muhmmad alo
كاتب
السنن في القرآن و السنة (الجزء الاول)
المحتويات
السنن في السنة النبوية: 6
السنن في عالم المادة وفي حياة الإنسان: 7
موقفنا من السنن: 8
سنة التغيير: 9
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله ، أما بعد :
إنك لو طرحت هذا السؤال على أي فرد من المسلمين -أيا كانت ثقافته وتدينه-:هل ترى أن واقع المسلمين اليوم واقع شرعي يرضي الله تبارك وتعالى ؟ لو طرحت هذا السؤال لأجابك الجميع بالنفي، إن معظم المسلمين الصادقين اليوم يتطلعون إلى التغيير، لكن هل يدركون وهم يعيشون في هذه المرحلة سنن الله تبارك وتعالى في التغيير؟
إن هذه السنة واحدة من سنن الله تبارك وتعالى في الكون والمجتمعات، وهذا يدعونا إلى أن نتحدث بمقدمة –ربما تطول – حول هذه السنن التي جاء الحديث عنها في كتاب الله وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ حتى تتضح لنا قيمة هذه السنن وحاجة المسلمين إلى مدارستها والعناية بها والأخذ بها.
إن الله تبارك وتعالى سن سننا تحكم هذا الكون وتحكم حركة التاريخ، هذه السنن تجعل المسلمين المستضيئين بنور الله تبارك وتعالى يفهمون الأحداث فهما سليما دقيقا، وتجعلهم يتنبؤون أو يتوقعون حصول الأحداث من خلال المقدمات التي يعلمونها ويدركونها، وهي أيضا تمثل أداة لهم في سيرهم في هذه الحياة.
السنن في القرآن:
إن الحديث عن سنن الله تبارك وتعالى في الأنفس والمجتمعات والآفاق حديث يطول في كتاب الله تبارك وتعالى، ولو أردنا أن نستقصي في هذا الوقت الآيات التي جاء فيها الحديث عن هذه السنن لضاق بنا المقام، لكني أشير إشارات ربما تطول قليلا حتى ندرك أهمية هذه السنن وحاجة الناس إليها، ولهذا كررت كثيرا في كتاب الله تبارك وتعالى.
أول أمر يدل على ذلك إيراد القصص في القرآن، فهذا دليل على أن هناك سنناً تحكم حياة الناس وتحكم سيرهم في حياتهم، سواء أكانوا أفرادا أم مجتمعات، والقرآن الكريم مليء بقصص السابقين والأولين قال تعالى

ما قيمة أن يعلم الإنسان أن قوماً من الأقوام كذبوا فأُهلكوا؟ أو أن قوما من الأقوام آمنوا فنجوا؟ ما قيمة أن يعلم ذلك إلا إذا كانت قاعدة مطردة؛ فيقيس حاله بحالهم.
ثانياً: يأتي التعليق على هذه القصص بالأمر بالاتعاظ والاعتبار؛ فبعد سياق كثير من هذه القصص يأتي الأمر بالاتعاظ والاعتبار بما أصاب أولئك، قال تبارك وتعالى عن أولئك الذين أتوا جريمة من الجرائم وفاحشة من الفواحش فكانوا يأتون الذكران من العالمين ويذرون ما خلق لهم ربهم من أزواجهم، قال واصفاً تلك العقوبة التي حلت بهم، والتي تليق بتلك الجريمة البشعة

ويقول تبارك وتعالى في شأن طائفة من أهل الكتاب حين تكبروا وأعرضوا عن الإيمان بالله، وخانوا عهدهم مع رسول الله صلي الله عليه وسلم -ولهم قصب السبق في نقض عهودهم مع الله ومع أنبيائه من قبل -: (هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا و ظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار) ، إذاً لو فعلتم ما فعل أولئك سيصيبكم ما أصابهم؛ فهذه سنة من سنن الله تبارك وتعالى: أن من فعل كما فعل أولئك سيصيبه ما أصابهم لذا فعليه أن يعتبر ويتعظ.
وفي سورة الشعراء يقول تبارك وتعالى تعقيبا على كل موقف من مواقف الأنبياء مع أقوامهم وتكذيبهم ثم حلول العذاب بهم :(إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين . وإن ربك لهو العزيز الرحيم ).
ويقول تبارك وتعالى أيضا في آية تتكرر في أكثر من موضع تعقيبا على هذه المواطن في سورة القمر

والتعقيب والأمر بالاتعاظ والاعتبار ليس خاصا بمواقف العذاب والجزاء بالعقوبة وحدها، بل نراه أيضا في مواقف الخير والإنعام من الله تبارك وتعالى على عبادة كما قال عز وجل

وقال عز وجل :(فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ) والآيات في هذا الباب كثيرة.
إذا فالتعقيب الذي يأتي على قصص القرآن أمراً بالاتعاظ والاعتبار دليل على ثبوت هذه السنن التي تحكم حياة الناس.
ثالثا: يأتي أيضا في قصص القرآن التعليل للجزاء - سواء أكان بالعقوبة أم بالأنعام- بوصف مناسب؛ والتعليل بالوصف المناسب دليل على أنة علة –كما يقول أهل الأصول- يقول تبارك وتعالى في شأن القوم الذين أهلكهم

وقال تبارك وتعالى

وقال عز وجل في جزائه للمؤمنين: (فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين . فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين) ،وهذا يعني أن العلة في نجاتهم هي الإيمان والإسلام، وبالتالي فمن شاركهم في الوصف شاركهم النتيجة والنهاية .
وقال تبارك وتعالى في شأن نبي الله العفيف الطاهر يوسف علية السلام، الذي تعرضت له الفتن فلجأ إلى خالقه تبارك وتعالى مستعيناً به أن ينجيه وأن يخلصه قائلاً (رب السجن أحب إلى مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين) ،يقول تبارك وتعالى: (فاستجاب له ربه فصرف عنة كيدهن) ، ثم يقول تبارك وتعالى : (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين) ،فعلة صرف السوء والفحشاء عنة أنه كان من عباد الله المخلصين، وهذا يعني أن من كان من عباد الله المخلصين فإنه يستحق هذا الجزاء وهذا النعيم.
رابعا: يأمر الله تبارك وتعالى في كتابة بالسير في الأرض والاتعاظ بما حصل للسابقين في آيات كثيرة كما قال تبارك وتعالى

والآيات التي تأمر بالمسير في الأرض والاتعاظ بمصارع الغابرين كثيرة في كتاب الله تبارك وتعالى، وهذا يعني أن هناك سننا ثابتة وأن هناك سننا تحكم حركة التاريخ وحياة الناس وإلا فكيف يتعظ الناس ويعتبرون؟ إنهم حين يسيرون في الأرض ويتأملون في أحوال الأمم التي مضت وخلت سيدركون أن تلك الأمم ما آلت إلى ما آلت إليه، وما استحقت النكال والعذاب إلا لتكذيبها وإعراضها، وهذا يعني أنهم إن ساروا على نفس الطريق فسوف يصلون إلى النتيجة نفسها، وسوف تحق عليهم السنة نفسها، وسيصلون إلى المصير نفسه.
الأمر الخامس: يأتي في كتاب الله تبارك وتعالى الإشارة إلى طائفة من هذه السنن التي تحكم حياة الناس،أفراداً ومجتمعات.
فيخبر الله تبارك وتعالى أنه حين يطغى المترفون ويعلنون فسقهم وفجورهم فإن هذا إيذان بحلول الهلاك والتدمير للقرية أيا كانت هذه القرية ( وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا )، وتبقى هذه الآية نذيرا يلوح في الأفق أمام المؤمنين الذين ينظرون بنور الله فيخشون أن يحصل الهلاك والبوار لأولئك أو هؤلاء لأنهم قد فسقوا وأعلنوا فسقهم وفجورهم، وحين قالوا ذلك فليسوا يعلمون الغيب، وليسوا يقرؤون ما وراء الأحداث، لكنهم يعلمون ذلك من خلال معرفتهم بسنن الله تبارك وتعالى.
ويخبر تبارك وتعالى أن هناك سنة للمتكبرين المتجبرين، هي أن هؤلاء يجابهون ويواجهون من يدعوهم إلى الإيمان والصلاح والتقوى لله تبارك وتعالى بالتكذيب والإعراض والسخرية والاستهزاء؛ يقول تبارك وتعالى


ويخبر تبارك وتعالى متوعداً أولئك الذين نجم نفاقهم من أهل الإرجاف والنفاق أنهم إن لم يثوبوا إلى رشدهم ويتوبوا إلى الله تبارك وتعالى، فإنه ستحل عليهم سنة الله في السابقين، قال عز وجل

ويخبر تبارك وتعالى عن سنة من سننه فيقول

ويقول تبارك وتعالى : ( ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين. وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون ) ، ثم يقول تبارك وتعالى : ( وقد خلت سنة الأولين ).
ويقول عز وجل مخبراً أنه لو تمالأ أهل الكفر على قتال المؤمنين فإن الله تبارك وتعالى سيحل بهم الهزيمة ويولي هؤلاء الأدبار (ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا. سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا ) ،ثم يأتي التأكيد على أن هذه السنة لن تتبدل ولن تتغير.
ويقول تبارك وتعالى أيضا مخبرا عن حال هؤلاء وأنهم يؤمنون حين يرون العذاب

هذا غيض من فيض، وهذه شواهد يسيرة من الحديث الكثير المستفيض في كتاب الله تبارك وتعالى عن سنن الله عز وجل، يعطينا دلالة قاطعة أن هناك سننا تحكم حياة الناس، جدير بهم أن يتأملوها، وأن يعوها ويتدبروها، وأولى الناس بالاعتناء بها هم أولئك الذين يتطلعون للإصلاح والتغيير في مجتمعاتهم.
السنن في السنة النبوية:
ويشير النبي صلى الله عليه وسلم في طائفة من أحاديثه إلى شيء من هذه السنن يقول صلى الله عليه وسلم في قصة قدوم أبي عبيدة بمال من البحرين :" فوا الله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم؛ فتنافسوها كما تنافسوها؛ فتهلككم كما أهلكتهم " فهي سنة لا تتخلف، حين يتنافس الناس في الدنيا والدينار والدرهم كما تنافس الذين من قبلهم أن تهلكهم كما أهلكت من كان قبلهم .
عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله r فشخص ببصره إلى السماء، ثم قال:"هذا أوان يختلس العلم من الناس، حتى لايقدروا منه على شيء" فقال زياد بن لبيد الأنصاري: يارسول الله، وكيف يختلس منا وقد قرأنا القرآن؟ فوالله لنقرأنه ولنقرئه نساءنا وأبناءنا. فقال:"ثكلتك أمك يازياد، إن كنت لأعدك من فقهاء أهل المدينة، هذه التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى فماذا يغني عنهم؟" فالسنة التي حقت على أولئك قد تحق على هؤلاء.
وحين أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يقيم حد الله على امرأة شريفة ذات مكانة، امرأة من بني مخزوم سرقت أو كانت تستعير المتاع فتجحده، فشعر بنو مخزوم وشعرت قريش أن هذا فيه إهانة لشرف هذه القبيلة ذات المنزلة العالية، فأرادوا أن يستشفعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يخفف عنها الحد ويسقط عنها هذه العقوبة، وقالوا: من يجترئ عليه إلا أسامة رضي الله عنه حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن حبه؟ فكلموا أسامة، فكلم أسامة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فغضب الرسول صلى الله عليه وسلم على أسامة وقال :"أتشفع في حد من حدود الله؟" ولم يكن صلى الله عليه وسلم يشعر أن هذه المعالجة كافية لهذه القضية الخطيرة التي إن بدت في الأمة فهي نذير عقوبة وهلاك، فلم يكتف صلى الله عليه وسلم بهذا الرد على أسامة، ولم يكتف بإقامة الحد على هذه المرأة، إنما يصعد المنبر صلى الله عليه وسلم ويقول: " إنما أهلك من كان قبلكم إنه كان إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها "، إذا فقد كان السابقون يحابون في الحدود، وكانوا يقيمون أحكام الله على الضعفاء، أما الشرفاء وعلية القوم فلهم شأن آخر، ولهذا توعد صلى الله عليه وسلم أنكم إن فعلتم كما فعل من كان قبلكم فسوف تهلكون كما هلك من كان قبلكم.
السنن في عالم المادة وفي حياة الإنسان:
كما أن لله عز وجل سنناً تحكم عالم المادة ودنيا الناس، حين اكتشفها الناس استطاعوا أن يستفيدوا منها وأن يوظفوا هذه القوانين وهذه السنن توظيفا في خدمة الناس في أمور دنياهم، فمن ذلك مثلا " قانون الجاذبية " وهي قضية يراها كل الناس ويجهدون أنفسهم في التفكير فيها ولا يجهدون أنفسهم في تفسير هذا الموقف الذي يرونه والذي لا يتغير ولا يتبدل، وحين اكتشف العالم المعاصر هذا القانون استطاع أن يوظف هذا القانون وأن يستثمره فيعبر القارات ويعبر الفضاء من خلال السيطرة على هذا القانون.
وحين يكتشف العلم المعاصر المواد التي تتقبل الاحتراق، والتي لا تتقبل الاحتراق؛ فإنه يوظف هذه السنة في تحقيق مصالح الناس في أمور دنياهم، ولهذا نرى النبي صلى الله عليه وسلم يربط بين السنن الكونية وبين السنن المادية، بين السنن التي تحكم حياة المجتمعات ودنيا الناس وبين السنن التي تحكم عالم المادة، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:"مثل القائم في حدود الله والمدهن فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فكان بعضهم أسفلها وكان بعضهم أعلاها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا فلم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا".
إن النبي صلى الله عليه وسلم يحدثنا عن سنة من سنن الله تبارك وتعالى في المجتمعات، وهي أنه حين يقع الناس في المعاصي ويتجرأون على حدود الله فإنه سيهلك المجتمع بمن فيه، ثم يربط النبي صلى الله عليه وسلم هذه السنة وهذا القانون بقانون يراه الناس في عالم المادة، حين تخرق السفينة التي تسير على البحر فإن هذا سبب لأن يلج إليها الماء فتمتلئ فتغرق بمن فيها، ولو كان فيها طائفة لم يكن لم دور في خرق هذه السفينة.
ويذكر صلى الله عليه وسلم سنة أخرى من السنن المادية التي يراها الناس فيربطها بسنة من سنن الله في المجتمعات يقول صلى الله عليه وسلم

إذا ما موقف الناس وما دور الناس وما دور العلم المعاصر في التعامل مع سنن الله في عالم المادة أو ما يسمونه بـ: قوانين الطبيعة؟ أترى الناس مثلا يستسلمون لهذه السنن وهذه القوانين أم أنهم يحرصون قدر الإمكان على اكتشافها وتفسيرها، ثم محاولة توظيفها واستثمارها والتعامل معها؟
وكم استفاد العلم المعاصر من استثمار هذه السنن الثابتة التي تحكم الناس في أمور معاشهم وأمور دنياهم؟ ولكن هل نحن – في تطلعنا لتغيرنا الاجتماعي وفي قراءتنا للتاريخ الماضي وفهمنا للتاريخ الحاضر – نتعامل مع ذلك كما نتعامل مع السنن في عالم المادة؟ وكتابنا الذي لا ينطق عن الهوى مليء بالإشارة إلى هذه السنن والحديث عنها، ولم نكلف عبأ في محاولة اكتشافها ودراستها.
موقفنا من السنن:
الموقف الأول: السعي لاكتشافها، من خلال قراءة ما حكاه الله تبارك وتعالى لنا من قصص السابقين والأولين، يحكمنا فيها قوله تبارك وتعالى : ( فاعتبروا يا أولي الأبصار ) فنسعى من خلال ذلك إلى أن نكتشف السنن التي تحكم حياة المجتمعات، وأن نقرأ تاريخ أمتنا، وأن نقرأ تاريخ الأمم الغابرة الماضية، بل ونقرأ تاريخ الأمم المعاصرة، ثم نتأمل ما فيه ونستنبط منه هذه السنن التي تحكم حركة الناس وحياة الناس.
وهذا ما سعى إليه ابن خلدون رحمه الله في كتابه الرائع " مقدمة ابن خلدون " فقد سعى جاهداً لاكتشاف سنن الله في الدول والمجتمعات ومن قرأ فيه رأى فيه شيئا كبيرا من ذلك .
الأمر الثاني : تفسير الأحداث من خلال هذه السنن، تحصل أحداث كثيرة تمر بالناس سواء ما يحصل للمسلمين في مجتمعاتهم، أو ما يحصل للمجتمعات الأخرى المعاصرة، من التمكين لأمة من الأمم، أو إهلاك أخرى، أو أمة يجعل الله تبارك وتعالى بأسها بينها، إنها أحداث تمر بالمؤمنين ومع ذلك يعجز الناس عن تفسيرها، ولو وعى الناس سنن الله تبارك وتعالى في التاريخ والمجتمعات وربطوها بهذا الواقع المعاصر الذي يعيشونه، لأضاءت لهم الرؤية ولأصبحوا يملكون رؤية واضحة تعينهم على تفسير هذه الأحداث واكتشاف مغازيها.
الأمر الثالث : الرؤية المستقبلية للأحداث أو التنبؤ بها؛ فيتوقع المسلمون ما سيحل بمجتمعاتهم أو ما سيحل بالمجتمعات القريبة لهم.
لقد قرأنا لكثير من العلماء والمفكرين الإسلاميين في هذا العصر أنهم كانوا يتنبأون بسقوط الشيوعية وانهيارها، فكيف استطاع هؤلاء أن يتنبأوا بذلك أهم يعلمون الغيب؟ أبدا إنهم علموا ذلك من خلال هذه السنن.
وحين ولى الفرس عليهم امرأة قال صلى الله عليه وسلم :"لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" فأدرك صلى الله عليه وسلم من هذه السنة أن هذه أمارة ودليل على زوال الفلاح عن هؤلاء لماذا ؟ لأنهم ولَّوا أمرهم امرأة ومن يولي أمره امرأة فإن هذا إيذان بزوال الفلاح عنه.