كلمات الدكتور باهوز أردال
من يوميات الشهيد السينمائي خليل داغ:
حين قال لي الرفيق باهوز : " بتَّ أنت أيضاً صاحبَ حكايةً " كان حوارنا قد شارف على الانتهاء، وكان هذا هو آخر حديث لي معه ، حتى ولو أن كلماته تلك كانت تعني أن أعمالي أنا مثل الرفاق الآخرين الذين بذلوا جهوداً قد حققت مستواً جيد ضمن تنظيم الكريللا وأنها تمثل الحجر الأساس للحكاية التي ستمثلنا جميعأً وأن أعمالي باتت ملكاً للشعب إلا أنني كنت أدرك أن مسيرتي هذه نحو الشمال كانت بحثاً عن حكاية جديدة وبداية لمهمة ووظيفة جديدة .
يعرف الرفيق باهوز أكثر مني أن طرق هذا الباب فيه خطرُ كبير ، كان يدرك أن كل حكاية تكتب للجبل تحمل خطراًً كما أن كل مهمة ناجحة تحمل معها أخطاراً .
لم يتسرع في إصدار الموافقة على توجهي نحو الشمال ، ويبدو أنه بدأ بمتابعتي دون أن اشعر اعتباراً من اللحظة التي قدمتُ إليه اقتراح التوجه نحو الشمال تاركاً قرار الموافقة يمتد زمنياً ليتأخر ، كان الرفيق باهوز يريد أن يعرف فيما إذا كنت أريد التوجه إلى الشمال بالفعل أم لا كي يتمكن من إتخاذ القرار المناسب بعد ذلك ، اتخاذ القرار الأنسب بحق مقاتل تحت إمرته وتوجيهه إلى المكان المناسب وتوظيفه بالمهمة المناسبة إحدى حقوق الرفيق باهوز كقائد عسكري .
أما أنا فكنت أدرك أن كل تنظيم الكريللا متمثلاً في شخصية الرفيق باهوز كان يتابعني ويريد إتخاذ القرار المناسب بحقي ، لهذا كنت صريحأً دون أن أخفي مشاعري وأفكاري بأي شكل من الأشكال، وطرحتها بجانب كل ما عايشته وسعيت قدر الإمكان لأكون متيقظاً في مواقفي ، لأنني كنت أريد البدء بكتابة هذه الحكاية وهذه المهمة أكثر من الجميع.
حياتي وأعمالي جلبتني إلى هذه النقطة ، لقد تعلمت من ذلك الإنسان الجميل الذي يقبع في إيمرالي أن حياتنا ضمن حقيقة كردستان يجب أن لا تكون بسيطة بل متحولة وغير عادية ، كان وضع عواطفي وأفكاري وفني وحزبيتي في الامتحان وصناعتها من جديد على الطرق النارية للشمال الخيار الأجمل الذي لا مفر منه.
كان هذا الطريق الذي يوحد الحدود واللاحدود مهمةً وحكاية جديدة بالنسبة لي ، الخيال الذي يمتد من النار إلى الحقيقة ومن الروتين إلى الجمال.
هل كان يتوجب بقائي أم ذهابي ؟ أيهما سيكون مفيدأً لي وللتنظيم ؟هناك ما افعله هنا لو بقيت دون أي شك ، لكن إن ذهبت ستنتظرني مهمة لم يجربها أحد قبلي أبداً ، بالنسبة لي كان حملي لآلة التصوير على ظهري واللحاق بالذين سيعبرون الحدود نحو الشمال جنوناً ، لكن بقائي خلفهم أمر مستحيل .
كان النقاش الأخير بيني وبين الرفيق باهوز الظاهرة الأكثر تأثيراً في اتخاذه لقرار عبوري إلى الشمال بعد أن فهمني وفهم ما أريد فعله جيدأً ، لم أكن أدرك الحساسية والحذر في تناوله لمسالة ذهابي إلى الشمال رغم أن المرجعيات العليا كانت قد وافقت على قرار ذهابي ، علمت أن الرفيق باهوز نفسه هو الذي أخّر وجمّد قرار ذهابي إلى الشمال ، أعرفه منذ زمن بعيد وعملت تحت إمرته في مراحل ومواقع مختلفة لكنني أدركت حساسيته وحذره في هذه المواضيع لأول مرة.
بعد أن أنهى الرفيق باهوز حديثه واستمع لي بعمق أكمل الحديث بالشكل التالي:
" مرة أخرى أترك القرار النهائي لك ، إن قررت الذهاب أو البقاء سنوافق على ما ترجحه أنت ، إننا جميعاً نثق أن هناك ما ستفعله سواء هنا أو في الشمال ، لذلك نترك القرار النهائي لك ، إن ذهبت يمكنك الذهاب أينما شئت ، يمكنك التوقف أينما شئت، وأينما أردت العودة يمكنك العودة ، إنني أترك المبادرة لك في هذا الموضوع حتى النهاية "
بقدر السعادة التي تركتها كلمات الدكتور باهوز في نفسي فقد جعلتني أخجل ، إنه قائدي العسكري الأعلى ، وأنا أحد مقاتليه، هذا أكثر ما يمكن تقديمه لأحد المقاتلين الفنانين ، التحرك في أوسع قدر ممكن من جغرافية كردستان ضمن ظروف الحرب ، و اعطاني حرية العمل على هذه الجغرافية ، كان ينتظرني عمل حياتي ، ها قد فتحت أبواب كل جبال كردستان لي ووضع المفتاح في يديّ.
أحُب الدكتور باهوز ( الكريللا ) لهذا السبب ، فهو يقدم كل ما يمكنه أن يقدم لأجل العمل ، لا يضع أمام المشاريع أي عائق ، لا يتردد في المساعدة، وأنا بدوري لن أضيّع هذه الفرصة الذهبية التي مُنحت لي بعد هذه السنوات .
في النهاية حين سألني : " هل تحتاج لشيء ؟ " كان قد توقف على قدميه وبقيت لي دقائق كي أودّعه ، دون أي خجل أخبرته بالأمر الذي أحتاج إليه ، اخبرته لانه هو أكثر الذين يمكنه سد حاجتي هذه لأنه القائد الأعلى للقوات المسحلة في كردستان .
حين قلت " أريد سلاحاً جديدأً " ، كان يتوقع أن أطلب بعض الأغراض التقنية الخاصة بالتصوير ، لكنني كنت أدرك بعد أن توضح قرار ذهابي إلى الشمال أنني سأعمل بسلاحي أكثر من الكاميرا في الشمال ، حين أعطاني الرفيق باهوز بيديه سلاحه الشخصي الأمريكي الصنع m-16 القصير و الأنسب للتحرك السريع والسير مع الكاميرا وحقيبتها كانت طريقينا قد بدأ بالافتراق.
في أول معركة دخلتها في بوطان حين أستخدمت السلاح لأول مرة وأطلقت اولى الطلقات وقتلت اول جندي تذكرت الرفيق باهوز أردال وابتسامته الجميلة أثناء وضعه السلاح في يدي كانت تلك اللحظات تتجدد في عقلي ضمن المعركة .
نحن الآن في الأيام الاخيرة من شباط ، وأنا استمع لضجيج الطائرات الحربية وهي تتوجه فوقنا لضرب منطقة الزاب، تتولد في نفسي رغبة كبيرة في التواجد في الزاب ضمن قوات المقر المركزي للمشاركة في تلك الحرب ، حزنت كثيراً لأنني لم أشهد المقاومات التي صدت الطائرات الحربية التي هي أحدث تكنولوجيا عسكرية وكسرت آلاف الجنود في الهجمة التي استهدفت مقرنا المركزي في الزاب ، وأعترف أنني الآن أحسد من الرفيق الذي قام بتصوير مروحية الكوبرا الحربية التي سقطت هناك .
هناك سبب واحد كي أصبر ...
الثلوج تسرع في الذوبان ، تنتظرني الطريق التي تمتد إلى الحكاية والمهمة ، إلى الفن والحرب ، الطريق التي تمتد إلى الخيال .
من يوميات الشهيد السينمائي خليل داغ:
حين قال لي الرفيق باهوز : " بتَّ أنت أيضاً صاحبَ حكايةً " كان حوارنا قد شارف على الانتهاء، وكان هذا هو آخر حديث لي معه ، حتى ولو أن كلماته تلك كانت تعني أن أعمالي أنا مثل الرفاق الآخرين الذين بذلوا جهوداً قد حققت مستواً جيد ضمن تنظيم الكريللا وأنها تمثل الحجر الأساس للحكاية التي ستمثلنا جميعأً وأن أعمالي باتت ملكاً للشعب إلا أنني كنت أدرك أن مسيرتي هذه نحو الشمال كانت بحثاً عن حكاية جديدة وبداية لمهمة ووظيفة جديدة .
يعرف الرفيق باهوز أكثر مني أن طرق هذا الباب فيه خطرُ كبير ، كان يدرك أن كل حكاية تكتب للجبل تحمل خطراًً كما أن كل مهمة ناجحة تحمل معها أخطاراً .
لم يتسرع في إصدار الموافقة على توجهي نحو الشمال ، ويبدو أنه بدأ بمتابعتي دون أن اشعر اعتباراً من اللحظة التي قدمتُ إليه اقتراح التوجه نحو الشمال تاركاً قرار الموافقة يمتد زمنياً ليتأخر ، كان الرفيق باهوز يريد أن يعرف فيما إذا كنت أريد التوجه إلى الشمال بالفعل أم لا كي يتمكن من إتخاذ القرار المناسب بعد ذلك ، اتخاذ القرار الأنسب بحق مقاتل تحت إمرته وتوجيهه إلى المكان المناسب وتوظيفه بالمهمة المناسبة إحدى حقوق الرفيق باهوز كقائد عسكري .
أما أنا فكنت أدرك أن كل تنظيم الكريللا متمثلاً في شخصية الرفيق باهوز كان يتابعني ويريد إتخاذ القرار المناسب بحقي ، لهذا كنت صريحأً دون أن أخفي مشاعري وأفكاري بأي شكل من الأشكال، وطرحتها بجانب كل ما عايشته وسعيت قدر الإمكان لأكون متيقظاً في مواقفي ، لأنني كنت أريد البدء بكتابة هذه الحكاية وهذه المهمة أكثر من الجميع.
حياتي وأعمالي جلبتني إلى هذه النقطة ، لقد تعلمت من ذلك الإنسان الجميل الذي يقبع في إيمرالي أن حياتنا ضمن حقيقة كردستان يجب أن لا تكون بسيطة بل متحولة وغير عادية ، كان وضع عواطفي وأفكاري وفني وحزبيتي في الامتحان وصناعتها من جديد على الطرق النارية للشمال الخيار الأجمل الذي لا مفر منه.
كان هذا الطريق الذي يوحد الحدود واللاحدود مهمةً وحكاية جديدة بالنسبة لي ، الخيال الذي يمتد من النار إلى الحقيقة ومن الروتين إلى الجمال.
هل كان يتوجب بقائي أم ذهابي ؟ أيهما سيكون مفيدأً لي وللتنظيم ؟هناك ما افعله هنا لو بقيت دون أي شك ، لكن إن ذهبت ستنتظرني مهمة لم يجربها أحد قبلي أبداً ، بالنسبة لي كان حملي لآلة التصوير على ظهري واللحاق بالذين سيعبرون الحدود نحو الشمال جنوناً ، لكن بقائي خلفهم أمر مستحيل .
كان النقاش الأخير بيني وبين الرفيق باهوز الظاهرة الأكثر تأثيراً في اتخاذه لقرار عبوري إلى الشمال بعد أن فهمني وفهم ما أريد فعله جيدأً ، لم أكن أدرك الحساسية والحذر في تناوله لمسالة ذهابي إلى الشمال رغم أن المرجعيات العليا كانت قد وافقت على قرار ذهابي ، علمت أن الرفيق باهوز نفسه هو الذي أخّر وجمّد قرار ذهابي إلى الشمال ، أعرفه منذ زمن بعيد وعملت تحت إمرته في مراحل ومواقع مختلفة لكنني أدركت حساسيته وحذره في هذه المواضيع لأول مرة.
بعد أن أنهى الرفيق باهوز حديثه واستمع لي بعمق أكمل الحديث بالشكل التالي:
" مرة أخرى أترك القرار النهائي لك ، إن قررت الذهاب أو البقاء سنوافق على ما ترجحه أنت ، إننا جميعاً نثق أن هناك ما ستفعله سواء هنا أو في الشمال ، لذلك نترك القرار النهائي لك ، إن ذهبت يمكنك الذهاب أينما شئت ، يمكنك التوقف أينما شئت، وأينما أردت العودة يمكنك العودة ، إنني أترك المبادرة لك في هذا الموضوع حتى النهاية "
بقدر السعادة التي تركتها كلمات الدكتور باهوز في نفسي فقد جعلتني أخجل ، إنه قائدي العسكري الأعلى ، وأنا أحد مقاتليه، هذا أكثر ما يمكن تقديمه لأحد المقاتلين الفنانين ، التحرك في أوسع قدر ممكن من جغرافية كردستان ضمن ظروف الحرب ، و اعطاني حرية العمل على هذه الجغرافية ، كان ينتظرني عمل حياتي ، ها قد فتحت أبواب كل جبال كردستان لي ووضع المفتاح في يديّ.
أحُب الدكتور باهوز ( الكريللا ) لهذا السبب ، فهو يقدم كل ما يمكنه أن يقدم لأجل العمل ، لا يضع أمام المشاريع أي عائق ، لا يتردد في المساعدة، وأنا بدوري لن أضيّع هذه الفرصة الذهبية التي مُنحت لي بعد هذه السنوات .
في النهاية حين سألني : " هل تحتاج لشيء ؟ " كان قد توقف على قدميه وبقيت لي دقائق كي أودّعه ، دون أي خجل أخبرته بالأمر الذي أحتاج إليه ، اخبرته لانه هو أكثر الذين يمكنه سد حاجتي هذه لأنه القائد الأعلى للقوات المسحلة في كردستان .
حين قلت " أريد سلاحاً جديدأً " ، كان يتوقع أن أطلب بعض الأغراض التقنية الخاصة بالتصوير ، لكنني كنت أدرك بعد أن توضح قرار ذهابي إلى الشمال أنني سأعمل بسلاحي أكثر من الكاميرا في الشمال ، حين أعطاني الرفيق باهوز بيديه سلاحه الشخصي الأمريكي الصنع m-16 القصير و الأنسب للتحرك السريع والسير مع الكاميرا وحقيبتها كانت طريقينا قد بدأ بالافتراق.
في أول معركة دخلتها في بوطان حين أستخدمت السلاح لأول مرة وأطلقت اولى الطلقات وقتلت اول جندي تذكرت الرفيق باهوز أردال وابتسامته الجميلة أثناء وضعه السلاح في يدي كانت تلك اللحظات تتجدد في عقلي ضمن المعركة .
نحن الآن في الأيام الاخيرة من شباط ، وأنا استمع لضجيج الطائرات الحربية وهي تتوجه فوقنا لضرب منطقة الزاب، تتولد في نفسي رغبة كبيرة في التواجد في الزاب ضمن قوات المقر المركزي للمشاركة في تلك الحرب ، حزنت كثيراً لأنني لم أشهد المقاومات التي صدت الطائرات الحربية التي هي أحدث تكنولوجيا عسكرية وكسرت آلاف الجنود في الهجمة التي استهدفت مقرنا المركزي في الزاب ، وأعترف أنني الآن أحسد من الرفيق الذي قام بتصوير مروحية الكوبرا الحربية التي سقطت هناك .
هناك سبب واحد كي أصبر ...
الثلوج تسرع في الذوبان ، تنتظرني الطريق التي تمتد إلى الحكاية والمهمة ، إلى الفن والحرب ، الطريق التي تمتد إلى الخيال .