكن طفل بهذا العمر أن يتذكر الحادثة ويشارك فيها، يقول الكاتب نفسه في القصة نفسها، أنه لم يتجاوز سبع سنوات عندما وقعت حادثة الوفاة، واستناداً إلى قصة (الخاتمة) وكما قمنا بعملية حسابية بسيطة والعودة إلى الوراء سبع سنوات، يكون التاريخ في عام 1911، وأن ولادة الكاتب 1911م، وهذا معقول جداً كما ذكره الكاتب أديب نادر وأكده الدكتور خالد قوطرش، وخاصة عندما نعرف أنه كتب في مجلة هاوار العدد الأول من العام 1932، عندما كان عمره /21/ سنة وحسب فرات جوهري ومحمد اوزون أنه كان يبلغ من العمر ثلاث عشر سنة عندما كان يكتب في هاوار وهذا غير صحيح، ومعلوم أننا نقرأ في كل المراجع أنَ أصغر كتاب مجلة هاوار كان الدكتور نور الدين ظاظا، وكذلك حسب الدكتور عزالدين وروشن بدرخان أنه قد بلغ ست عشر سنة عندما كان يكتب في مجلة هاوار ونعلم أن قدري جان كان في تلك الفترة طالباً مع رشيد الكرد في مدرسة دار المعلمين في قونيه. إذاً التاريخ الصحيح هو كما قال الكاتب أديب نادر ( 1911). [1]

اسمه الحقيقي هو عبدالقادر عزيز جان،جاءت في بطاقة طالب أنه يدعى قدري .م.جان عزيز والدته عائشة، اضطر أن يترك وطنه وهو في ريعان الشباب، وقد ترصدته السلطات الكمالية في كل مكان، وحكمت عليه غيابياً بالأعدام، فتمكن من الفرار هو وصديقه اللغوي الكردي رشيد كرد، اللذين كانا يدرسان معاً في قونيه، إلى الجزيرة (Binya Xet.. )، يذكر جكرخوين في مذكراته( أنه استقبل شابين قادمين من كردستان تركيا إلى عامودا قد انهيا ليسه( الشهادة الثانوية)، هما قدري جان ورشيد كرد... ). يقول الدكتور خالد قوطرش[2]: (هرب الكاتب قدري جان من تركيا وهو طالب في دار المعلمين في الصف الثاني ولم يُنهِ دراسته بعد )، نكتشف من خلال بطاقة الطالب أنه كان طالباً في دار المعلمين السنة الرابعة في قونيه، ويتابع الدكتور: جاء إلى سورية حوالي عام 1928 (أي كان عمره (17) سنة) وتعلم اللغة العربية خلال سنة واحدة وكان يتقن الكتابة والقراءة أكثر من زملائه، وانتسب إلى دار المعلمين الزراعية في مدينة السلمية، ثم عين مدرساً في انطاكيا ) زاول قدري جان مهنة التدريس في مدارس القامشلي وعامودا، وكان مديراً في مدرسة عامودا عام 1942 (حسب ما رواه نجل المؤرخ حسن هشيار الكبير مصطفى هشيار، وكان هو من أحد تلاميذه)، ثم انتقل فيما بعد إلى دمشق وضواحيها ومارس التدريس في مدارس حي الأكراد، ثم انتقل إلى عمل اداري في وزارة المعارف( التربية)، وبعدها انتقل إلى السجل العام للموظفين، وانضم فيما بعد إلى مجموعة دعاة الحرية وكان عضواً نشيطاً فيها، حارب في كافة الجهات الثقافية والاجتماعية والسياسية، وكان يراقب أوضاع الأكراد وهو في دمشق.

كتب قدري جان في العدد الأول من مجلة هاوار الكردية في عام /1932/ يقول الكاتب أديب نادر:(لمع نجم قدري جان في 15/5/1932 ككاتب مبدع يقاتل في الخطوة الأمامية للجبهة المهمة الأخرى، الجبهة الثقافية بقيادة الأمير العالم جلادت عالي بدرخان). كتب قدري جان قصيدته (ريا تازه) الطريق الجديد عام 1936، ويعتبر الكاتب أديب نادر( أول قصيدة كردية حرة في تاريخ الشعر الكردي) حتى بات هذا التاريخ منعطفاً أدبياً فاصلاً في تاريخ الأدب الكردي الحديث بين مرحلتين من ناحية الشكل والمضمون (وهي المرحلة التقليدية القديمة التي يطلق عليها البعض تسمية الكلاسيكية، ومرحلة الحداثة التي جمعت في وقت واحد بين الأصالة والمعاصرة بصورة رائعة).

جرى انعطاف في تاريخ فكر قدري جان في عام 1944عندما تعرف على الماركسية اللينينية واصبح صديقاً للشيوعيين وليس عضواً. يقول سليمان علي: (عمل قدري جان ضمن صفوف الحزب الشيوعي السوري). لكن البروفسور قنات كردو ينفي هذا حيث يقول في كتابه (تاريخ الأدب الكردي):(كان قدري جان عضواً من أعضاء الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا). [3] ينفي الدكتور خالد قوطرش انتسابه إلى الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا لكنه يؤكد أنه كان من اعضاء جمعية خويبون لأن الدكتور كان من أعضاء نفس الجمعية .

سافر قدري جان إلى الاتحاد السوفيتي (سابقاً) في تموز عام 1957، ضمن وفد الشبيبة الكردية لحضور مهرجان الشبيبة العالمي السادس في موسكو، وزار للمرة الأولى الزعيم الكردي الخالد البرزاني الذي كان في الاتحاد السوفيتي واهداه أثناء الزيارة قصيدته المشهورة (قائد الأكراد، البارزاني) بخط يده وبأحرف عربية، وزار قدري جان للمرة الثانية البارزاني في بغداد بعد عودته من الاتحاد السوفياتي في عام 1958 إلى بغداد، وجّه قدري جان رسالة تهنئة إلى البارزاني الخالد بعد عودته من الاتحاد السوفيتي باللغة الكردية وفيما يلي ندوّن مضمون الرسالة:

قبل كل شيء أقبل يدكم. أهلاً وسهلاً بكم، عدتم على العين والرأس. . . في الشام كنا في انتظاركم. . . لا أدري لماذا لم تمروا من الشام !

لقد ود الكثيرون من الأشقاء الكرد رؤية قائدهم ليقضوا على هموم سنوات الحرمان.

أثرت عودتكم في معنويات شعبنا إيجاباً في كل مكان. كافة أبناء الشعب الكردي وعلى اختلاف مشاربهم وافكارهم يعتزون ويفتخرون بقيادتكم.

لاشك أن الجمهورية العراقية الحبيبة ستتعزز مكانتها بوجودكم، وتترسخ قاعدة الأخوة العربية الكردية اكثر.

أنني واثق من أن الكرد ليس وحدهم بل العرب والفرس والترك الاحرار مبتهجون مثلنا بعودتكم. . انكم على دراية تامة بأن نضال شعبنا يسير بالتعاون مع أحرار هذه الشعوب.

هنا ابتهج بكم خالد بكداش كثيراً وثقته كبيرة بكم ويقول ان على الكرد كافة الالتفاف حول الزعيم الأوحد البارزاني والنضال وفق سياسته السليمة، ويخصكم باحترامه وتحياته كثيراً. . . وكذلك جميع رفاقنا يخصونكم باحترامهم. سأزوركم في أول فرصة سانحة. أقبل يدكم ثانية، وأقبل نواظر الأخ أسعد وجزيل احترامي للأخ ميرحاج، اقبل نواظر الأخوة صادق وعبيدالله.



المخلص لكم

قدري جان

الشام 14/10/1958



يذكر الكاتب أديب نادر في هامش بحثه المنشور في مجلة (مه تين) التاريخ الموجود في آخر قصيدة (قائد الأكراد، البرزاني) موجود في نسخة دمشق التي طبعت باللاتينية وغير موجود في النسخة التي كتبها بخط يده، :أخذت هذه القصيدة من مخطوطة استاذنا الدكتور عزالدين مصطفى رسول، ويضيف أن القصيدة منشورة بالأحرف الكردية الاتينية في دمشق. أما قصيدة (عودة الأسد) التي كتبها الشاعر في عام 1958 تخليداً لعودة البرزاني نشرت آنذاك في مجلة هيوا وآزادي.

أثناء زيارة قدري جان لحضور مهرجان موسكو للشباب العالمي تعرّف على البروفسور قنات كردو، يقول البروفسور قنات كردو: (أرسل (قدري جان) برقية باللغة الكرمانجية من مدينة اوديسا يقول فيها:أنا قدري جان ، قادم مع الشباب إلى المهرجان، أريد أن أراك). ثم تحدثا كثيراً حول وضع الأكراد والأتراك والأحزاب. إذاً كان قدري جان شاعراً كردياً تقدمياً، وليس عضواً في الحزب الشيوعي السوري. ويتابع البروفسور:قدم لي قدري جان بعض قصائده غير المنشورة التي مازالت بخط يده ، لكن نُشرت قصيدة:(أنا ذاهب إلى موسكو) في جريدة (ازفستيا) أثناء المهرجان والقصائد هي: (أنا ذاهب إلى موسكو) و (سيد آخر الزمان) و (الطريق الجديد) و (الوردة الحمراء).

اعتقل قدري جان بين عامي (1959 ـ 1961) وفي سجن المزة يقول جكرخوين:(دخل قدري جان مرتين أو ثلاث مرات سجن المزة)، وأمضى عدة سنوات في لبنان والعراق في سبيل نضاله السياسي والأدبي.

نشر الكاتب قدري جان غالبية نتاجاته الأدبية في الصحف والمجلات الكردية التي كانت تصدر آنذاك في سوريا ولبنان (هاوار، روناهي، روزا نو) كان كاتباً لامعاً متنوعاً ومتمكناً . بدأ حياته الأدبية بالأسلوب الكلاسيكي وسرعان ما التجأ إلى أساليب حديثة وخاصة بعد عام 1936في قصيدة ( ريا تازه ) الطريق الجديد.

أمضى قدري جان سنواته الأخيرة في دمشق، وقد درس في ضواحيها أيضاً هذا واضح من خلال قصصه مثل جديدة عرطوز .... الخ. جدير بالذكر انه تزوج من (نيلوفر)عام 1939 ابنة علي عثمان بك وهو تركي الأصل يحن إلى الخلافة العثمانية ضد الحكومة الكمالية تعرف قدري جان عليه في انطاكيا عندما كان مدرساً فيها وتعرف كذلك على المفكر والسياسي المشهور ممدوح سليم الذي كان يدرس اللغة الفرنسية هناك. وأنجب منها ابنه البكر مزكين1943، ثم ابنته شيرين 1945(تمارس مهنة الطب حالياً في دمشق) ثم ولد له طفل يدعى سرور 1948. توفي الشاعر قدري جان في 9/آب/1972أثر جلطة دماغية، وقد دفن في مقبرة مولانا الشيخ خالد النقشبندي في حي الأكراد في دمشق.
 
التعديل الأخير:
الكاتب الكردي قدري جان

{1911- 1972}

قصص ومقالات، شعر، ترجمة









جمع واعداد

دلاور زنكي



ترجمة

هورامي يزدي دلاور زنكي













حقوق الطبع محفوظة

2000





اسم الكتاب : الكاتب قدري جان

قصص ومقالات، شعر، ترجمة



جمع وإعداد:. دلاور الزنكي.

ترجمة: هورامي يزدي ـ دلاور الزنكي



الطبعة الأولى ـ 2000



الكاتب الكردي قدري جان (1958)





قبر الكاتب الكردي قدري جان (1911-1972)

في مقبرة الشيخ خالد النقشبندي في حي الأكراد بدمشق .

يرقد في هذا القبر جسد

فتى لطيف وناعم

من ديريك ـ جبل مازي

يدعى قدري جان



وألف رحمة على روحه

كان شاعراً كردياً

ومحباً وطنياً

قابض الأرواح لم يمهله



ضمت الأرض جسده

فأصبح أيضاً ضحية

فارقنا نحن الأكراد

ذلك المثقف المقداد . [1]



المقدمة

الشاعر الكوردي قدري جان... يعتبر من الشعراء المجددين للشعر الكوردي ومن القاصين المبدعين للقصص القصيرة أيضاً... وذلك حسب رأي معظم الباحثين.

تعرفت على شعر قدري جان من خلال الكتب المدرسية حيث تدرس نماذج من شعره في موضوع الأدب الكوردي في الكتب المدرسية للمراحل الاعدادية، مع كتابات مجموعة الشعراء والأدباء الكورد الآخرين .

في عام 1966 حيث كنت ادرس في خاركوف ـ اوكرانيا السوفيتية في الكلية التحضيرية .. دعاني زملائي من الطلبة الكورد لقضاء رأس سنة 1967 في موسكو .. حيث مكثت في الداخلي في الغرفة التي تشغلها ابنة الشاعر شيرين قدري جان... في جامعة الصداقة (جامعة باتريس لوموميا) في موسكو... و تعرفت على ابنه مزكين قدري جان أيضاً.

بعد انهاء الكلية التحضيرية عدت إلى موسكو للدراسة في كلية الطب (معهد الطب الأول في موسكو) حيث توطدت علاقتي مع شيرين قدري جان واستمرت الى يومنا هذا.

كما كانت لنا علاقات زمالة مع الطلبة الكورد الموجودين في موسكو من كوردستان الجنوبية (العراق) وسوريا... كما كنا نحيي احتفالات اعياد نوروز سنوياً، ونحضر مؤتمرات جمعية الطلبة الأكراد في أوروبا... واذكر اننا حضرنا مؤتمر بلغراد ـ يوغسلافيا، برلين ـ المانيا، وستوكهولم ـ السويد.

كنا مجموعة لا نفترق تقريباً ومن الاسماء التي اذكرها جيداً عداي أنا وشيرين، نجوى الكوردي من أكراد الأردن، سلامة بكداش ابنة الاستاذ خالد بكداش، بولا معروف ـ ابن الشهيد معروف البرزنجي، جمشيد الحيدري ـ شقيق الشهيد جمال الحيدري وعاصم وصالح الحيدري، أحمد العمادي، فهمي، سربست محمد أمين ، صلاح حداد، عزت ومن سوريا هيثم ـ ابن الاستاذ خالد قوطرش، اسماعيل من الجزيرة . . . كان طباخاً ماهراً لدى المجموعة، زياد الملا، كما كان ينضم الينا مظفر كم النقش وزوجته فداء أحياناً....

كما كانت لنا علاقات مع الكورد من المواطنين السوفييت الذين كانوا يحضرون احتفالات نوروز معنا حيث كنا نقيم احتفالاً كبيراً يحضره حشد كبير من السوفييت والعرب والأجانب، واحتفالاً آخر خاصاً بنا نحن الكورد فقط . ..

واذكر من الكورد السوفييت العالم الكوردي السوفييتي الكبير كوردييف (قنات كوردو)، لكن ليس دائماً. . . كما كان البروفيسور جليلي جليل، وكرم ـ عميد قسم الفولكلور الكوردي في جامعة بيريفان. . . وكان يحضر هو وفرقته سنوياً. . . واذكر انني كنت اساعد بنات الفرقة في لبس الزي الكوردي الوطني الخاص بمنطقة السوران من الملابس التي كانت في حوزة الجمعية كما يحضر البروفيسور شرف ـ استاذ الفيزياء النووية في جامعة موسكو وابنته وآسيا عازفة بيانو وزينة أيضاً.

ومن الطبيعي في هذه المناسبات والاجتماعات أن ترد اسماء الاعلام الكورد... وكان اسم الشاعر قدري جان ضمن هذه الاسماء .

في عام 1996 شجعنا أحد الأخوة من اليزيديين أنا وصديق آخر في طبع اعمال والده... وخرجت مجموعته القصصية الجميلة جداً للقاص جمعة الكونجي... مما شجعني هذا أن اشجع د. شيرين قدري جان للبحث عن أعمال والدها وطبعها في كتاب كي لا تضيع آثاره . . .

وفي تلك الفترة رأيت د. عزالدين مصطفى رسول في دمشق الذي كانت له علاقة مع الشاعر وكان يتردد على بيته كثيراً وسألته عن أعمال الشاعر قدري جان إن كان لديه بعضٌ منها... فذكر لي بأن له ديوان شعر مطبوع وقصائد في مجلات وجرائد كوردية الصادرة في ذلك الحين مثل مجلة هاوار، روزا نو، روناهي، كه لا ويز... ووعدني أن يرسل مالديه من أعمال الشاعر عندما يعود إلى الوطن.

في خريف العام الماضي رأيت د. عزالدين ثانية وسألته عن الأمر فأخبرني بأنه حصل على بعض قصائده من مكتبة، كما حصل على بعض القصائد من أبي سعيد (عبدالوهاب رشواني ـ عضو قيادي في الحزب الشيوعي السوري وعضو مجلس الشعب حالياً)..

بعد تداول ومحاورات وافق الاستاذ دلاور زنكي على جمع مالديه من أعمال الشاعر من القصائد والقصص والمقالات والترجمة وضم كل ذلك في كتاب... وقد اثمرت جهود الاستاذ دلاور أخيراً وارجو أن يرى الكتاب النور ليضيف إلى المكتبة الكوردية والعربية اثراً جديداً.

ومن خلال احتكاكي بأبنة الشاعر واصدقائه القدامى ومعارفه بصورة مباشرة أو غير مباشرة... عرفت بأن الشاعر كان وطنياً كوردياً مخلصاً وانساناً صريحاً له جرأة أدبية كبيرة في انتقاد ما لا يراه صحيحاً (طبعاً حسب رأيه هو) وقد تكون هذه الصفة لديه قد خلقت نوعاً من اختلاف الاراء فيه .

كان الشاعر ذا نزعة فكرية يسارية وفي نفس الوقت قومياً كوردياً فلم يكن منظماً في الاحزاب اليسارية (الحزب الشيوعي) مثلاً... ولا في الاحزاب الكوردية القومية (البارتي الديمقراطي الكوردستاني) مثلاً. لكن آثاره الشعرية واعماله القصصية تعكس هذا الواقع بشكل واضح تماماً... وكانت له مواقف مبدئية ثابة سواء بالنسبة إلى القضايا الوطنية أو القضايا القومية. كما كان الشاعر كريماً يفتح بيته وقلبه للمثقفين من العرب والكورد وله علاقات واسعة مع رموز وشخصيات وقادة وطنية وقومية وشخصيات أدبية وثقافية . . .

الاضافة الى ذلك فإن الشاعر كان مجدداً في مجال الشعر الكوردي إلى جانب الشعراء الكورد الآخرين مثل: كوران وبيره مرد... وغيرهم. وله اعمال في مجال القصة القصيرة تتصف برهافة الحس والوصف الدقيق وجمال التعبير والدقة في المغزى والمعنى...

ولعلني اتذكر بعض هؤلاء الاشخاص الذين كان الشاعر في علاقة جيدة معهم منهم: الخالد ملا مصطفى البارزاني ، قدري جميل باشا (زنار سلوبي) حيث ساهم في طبع مذكراته باللغة التركية، أكرم جميل باشا، ممدوح سليم، عثمان صبري، المناضل نوري الديرسمي، والعلامة جلادت بدرخان، ومن الشعراء جكرخوين وكاميران بدرخان، والمناضل الاستاذ خالد بكداش ـ أمين عام الحزب الشيوعي السوري، وعبدالوهاب الرشواني، الاستاذ الدكتور خالد قوطرش، الضابط بكري قوطرش، والدكتور نورالدين زازا، ومن الجزيرة حاجو آغا، ومن كوباني الأخوة بوزان، فريدون وشاهين شاهين، ومن عاموده صالح الشويش ومحمد علي الشويش. . .

كما يظهر أنه كان على اتصال مع عائلة الحيدري في كوردستان الجنوبية (العراق) مثل صالح وعاصم الحيدري والشاعر بلند الحيدري، حيث كان الشهيد جمال الحيدري مؤسساً لحزب رزكاري ، وكان الشاعر عبدالله كوران يصدر جريدة آزادي في كركوك مع مجموعة من المثقفين... وقد انضم هذا الحزب إلى الحزب الشيوعي العراقي فيما بعد واصبح نواة للحزب الشيوعي الكوردستاني (العراق) الحالي، ومن المؤكد أن د. جمشيد الحيدري يعرف في هذا المجال معلومات أخرى كما كان برهان اسماعيل البرزنجي (أحد الطيارين الكورد العراقيين الأوائل) قد مكث في بيت الشاعر فترة من الزمن. . .

و كان للدكتور الشهيد عبدالرحمن قاسملو علاقات جيدة مع الشاعر ويحل ضيفاً على بيته. . .

كذلك الأديب الكوردي (المصري) محمد علي العوني، كما كان للشاعر علاقات جيدة مع الشاعر العراقي الكبير محمد مهدي الجواهري وله صور معه... ومع الشاعر العراقي عبدالوهاب البياتي والشاعر التركي ناظم حكمت ...

وكان الشاعر على علاقة مع السوريين من العرب والكورد مثل المهندس الزراعي عارف عباس، توفيق نظام الدين ـ ضابط ، القاضي عبدالقادر أسود، المحامي نجاة قصاب حسن، بكري قوطرش ـ ملحق عسكري في موسكو، الاستاذ محمد رشيد شيخ الشباب، الاستاذ عزت فلو، شاكر العاصي ـ وزير سابق، عبدالقادر قدورة ـ رئيس مجلس النواب حالياً، على آغا زلفو، المحامي محي الدين برازي، عائلة إيبش، أحمد كفتارو مفتي الجمهورية العربية السورية.. الخ.

من هذه العلاقات الواسعة يتبين أن الشاعر كان انساناً مثقفاً واسع الاطلاعات، له مكانة اجتماعية كبيرة، إلى جانب مكانته الأدبية المبدعة ونشاطه الدائم ونضاله الدؤوب من أجل اعلاء شأن الثقافة الكوردية ومحاولاته الدائمة لاعلاء شأن الشعب الكوردي وافهام قضيته العادلة للرأي العام العربي . وأرجو أن يكون هذا الكتاب فاتحة لالقاء الضوء على آثار الشاعر الأدبية الأخرى التي تعتبر في حكم المفقودة في الوقت الحاضر.... وأرجو للاستاذ دلاور النجاح في خدمة الأدب والشعر والثقافة الكوردية.
 
الدكتورة وهبية شوكت محمد

12/7/1999 دمشق

سيرة حياة الكاتب قدري جان

لايمكننا أن نتكلم عن حياة الكاتب والشاعر الخالد قدري جان بمعزل عن نتاجاته الأدبية، لأن تلك الابداعات أشبه أو ربما هي بمثابة مذكرات طفولته نشرها على شكل قصص وقصائد، لذا يتوجب على الدارس أو الباحث أن يطلع على ابداعاته الأدبية ليكوّن فكرة حول سيرة الكاتب لأنها المرجع الأكثر ثقة أو بمثابة الوثيقة الوحيدة بين أيدي الدارس، وخاصة لعدم وجود مراجع عن حياته، وقلة المصادر التي تناولت الجانب الأدبي أو الذاتي من سيرة حياة الكاتب، لذا لابد لنا أن نتطرق إلى بعض المقالات الشحيحة والشذرات التي تناولت بعض الجوانب من حياته.

ولد الكاتب والشاعر الكردي قدري جان في بلدة ديريك التابعة لمدينة ماردين في كردستان تركيا، وتتضارب الآراء حول تاريخ ولادته. يقول الكاتب محمد اوزون وكذلك فرات جوهري في كتابه (الثقافة، الفن و الأدب ـ من منشورات نودم:25، الطبعة الأولى، استوكهولم 1996) ولد قدري جان في عام 1919، أما الدكتور عزالدين مصطفى رسول يقول في احد مقالاته أنه ولد في عام 1916، ويبدو أن مصدر معلومات الدكتور عزالدين مصطفى رسول مقتبس من كتاب الأميرة روشن بدرخان (صفحات من الأدب الكردي) تقول السيدة روشن:ولد في كردستان تركيا عام 1916،يذكر الصحفي حسن قيا في جريدة (الديمقراطية)*: ولد الكاتب قدري جان في عام 1911 مستنداً الى أقوال عائلته، ويذكر الكاتب أديب نادر في مقال نشره في مجلة متين:(... وشاعر الكرد قدري جان//1911 ـ 9/8/1972// ) أما الكاتب سليمان علي يقول في مقال نشره في جريدة آرمانج الكردية، (ولد قدري جان في بداية القرن العشرين) ولم يذكر التاريخ، ولم يتطرق أيضاً البروفسور قنات كردو إلى ولادته في كتابه (تاريخ الأدب الكردي). وصلتنا وثيقتان تثبتان تاريخ ميلاده، الوثيقة الأولى (وثيقة عقد قران) أنه من مواليد 1911، والوثيقة الثانية (بطاقة طالب من دار المعلمين في قونيه) وضع تاريخ 1327هجري بجانب التاريخ الولادة ويقابل هذا التاريخ 1911 ميلادية.

ذكرنا في البداية، أننا لا نستطيع أن نتحدث عن حياته بمعزل عن نتاجاته الأدبية، ومن خلال جولاتنا وقراءاتنا في نتاجاته، اكتشفنا في قصته (الخاتمة) التي كتبها في عام 1943 أنه يذكر تاريخ ولادته بشكل غير مباشر في الوقت الذي نسلم أن ابداعاته جزء من مذكرات طفولته يقول الكاتب في قصته:(حدث ذلك قبل خمس وعشرين سنة خلت) ثم يتابع: (لم يفتح أخي العزيز عينيه على الدنيا أبداً في اليوم الثالث) ثم يتابع:(... من الأطفال أمثالي ذوي الأعمار/6ـ 7/ سنوات) ولو عدنا إلى الوراء قبل 25سنة وبعملية حسابية نجد أن حادثة وفاة أخيه فتحي حدثت في عام 1918، وبذلك تنسف مقولة فرات جوهري ومحمد اوزون اللذان يقولان أن ولادته تمت في عام 1919حكماً. وبنفس الوقت تنسف مقولة الدكتور عزالدين مصطفى رسول والأميرة روشن بدرخان، لأنهما يذكران أن ولادته كانت في عام 1916، هذا يعني أنه كان قد بلغ من العمر سنتين فقط، ولايمكن طفل بهذا العمر أن يتذكر الحادثة ويشارك فيها، يقول الكاتب نفسه في القصة نفسها، أنه لم يتجاوز سبع سنوات عندما وقعت حادثة الوفاة، واستناداً إلى قصة (الخاتمة) وكما قمنا بعملية حسابية بسيطة والعودة إلى الوراء سبع سنوات، يكون التاريخ في عام 1911، وأن ولادة الكاتب 1911م، وهذا معقول جداً كما ذكره الكاتب أديب نادر وأكده الدكتور خالد قوطرش، وخاصة عندما نعرف أنه كتب في مجلة هاوار العدد الأول من العام 1932، عندما كان عمره /21/ سنة وحسب فرات جوهري ومحمد اوزون أنه كان يبلغ من العمر ثلاث عشر سنة عندما كان يكتب في هاوار وهذا غير صحيح، ومعلوم أننا نقرأ في كل المراجع أنَ أصغر كتاب مجلة هاوار كان الدكتور نور الدين ظاظا، وكذلك حسب الدكتور عزالدين وروشن بدرخان أنه قد بلغ ست عشر سنة عندما كان يكتب في مجلة هاوار ونعلم أن قدري جان كان في تلك الفترة طالباً مع رشيد الكرد في مدرسة دار المعلمين في قونيه. إذاً التاريخ الصحيح هو كما قال الكاتب أديب نادر ( 1911). [2]

اسمه الحقيقي هو عبدالقادر عزيز جان،جاءت في بطاقة طالب أنه يدعى قدري .م.جان عزيز والدته عائشة، اضطر أن يترك وطنه وهو في ريعان الشباب، وقد ترصدته السلطات الكمالية في كل مكان، وحكمت عليه غيابياً بالأعدام، فتمكن من الفرار هو وصديقه اللغوي الكردي رشيد كرد، اللذين كانا يدرسان معاً في قونيه، إلى الجزيرة (Binya Xet.. )، يذكر جكرخوين في مذكراته( أنه استقبل شابين قادمين من كردستان تركيا إلى عامودا قد انهيا ليسه( الشهادة الثانوية)، هما قدري جان ورشيد كرد... ). يقول الدكتور خالد قوطرش[3]: (هرب الكاتب قدري جان من تركيا وهو طالب في دار المعلمين في الصف الثاني ولم يُنهِ دراسته بعد )، نكتشف من خلال بطاقة الطالب أنه كان طالباً في دار المعلمين السنة الرابعة في قونيه، ويتابع الدكتور: جاء إلى سورية حوالي عام 1928 (أي كان عمره (17) سنة) وتعلم اللغة العربية خلال سنة واحدة وكان يتقن الكتابة والقراءة أكثر من زملائه، وانتسب إلى دار المعلمين الزراعية في مدينة السلمية، ثم عين مدرساً في انطاكيا ) زاول قدري جان مهنة التدريس في مدارس القامشلي وعامودا، وكان مديراً في مدرسة عامودا عام 1942 (حسب ما رواه نجل المؤرخ حسن هشيار الكبير مصطفى هشيار، وكان هو من أحد تلاميذه)، ثم انتقل فيما بعد إلى دمشق وضواحيها ومارس التدريس في مدارس حي الأكراد، ثم انتقل إلى عمل اداري في وزارة المعارف( التربية)، وبعدها انتقل إلى السجل العام للموظفين، وانضم فيما بعد إلى مجموعة دعاة الحرية وكان عضواً نشيطاً فيها، حارب في كافة الجهات الثقافية والاجتماعية والسياسية، وكان يراقب أوضاع الأكراد وهو في دمشق.

كتب قدري جان في العدد الأول من مجلة هاوار الكردية في عام /1932/ يقول الكاتب أديب نادر:(لمع نجم قدري جان في 15/5/1932 ككاتب مبدع يقاتل في الخطوة الأمامية للجبهة المهمة الأخرى، الجبهة الثقافية بقيادة الأمير العالم جلادت عالي بدرخان). كتب قدري جان قصيدته (ريا تازه) الطريق الجديد عام 1936، ويعتبر الكاتب أديب نادر( أول قصيدة كردية حرة في تاريخ الشعر الكردي) حتى بات هذا التاريخ منعطفاً أدبياً فاصلاً في تاريخ الأدب الكردي الحديث بين مرحلتين من ناحية الشكل والمضمون (وهي المرحلة التقليدية القديمة التي يطلق عليها البعض تسمية الكلاسيكية، ومرحلة الحداثة التي جمعت في وقت واحد بين الأصالة والمعاصرة بصورة رائعة).

جرى انعطاف في تاريخ فكر قدري جان في عام 1944عندما تعرف على الماركسية اللينينية واصبح صديقاً للشيوعيين وليس عضواً. يقول سليمان علي: (عمل قدري جان ضمن صفوف الحزب الشيوعي السوري). لكن البروفسور قنات كردو ينفي هذا حيث يقول في كتابه (تاريخ الأدب الكردي):(كان قدري جان عضواً من أعضاء الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا). [4] ينفي الدكتور خالد قوطرش انتسابه إلى الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا لكنه يؤكد أنه كان من اعضاء جمعية خويبون لأن الدكتور كان من أعضاء نفس الجمعية .

سافر قدري جان إلى الاتحاد السوفيتي (سابقاً) في تموز عام 1957، ضمن وفد الشبيبة الكردية لحضور مهرجان الشبيبة العالمي السادس في موسكو، وزار للمرة الأولى الزعيم الكردي الخالد البرزاني الذي كان في الاتحاد السوفيتي واهداه أثناء الزيارة قصيدته المشهورة (قائد الأكراد، البارزاني) بخط يده وبأحرف عربية، وزار قدري جان للمرة الثانية البارزاني في بغداد بعد عودته من الاتحاد السوفياتي في عام 1958 إلى بغداد، وجّه قدري جان رسالة تهنئة إلى البارزاني الخالد بعد عودته من الاتحاد السوفيتي باللغة الكردية وفيما يلي ندوّن مضمون الرسالة:

قبل كل شيء أقبل يدكم. أهلاً وسهلاً بكم، عدتم على العين والرأس. . . في الشام كنا في انتظاركم. . . لا أدري لماذا لم تمروا من الشام !

لقد ود الكثيرون من الأشقاء الكرد رؤية قائدهم ليقضوا على هموم سنوات الحرمان.

أثرت عودتكم في معنويات شعبنا إيجاباً في كل مكان. كافة أبناء الشعب الكردي وعلى اختلاف مشاربهم وافكارهم يعتزون ويفتخرون بقيادتكم.

لاشك أن الجمهورية العراقية الحبيبة ستتعزز مكانتها بوجودكم، وتترسخ قاعدة الأخوة العربية الكردية اكثر.

أنني واثق من أن الكرد ليس وحدهم بل العرب والفرس والترك الاحرار مبتهجون مثلنا بعودتكم. . انكم على دراية تامة بأن نضال شعبنا يسير بالتعاون مع أحرار هذه الشعوب.

هنا ابتهج بكم خالد بكداش كثيراً وثقته كبيرة بكم ويقول ان على الكرد كافة الالتفاف حول الزعيم الأوحد البارزاني والنضال وفق سياسته السليمة، ويخصكم باحترامه وتحياته كثيراً. . . وكذلك جميع رفاقنا يخصونكم باحترامهم. سأزوركم في أول فرصة سانحة. أقبل يدكم ثانية، وأقبل نواظر الأخ أسعد وجزيل احترامي للأخ ميرحاج، اقبل نواظر الأخوة صادق وعبيدالله.



المخلص لكم

قدري جان

الشام 14/10/1958
 
يذكر الكاتب أديب نادر في هامش بحثه المنشور في مجلة (مه تين) التاريخ الموجود في آخر قصيدة (قائد الأكراد، البرزاني) موجود في نسخة دمشق التي طبعت باللاتينية وغير موجود في النسخة التي كتبها بخط يده، :أخذت هذه القصيدة من مخطوطة استاذنا الدكتور عزالدين مصطفى رسول، ويضيف أن القصيدة منشورة بالأحرف الكردية الاتينية في دمشق. أما قصيدة (عودة الأسد) التي كتبها الشاعر في عام 1958 تخليداً لعودة البرزاني نشرت آنذاك في مجلة هيوا وآزادي.

أثناء زيارة قدري جان لحضور مهرجان موسكو للشباب العالمي تعرّف على البروفسور قنات كردو، يقول البروفسور قنات كردو: (أرسل (قدري جان) برقية باللغة الكرمانجية من مدينة اوديسا يقول فيها:أنا قدري جان ، قادم مع الشباب إلى المهرجان، أريد أن أراك). ثم تحدثا كثيراً حول وضع الأكراد والأتراك والأحزاب. إذاً كان قدري جان شاعراً كردياً تقدمياً، وليس عضواً في الحزب الشيوعي السوري. ويتابع البروفسور:قدم لي قدري جان بعض قصائده غير المنشورة التي مازالت بخط يده ، لكن نُشرت قصيدة:(أنا ذاهب إلى موسكو) في جريدة (ازفستيا) أثناء المهرجان والقصائد هي: (أنا ذاهب إلى موسكو) و (سيد آخر الزمان) و (الطريق الجديد) و (الوردة الحمراء).

اعتقل قدري جان بين عامي (1959 ـ 1961) وفي سجن المزة يقول جكرخوين:(دخل قدري جان مرتين أو ثلاث مرات سجن المزة)، وأمضى عدة سنوات في لبنان والعراق في سبيل نضاله السياسي والأدبي.

نشر الكاتب قدري جان غالبية نتاجاته الأدبية في الصحف والمجلات الكردية التي كانت تصدر آنذاك في سوريا ولبنان (هاوار، روناهي، روزا نو) كان كاتباً لامعاً متنوعاً ومتمكناً . بدأ حياته الأدبية بالأسلوب الكلاسيكي وسرعان ما التجأ إلى أساليب حديثة وخاصة بعد عام 1936في قصيدة ( ريا تازه ) الطريق الجديد.

أمضى قدري جان سنواته الأخيرة في دمشق، وقد درس في ضواحيها أيضاً هذا واضح من خلال قصصه مثل جديدة عرطوز .... الخ. جدير بالذكر انه تزوج من (نيلوفر)عام 1939 ابنة علي عثمان بك وهو تركي الأصل يحن إلى الخلافة العثمانية ضد الحكومة الكمالية تعرف قدري جان عليه في انطاكيا عندما كان مدرساً فيها وتعرف كذلك على المفكر والسياسي المشهور ممدوح سليم الذي كان يدرس اللغة الفرنسية هناك. وأنجب منها ابنه البكر مزكين1943، ثم ابنته شيرين 1945(تمارس مهنة الطب حالياً في دمشق) ثم ولد له طفل يدعى سرور 1948. توفي الشاعر قدري جان في 9/آب/1972أثر جلطة دماغية، وقد دفن في مقبرة مولانا الشيخ خالد النقشبندي في حي الأكراد في دمشق.























دراسة أعماله القصصية والشعرية



من الملاحظ أن البحث عن نتاجات كاتب لم يطبع له أي كتاب ، عملية بحث معقدة وصعبة ، خاصة بعد أن مرت على نتاجاته أكثر من ستين سنة، وعندما نعلم أنه (قد طواه الغبن وكاد أن يكون نسياً منسياً اللهم إلا نتفاً من الأسطر المتناثرة هنا وهناك والتي لا تسمن ولا تغنى من جوع). إن هذه العملية تتطلب جهداً مضاعفاً إن كنا نعلم أن جميع نتاجاته الأدبية قد نشرها على صفحات المجلات والجرائد الكردية الصادرة في بداية الثلاثينات والأربعينات، ويكون الجهد أكثر صعوبة إن لم تتوفر تلك المجلات والصحف أو ربما قد اندثرت.

نشر الكاتب قدري جان غالبية ابداعاته الأدبية في مجلتي هاوار وروناهي وجريدة روزا نو الكردية الصادرة في الثلاثينات والأربعينات من هذا القرن، عدا بعض قصائده التي لم ينشرها، وهي مازالت مخطوطة بخط يده، هذا يعني أن الكاتب قدري جان كان من الكتاب الأوائل والمؤسسين في تلك المجلات، فقد كان يكتب القصة القصيرة والشعر والمقال الأدبي ومارس الترجمة أيضاً، ساهم في ترجمة رواية (شفانى كرد = الراعي الكردي) للكاتب عرب شمو، وكتب مقدمة صغيرة حول ديوان الشاعر الخالد جكرخوين ديوانه الأول يقول محمد اوزون:(كتب قدري جان مقدمة عن الديوان الأول للشاعر جكرخوين يمدح فيها القصائد ويقارنها بالدواوين الكلاسيكية الكردية يقول قدري جان:( فُقدت تدريجياً منذ زمن مضى ديوان (ملا) جزري و (مم وزين) لأحمد الخاني، كان متذوقو الشعر الكردي يبحثون عنهما فلم يجدوهما ).

(نُشر ديوان جكرخوين بطباعة أنيقة كما رأينا، أعتقد أن هذا الديوان سيحل مكان رواية (مم وزين) وكذلك ديوان الجزري).

كانت غالبية موضوعات قدري جان تدور حول طلاب المدارس والعادات الكردية القديمة ـ كصيد الخنازير وتخزين الملبن والزبيب، وفضح خداع ومكر الشيوخ والذكريات الماضية التي تمس شغاف القلب بأسلوب واقعي تشوبه أحياناً حالات نفسية، حيث يصور اللقطة ـ اللحظة القصصية أو الشعرية بشكل بارع وكأنه مصور يلتقط لقطة من الكاميرا، ومن ثم ينفذ إلى اعماق النفس، لكنه لا يستمر في سبر أغوار النفس طويلاً، فيخرج بسرعة ويصف من جديد المظاهر والتعابير الظاهرة على وجود شخصياته يفسح المجال لها لتعبر عن دواخلها .

يعتبر قدري جان من مجددي الأدب الكردي الحديث لقد (تجاوز الكتابة على النمط القديم ورفض التقليد، وأبدع في الميدان الأدبي حيث كتب أول قصيدة (ريا تازه ) في تاريخ الشعر الكردي الحديث منهياً بذلك تبعية شكل ومضمون الشعر الكردي لشعر الحضارات المجاورة) أديب نادر.

ومن مؤسسي المدرسة الواقعية الحديثة في الأدب الكردي في الوقت الذي لم يعرف الأدب العربي مدرسة الواقعية (ثلاثينات القرن) وقد يجد القارىء في نتاجاته مصطلحات استخدمها المثقفون بعد نصف قرن كالحداثة والتجديد والتحديث في الأدب في الوقت الذي كان الأسلوب الكلاسيكي مهيمناً على الأدب. لقد ربط (الأدب) الكردي بجذوره الكردية في الوقت الذي رفض التبعية، ويعتبر صاحب الريادة في الشعر الكردي الحر وكأنه كان يحث ويوضح للناس، أن للأكراد ثقافة مستقلة متميزة وهو قادر على خلق الجديد المتطور في ميدان الأدب والثقافة، لقد استخدم الحداثة والتجديد في اللغة والموضوعات وطريقة الطرح في جميع نتاجاته الأدبية بلغة واقعية وأسلوب فني أدبي حديث يرتقي إلى الأساليب العالمية. يقول روجيه ليسكو فيما يخص ميدان تجديد الشعر الكردي على مستوى الشكل والمضمون واللغة ( يمكن اعتبار الشاعر قدري جان من بين مؤسسي الشعر الكردي الحديث بالاضافة إلى شيخ نوري وبيرميرد وكوران).

وتتميز نتاجات (ابداعات) قدري جان بسلاستها وبساطة اللغة المستخدمة في كتابتها، فهو يكتب أدبه بأسلوب حديث يساير روح العصر .

تدور مواضيع قصصه في فلك الذكريات والصداقة والأيام الماضية والإحلام وهي بعيدة كل البعد عن المواضيع السياسية اليومية الساخنة ولكن تفوح من مواضيعه رائحة الوطنية الكردية، أما المواضيع الشعرية فبعكس مواضيعه القصصية.

نشتم من خلال قصته الأولى رائحة كاتب قصصي متمكن من لغته وأسلوبه الفني ويشق طريقه بنفسه ليتخذ لنفسه مكانة مرموقة في الأدب الكردي الحديث ومثقفاً متنوراً نهضوياً يعارض الجهل. قدم قصته الأولى(إن وجدت الصرخة، فالشكوى تليها) لأوصمان صبري:يروي الكاتب هذه القصة بأسلوب ديالوج/ حواري بين الأب وابنه، ويوضح فيها حال الوطن والحرية التي يتوق إليها. في قصة (القرية المحدثة) يصف جمال القرية وبساتينها، وأسراب الطيور التي تحط على البساتين، يعشق صوت الشحرور الحزين الذي يذكره بجراح الوطن، ويقدم الكاتب نصائح للشباب من خلال آلامه وعذاباته يقول:(... انبشوا داخلي، ستجدوا فيه القلب، أخرجوه وفتتوه إلى قطع صغيرة، ستلاحظون أن القطع الصغيرة تتكلم) وعندما نقرأ قصة (بصرى الذهبية) وهي قصة قصيرة نجد أن أحداثها تدور حول العشائر الكردية والنزعات التي حدثت بينهم في الفترة التاريخية القديمة، تدور الأحداث حول شخصية رئيسية وهي بيروز ابنة أمير بصرى الذهبية ماكس التي يطلبها أمير برج ماتينة ميرزو لنفسه زوجة بالقوة، فيظهر ميرزو غطرسته وتكبرو عنجهيته، ويشن هجوماً على ماكس أمير بصرى الذهبية، ويأخذ بيروز الفتاة الجميلة بالقوة بعد أن يدمر المدينة، وتتحول إلى اطلال، فلا يجد أميرها طريقة للحياة سوى الموت قهراً، لقد استخدم الكاتب قدري جان في هذه القصة أسلوب الرسالة الفنية أو أدب المراسلة، وها نجد الآن وبعد أكثر من خمسين عاماً يستخدم الكتاب هذه التقنية في قصصهم ورواياتهم الأدبية .

في قصة (البدر) يصف الكاتب لنا حالته النفسية من خلال الحلم، ويستنهض مافي داخله حيث يناجي القمر في ليلته الرابع عشر، وكيف تشن الغيمة التي تشكلت للتو هجوماً وتبتلع القمر، وينتهي كل شيء. يحيي الكاتب موضوعاً أو عادة قديمة جرت بين المجتمعات القديمة في قصة (القسم) أو (التآخي) حقوق أخوة الدم، ـ حيث يدافع القوي عن الضعيف ويتحمل أخطاءه وحماقته أمام الناس ـ عن طريق لعق دماء بعضهما ـ ، وهي عادة قديمة جداً كانت منتشرة في العالم القديم بين جميع الشعوب ومازالت الديانة الايزيدية تمارس هذه العادة ويسمونها (أخ الآخرة) حيث يتخذ كل امريء ايزيدي أخاً أو اختاً له في الآخرة ليتحمل ذنوبه، قلنا إننا نصادف في كثير من ثقافات العالم على هذه العادة. بطل القصة هو طفل صغير يذهب إلى المدرسة، وعندما يجد زميلاً له قد ارتكب ذنباً في المدرسة لايتوانى أن يتبرع صديق له أقوى منه لينال العقوبة عوضاً عن صديقه الضعيف علماً أنه يعرف تماماً أن الذنب الذي ارتكبه هو مستو الطفل الضعيف البنية ، تستهويه الفكرة وتسيطر عليه حتى يتمكن ذات يوم ما أن يجرح اصبعه، فيسارع إلى صديقه ويخبره أن يجرح أيضاً أصبعه، ويمزج دمه مع دم صديقه الأقوى، وهكذا يحمي ويحافظ على نفسه، لأن الصديق القوي يستطيع أن ينقذه من المواقف والشدائد والمصائب. فنجد أن المتآخي القوي لايحميه من عصا المعلم فحسب بل يحميه أيضاً من أنياب كلب شرس ويضحي بروحه من أجل انقاذ صديقه.

أما في قصة (الذنب) فإنها تدور حول أطفال المدرسة أيضاً حيث يجد الكاتب أن أطفال المدرسة مادة غنية وخصبة في ذكريات الطفولة مع أطفال المدارس لأنه كان مدرساً، يذهب مجموعة من أطفال المدرسة إلى صيد فراخ الحجل في المغارة البعيدة التي تكون من المفروض أن يتوفر فيها الصيد، لكن المغارة ارتسمت في الخيال الشعبي القروي بأنها مأوى الجان والجنيات والاشباح رغم ذلك يتحدى الأطفال هذه الفكرة ويقصدون المغارة، ويحاول البطل أن يجرب شجاعة صديقه جمو بعد أن دخلا المغارة وفازا بصيد وفير، فيذهب البطل /الراوي ويختبىء في المغارة بعد أن يعلن جمو أنه يريد شرب الماء من نبع المغارة، فيدخل الراوي ـ البطل ويريد اخافة صديقه، عندما يدخل جمو إلى المغارة يصدر البطل أصواتاً وحركات فيخاف جمو فعلاً ويسقط على الأرض فزعاً ويربط لسانه ولا يستطيع الكلام، تنتشر هذه الحادثة في القرية كالنار في الهشيم بل في القرى المجاورة أيضاً بأن الجان ضربوا جمو. فيقرر والدا جمو أن يأخذا ابنه إلى الشيخ الذي يشفي ويطرد الجان من جسمه. يضرب الشيخ الطفل جمو بالعصي حتى يقضي على حزمة كاملة من العصي الرطبة، ويموت على أثره جمو بين أيدي الشيخ ، ولايمكن الراوي أن ينسى الحادثة المأسوية بعد أكثر من عشرين سنة حيث يظهر شبح جمو له في الاحلام دائماً ويقف أمامه متهماً :خيانة. . . خيانة.

يتناول في قصة (كلجين) موضوعاً قديماً وحديثاً بآن واحد ويتشعب الموضوع والخطوط الفرعية وهو موضوع الحب بين طبقتين اجتماعيتين والتضحية من أجل المصالح الشخصية. تحب كلجين شاباً فقيراً، فيقدمها والدها لخصمه الذي يكبر كلجين بكثير من أجل إن يتصالح معه ويصبح حليفاً له، لا تستكين كلجين لقدرها فتذهب إلى الشيخ كي يبعدها عن خصم والدها، وبخدعة من الشيخ عن طريق السحر والتعويذة والخلوة يتحرك شيخ صغير في بطن كلجين، بطريقة درامية مأسوية، ويتخلص الشيخ منها تذوب تدريجياً كلجين وتموت. كلجين هي ضحية الجهل وضحية احتفاظ والدها بزعامة العشيرة ويسدل الستار الأسود على حياتها .

يكتب قدري جان هذه المرة قصة عن حياة معلم في عامودا في قصة (الأيام الماضية) بأسلوب الذكريات ، يتوجب على المعلم أن يترك عامودا بعد أن نصحه الأطباء ويلتجيء إلى احد المصايف وهو مصيف عين ديوار. يصف لنا الكاتب الفراق وألوان العذاب الذي يلاقيه في سفرته الطويلة ، ويشرح من خلال تجربته كمعلم أو مدرس أن تغير المكان من الأمور الصعبة على المعلم، يترك وراءه الدموع المنسابة وعموداً من العجاج يرتفع نحو السماء، فيتذكر كلمات شاعر ربما هو الكاتب نفسه، يكتب القصة بأسلوب شاعري حيث تكثيف اللغة ونقل الاحاسيس الصادقة ووصف المكان بشكل معبر حيث يقول: عندما يستقر امروء في مكان ما، يرتبط به وبالناس والتراب بخيوط ذهبية غير مرئية، وعندما يغادر ذلك المكان، تشد تلك الخيوط المرء إليه ويتألم بسبب تخليه عنه). فيستقر في عين ديوار التي تمطر فيها الأمطار واصفاً طبيعة البلدة ومناخها وسكانها وتعاملهم معه، فيحفرون في ذاكرته صداقة أبدية لايمكن أن تنسى.

في قصة (كلاب المصايف) يبين الكاتب منذ اللحظة الأولى أنه سيروي لنا القصة كما سمعها من بعض الرجال، ويؤكد أنها ليست قصة خيالية وبنفس الوقت لم يَرَها بعينه ، تختلف هذه القصة عن بقية قصصه بأن أبطالها حيوانات (كلاب) وهي قصة تعليمية على لسان الحيوانات (الكلاب) جرت المصادفة أن باع رجل من كردستان أغنامه مع كلبه لرجل آخر يسكن في الزبداني تحت الظروف الطبيعية التي منعته من مغادرة الزبداني، وكانت جبال الزبداني مأوى الذئاب، عندما كان الكلب يذهب مع القطيع إلى الجبال لم يتجرأ أي ذئب أن يظهر إلى أن شاخ الكلب ولم يستطع أن يردع الذئاب عن القطيع، فاجتمعت الذئاب ذات مرة وهجمت على الكلب كادت أن تقضي عليه، في اليوم التالي يترك الكلب هذه الديار ويعود إلى وطنه، ويحضر معه كلبين قويين من كلاب كردستان، تضع الكلاب خطتها، ويظهر الكلب العجوز فتهاجمه الذئاب عليه ويفاجئها الكلبان الأخران اللذان كانا قد اختبآ في مكان قريب من الذئاب ويقضيان عليها .

يتمنى في بداية قصة (خاتم سليمان) أن يمتلك تلك القدرة الشعرية التي كان يمتلكها شاعرنا الكبير ملا أحمد الجزري، حتى يستطيع أن يصور الجمرات والنار المتأججة في داخله ، يبدأ ببعض المقاطع من شعر الجزري ، وثم يتحدث عن هجرته وعن الأيام الماضية ، ويشعر بأنه مذنب ، ثم يدخل مباشرة إلى موضوع التلاميذ والمعلم، الذي يدرس بعد أن يمل من الحياة ، يريد استراحة قصيرة في رحاب الطبيعة، فيجد شيئاً غريباً بل عجيباً على طريق القرية، تنتابه الأفكار ويستحضر كل الحوادث التي قد سمعها لكن في النهاية يلتقط تلك القطعة المعدنية الغريبة ويتحسسها بين أصابعه يظهر فجأة كائنان أسودان أمامه يحمل كل واحد سيفاً في يده ويمتثلان لأوامره، لكنه يعرف منهما أن هذه القطعة هي خاتم سليمان . يقف في حضرة النبي سليمان ويقدم له الخاتم الذي قد ضاع قبل ألفي سنة، يقول سليمان: (اطلب مني ما تريده الآن)، يطلب المعلم أن يتعلم لغة الحيوانات ويتجول في حظائر الحيوانات الأليفة ثم يستأذن للعودة لكن سليمان لا يأذن له إلا أن يحضر محاكمة البوم والهدهد، وتبدأ محاكمة البوم بتهمة أنه الشؤم يدمر المكان الذي يقف فيه، ويدافع البوم عن نفسه أنه سيد والأخرون عبيد، يحتج الطير لجملته الأخيرة ويقول:افتح عينيك أيها الأفندي ، نحن جيل القرن العشرين ، لم يعد بيننا عبد أو سيد، كل واحد منا حر ).

ومازال المعلم ينتظر حكم القاضي، لكن بكاء ابنه الصغير يوقظه من نومه .

ويستخدم الكاتب الحلم في قصة (صيد الخنازير) أيضاً موضوعاً له عندما يجد نفسه في بيته وعلى فراشه وقد اجتمع الناس حوله ويضع الطبيب ملعقة الدواء في فمه بعد أن رأى كابوساً مزعجاً في رحلته لصيد الخنازير والعذاب الذي لقيه.

تدور أحداث قصة (الخاتمة) كجميع القصص حول الأيام الماضية الذنب الذي ارتكبه، الباعث الذي يحرض الكاتب لهذه القصة هو وضعه الذي يعيش فيه وغربته وألمه وأنينه وربما نهايته ليكمل صفحات حياته يقول:( أجمع اليوم أشتات الأوراق الممزقة من تاريخ حياتي، أحاول إعادة ترتيبها، كي أصنع منها كتاب السعادة، لذا تتنوع الصفحات وتتعدد معانيها وهي القسم، الذنب، الأيام الماضية، الخاتمة، لتشكل مجموعة صفحات تضم كتاباً حزيناً). لقد أشار الكاتب إلى عناوين قصصه في هذه القصة التي تؤلف تاريخ حياته أو مذكرات الطفولة. ومن خلال هذا التحريض الذي استمده من وضعه الحالي ويدخل إلى مضمون القصة. يسرق الراوي الزبيب والملبن من مستودع المونة، ويقدمها للحكواتية التي تعيش على هذه المهنة، وعندما تكشف والدته سرقة الزبيب في ليلة رأس السنة، يتهم الراوي المشارك اخاه فتحي البريء وينقذ نفسه من غضب والدته، تصفع والدته فتحي الذي يندهش ثم يموت قهراً ويؤنب الراوي ضميره لهذه الحادثة التي مرت عليها خمس وعشرون سنة.

وجدنا قصة (الثعلب الماكر)[5] في كتاب القراءة الكردية 1938، الصفحة45. وهي مأخوذة من الفولكلور الكردي . تدور القصة حول خداع ومكر الثعلب وطمع الحجل والصوص، بلغة سلسلة، تتخللها بعض المواقف الساخرة، يعلق الثعلب طبلاً في رقبته ويدعو الحيوانات إلى احتفال علماً أن الدخول إلى الحفلة مجاني، ينخدع الحجل والصوص، فيدخلان بيت الثعلب. يفرح الثعلب كثيراً بأنه حصل على وجبته، لكنه يرجىء أكلهما إلى وقت اخر لأنه لديه طعام يكفيه اليوم ثم يخرج، يحاول الحجل والصوص بقوة منقاريهما أن يزيلا الحجر من أمام الباب ويهربان فعلاً، ثم يقول الصوص للحجل :

ـ لن نخدع ثانية.

هذه قصة تعليمية تظهر مطامع الحجل والصوص وبنفس الوقت مكر الثعلب، بلغة الحيوانات .

هكذا نجد أن الكاتب قدري جان يستخدم تقنيات الحلم في قصصه ليعبر عن فكرته بأسلوب سلس ولغة جميلة تنم عن روح اللغة الشعبية دون تزينيات وزخارف كلامية، ويبدو أن قصصه هي صفحات من حياته الماضية عندما يتوج فكرته في قصة (الخاتمة) حيث نلاحظ أن القصص هي أشبه بمذكراته نستشف من خلالها تاريخ حياته ودراسته وتجاربه وحتى ولادته التقريبية.

يوثق قدري جان للحياة الاجتماعية، ويختار أبطاله من الأطفال أحياناً وأخرى من الحكايات الكردية القديمة أو يروي على لسان الحيوانات أو من الحياة التي يعيش فيها ويعايشها يومياً، لأنه كان يمارس التدريس، لذلك فالأطفال / التلاميذ يصبحون مواضيع قصصه الغنية، إن قصصه متميزة وفريدة ينم عن خبرة وتجربة مر بحياة الكاتب نفسه، فيجمع عدة موتيفات من الشخصيات الواقعية ويمزجها في قالب واحد .

من خلال القصص التي قرأناها نجد أن قدري جان يمتلك أسلوباً محدداً يستخدمه في جميع قصصه، أو تقنية كتابة القصة، فهو ينطلق من الآن / الحاضر، ويغوص في الماضي يروي لنا القصة ثم يعود إلى الحاضر ثانية وينهي روايته.

من خلال هذه التقنية المستخدمة في القصص نجد أن هناك مستويين، وهذا يفرز أيضاً مستويين في فضاء القص والزمن والراوي هو الكاتب نفسه، يروي ويعلق ويصف فهو الراوي المشارك وتتداخل مستويات القص والفضاء كثيراً وهذا ليس مجال دراستنا لذا يتوجب علينا أن نقوم بدراسة مستفيضة ومطولة حول أساليب القص في قصص قدري جان والتقنيات المستخدمة في بحث مستقل .



الشعر:

يحتل الشاعر المبدع قدري جان مكانة هامة عبر قصائده وأعماله الشعرية ـ لايقل أهميته عن الشاعر الكبير جكرخوين ، والمناضل والشاعر اوصمان صبري ـ في ميدان النضال الوطني وتصوير كفاح شعبه، فقد خصص كل مواهبه للدفاع عن مصالح وطنه العليا (قنات كردو ـ تاريخ الأدب الكردي ج1).

يملك الشاعر قدري جان لغة سلسلة وبسيطة بحيث يمكن لأي قارىء أن يفهمها، وتتميز موضوعاته الشعرية بالمواضيع السياسية الساخنة التي تعبر عن روح العصر وتفيض حماساً ووطنية، لقد وهبه الله ملكة الكتابة بحرفية ومهارة عالية فهو متمكن من موضوعاته ولغته وتأثيره على القارىء في الوقت الذي تحولت قصائده إلى أغان على ألسنة الناس عامة. وخاصة قصيدته الرائعة (برزاني، برزاني) وتعتبر قصيدته ريا تازه (الطريق الجديد) ولوريا بدرخان من القصائد التي كتبت بحرفية وموهبة فائقة ، يقارن الكاتب أديب نادر بالقائد مصطفى البرزاني حيث يقول:إن قدري جان في عالم كردستان الشعري هو كمثل البرزاني في عالم كردستان العسكري ـ السياسي).

يقول سليمان علي حدث انعطاف تاريخي في فكر قدري جان وفلسفته في الحياة في عام 1944بعد أن تعرف على الفكر الشيوعي والاشتراكي، ويظهر هذا في قصائده عندما يفكر أنه أصبح انساناً جديداً، فالقصائد الأولى التي كتبها في الثلاثينات التي كانت الكلاسيكية طاغية عليها تتناول الشخصيات الكردية التي سيلفها النسيان مثال (لوريا بدرخان) وأحياناً كتب مرثيات للشهداء الذين دافعوا واستشهدوا في سبيل الوطن مثلاً (التابوت المدمى) لروح عبدالرحمن كارسي، وكذلك مرثية إلى روح محمد سيدا، ثم تناول المواضيع الاجتماعية وصراع الطبقات مثال (الحداد) و (سيد آخر الزمان)، وغالبية الاحيان كانت مواضيعه تتناول وضعه وغربته في قصيدة (رسالة) إلى شباب الجزيرة، ولاشك في أن كل هذه القصائد تفوح منها رائحة الوطنية الكردية، نداء الوطن، (حلم اليقظة)، (جكرخوين). . . .

أما القصائد التي كتبها بعد أن جرى انعطاف تاريخي في فكره فقد تحولت القصائد إلى مواضيع سياسية ساخنة تؤثر في الشاعر، فألف قدري جان العديد من القصائد لتخليد ذكرى بعض الأبطال الوطنيين الأكراد أمثال البارزاني، في قصيدته (البرزاني ) و (عودة الأسد) في ذهاب واياب البارزاني من والى الاتحاد السوفيتي، وكذلك كتب قصيدة حول حياة القاضي الشهيد محمد، قائد جمهورية مهاباد الكردية، ( عزاء القاضي)، والتصق قدري جان بالقضايا السياسية العامة وتخليد ذكرى الاحداث السياسية مثل ثورة تموز 1958 في العراق في قصيدة (الرابع عشر من تموز) و (رسالة إلى اذاعة طهران) حتى غدا أدبه أدباً في خدمة القضية الكردية، ملتزمة بالقضايا السياسية والوطنية والتقدمية التي تظهر لنا موهبة الشاعر ومدى صدقه والتزامه بقضايا الشعب.

أخيراً حاولنا مجرد محاولة فقط أن نظهر بعض جوانب شعرية في أدب قدري جان، لم ندرس في هذه المقدمة قصائده وقصصه بل سلطنا الضوء عليها ربما يكون في المستقبل مرجعاً لمن يبحث عن أدب الشاعر أو من يتناول أعماله بشكل مستفيض .



الترجمة :

مارس قدري جان الترجمة أيضاً، حيث ترجم قصة للكاتب المصري (المنفلوطي) بعنوان (شعرة بيضاء) ويربط الشعر الأبيض بالاستعمار الأوربي عندما يحل في وطن الرجل الأسود (الرأس)، وهي قصة رمزية، وعندما لايجد استجابة لندائه يستسلم للرجل الأبيض (الشعرة البيضاء) ويقدم رأسه (وطنه)مرتعاً له.

وترجم الكاتب والشاعر قدري جان أيضاً (في بلاد الزنابق البيضاء) للكاتب كريكوري بتروف ضمن سلسلة في جريدة روزا نو، حيث يوضح في المقدمة بأنه ترجم هذا الكتاب(لكنه لم تكمل السلسلة، لذلك نقول عنها بأنها مقالات ) بتشجيع من الدكتور أحمد نافذ بك إلى الكردية.

لابد أن لكل ترجمة هدفاً، وهدف الكاتب قدري جان من هذه المقالات هو الاستفادة من ثقافات الشعوب الأخرى التي ناضلت وكافحت ومن ثم نالت بقوة ووعي شبابها استقلالها، وهي رسالة موجهة إلى الشباب الأكراد في كل مكان، يضع الكاتب قدري جان خلاصة تجارب الشعوب بين أيدي الشباب الأكراد وبنفس الوقت ليغني اللغة الكردية من جانب آخر.

لقد عانى الفنلنديون من احتلال السويد سنوات طويلة ولم يستطيعوا الحصول على استقلالهم إلا بقوة رجالهم وتربية الجيل الجديد تربية وطنية قومية صالحة بزعامة المتنور الفنلندي سنلمان. ويرجو الكاتب قدري جان أن تصبح هذه التجربة درساً وعبرةً للوطنيين حيث يقول في مقدمة الترجمة: (لست بحاجة إلى أن أمدح هذا العمل، سيعرفه قراؤنا عندما يقرأون ، ويجدون أن لهُ أهمية كبيرة في مجتمعنا) ثم يتابع (أتمنى أن يقرأ الوطنيون والقراء ويستمدوا منه العبر والحكم).
 
النهضة

النهضة، من أين تبدأ النهضة ؟ هل النهضة هي ثورة شاملة أم نهضة تاريخية ؟ يبدو أن لمفهوم النهضة إشكاليات كثيرة ، نبدأ من كلمة البعث أو الاحياء أو الولادة.

ـ النهضة في اللغة والأدب الكرديين:

النهضة كلمة لاتينيةRanessance من كلمةMotamot بمعنى الولادة والاحياء . التجديد والتأسيس من جديد Ranessance في القرن الخامس عشر والسادس عشر في ايطاليا، وانتشرت النهضة كمفهوم في جميع أوروبا، يمكننا أن نقول إن النهضة حدثت في العالم القديم في القرون الماضية البعيدة وتبدلت كمفهوم تفاعلي في القرون الحديثة في كل الأساليب والاشكال وجوانب الحياة، طويت صفحة تاريخية قديمة، وافتتحت صفحة جديدة ، حيث قدمت آفاقاً جديدة للإنسانية، أحدثت تطورات نحو الحرية والديمقراطية.

يتألف العالم القديم من طبقات اجتماعية يسودها نظام سيطرة زعماء العشائر، ورجال الدين الذين يملكون كل شيء في العالم. لقد غيرت النهضة هذا الوضع القائم من أساسه، وغيرت المجتمع واللغة والرؤية الانسانية للعالم والعلاقات القائمة بين الظالم والمظلوم، إذاً بهذا الشكل نجد أن النهضة هي ثورة لا مثيل لها تجاه العالم القديم الذي كان مرتبطاً بقيود تكبله، فالانسان نتاج مكان وظرف معين، وعلى أثر ذلك حدثت الثورة.

أحدثت الثورة شرخاً في الانسان حيث قربته من الانسانية وغيرت في بنية التفكير واللغة والعلاقات والعادات والقوانين السائدة وفنون المجتمع، فالنهضة هي ثورة على العادات والروح القومية .

لم يكن الانسان حراً في العالم القديم فقد كان مرتبطاً بكل هذه القيود البالية لكن النهضة وجهته نحو الأنسنة، تتحدث الكتب عن انسيكوبيد، فالثورة التي أحدثتها النهضة في تجديد الانسان وشخصيته لامثيل لها. لقد تحول كتاب (الأمير ) لميكافيلي إلى عقيدة تبحث في سياسة الدولة الحديثة، وأسس أفكاره على الشخصيات والأوضاع الجديدة، وكان من رواد النهضة أمثال كولومبوس، كوبرنيكوس، لاثر، كالفن، ابلاس، مونتفون، شكسبير، سرفانتس.. وآخرون. وضعوا أسساً جديدة للعالم، فالصعوبة تكمن عندما يصرح الانسان أن النهضة كانت ثورة تغيير، تمخض العالم القديم الذي كاد أن يقدم ثورة غير متوقعة. النهضة الانسانية ومعرفة الذات ، ونهضة الكتب على المستوى النظري. على أن النهضة غيرت معالم العالم والمجتمع تدريجياً، وتم ذلك بفضل الانسانية والكتب أي بمعنى آخر اندماج الجانب النظري مع الجانب العملي، وفتحت أمام العالم والانسانية آفاقاً كثيرة وحررت الانسان والمجتمع من ربقة النظام العشائري والعائلي والملوك والامراء والعداواة الداخلية وقدمت للانسانية عالماً سرمدياً؛ ومزقت قميص الجهل والفساد والحسد واستبدلته بقميص جديد أكثر حداثة في المجتمعات والانسان، واقتربت المجتمعات الانسانية من بعضها، ونشرت الكتب وأنارت روح الانسانية فالعالم أصبحت قرية صغيرة.

فتحت النهضة الطريق أمام العلم والأدب والفن، وجددت الأحاسيس والفكر واللغة وروح الانسان، وحولت الأدب الشفهي القديم إلى الكتابي المدوّن، وقدمت أدباً كتابياً للمجتمع وتبوأت طبقة العمال ورجال المعرفة مراكز ووضعت المعايير الجديدة. . .

من ضروريات العصر الذي نعيش فيه أن يلتفت الأكراد إلى أنفسهم، وقد كانت النهضة ثورة تجديد وتحديث على المجتمع الرجعي القديم. و فتح العلماء والمستشرقون والادباء آفاقاً مضيئة أمام الانسان.

إن تطور النهضة مرتبط بتطور المجتمع الذي نعيش فيه اضافة إلى الوضع القائم بين الأكراد فتكون النهضة حاجة ماسة للأكراد لكن لكل فترة زمنية رجالها ومفاهيمها النهضوية وخصوصية البلد والمجتمع، مثلاً أحدثت النهضة الالمانية وأثارت انتباه الأمير جلادت بدرخان وجذبته لإحياء اللغة الكردية والأدب الكردي. كانت المانيا مؤلفة من عدد من الامارات غير موحدة، لم تكن دولة قومية، وبفضل النهضة حققت وحدتها بدأت باللغة، أسست وحدة اللغة والأدب والشعر والفكر القومي ثم وحدة الوطن حتى تبوأت صدارة العالم يمكننا أن نقول تبدأ النهضة في وحدة اللغة والثقافة والفكر ثم الوطن، أعتقد أن هذا يناسب الوضع الكردي الحالي .

تمر ظروف سياسية على كردستان وتجعلها في ظلام ليل دامس وخاصة الوضع في الاجزاء الثلاث من كردستان (ايران، عراق ، تركيا) وعلى الرغم من ذلك تتقدم باتجاه التغير واحداث الجديد، فالمقاومة التي نسمعها أو نشاهدها في تركيا حسب الوضع الجديد والتفرقة والعداوة اكثر من السابق وعلى ضوء هذا يجب أن نتسلح بنهضة جديدة وفُرضت علينا الحرب والثورة وانتشارها في كافة المجالات الفكرية والأدبية والمعرفية، لقد استيقظ الأكراد من سباتهم الطويل ولذلك فهم يطالبون بحقوقهم. ويندحر كل شيء في تركيا ، يفّر الناس من الظلم والوحشية ، وتباح البلاد و تسيل الدماء ومن المستحيل أن نناقش النهضة في هذا الموضوع. لقد تطور الوعي الكردي في تركيا حسب حركية المجتمع وحسب الاعمال الأدبية والثقافية والفنية، لقد قدم الكثير من الشباب والفتيات أرواحهم رخيصة من أجل الأكراد من أجل احياء الحياة الكردية. تصدر في تركيا جريدة كردية اسبوعية ويتم تطوير اللغة الكردية وتحل العادات والأصول والأدب الكتابي محل العادات القديمة والأدب الشفهي والتاريخ القديم وحلت التقنية العلمية محل القديمة. ويتكلم غالبية الأكراد اللغة التركية، ولايمكن أن نقول ان هناك حركة وحياة فلسفية وعلمية وفنية وثقافية كردية. لقد حولت الكلاسيكيات الكردية إلى الاحرف اللاتينية، وكتب الفلكلور الكردي، لكن أين الانسانية والمجتمع والحياة الكردية. أين الوحدة والعمل المشترك الكردي؟أين الحركة العلمية والثقافية وإحياء حركة النهضة الكردية ؟.

ربما نجد في المستقبل القريب نهضة كردية، والذين يناقشون النهضة الكردية، يقدمون أشياء إلى اللغة، في اليوم الذي يكون فيه لغة الفكر هي لغة كردية ستحدث وحدة اللغة والأدب الكردي. عندما يصل عدد الكتب الكردية إلى عشرات الآلاف، ويصل عدد الكتاب ورجاله والمثقفين إلى الآلاف، وتؤسس المطابع الكردية والاكاديميات والمعاهد والمؤسسات الثقافية، عندئذ تزدهر النهضة الكردية والنهضة اليوم ضرورة ماسة لكل الشعوب وخاصة للشعب الكردي. من المعلوم أن النهضة السياسية والاجتماعية الكردية تؤثر في النهضة الثقافية وطبقة المثقفين الاكراد.

تختلف النهضة من بلد إلى آخر حسب الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والأدبية لكل بلد وقد يتأخر بلد عن الآخر أو جزء من كردستان عن الأجزاء الأخرى حسب الاستقرار السياسي وواقع الأنظمة في كل جزء، أو قد يسبق جزء الاجزاء الأخرى، لكن على الرغم من ذلك نجد أن النهضة الكردية بدأت تقريباً في مطلع الثلاثينات في اجزاء كردستان، وقبل ذلك كانت هناك مرحلة المخاض والثورات والانتفاضات وبدايات الحركة المجتمعية في كافة المجالات وهذا لا يعني أن الانتفاضات والثورات توقفت بعد هذه المرحلة بل غيرت من تقنياتها وأساليبها، ونظرتها إلى المجتمع والاعداء، أي تغيرت العلاقات وجرى تغيير في بنية العقل الكردي مثلاً حاول المثقفون الأكراد في كردستان العراق أن يحدثوا ثورة نهضوية في الفكر والأدب والسياسة والمجتمع وكافة مجالات الحياة، بعد أن ظهرت اكتشافات جديدة في علم الآثار وتغيرت المفاهيم في السياسة والثقافة والتاريخ ، فانقطعت العلاقات مع الأفكار الكلاسيكية القديمة فمثلاً في مجال التاريخ نسفت مقولة التوراة التي تقول إن التاريخ هو تاريخ التوراة، وكذلك جرى تجديد في الحركة الأدبية على يد الكاتب عبدالله كوران والشيخ نوري شيخ صالح مع بعض من مفكري تلك الفترة أمثال بيره ميرد والذي ساهم في الحركة الفكرية الكردية كما كان له دور في حركة التحرر الوطني الكردي، واشتراكه في الجمعيات الوطنية والثورة الكردية بزعامة محمود الحفيد ثم أصدر جريدة (زيان) في1926 وكذلك المفكر الكردي رفيق حلمي الذي ترك لنا آثاراً عظيمة في تاريخ الثقافة الكردية.

لقد ربط المثقفون الأكراد المرحلة الكلاسيكية وضمان مرورها بالمرحلة الحديثة بمعناه الصحيح.يعود الأدب الكردي الحديث بجذوره إلى المثقفين الأكراد في اسطنبول وكانت الدعوة الأولى للفكر النهضوي بعد صدور أول جريدة كردية في عام 1898 بعنوان (كردستان) .

كما كان للمؤرخ الكردي المعروف محمد أمين زكي دور هام في رفد الحضارة الكردية وربطها بالحضارة العالمية ولا يمكن أن نغفل دور المفكر والعلامة توفيق وهبي في مجال نشر اللغة الكردية وأبجديتها والقواميس .

وقد صدر عدد كبير من الجرائد والمجلات والكتب في تلك المرحلة ونذكر منها، مجلة كلاويز بين عامي 1939-1949 التي كانت تصل إلى سوريا وتوزع في كافة اجزاء كردستان ثم مجلة (زين) عام 1942 إضافة إلى الكتب التاريخية والفولكلورية والأدبية والثقافية ومن إلتف حول هذه المجلات والمنابر العلمية، محمد أمين زكي، توفيق وهبي، علاء الدين سجادي وغيرهم ممن ساهموا في تطوير النهضة، ومن الرواد الأوائل في تلك المرحلة الأولى إضافة إلى الشاعر بيره ميرد وعبدالله كوران كان هناك الشيخ نوري شيخ صالح، وكاميران مكري، وأحمد هردي وجميل صائب وكاكا فتاح الذي استلم جريدة زيان بعد وفاة بيره ميرد. وقد استمرت هذه الفترة حتى نهاية الخمسينات، ويعتبر بحق من الرواد الأوائل الذين ساهموا وشاركوا بشكل فعال في النهضة الكردية في جميع المجالات.

وجاء الجيل الثاني الذي كان متمماً للجيل الأول للنهضة . وقد أصدر شيركوه بيكس بياناً بعنوان ( المرصد Ruwange ) يحدد فيه تجديد الأدب حسب المرحلة التي يعيش فيها مع بعض زملائه أمثال لطيف هلمت، وأنور شاكلي، ومؤيد الطيب، وسعد الله بروش، وغيرهم ، أما في مجال القصة فقط كان مصطفى صالح كريم، طاهر صالح سعيد، حسين عارف، جلال ميرزا،كاك بوطاني وأحلام منصور وآزاد عبدالواحد الذي كان يعمل في مجال النقد أيضاً.

أما النهضة الأدبية التي تطورت في ثمانيات القرن الحالي والتي كانت استمرارية لرجال النهضة الأوائل، فقد كانت المجموعة من المثقفين يعملون في مجال الأدب عامة وينادون بالحداثة الأدبية والتحديث ومن الشعراء أنور مصيفي وصباح رنجدر وقادر ابراهيم مينه. ومن القصاصين والروائيين جبار جمال غريب، وفيصل دهاتي وشيرزاد حسن وبختيار علي، ومن جهة أخرى كان هناك مجموعة أخرى تعمل بجد دؤوب منهم كريم دشتي، هاشم سراج، عبدالمطلب عبدالله، صلاح جلال، والدكتور فرهاد بيربال، والدكتور كمال معروف مصطفى.

وازدادت هجرة المثقفين الأكراد في بداية الثمانينات الى أوروبا، وهذا منحهم فرصة التلاقح والتزاوج الثقافي وفتحت أمامهم آفاقاً واسعة وفكراً متنوراً، وظهرت نتائجه في انتفاضة 1991 وعودة المثقفين الوطنيين الأكراد إلى الوطن بعد انشاء حكومة أقليم كردستان البرلمانية، وصدور عدد كبير من المجلات والكتب والجرائد والمنشورات بكافة أنواعها، وقد تعجز مؤسسة حكومية رسمية عن اصدار تلك الكمية الهائلة.

هذا وقد ظهرت بوادر النهضة الكردية في كردستان ايران وخاصة أثناء قيام جمهورية كردستان (مهاباد) في المجال السياسي والثقافي والأدبي فقد كان الشاعر هزار وهيمن ودلدار من شعراء الجمهورية إضافة إلى عرض اوبرا (الأم كردستان) التي كانت تعتبر نقطة البداية أو الانعطاف التاريخي في حياة النهضة الفكرية والفنية الكردية .

وأما النهضة الفكرية التي حدثت بين أكراد سوريا في ثلاثينات القرن العشرين كان من أهم أعلامها المفكر والعلامة جلادت عالي بدرخان عندما أصدر ألفباء بالاحرف اللاتينية وصدرت مجلة هاوار بتلك الأحرف للمرة الاولى فاجتمع حوله مجموعة من المثقفين والوطنيين الأكراد ومن هؤلاء الذين نشروا الوعي القومي أمثال:جكرخوين وقدري جان وعثمان صبري والدكتور نورالدين ظاظا والدكتور كاميران بدرخان وأحمد نامي وحسن هشيار، لقد تحمل هؤلاء الرواد الأوائل للنهضة الكردية أعباء كثيرة في سبيل تطوير اللغة وتحرير الانسان الكردي من النظام العشائري والطائفي القديم،وتوعية الجيل الجديد توعية وطنية قومية نهضوية في الوقت الذي كانت تسود فيه العلاقات القديمة من الاستغلال والظلم والجهل والأمراض المتفشية في المجتمع الكردي. وكان لرواد النهضة علاقات مع المثقفين والنهضويين الأكراد في كردستان العراق وتركيا وأرمينيا أمثال موسى عنتر الذي بقي في داخل كردستان تركيا وعمل في كافة المجلات الثقافية والسياسية لتحرير الأكراد وكذلك محمد أمين زكي الذي قرأ التاريخ الكردي قراءة جديدة، وعلاء الدين سجادي وتوفيق وهبي وكوران وغيرهم كثيرون إلى أن امتدت حدود هذه العلاقات وشملت الحركة الثقافية والأدبية وخاصة في مجال الفولكلور الكردي إلى الاتحاد السوفياتي سابقاً مع المفكر النهضوي الذي وضع الفباء اللغة الكردية عرب شمو الذي كتب أول رواية كردية (الراعي الكردي) ويعتبر مؤسس الرواية الكردية الحديثة، ومن ثم البروفيسور قنات كردو وغيرهم .
 
رسالة بخط يد الكاتب قدري جان

يبدو من هذه الرسالة التي أرسلها الكاتب قدري جان إلى هيئة تحرير مجلة هاوار أن العلامة جلادت بدرخان كان يصحح الكتابات التي ترد إلى المجلة، لكن يبدو أن الكاتب قدري جان يتمنى في هذه الرسالة أن يصحح جلادت بدرخان الأخطاء المطبعية والنحوية فقط دون أن يغيّر من مضمون القصص .

وتأكيداً على هذه الرسالة، سئل الاستاذ عثمان صبري ذات مرة إن كتاباتك التي نشرتها في مجلة هاوار وروناهي لها قيمة فنية وأدبية ولغوية عالية مقارنة بما نشرته في الفترة الأخيرة وخاصة (الأبطال الأربعة = ~ar leheng ) . فرد الاستاذ عثمان صبري بصراحة: "كان في ذلك الزمان/الوقت يوجد جلادت بدرخان" .نفهم من هذا أن جميع الكتابات التي كانت تصل إلى مجلة هاوار و روناهي بأن العلامة جلادت بدرخان كان يصححها لغوياً وفنياً.

نص الرسالة:

A]Z,van

28/2/1941

خادمكم:

أرسل مع هذه الوريقة قصة بعنوان (الذنب) إلى هيئة تحرير هاوار، أتمنى ألا يلعب القلم كما في القصص الماضية كي لا يتغير موضوع القصة، وإن أردتم أن تجعلوني مسروراً أتمنى أن تصححوا بعض الأخطاء المطبعية فقط، أرجو ألا تؤاخذوني ولا تهتموا لأخطائي .

كنت أريد دائماًأن اكتب بعض الكتابات لـ هاوار وأرسلها، لكن للأسف لم أجد فراغاً، أعمل من أجل تأمين لقمة العيش، رغم هذا الوضع المزري وكلما سنحت لي الفرصة سأؤدي هذا الواجب.

وأخيراً أدعو الله أن تكونوا سالمين. حان وقت الصيد ألم تذهبوا إليه.

تقبلوا مني فائق التحيات والسلام .

قدري جان
 
عودة
أعلى