الكورد أحفـاد الجبل وأبنـــاء السهــل
(فصل من مخطوطة مسالك الأبصار في ممالك الأمصار)
محسن سيدا - كوباني
تقدم كتب الجغرافية الإسلامية معلومات قيمة عن جغرافية بلاد الأكراد و توزع سكناهم و أنماط معيشتهم قد لا نعثر عليها في كتب التواريخ العامة و مما يزيد في أهمية هذه المعلومات المتفرقة هنا و هناك, في بطون الكتب الجغرافية , فقر المكتبة الكردية التراثية بالكتب التاريخية والجغرافية و كتب تراجم الأعلام ... الخ
سواء المؤلفة من قبل الأكراد أو غيرهم من الشعوب و إذا استثنينا كتاب ( القلاع و الأكراد- وهو كتاب مفقود كسائر كتب المدائني- 752- 839م ) الفهرست لابن النديم - ص 133- نكاد لا نعثر على كتاب آخر منذ حركة التدوين في المجتمع الإسلامي و حتى عصور متأخرة يحمل اسم الأكراد
. و قد تنبه دارسو التاريخ الكردي المعاصرون لأهمية كتب المسالك و الممالك و أسفار الرحالة و كتب البلدانيين لدراسة التاريخ الكردي و رسم معالم جغرافيته من جديد. فقد ألف المؤرخ المرحوم زبير بلال إسماعيل كتاباَ بعنوان (الأكراد في كتب البلدانيين و الرحالة المسلمين في العصور الوسطى) كما استقى الدكتور زرار صد يق توفيق معلومات هامة من المصادر الجغرافية في كتابه ( القبائل و الطوائف الكردية في العصور الوسطى) ــــ مجلة كولان العربي الأعداد: 56 + 61+62.
و قد ذكر المترجم المرحوم محمد علي عوني في مقدمته لكتاب (خلاصة تاريخ الكرد و كردستان) أنه جمع كل ما يتعلق بالأمة الكردية من المعلومات التاريخية و الجغرافية و القومية لنشره في كتاب تحت اسم ( المكتبة الكردية) لكنه عدل عن رأيه بعد حصوله على كتاب ( خلاصة تاريخ الكرد و كردستان) , و ليس هدفي هنا إحصاء ما دون عن الكرد استناداَ إلى المصادر الجغرافية بل إيراد بعض النماذج ليس إلا.
لقد أجمعت الكتابات الجغرافية الإسلامية على اعتبار " إقليم الجبل" موطناَ للأكراد أو داراَ للأكراد حسب تعبير اليعقوبي ( تـــ 284هـ _ 897م)- كتاب البلدان ص: 10 كما ربطت بعض الأساطير بين نشأة الأكراد و الجبال كما ورد في كتاب " الأخبار الطوال" للدينوري ـ قصة الضحاك ـ ص5 ـ لكن هذا لا ينفي قطعاَ عدم ذكر الأكراد في الأقاليم الأخرى المتاخمة لإقليم الجبل كإقليم الجزيرة حيث يرد ذكر الأكراد في هذا الإقليم منذ بدايات دخول العرب المسلمين إلى كردستان .
لقد أطلق الجغرافيون المسلمون القدماء على المناطق الشمالية الواقعة بين نهري دجلة و الفرات اسم الجزيرة و تضم عدداَ من المدن التاريخية العريقة كــ : آمد , ميافارقين , سنجار, الموصل, سروج, ماردين, رأس عين ,نصيبين , حران, والرها .
و تعاقبت على هذه المناطق حضارات و مدنيات واستوطنتها من الأمم الأكراد و السريان و العرب و الأرمن و التركمان .
يذكر الجغرافي ابن الفقيه – توفي بعد عام 290هـ-903م –عند تعريفه حدود الجزيرة أن القائد عتبة بن فرقد السلمي "( فتح المرج و قراه و أرض بانهدرا وداسن و جميع معاقل الأكراد ") في سنة 20 للهجرة – كتاب البلدان ص 123 – و قد تحدث الرحالة الأندلسي ابن جبير (1145-1217م) في رحلته عن انتشار الأكراد في جهات الموصل و نصيبين ودنيصر - رحلة ابن جبيرص 171. كما تحدث الرحالة ابن بطوطة (1304-1377م) عن أكراد الجزيرة وزار عدة مدن جزرية و منها سنجار " و أهل سنجار أكراد و لهم شجاعة و كرم "- رحلة ابن بطوطة ج 1 ص 150- و التقى فيها بالشيخ الزاهد عبد الله الكردي .
أما مخطوطة ( مسالك الأبصار في ممالك الأمصار) لـ فضل الله العمري (1301-1347م ) فهي من أكثر الكتب الجغرافية – حسب إطلاعي- التي تحدثت بشيء من التفصيل عن جغرافية بلاد الأكراد و توزع القبائل الكردية و حياتهم الاجتماعية. و قد خصص المؤلف الباب الرابع من المجلد الثالث للبحث في جغرافية (مملكة الجبال) و ربما يكون فضل الله العمري أول من استخدم تعبير مملكة الجبال كصفة لبلاد الأكراد بدلاَ من ( إقليم الجبل) ذات المدلول الجغرافي البحت.
و هذه نقطة هامة و جديرة بالبحث و الدراسة . لم يهدف العمري في بحثه عن الأكراد تدوين كل القبائل و الطوائف الكردية التي كانت موجودة آنذاك لعدم معرفته بها بل اكتفى بذكر القبائل و الأسر الحاكمة التي كان المؤلف على دراية بأحوالها و مواطن سكناها, يقول العمري: "لم أذكر من عشائرهم إلا من كنت به خبيراَ و لم أسم فيها منهم إلا بيت ملك أو إمارة.
" أما أكراد( ما وراء نهر دجلة إلى نهر الفرات) فقد اكتفى المؤلف ( أكراد الجزيرة و قرى ماردين) دون الدخول في تفاصيل أماكن توزعهم و تقسيماتهم القبلية . و يتضح من نص العمري مدى غنى بلاد الأكراد بالثروة الزراعية و اشتغالهم بها إلى جانب تربية الماشية و هناك إشارات بسيطة إلى اشتغال الكرد ببعض الصناعات , كصناعة استخراج المعادن " معدن الزرنيخ". و يبقى نص العمري وثيقة تاريخية هامة لدراسة أحوال الكرد في الفترة المغولية العصيبة التي مرت على المنطقة و نظرا ً لهذه الأهمية ارتأيت نشره كاملاَ ًو سبق أن نشر المؤرخ المرحوم محمد أمين زكي و المترجم محمد علي عوني مقتطفات منه في كتاب ( خلاصة تاريخ الكرد و كردستان).
و حاولت جاهداَ اعتماداَ على الكتب المتوفرة شرح غوامض هذا النص قدر المستطاع واستفدت من بحث د. زرار صديق المار ذكره . و نهيب بالباحثين و المهتمين إغناء هذا النص بملاحظاتهم و سد الثغرات الموجودة فيه إتماما ً للفائدة .
هـذا النص مستل من المخطوطة المصورة التي نشرها الباحث التركي فؤاد سزكين بالتعاون مع
علاء الدين جوخوشا ،ايكهارد نويباور _منشورات معهد تاريخ العلوم العربية الإسلامية 1988م، طبع بالتصوير عن مخطوطة 2797__2(ص178_462) احمد الثالث ،طوبقابو سراي _استانبول .
مملكة الجبال
وهي أ ربعة فصول, الفصل ال أ ول في الأكراد وفيه فصل جامع لأ حوال سكان الجبال, الفصل الثاني في اللر, الفصل الثالث في الشول, الفصل الرابع في شنكاره (1), وبلادهم جميعها بلاد خصب زايد ومزا رع و موا رد وزروع وفوا كه وثمر متشابه وغير متشابه وكلهم أ هل غناء ودفاع وحصانة وامتناع .
الفصل الأول
في الأكراد
الذي نقول ـ وبالله التوفيق ــ أن الأكراد وإن دخل في نوعهم كل جنس أتى ذكره في هذه الفصول فإنهم جنس خاص من نوع عام وهم ما قارب العرا ق وديار العرب دون من توغل في بلاد العجم ومنهم طوايف بالشام واليمن (2) ومنهم فرق مفترقة في الأقطار وحول العراق وديار العرب جمهرتهم وغلب في زماننا ما يقارب ماردين منهم إبراهيم بن علي المسمى بالعزيز بالو واستفحل أ مره وقويت شوكته واجتمعت عليه جموع وبرقت بها أسنة ودروع وثوب باسمه الداعي وتقيدت دون غايته المساعي ثم مات وقام إبنه بعده ولكنه ما حكى الوالد الولد ولأ سد الشبل موضع ال أ سد أما الفصل الجامع لأحوال سكان الجبال هؤلاء وغيرهم فإنا نقول وبالله التوفيق أن المراد بالجبال على المصطلح هي الجبال الحاجزة بين ديار العرب وديار العجم وابتداؤها جبال همذان وشهرزور وانتهاؤها صياصي الكفرة من بلاد التكفور وهي مملكة سيس(3) وما هو مضاف اليها بايدي بيت لاون ولم أذكر من عايرهم إلا من كنت به خبيرا ,ً ولم أسم فيها منهم إلا بيت ملك أو إمارة تبدأ بجبال همذان وشهرزور واربل وتنتهي إلى دجلة الجزيرة من كوار إلى الموصل ونترك ما وراء نهر دجلة الى نهر الفرا ت لقلة الاحتفال به على أن الذي ذكرته هو خلاصة المقصود اذ لم يبق إلا أكراد الجزيرة وقرى ماردين وهم لكل من جاورهم من الأعداء الماردين مع ان أماكنهم ليست منيعة , ومساكنهم للعصيان غير مستطيعة, فمنهم طايفة بجبال همذان وشهرزور يقال لهم الكورانية, منهم جند ورعية وكلهم أولو شوكة وحمية مقيمون بموضع يقال له دياوشت(4) الأمير محمد ومكان ثان يقال له درتنك(5) أميرهم الأمير محمد وعدة القوم تزيد على خمسة آلاف لابين بينهم ولا خلاف , ومن بعدهم الكلالية وهم قوم لهم مقدار وكمية تعرف بجماعة سيف الدين صبور و مقامهم دانترك ونهاوند الى قرب شهرزور وعدتهم ألف رجل مقاتلة قوية وأميرهم يحكم على من جاورهم من العصا بة الكردية حكم الملك على جنده, ويقدر على جمع عدد أصناف عشيرته لأنهم واقفون بصدق كلمته وحسن سيرته, ومن الكلا لية سوى هؤلاء طايفتان إحداهما مقيمة بنواحي دقوق(6) وعددهم ألف أو دونها والأخرى بأسنة(7) من نواحي أذربيجان عدة رجالها مايتان , وكانوا أكثر من ذلك عددا و أوفر مددا. لما كان الملك شرف الدين ابن سالار صاحب اربل من جهة التتار قتله رجل من الكفار فعصا قومه على الكفار وهاجر بعضهم الى مصر والشام وبقي ولده الأمير محمد حاكما على من بأشنة من قبيلته وولده الأمير عثمان أميرا لمن أقام بوطنه من عشيرته, فلما توفي ولده توفاهم سواهم .
ويلي الكلالية بجبال همذان قوم يقال لهم رنكلية(8), أصحاب شجاعة وحيلة, وعدتهم ألفان يقال لهم جماعة جمال الدين بالان بجكم يحكم على بلاد كنكور(9) وما جاورها من البقاع والكور. وأما بلاد شهر زور فكان يسكنها طوائف من الأكراد قبل خراب البلاد أكثرهم رجالا وأوفرهم أموالا.
طايفتان إحداهما يقال أنها اللوسه , والأخرى تعرف بالبابيرية(10) رجال حرب وأقيال طعن وضرب نزحوا عنها بعد واقعة بغداد(11) في عدد كثير من أهل السواد بالنسا والأولاد وأخلوا ديارهم ووفدوا إلى مصر والشام, وتفرقت منهم الأحزاب وأصابتهم الأوصاب وعظم فيهم المصاب ولكل اجل كتاب, وقد بقي في أماكنهم وسكن في مساكنهم قوم يقال لهم الخريسة ليسوا من صميم الأكراد, وببلاد شهر زور قوم آخر بينها وببن أشنه , يبلغ عددهم ألفي نفر يقال لهم السيولية ذو شجاعة و حمية لهم ,
وهما قسمان : قسم يورك ابن عزا لدين محمود والآخر قسم يعرف بالأمير داوود ويعرف بداود بدران ثم يليهم الفرياوية(12) وهم يسكنون بعض بلاد بستار وبيدهم من بلاد إربل أماكن أخر يزيد عددهم على أربعة آلاف نفر كان أميرهم أبي بكر يلقب بسيف الدين وتولاهم بعدهم ولده شهاب الدين ثم يليهم قبيلة يقال لهم الحسنانية ذو أنفس قوية يتقسمون على ثلاثة بطون وهم نحو الألف أكبر بطونهم طائفة عيسى ابن شهاب الدين كراي ولهم الخفر لقلعة بري والحامي وثاني بطونهم نفران نفر يقال لهم البلية والأخر يعرف بالجاكية وكان الأمير عبد الله ابن شهاب الدين زنكي أمير النفرين وثالث بطونهم كان لفخر الدين أمير قيم والآن أخوه اختيار الدين عمر بن أبي بكر وتختص الحسنانية ببلاد الكر كار وتشاركهم الفرياوية في آخر الخفارة المأخوذة بدربند قرايلي(13) مشاركة الآخرين ثم يليهم بلاد الكرخين(14) ودقموق السافية عدتهم تزيد على سبع ماية وكان أميرهم شجاع الدين بابكر زمامي ذابا ً عن دينه محاربا ً عن حزبه ومن ذلك موضع يقال له بين الجبلين من أعمال إربل قوم يتخدمون للدولتين ويدارون الفيتين فهم في الشتاء يعاملون التتر بالمجاملة وفي الصيف يعينون سرايا الشام في المحاملة وعددهم كعدد الكلالية وكان أميرهم تاج الدين الخضر بن سليمان كاتبا ذا بنان ولسان وفد إلى الباب الملكي المنصوري السيفى قلاوون(15) بمصر ثم اخترمته المنية وعاد أولاده الأربعة إلى أوطانهم في الأيام العادلية الزينية(16) مع عز الدين سنقر من الشهرزورية و المبارز بن شجاع الدين من الازخية وبهاء الدين ابن جمال الدين خوش من الحميديةإذ لم يجدوا لهم في الدولة الزينية حرمة مرعية ولا أخبارا ً مرضية ثم يلي هؤلاء من إربل الماذنجانية و هم طائفة ينسبون إلى الحميدية لم يبق لهم أمير غير أمرايهم وعدتهم تنضاف إليهم في شدتهم ورخايهم ولا تنقص عدة الحميدية عن ألف مقاتل وهؤلاء المازنجانية يتعانون الصلافة ويتشبهون بالناس في الآلات واللباس لأن أميرهم كان من أمراء الخلافة في الدولة العباسية لقب من ديوان الخلافة بـ (مبارز الدين )(17) واسمه كك وكان يدعي الصلاح وتنذر له النذور فإذا حملت إليه قبلها ثم أضاف إليها مثلها من عنده و تصدق بهما معا ً قال الحكيم الفاضل شمس
الدين أبو عبد الله محمد بن ساعد الأنصاري(18) وقد ذكره :
كان ذا شجاعة وصبر وتحيل ومكر وعقل وفكر وتدبير وسياسة وتثبت ورياسة لايهمل عدوا ً لصغره وحقارته ولا يهاب من أراد به سوءا ً لعظمه وجسارته , نقل عن إبن الصّلايا(19) رحمه الله أنه قال حين أعطاه خبر أبيه سيف الدين محمد وحياه :
لقد توسمت في هذا الشاب سعادة لم أتوسمها في أحد سواه فكان كما توسمه الصاحب رحمه الله نراه كذلك إذ أقام في التتر في ذلك المقام وتمكن إبن يافث من إبن سام وتشتت أهل الإسلام وانحل ما عهد من النظام ولم يبق من الرجال القادرين على القتال إلا سكان الجبال فما أعجز الكفار إستئصالهم وتحققوا أن سهامهم لاتنالهم عاملوهم بالمكر والخديعة وهادنوهم على تخلية الخراج سدا ً للذريعة وقدموا منهم إثنين وحكموهما عليهم من الوجهين فما كان من وجه بلاد العجم كان مبارز الدين كك متحدثا فيه وماكان من مدن العجم كان الاسد بن منكاكين الحايز لنواحيه وجعلوهما ملكين وأعطوهما بايزتين ثم استنابوا المبارز كك في إربل وأعمالها و صرفوه في سيفها ومالها وأقطعوه عقر شوش بكمالها وأضافوا إليه هرا وتل خفتون(20) وقدوه على خمس ماية فارس أو يزيدون .
وسعد بسعادته قومه و أناف على أمسه يومه . وكثر في عشيرته الأمراء لإشتباكهم معه في النسب وغلب أقرانه بعناية الدولة والدنيا لمن غلب وكان ترى همته همة الشبان وهو إبن تسعين وتولى هذه المملكة وهو إبن نحو عشرين ماقصده عدو إلا مكنه الله منه ولارسم ملك من ملوك التتر بقتله إلا هلك قبل نفاد أمره وامتثاله , ولم يبلغ مابلغ من ملكه وكثرة رجاله ولاتمنعه جباله ولكن سعادته و إقباله . ثم مات وخلفه ولده عزالدين , وكان يكنى به فيما ألف منه وعرف عنه
ثم أخوه نجم الدين خضر وكان من الرفاهية على ( سرر مرفوعة وأكواب موضوعة ونمارق مصفوفة وزرابي مبثوثة ) (21) ونعم مما ترك أبوه موروثة إلى حاشية وغاشية وعقار وماشية و سعادات قديمة وناشئة مكانة في الدولتين الاسلامية والتتارية لا تطاول ورتبته عالية في الجهتين لا تحاول وانبساط في اللذات وشرف بالعرض والدات ويدلا تقصر في أدب ولا تبالي بلاغتها بما تنفق من كنوز الفضة والذهب وكانت ترد على الأبواب السلطانية بمصر ونواب الشام منه كتب تنهل بماء الفصاحة كا لسحب وتسرح من أحيائها الأبكار العرب ثم مات رحمه الله وخلفه ولده وجري على سنته .ونمت به في اهل بيته منته . ويلي بسار وأعمالها وتل حفتون وبلادها بلاد السهرية(22) المشهورين باللصوصية وهي من بلاد شقلاباذ(23) إلى خفتيان(24) أبي على ويعرف بخفتيان الصغير ومابين ذلك من الدشت والدربند الكبير وهم قوم لايبلغ عددهم الفا وجبالهم عاصية ودربندهم بين جبلين شاهقين يشقهما الزاب الكبير ويتقلب على صخورهما بصوت مفزع وهدير قوي عليه ثلاث قناطر اثنان منهما بالحجر والجير والوسطى مظفور من الخشب كالحصير علوها عن جهة الماء مئة ذراع في الهواء وطولها بين الجبلين خمسون ذراعا في عرض ذراعين وقد ينقل تارة من ارضه فينقص من طوله او يزاد في عرضه تمر عليه الدواب باحمالها والخيل برجالها وهي ترتفع وتنخفض وينبسط وينقبض بخاطر المجتاز عليها بنفسه ويقامر بعقله وهم ياخذون الخفارة عندها يجيلون ما شاء وأبعدها فان الدربند مضيق على نهر عميق وهم اهل غدر وخديعة وقبائح شنيعة لا يستطيع المسافر مدافعتهم فيه بل ترضيه سلامته بنفسه قال الحكيم شمس الدين محمد بن ساعد :
ان نسب احد من الأكراد إلى الجن(27) فهم هؤلاء حقا .وان صعب مسلك دربند فهذا أصعب المسالك وأشقى كان أميرهم الحسام بن عم قميان أبقى ما ترك ولا أبقى ومجاورهم قوم يقال لهم الزرزارية وهي كلمة أعجمية معناها ولد الذيب(28) ويقال إنهم ممن تكرد من العجم المنسوبين إلى ملوكهم ذكره بعض أهل التاريخ ولهم عدد جم منهم زراع وامراء وأغنياء وفقراء يبلغ عدة رجالهم خمسة ألاف قليل بينهم الخلاف ومنهم زهاد يشار إليهم وفقهاء يعتمد في الفتوى عليهم مساكنهم من مرت(29) إلى جبل جنجرين(30) المشرف على اسنه من ذات اليمين وهو جبل عال مشرف بمكانه على جميع الجبال كان هواه الزمهرير وكأنه للسحب مغناطيس يجذبها بالخاصة قد نصب عليه للتحذير ثلاثة أحجار طول كل حجر عشرة أشبار وعرضه ربع هذا المقدار وثخانته نحو ثلثي ذراع منحوت من جميع الأضلاع مركب من حجر مربع وثخانته تزيد على ذراع في التقدير على كل من الثلاثة كتابة قديمة لم يبقى منها سوى المعالم وهي من الحجر المانع الأخضر الذي لا يغيره البرد ولا الحر ولا يتأثر إلا في ألوف سنين تأثير لا يكاد يبين فالوسط منها على بسطة راس الجبل والآخران في ثلث عقبته لمن صعد أو ترك يقال إنها نصبت لمعنى الإنذار و إن المكتوب عليها أخبار من أهلكه الثلج والبرد في الصيف وهم يأخذون الخفارة تحته ويدركون أو يوارون من هلك ببرده . وبيد الزرزارية أيضا بلاد ملاذ كرد(31) والرستاق بقلاعها ومزارعها وضياعها و لا يحملون لأحد شيئا من ارتفاعها وكان لهم أمير جامع لكلمتهم مانع لشوكتهم يسمى نجم الدين ابن باشاك ثم توفي وتولاهم من بعده ولده المسمى جيدة ولما أدركه الأجل وتوفي تولاهم ولده عبد الله وكان لهم أيضا أمير شجاع عفيف له رأي وتدبير يقال له الحسام شير الصغير حوله من عشيرته عصبة تسير بسيرته وكذلك كان لهم أمير آخر جيدة السير يسمى باشاك بن الحسام شير الكبير وآخر منهم له باس قوي يدعى بهاء الدين بن جمال الدين أبي على وأمراء غير هؤلاء من ينطوي في طاعتهم ويدخل في جماعتهم إذ لا يبلغ قدر استطاعتهم يستغنى عن ذكر اسمه بمن تقدم وينضم إلى الزرزارية شرزمة قليلة العدد هي لهم كالمدد تسمى باسم قريتها بالكان منفردة بمكان مشرف على عقبة الخان(32) يأخذون عليها الخفارة بالبد القوية ويتجولون بين الحسنانية قتل أميرهم وتوبك مع نجم الدين وعاد قومه لهم بالرعية تبلغ عدتهم مئة رجل .
ومنهم الجولمركية وهم قوم نسبوا إلى الوطن لا إلى النفر بل هم طائفة من بني امية يقال انها حكمية(33) اعتصموا بالجبال عند غلبة الرجال عليهم واستغنوا بمنعتها عند استعمال الباس ومخالطة الناس طلبا للسلامة من أعدائهم وفرارا من اعتدائهم فانخرطوا في سلك الأكراد فسلموا وهم الان في عدد كثير يزيدون على ثلاثة آلاف كان ملكهم عماد الدين بن الأسد بن منكلان ثم خلفه ولده الملك أسد الدين وتحت يده من المعادن ما ينقل من الزرنيخين إلى سائر الأماكن وكان ظهر له معدن اللازورد فأخفاه لئلا تسمع به ملوك التتر فيطلبونه ومعقله الذي يعتمد عليه من امنع المعاقل على جبل عال مقطوع بذاته قرن الجبال قائم في وسطها مع الانفصال شامخ في الهواء راسخ فيما حوله من الماء والزاب الكبير محدق به فاصل بينه وبينها بإذن ربه لامحط للجيش عليه ولا وصول للسهام إليه سطحه للزراعة متسع وفي كل ضلع من جوانبه كهف مرتفع ياوي اليه من شاء للامتناع فيمتنع والماء محيط بأساسه والثلج لا يزال يشتعل سببه برأسه والصعود اليه في بعض الطريق يستدعي العبور على أوتار مضروبة مصلحة لمن يطيق ومن لا يستطيع التسابق جر بالحبال يعلق بها وكذلك ترفع البغال للطواحين والذخائر التي يحتاج إليها في كل حين والملك عليهم معتبر عند الأكراد ولهم على كلمته اعتماد يدعى بهاء الدين بن قطب الدين وولده فى الملك يجري مجراه ويخلف في سيرته أباه وكان له ابن عم آخر يدعى شمس الدين داود عصا على دولة الأعداء مدة وعجزوا عنه وقد اجتهدوا في غيلته بكل حيلة فلم يقدروا عليه فبالغوا في الإحسان إليه وأمروه بالانتقال عن الجبل ليأمنوا اعتصامه فاحتصن التوصل في التوسل حتى سكن ببعض المدن فلما قر في دا ر كانت بنيت للسلطان وغرس فيما حولها بستانا ًجامعاً لأشجار ذات أفنان مختلفة الثمار محفوفة بالارتفاع فغلة من دنانيرهم عشرون ألف دينار والدار أعظم ما يكون من دور السلطنة لما فيها من البسط والآلات المثمنة فخولوه في سكنها وسمحوا له بالفاكهة وثمنها إلى إن اخترمته ريب المنون فترك ولده الحركة وعاد إلى حربهم يؤدى اليه خراج بلاده ويقطع منها ما شاء من أقاربه وأجناده و يأخذ الخفارة من جميع الطرقات من أذربيجان من تبريز إلى خوى ونقشوان وكل وظائف مستخدميه بضمان من الكتاب والمنشدين والنواب والمتصرفين والوكلاء ولا يقم طعامهم ضيفانه الى ثلث الليل المعلوم الى نصف نصف النهار اى غداء كان ولا يطعم ضيفانه الى ثلث الليل عشاء ولايجعل في خبزه ملحا لياكل منه من كان حربا أو صلحا(34) .
ويجاور الجولمركية من الاكراد قوم يسكنون الجبال من بلاد تدعى مركوان(35) كثيرة الثلوج والأمطار مخصبة ربيعها زاهر بانواع النبات والازهار وصفها منوط بالحان الاطيار وشتاؤها وافر الاسمان والالبان عزيز اللحوم المنوعة وهي منزحمة(36) لارمية من بلاد أذربيجان وكان لهم بها اميران بدر الدين والامير حسن اخوان شقيقان وبالرعا يا رفيقان تبلغ عدتهم ثلاثة الاف وهم لمن جاورهم من الزرزارية والجولمركية اخلاف ويعاملونهم بالرافة والاحسان ويجاور الجولمركية من قبل بلاد الروم جبال وبلاد يقال لها كوار(37) ذات سعة وامكان ومرعى للحيوان وخصب مستمر في سائر الأحيان واليها ينسب من بها من السكان فيحسب انه من قبيلة وكان الأمير شمس الدين هو المدارى عنهم وعدة قومه ثلاثة آلاف ويلي الجولمركية وجه عقر شوش وبلاد العمادية وبلاد الزيبار(38) وبلاد الهكار اما الزيبارية فيبلغون خمس مئة عددا أصحاب بازازية لهم سوق وبلد وكان حروب بينهم وبين المازنجانية مددا ثم قر قرارهم وانجدوا وكان ملكهم احدهما الامير ابراهيم بن الامير محمد الزامي وكان موقرا زمن الخلافة معروفا بالحشمة وبقي ولده بعده صغيرا فاحتاج الى الاعتضاد بالمبارز كك ليكون له ظهيرا والثاني الشهاب ابن بدر الدين برش توفي ابوه وخلفه كبيرا ولولا المازنجانية لم يدع لهم سواه اميرا فاستولى على الرعية استيلاءً كثيرا ً واما الهكارية فانهم مقيمون ببلاد العمادية تزيد عدتهم على اربعة الاف حربية وكانت امارتهم الى اميرين اخوين احدهما الامير ابوبكر والاخر الامير على يعرف والدهما بالطراوسي فاما ابو بكر فانه كان ممتنعا برجاله وكثرة احتياله وقوة جباله ونوابه وجيوشه واحزابه وبقي مدة لا يعبا بهم ولا به مع انه سير له العساكر واستعان عليه بكل ماكر الى ان حكم بالموصل نصرانى يقال له مسعود البرقوطي وعزل عنها الامير رضي الدين بابا القزويني البكري رحمه الله فاحتال النصراي على الامير ابي بكر بكل حيلة واعانه عليه في المكيدة بعض القبيلة فحسنوا له الوثوق اليه والنزول الى الطاعة على يديه وسير له الرهائن اربعة من الصبيان الى السلطان احدهم مباركشاه والثاني سيف الدين ابن المبارز كك الذي استنابه في القصر أبوه والآخران وجركتم والدهما فيبلغ بكر الدين كان باربل نائبا في ذلك الزمان فاعتر ونزل إلى الباب وبقي عند السلطان معظم المقدار إلى .........فيه ذوو الاعتراض وقالوا لن احضر ولده وأهله فما عليه اعتراض ولما طلبوا منه سير إليهم بالنزول فلم يأخذوا أمره بالقبول وعاد مؤكدا لطلبهم برسول وتأخر حضورهم فاشتبهت على السلطان أمورهم فأمر بالاحتياط عليه وعلى من معه من أصحابه وكان إذ ذاك متوجها إلى حمص في أحزابه فلما وصلوا إلى مراغة أذربيجان توجه إجابة لداعي السلطان وكان موثقا عنده في المكان فانتهز الفرصة في الخروج من الوثاق وخلص من معه من الرفاق وركب ما وجد من الخيل عريا وساق بناء ً على أن الجبل قريب وطمعا ًفي أن يدركه الليل فيستتر فلما أحس القوم بفراره خافوا صولة سلطانهم ونادوا اولام اولام على آثاره فتنبه عليه قوم من الاختاجية وهم رعاة الخيل وهو يحث فرسه بكزلك وهي مذية فرماه احدهم بسهم أصابه به وتواثبوا عليه أصحابه فلم ينجح منهم احد الإ رجل كان لما انهزموا قد دخل البلد, وأما أكثر الرهائن كان البارز شير سير من سرق ولده وهرب كل منهم يلحق ولده وبقي الأمير علي أخوه مستقلاً بالهكارية وحده إلى أن أتاه اليقين فخلف فيهم ولده غرس الدين صاحب قلعة هرور(39) ونشأ الأمير محمد بن الأمير أبي بكر شجاعا ً فقصد قلعة الجبال فأخذها واحرق بالمكان الدور وأراد أن يقيم بها إن ساعده القدر المقدور .
والهكارية يأخذون الخفارة في أماكن كثيرة من بخارى إلى جبل الجزيرة ويليهم من قبل المرج جبال القمرانية وكهف داود وهذه الأماكن أوطان النستبكية وقليل ماهم لكنهم حماة رماة وطعامهم مبذول على خصاصة وعدتهم لا تزيد على خمس مئة وأميرهم مقيم بالقمرانية يقال له(40) .............ويقابل الجولمركية من قبل الموصل البختية وهم قوم كانوا يضاهون الحميدية لكنهم شعبهم أكثر وقبيلهم أكثر فكان لهم كبراء واعيان فهلك أمراؤهم وتشتت كبراؤهم وتفرق جمعهم المعهود ولم يبق منهم الإ شرذمة قليلة تفرقت بين القبائل والشعوب وكان من بقايا أمرائهم فخر الدين خدم صاحب ماردين فأبعده لأقوال قيلت وشعبهم كثيرة وقبائلهم متفرقة منهم السندية وهم أكثر شعبهم عددا وأوفرهم مددا يبلغون ثلاثين ألف مقاتل مختال مخاتل والمحمدية وكان أميرهم شروين لا تزيد على ست مئة رجل والداسنية كانوا أولي عدد وعدد وجمع ومدد إلى أن نزح أميرهم البدر بن كيابك من ذلك البلد بالأهل والولد إلى منعة وقد تشتت شملهم وتفرق جمعهم وكان عدتهم لاتزيد في بلد الموصل على ألف رجل وأميرهم علاء الدين كورك بن إبراهيم ولا ينقص في بلد العقر عن خمس مئة وأميرهم عمر بن أبي علي وموسى بن بهاء الدين والدنبلية وهم يسكنون جبال المقلوب والمختار مطلوبون بالخفارة أميرهم كلتي ولا تزيد عدتهم على ألف متفرقين في البلاد متمزقين بكل واد .
الفصل الثاني
في اللر
وهؤلاء طائفة كثيرة العدد ومنهم فرق مفرقة في البلاد وفيهم ملك وإمارة وأقدام وشطارة ولهم خفة في الحركات وصدق في القول يقف الرجل منهم إلى جانب البناء المرتفق ويلصق بطنه بأحد الزوايا القائمة به ثم يصعد فيه الىان يرتقي صهوته العليا ومنهم من يجالس الرجل ماله ويأخذه منه وهو لايدري وربما امسك الرجل منهم وضرب بالسياط وعوقب اشد العقاب فلا يقر انه اخذ ولا يعرف فاذا حلف بستر الله واقسم عليه به اقر واعترف وفي بلاد مصر والشام منهم طوائف وفي البلاد الشامية معظمهم , ولهم في هذا وقائع مشهورة واحوال مشهودة ومما يحكى ان السلطان صلاح الدين ابا المظفر يوسف بن ايوب رحمه الله حضر اليه رجل منهم واظهر له اشياء من افعاله اللطيفة وحركاته الخفيفة حتى انه وقف الى جانب بناء مرتفع وارتفع والتصق به وارتفع حتى استوي على اعلاه وصلاح الدين رحمه الله يظهر العجب من شطارته وخفة حركته وقدرته على ما لايقدر عليه امثاله فلما ترك خلع عليه واكرمه وحمله على فرس واقطعه اقطاعا ًجليلا وقال له اشتهي ان يكون عندنا جماعة منكم فاننا ما نستغني عنكم لنتوصل بكم الى حصون الاعداء فبقي ذلك اللري يجلب له واحدا بعد واحد ممن يقدر على هذا منهم فكلما جاء واحد منهم اكرمه صلاح الدين وخلع عليه واقطعه القطاع حتى لم يبق احد منهم وبقي مدة لم يحضر احد ا ًالى صلاح الدين .فقال له لاي شيئ ما عدت جبت لنا احدا فقال والله يا مولاي ما بقي احد يقدر على هذا مثلنا فلما تحقق صلاح الدين من اسرها في نفسه ثم جمعهم واوقف خلف كل رجل منهم رجلا واومأ اليهم فضربوا رقاب اولئك النفر , لان صلاح الدين لما راى ذلك منهم فزع منهم على نفسه وخاف ان هو قتله وحده يبقى وراءه من يفعل مثل فعله فاحتال عليهم بذلك لئلا ينزل عليه احدهم فيقتله به واما ما يروى من مشي هذه الطائفة على الحبال المعصوبة على قامات من الأرض وانقلابهم عليها في الهواء حتى يصير رأس الرجل منهم منكوسا ً إلى الأرض ورجله متعلقة بالحبل ثم يستوي على قامته ثم يمشي على الحبل بالقبقاب ويلعب فوقها بالمخاريق ما تحار له الألباب ويحال فيه إلى نوادر العجب العجاب وإن نساءهم يفعلن وتركضن أشد ركض ثم تطيح عنها في قوة جريها إلى الأرض ثم تثب عليها فيستوي على ظهرها ثم تصير حزاما ً لبطنها ثم تترك صهوة الفرس وتعتنق العنق تارة من أعلاها وتارة من تلقاء صدرها إلى غير ذلك من عجائب الأفعال و غرائب الخفة في المجال ودأب من هو منهم في الشام أحد ما قدروا عليه ووصلت أيديهم إليه وقد عرف صبرهم على الضرب فما بقي يضرب أحد منهم إذا اتهم بل يحلف بستر الله ويقسم عليه به فيقر ويعترف ويرد ما أخذه ويقول نحن نأخذ قبيح ونحن نرد مليح وقد أوردنا هاتين اللقطتين بعادتهم على ما ماهي عليه وهم ببلادهم أهل منعة وهي اللران كبير وصغير ومأمور وأمير وسارقهم لايقطع على السرقة هكذا جرت عادتهم في بلادنا.
الفصل الثالث
في الشول
وهؤلاء حكمهم حكم شبنكارة وما يبعد بعضهم من بعض في موازنة العقول إلا أنه لايخلو بينهم من دماء تطل ومواثيق فيما بينهم تحل وفيهم كرم وسماح تقصدهم الفقراء وتترك في قراهم وتقيم في ضيافاتهم وقراهم وادلهم فيها ولهم فهم حسن الظن إذا أنزلهم الفقير أنزلوه في بيوتهم يمسي ويصبح عندهم وبين نسائهم فإن اطلعوا على أحد منهم أنه خان أوتطرق على حريم أخرجوه من بيوتهم وتبعوه فإما نجا وإما أدرك فقتل ولا يقتلون أحدا ً منهم في بيوتهم سترا ً على حريمهم وخوفا ً من تنفير الفقراء منهم لحسن ظنهم فيهم
الفصل الرابع
في شبنكارة
وهم احسن من اللر طريقا واقل فريقا وفيهم رعاية الزمام وتمسك من الشريعة المطهرة بزمام ولهم باس وشجاعة وعندهم لامرئهم سمع وطاعة على انهم اشد من الاسود اذا غضبوا واخف من البرق اذا وثبوا يكن الرجل منهم في اسفل الجبل العالي ثم ياذن في الصعود ويرشق محاذيه السهم فيكاد يسبق السهم وقد بلغ غايته وما انحدر او يوافي هو واياه على قدر .
الهوامش :
1- هي قبيلة شوانكاره او شبانكاره المعروفة وكما هو واضح من النص فان المؤلف لم يدرج طائفتي اللر وشوانكاره ضمن الطوائف والقبائل الكردية وقد أثار هذا الموضوع جدلا بين الباحثين حيث ذهب فريق منهم على اعتبارهما طائفتين كرديتين وعدهما فريق اخر طائفتين مستقلتين عن الكرد .
2- يقصد المؤلف الاكراد الايوبين .
3- مملكة سيس :من اعظم مدن الثغور الشامية بين انطاكية وطرسوس على عين زربة وبها مسكن ابن ليون سلطان تلك الناحية الارمني (معجم البلدان ).وكانت مدينة سيس عاصمة مملكة ارمينية الصغرى في كيليكيا .
4- يعتبر المرحوم محمد علي عوني ان دياوشت محرفة من ماه دشت _ما يدشت (خلاصة تاريخ الكرد وكردستان ،هامش ص361) وهي قلعة وبلد،من نواحي خانقين (معجم البلدان ).
5- في صبح الأعشى دراتنك وهو تصحيف من درتنك وهي منطقة هالمان التاريخية وتعرف في الجغرافية الإسلامية بإسم حلوان و تعرف اليوم باسم زهاو .
6- دقوقاء او دقوق مدينة بين اربل وبغداد تقع الى الشمال من مدينة كركوك وتعرف ايضا باسم طاووق .
7- اشنة او اسنة هي مدينة شنو الحالية في كردستان ايران .
8- في صبح الاعشى زنكلية وكلاهما محرفة من زنكنة القبيلة الكردية المعروفة (خلاصة تاريخ الكرد وكردستان ص 361).
9- كنكور او كنكاور تقع بين همذان وكرمنشاه وهي قصر اللصوص في المصادر الجغرافية الاسلامية .
10- في صبح الأعشى ورد اسم هذه القبيلة خطا ب الباسرية
.11- سقوط الخلافة العباسية على يد هولاكو سنة 656هــ 1258م .
12- القرياوية تحريف عن القرتاوية _الكرثاوية (خلاصة ...هامش ص 362)
13- _دربند"قره بويلي " الذي يرى هوفمان انه كائن في جبل بجوار نهر الزاب الصغير (خلاصة تاريخ الكرد.......هامش ص 362).
14ـ_كرخيني : هي منطقة كركوك الحالية وتعرف ايضا باسم " باجرمي "
15ـ نسبة الى السلطان المنصور سيف الدين ابو المعالي ابو الفتح قلاوون التركي الصالحي النجمي كان من اكبر الأمراء الظاهر وتملك في رجب سنة 678ه(شذرات الذهب ج 7ص715)
16ـ نسبة إلى السلطان المملوكي العادل كتبغا (694هــ 1298م)
17ـ مبارز الدين كك وحسام الدين كك :يذكر الباحث العراقي المرحوم عباس العزاوي في كتابه "الكاكائية في التاريخ ": إن أخبارهما فصلت في كتاب " تاريخ اربل " للمستوفي الاربلي _ للأسف الشديد _ لم اطلع على هذا الكتاب .
18ـ هو محمد بن ابراهيم بن ساعد شمس الدين ابو عبد الله الانصاري المعروف بابن الاكفاني السنجاري المولد والاصل المصري الدار ،فاضل جمع شتات العلوم وبرع في علوم الحكمة خصوصا الرياضي فانه امام في الهيئة والهندسة والحساب والطب وله في ذلك تصانيف عديدة
منها: "ارشاد القاصد الى اسنى المقاصد " و"اللباب في الحساب " و"نخب الذخاير في معرفة الجواهر " و"غنية اللبيب عند غيبة الطبيب " و" كشف الرين في امراض العين "وكانت عربيته ضعيفة وخطه رديء توفي في طاعون مصر سنة 749هـ_1348م _ " الوافي بالوفيات _تاليف :صلاح الدين ابن خليل ابن ايبك الصفدي .ج 2_ص 25"
19ـ ابن صلايا الصاحب تاج الدين ابو المكارم محمد بن نصر بن يحيى الهاشمي العلوي نائب الخليفة باربل ،قتله هولاكو بقرب تبريز في ربيع الاخر سنة 656ه_1258م(شذرات الذهب في اخبار من ذهب )
20ـ تل هفتون :بليدة من نواحي اربل في وسط الجبال وفيها سوق حسنة وخيرات واسعة واهلها كلهم اكراد .(معجم البلدان )
21ـ سورة الغاشية .
22ـ بلاد السهرية :بلاد السوران .
23ـ شقلاباذ هي مدينة شقلاوة الحالية في كردستان العراق .
24ـ خفتيان ابي علي او خفتيا ن الصغير ،قلعتان عظيمتان من أعمال اربل ،إحداها على طريق مراغة يقال لها خفتيان الزرزاري على راس جبل من تحتها نهر عظيم جار وسوق وواد عظيم ،والأخرى خفتيان سرخاب بن بدر في طريق شهرزور من اربل وهي أعظم من تلك وأفخم ،ويكتب في الكتب خفتيذكان .(معجم البلدان ) والمقصود بخفتيان أبي علي أو خفتيان ا لصغير هو دربند " هاوديان " الحالي قرب رواندز ( جريدة خبات العدد 819__21__3__1993_مقا ل للمؤرخ زــ بلال .
25ـ الدشت :بليدة في وسط الجبال بين اربل وتبريز ،رايتها عامرة كثيرة الخير ،واهلها كلهم اكراد .(معجم البلدان ) وهو سهل حرير (خبات العدد 819)
26ـ الدربند :هو( كلي علي بل) الوقع بين سلسلتي جبال كوره ك ونواخين (خبات العدد819)
27ـ إشارة إلى الحديث المنسوب الى الرسول :" الأكراد جيل من الجن كشف عنهم الغطاء " (محاضرات الادباء ومحاورات الشعراء والبلغاء ) للراغب الاصفهاني ج 1ص 426 .
28-يقول المستشرق كاترمر : ان الكلمة تعني "ولد الذهب "بالكردية زرزاروا .( دائرة المعارف الإسلامية ،المجلد الثاني ص 222
29ـ مرت :هي قرية بينها وبين ارمية منزل واحد في طريق تبريز ،وهي كبيرة ذات بساتين وفي أهلها شجاعة .(معجم البلدان )
30ـ جبل جنجرين :هو جبال كردستان على الخرائط الحديثة ،ولم اعثر على اسم جنجرين في كتب البلدانيين التي اطلعت عليها وربما كلمة جنجرين تصحيف من ال حجرين والمقصود بالحجرين هو مسلتا "طوبزاوه "و "كيله شين "الحجر الاخضر بالكردية ،عليهما نقوش اشورية كلدانية يرجع عهدها إلى عام 800 ق .م "مادة اشنةـ دائرة المعارف الاسلامية المجلد الثاني"
31ـ ملاذ كرد:في دائرة المعارف الاسلامية انها نهر براز كرد _،والرستاق تقع في جنوب "شمدينان " (خلاصة ..هامش ص365
32ـ عقبة الخان : دربند رواندز الشهير (خلاصة ...هامش ص366)
33ـ نسبة الى الخليفة الاموي مروان بن الحكم
34ـ اشارة الى تقليد شائع بين معظم الشعوب الشرقية
وبموجب هذا التقليد لا يجوز ان تقتل من أكل من خبزك وملحك .
35ـ مركوان : تصحيف من مركور
36ـ متاخمة
37ـ ربما كوان والسجع يقتضي ذلك
38ـ في صبح الاعشى بلاد الدينار وهذا خطا
39ـ هرور :حصن منيع من اعمال الموصل شماليها ،بينهما
ثلاثون فرسخا وهو من اعمال الهكارية بينه وبين العمادية ثلاثة اميال .وهرور ايضا :حصن من اعمال اربل في جبالها من جهة الشمال "معجم البلدان "
_درتنك :هي منطقة "هالمان " التاريخية والتي عرفت في الجغرافية الاسلامية باسم " حلوان " وتعرف اليوم باسم " زهاو "
40ـ بياض في الأصل .
(فصل من مخطوطة مسالك الأبصار في ممالك الأمصار)
محسن سيدا - كوباني
تقدم كتب الجغرافية الإسلامية معلومات قيمة عن جغرافية بلاد الأكراد و توزع سكناهم و أنماط معيشتهم قد لا نعثر عليها في كتب التواريخ العامة و مما يزيد في أهمية هذه المعلومات المتفرقة هنا و هناك, في بطون الكتب الجغرافية , فقر المكتبة الكردية التراثية بالكتب التاريخية والجغرافية و كتب تراجم الأعلام ... الخ
سواء المؤلفة من قبل الأكراد أو غيرهم من الشعوب و إذا استثنينا كتاب ( القلاع و الأكراد- وهو كتاب مفقود كسائر كتب المدائني- 752- 839م ) الفهرست لابن النديم - ص 133- نكاد لا نعثر على كتاب آخر منذ حركة التدوين في المجتمع الإسلامي و حتى عصور متأخرة يحمل اسم الأكراد
. و قد تنبه دارسو التاريخ الكردي المعاصرون لأهمية كتب المسالك و الممالك و أسفار الرحالة و كتب البلدانيين لدراسة التاريخ الكردي و رسم معالم جغرافيته من جديد. فقد ألف المؤرخ المرحوم زبير بلال إسماعيل كتاباَ بعنوان (الأكراد في كتب البلدانيين و الرحالة المسلمين في العصور الوسطى) كما استقى الدكتور زرار صد يق توفيق معلومات هامة من المصادر الجغرافية في كتابه ( القبائل و الطوائف الكردية في العصور الوسطى) ــــ مجلة كولان العربي الأعداد: 56 + 61+62.
و قد ذكر المترجم المرحوم محمد علي عوني في مقدمته لكتاب (خلاصة تاريخ الكرد و كردستان) أنه جمع كل ما يتعلق بالأمة الكردية من المعلومات التاريخية و الجغرافية و القومية لنشره في كتاب تحت اسم ( المكتبة الكردية) لكنه عدل عن رأيه بعد حصوله على كتاب ( خلاصة تاريخ الكرد و كردستان) , و ليس هدفي هنا إحصاء ما دون عن الكرد استناداَ إلى المصادر الجغرافية بل إيراد بعض النماذج ليس إلا.
لقد أجمعت الكتابات الجغرافية الإسلامية على اعتبار " إقليم الجبل" موطناَ للأكراد أو داراَ للأكراد حسب تعبير اليعقوبي ( تـــ 284هـ _ 897م)- كتاب البلدان ص: 10 كما ربطت بعض الأساطير بين نشأة الأكراد و الجبال كما ورد في كتاب " الأخبار الطوال" للدينوري ـ قصة الضحاك ـ ص5 ـ لكن هذا لا ينفي قطعاَ عدم ذكر الأكراد في الأقاليم الأخرى المتاخمة لإقليم الجبل كإقليم الجزيرة حيث يرد ذكر الأكراد في هذا الإقليم منذ بدايات دخول العرب المسلمين إلى كردستان .
لقد أطلق الجغرافيون المسلمون القدماء على المناطق الشمالية الواقعة بين نهري دجلة و الفرات اسم الجزيرة و تضم عدداَ من المدن التاريخية العريقة كــ : آمد , ميافارقين , سنجار, الموصل, سروج, ماردين, رأس عين ,نصيبين , حران, والرها .
و تعاقبت على هذه المناطق حضارات و مدنيات واستوطنتها من الأمم الأكراد و السريان و العرب و الأرمن و التركمان .
يذكر الجغرافي ابن الفقيه – توفي بعد عام 290هـ-903م –عند تعريفه حدود الجزيرة أن القائد عتبة بن فرقد السلمي "( فتح المرج و قراه و أرض بانهدرا وداسن و جميع معاقل الأكراد ") في سنة 20 للهجرة – كتاب البلدان ص 123 – و قد تحدث الرحالة الأندلسي ابن جبير (1145-1217م) في رحلته عن انتشار الأكراد في جهات الموصل و نصيبين ودنيصر - رحلة ابن جبيرص 171. كما تحدث الرحالة ابن بطوطة (1304-1377م) عن أكراد الجزيرة وزار عدة مدن جزرية و منها سنجار " و أهل سنجار أكراد و لهم شجاعة و كرم "- رحلة ابن بطوطة ج 1 ص 150- و التقى فيها بالشيخ الزاهد عبد الله الكردي .
أما مخطوطة ( مسالك الأبصار في ممالك الأمصار) لـ فضل الله العمري (1301-1347م ) فهي من أكثر الكتب الجغرافية – حسب إطلاعي- التي تحدثت بشيء من التفصيل عن جغرافية بلاد الأكراد و توزع القبائل الكردية و حياتهم الاجتماعية. و قد خصص المؤلف الباب الرابع من المجلد الثالث للبحث في جغرافية (مملكة الجبال) و ربما يكون فضل الله العمري أول من استخدم تعبير مملكة الجبال كصفة لبلاد الأكراد بدلاَ من ( إقليم الجبل) ذات المدلول الجغرافي البحت.
و هذه نقطة هامة و جديرة بالبحث و الدراسة . لم يهدف العمري في بحثه عن الأكراد تدوين كل القبائل و الطوائف الكردية التي كانت موجودة آنذاك لعدم معرفته بها بل اكتفى بذكر القبائل و الأسر الحاكمة التي كان المؤلف على دراية بأحوالها و مواطن سكناها, يقول العمري: "لم أذكر من عشائرهم إلا من كنت به خبيراَ و لم أسم فيها منهم إلا بيت ملك أو إمارة.
" أما أكراد( ما وراء نهر دجلة إلى نهر الفرات) فقد اكتفى المؤلف ( أكراد الجزيرة و قرى ماردين) دون الدخول في تفاصيل أماكن توزعهم و تقسيماتهم القبلية . و يتضح من نص العمري مدى غنى بلاد الأكراد بالثروة الزراعية و اشتغالهم بها إلى جانب تربية الماشية و هناك إشارات بسيطة إلى اشتغال الكرد ببعض الصناعات , كصناعة استخراج المعادن " معدن الزرنيخ". و يبقى نص العمري وثيقة تاريخية هامة لدراسة أحوال الكرد في الفترة المغولية العصيبة التي مرت على المنطقة و نظرا ً لهذه الأهمية ارتأيت نشره كاملاَ ًو سبق أن نشر المؤرخ المرحوم محمد أمين زكي و المترجم محمد علي عوني مقتطفات منه في كتاب ( خلاصة تاريخ الكرد و كردستان).
و حاولت جاهداَ اعتماداَ على الكتب المتوفرة شرح غوامض هذا النص قدر المستطاع واستفدت من بحث د. زرار صديق المار ذكره . و نهيب بالباحثين و المهتمين إغناء هذا النص بملاحظاتهم و سد الثغرات الموجودة فيه إتماما ً للفائدة .
هـذا النص مستل من المخطوطة المصورة التي نشرها الباحث التركي فؤاد سزكين بالتعاون مع
علاء الدين جوخوشا ،ايكهارد نويباور _منشورات معهد تاريخ العلوم العربية الإسلامية 1988م، طبع بالتصوير عن مخطوطة 2797__2(ص178_462) احمد الثالث ،طوبقابو سراي _استانبول .
مملكة الجبال
وهي أ ربعة فصول, الفصل ال أ ول في الأكراد وفيه فصل جامع لأ حوال سكان الجبال, الفصل الثاني في اللر, الفصل الثالث في الشول, الفصل الرابع في شنكاره (1), وبلادهم جميعها بلاد خصب زايد ومزا رع و موا رد وزروع وفوا كه وثمر متشابه وغير متشابه وكلهم أ هل غناء ودفاع وحصانة وامتناع .
الفصل الأول
في الأكراد
الذي نقول ـ وبالله التوفيق ــ أن الأكراد وإن دخل في نوعهم كل جنس أتى ذكره في هذه الفصول فإنهم جنس خاص من نوع عام وهم ما قارب العرا ق وديار العرب دون من توغل في بلاد العجم ومنهم طوايف بالشام واليمن (2) ومنهم فرق مفترقة في الأقطار وحول العراق وديار العرب جمهرتهم وغلب في زماننا ما يقارب ماردين منهم إبراهيم بن علي المسمى بالعزيز بالو واستفحل أ مره وقويت شوكته واجتمعت عليه جموع وبرقت بها أسنة ودروع وثوب باسمه الداعي وتقيدت دون غايته المساعي ثم مات وقام إبنه بعده ولكنه ما حكى الوالد الولد ولأ سد الشبل موضع ال أ سد أما الفصل الجامع لأحوال سكان الجبال هؤلاء وغيرهم فإنا نقول وبالله التوفيق أن المراد بالجبال على المصطلح هي الجبال الحاجزة بين ديار العرب وديار العجم وابتداؤها جبال همذان وشهرزور وانتهاؤها صياصي الكفرة من بلاد التكفور وهي مملكة سيس(3) وما هو مضاف اليها بايدي بيت لاون ولم أذكر من عايرهم إلا من كنت به خبيرا ,ً ولم أسم فيها منهم إلا بيت ملك أو إمارة تبدأ بجبال همذان وشهرزور واربل وتنتهي إلى دجلة الجزيرة من كوار إلى الموصل ونترك ما وراء نهر دجلة الى نهر الفرا ت لقلة الاحتفال به على أن الذي ذكرته هو خلاصة المقصود اذ لم يبق إلا أكراد الجزيرة وقرى ماردين وهم لكل من جاورهم من الأعداء الماردين مع ان أماكنهم ليست منيعة , ومساكنهم للعصيان غير مستطيعة, فمنهم طايفة بجبال همذان وشهرزور يقال لهم الكورانية, منهم جند ورعية وكلهم أولو شوكة وحمية مقيمون بموضع يقال له دياوشت(4) الأمير محمد ومكان ثان يقال له درتنك(5) أميرهم الأمير محمد وعدة القوم تزيد على خمسة آلاف لابين بينهم ولا خلاف , ومن بعدهم الكلالية وهم قوم لهم مقدار وكمية تعرف بجماعة سيف الدين صبور و مقامهم دانترك ونهاوند الى قرب شهرزور وعدتهم ألف رجل مقاتلة قوية وأميرهم يحكم على من جاورهم من العصا بة الكردية حكم الملك على جنده, ويقدر على جمع عدد أصناف عشيرته لأنهم واقفون بصدق كلمته وحسن سيرته, ومن الكلا لية سوى هؤلاء طايفتان إحداهما مقيمة بنواحي دقوق(6) وعددهم ألف أو دونها والأخرى بأسنة(7) من نواحي أذربيجان عدة رجالها مايتان , وكانوا أكثر من ذلك عددا و أوفر مددا. لما كان الملك شرف الدين ابن سالار صاحب اربل من جهة التتار قتله رجل من الكفار فعصا قومه على الكفار وهاجر بعضهم الى مصر والشام وبقي ولده الأمير محمد حاكما على من بأشنة من قبيلته وولده الأمير عثمان أميرا لمن أقام بوطنه من عشيرته, فلما توفي ولده توفاهم سواهم .
ويلي الكلالية بجبال همذان قوم يقال لهم رنكلية(8), أصحاب شجاعة وحيلة, وعدتهم ألفان يقال لهم جماعة جمال الدين بالان بجكم يحكم على بلاد كنكور(9) وما جاورها من البقاع والكور. وأما بلاد شهر زور فكان يسكنها طوائف من الأكراد قبل خراب البلاد أكثرهم رجالا وأوفرهم أموالا.
طايفتان إحداهما يقال أنها اللوسه , والأخرى تعرف بالبابيرية(10) رجال حرب وأقيال طعن وضرب نزحوا عنها بعد واقعة بغداد(11) في عدد كثير من أهل السواد بالنسا والأولاد وأخلوا ديارهم ووفدوا إلى مصر والشام, وتفرقت منهم الأحزاب وأصابتهم الأوصاب وعظم فيهم المصاب ولكل اجل كتاب, وقد بقي في أماكنهم وسكن في مساكنهم قوم يقال لهم الخريسة ليسوا من صميم الأكراد, وببلاد شهر زور قوم آخر بينها وببن أشنه , يبلغ عددهم ألفي نفر يقال لهم السيولية ذو شجاعة و حمية لهم ,
وهما قسمان : قسم يورك ابن عزا لدين محمود والآخر قسم يعرف بالأمير داوود ويعرف بداود بدران ثم يليهم الفرياوية(12) وهم يسكنون بعض بلاد بستار وبيدهم من بلاد إربل أماكن أخر يزيد عددهم على أربعة آلاف نفر كان أميرهم أبي بكر يلقب بسيف الدين وتولاهم بعدهم ولده شهاب الدين ثم يليهم قبيلة يقال لهم الحسنانية ذو أنفس قوية يتقسمون على ثلاثة بطون وهم نحو الألف أكبر بطونهم طائفة عيسى ابن شهاب الدين كراي ولهم الخفر لقلعة بري والحامي وثاني بطونهم نفران نفر يقال لهم البلية والأخر يعرف بالجاكية وكان الأمير عبد الله ابن شهاب الدين زنكي أمير النفرين وثالث بطونهم كان لفخر الدين أمير قيم والآن أخوه اختيار الدين عمر بن أبي بكر وتختص الحسنانية ببلاد الكر كار وتشاركهم الفرياوية في آخر الخفارة المأخوذة بدربند قرايلي(13) مشاركة الآخرين ثم يليهم بلاد الكرخين(14) ودقموق السافية عدتهم تزيد على سبع ماية وكان أميرهم شجاع الدين بابكر زمامي ذابا ً عن دينه محاربا ً عن حزبه ومن ذلك موضع يقال له بين الجبلين من أعمال إربل قوم يتخدمون للدولتين ويدارون الفيتين فهم في الشتاء يعاملون التتر بالمجاملة وفي الصيف يعينون سرايا الشام في المحاملة وعددهم كعدد الكلالية وكان أميرهم تاج الدين الخضر بن سليمان كاتبا ذا بنان ولسان وفد إلى الباب الملكي المنصوري السيفى قلاوون(15) بمصر ثم اخترمته المنية وعاد أولاده الأربعة إلى أوطانهم في الأيام العادلية الزينية(16) مع عز الدين سنقر من الشهرزورية و المبارز بن شجاع الدين من الازخية وبهاء الدين ابن جمال الدين خوش من الحميديةإذ لم يجدوا لهم في الدولة الزينية حرمة مرعية ولا أخبارا ً مرضية ثم يلي هؤلاء من إربل الماذنجانية و هم طائفة ينسبون إلى الحميدية لم يبق لهم أمير غير أمرايهم وعدتهم تنضاف إليهم في شدتهم ورخايهم ولا تنقص عدة الحميدية عن ألف مقاتل وهؤلاء المازنجانية يتعانون الصلافة ويتشبهون بالناس في الآلات واللباس لأن أميرهم كان من أمراء الخلافة في الدولة العباسية لقب من ديوان الخلافة بـ (مبارز الدين )(17) واسمه كك وكان يدعي الصلاح وتنذر له النذور فإذا حملت إليه قبلها ثم أضاف إليها مثلها من عنده و تصدق بهما معا ً قال الحكيم الفاضل شمس
الدين أبو عبد الله محمد بن ساعد الأنصاري(18) وقد ذكره :
كان ذا شجاعة وصبر وتحيل ومكر وعقل وفكر وتدبير وسياسة وتثبت ورياسة لايهمل عدوا ً لصغره وحقارته ولا يهاب من أراد به سوءا ً لعظمه وجسارته , نقل عن إبن الصّلايا(19) رحمه الله أنه قال حين أعطاه خبر أبيه سيف الدين محمد وحياه :
لقد توسمت في هذا الشاب سعادة لم أتوسمها في أحد سواه فكان كما توسمه الصاحب رحمه الله نراه كذلك إذ أقام في التتر في ذلك المقام وتمكن إبن يافث من إبن سام وتشتت أهل الإسلام وانحل ما عهد من النظام ولم يبق من الرجال القادرين على القتال إلا سكان الجبال فما أعجز الكفار إستئصالهم وتحققوا أن سهامهم لاتنالهم عاملوهم بالمكر والخديعة وهادنوهم على تخلية الخراج سدا ً للذريعة وقدموا منهم إثنين وحكموهما عليهم من الوجهين فما كان من وجه بلاد العجم كان مبارز الدين كك متحدثا فيه وماكان من مدن العجم كان الاسد بن منكاكين الحايز لنواحيه وجعلوهما ملكين وأعطوهما بايزتين ثم استنابوا المبارز كك في إربل وأعمالها و صرفوه في سيفها ومالها وأقطعوه عقر شوش بكمالها وأضافوا إليه هرا وتل خفتون(20) وقدوه على خمس ماية فارس أو يزيدون .
وسعد بسعادته قومه و أناف على أمسه يومه . وكثر في عشيرته الأمراء لإشتباكهم معه في النسب وغلب أقرانه بعناية الدولة والدنيا لمن غلب وكان ترى همته همة الشبان وهو إبن تسعين وتولى هذه المملكة وهو إبن نحو عشرين ماقصده عدو إلا مكنه الله منه ولارسم ملك من ملوك التتر بقتله إلا هلك قبل نفاد أمره وامتثاله , ولم يبلغ مابلغ من ملكه وكثرة رجاله ولاتمنعه جباله ولكن سعادته و إقباله . ثم مات وخلفه ولده عزالدين , وكان يكنى به فيما ألف منه وعرف عنه
ثم أخوه نجم الدين خضر وكان من الرفاهية على ( سرر مرفوعة وأكواب موضوعة ونمارق مصفوفة وزرابي مبثوثة ) (21) ونعم مما ترك أبوه موروثة إلى حاشية وغاشية وعقار وماشية و سعادات قديمة وناشئة مكانة في الدولتين الاسلامية والتتارية لا تطاول ورتبته عالية في الجهتين لا تحاول وانبساط في اللذات وشرف بالعرض والدات ويدلا تقصر في أدب ولا تبالي بلاغتها بما تنفق من كنوز الفضة والذهب وكانت ترد على الأبواب السلطانية بمصر ونواب الشام منه كتب تنهل بماء الفصاحة كا لسحب وتسرح من أحيائها الأبكار العرب ثم مات رحمه الله وخلفه ولده وجري على سنته .ونمت به في اهل بيته منته . ويلي بسار وأعمالها وتل حفتون وبلادها بلاد السهرية(22) المشهورين باللصوصية وهي من بلاد شقلاباذ(23) إلى خفتيان(24) أبي على ويعرف بخفتيان الصغير ومابين ذلك من الدشت والدربند الكبير وهم قوم لايبلغ عددهم الفا وجبالهم عاصية ودربندهم بين جبلين شاهقين يشقهما الزاب الكبير ويتقلب على صخورهما بصوت مفزع وهدير قوي عليه ثلاث قناطر اثنان منهما بالحجر والجير والوسطى مظفور من الخشب كالحصير علوها عن جهة الماء مئة ذراع في الهواء وطولها بين الجبلين خمسون ذراعا في عرض ذراعين وقد ينقل تارة من ارضه فينقص من طوله او يزاد في عرضه تمر عليه الدواب باحمالها والخيل برجالها وهي ترتفع وتنخفض وينبسط وينقبض بخاطر المجتاز عليها بنفسه ويقامر بعقله وهم ياخذون الخفارة عندها يجيلون ما شاء وأبعدها فان الدربند مضيق على نهر عميق وهم اهل غدر وخديعة وقبائح شنيعة لا يستطيع المسافر مدافعتهم فيه بل ترضيه سلامته بنفسه قال الحكيم شمس الدين محمد بن ساعد :
ان نسب احد من الأكراد إلى الجن(27) فهم هؤلاء حقا .وان صعب مسلك دربند فهذا أصعب المسالك وأشقى كان أميرهم الحسام بن عم قميان أبقى ما ترك ولا أبقى ومجاورهم قوم يقال لهم الزرزارية وهي كلمة أعجمية معناها ولد الذيب(28) ويقال إنهم ممن تكرد من العجم المنسوبين إلى ملوكهم ذكره بعض أهل التاريخ ولهم عدد جم منهم زراع وامراء وأغنياء وفقراء يبلغ عدة رجالهم خمسة ألاف قليل بينهم الخلاف ومنهم زهاد يشار إليهم وفقهاء يعتمد في الفتوى عليهم مساكنهم من مرت(29) إلى جبل جنجرين(30) المشرف على اسنه من ذات اليمين وهو جبل عال مشرف بمكانه على جميع الجبال كان هواه الزمهرير وكأنه للسحب مغناطيس يجذبها بالخاصة قد نصب عليه للتحذير ثلاثة أحجار طول كل حجر عشرة أشبار وعرضه ربع هذا المقدار وثخانته نحو ثلثي ذراع منحوت من جميع الأضلاع مركب من حجر مربع وثخانته تزيد على ذراع في التقدير على كل من الثلاثة كتابة قديمة لم يبقى منها سوى المعالم وهي من الحجر المانع الأخضر الذي لا يغيره البرد ولا الحر ولا يتأثر إلا في ألوف سنين تأثير لا يكاد يبين فالوسط منها على بسطة راس الجبل والآخران في ثلث عقبته لمن صعد أو ترك يقال إنها نصبت لمعنى الإنذار و إن المكتوب عليها أخبار من أهلكه الثلج والبرد في الصيف وهم يأخذون الخفارة تحته ويدركون أو يوارون من هلك ببرده . وبيد الزرزارية أيضا بلاد ملاذ كرد(31) والرستاق بقلاعها ومزارعها وضياعها و لا يحملون لأحد شيئا من ارتفاعها وكان لهم أمير جامع لكلمتهم مانع لشوكتهم يسمى نجم الدين ابن باشاك ثم توفي وتولاهم من بعده ولده المسمى جيدة ولما أدركه الأجل وتوفي تولاهم ولده عبد الله وكان لهم أيضا أمير شجاع عفيف له رأي وتدبير يقال له الحسام شير الصغير حوله من عشيرته عصبة تسير بسيرته وكذلك كان لهم أمير آخر جيدة السير يسمى باشاك بن الحسام شير الكبير وآخر منهم له باس قوي يدعى بهاء الدين بن جمال الدين أبي على وأمراء غير هؤلاء من ينطوي في طاعتهم ويدخل في جماعتهم إذ لا يبلغ قدر استطاعتهم يستغنى عن ذكر اسمه بمن تقدم وينضم إلى الزرزارية شرزمة قليلة العدد هي لهم كالمدد تسمى باسم قريتها بالكان منفردة بمكان مشرف على عقبة الخان(32) يأخذون عليها الخفارة بالبد القوية ويتجولون بين الحسنانية قتل أميرهم وتوبك مع نجم الدين وعاد قومه لهم بالرعية تبلغ عدتهم مئة رجل .
ومنهم الجولمركية وهم قوم نسبوا إلى الوطن لا إلى النفر بل هم طائفة من بني امية يقال انها حكمية(33) اعتصموا بالجبال عند غلبة الرجال عليهم واستغنوا بمنعتها عند استعمال الباس ومخالطة الناس طلبا للسلامة من أعدائهم وفرارا من اعتدائهم فانخرطوا في سلك الأكراد فسلموا وهم الان في عدد كثير يزيدون على ثلاثة آلاف كان ملكهم عماد الدين بن الأسد بن منكلان ثم خلفه ولده الملك أسد الدين وتحت يده من المعادن ما ينقل من الزرنيخين إلى سائر الأماكن وكان ظهر له معدن اللازورد فأخفاه لئلا تسمع به ملوك التتر فيطلبونه ومعقله الذي يعتمد عليه من امنع المعاقل على جبل عال مقطوع بذاته قرن الجبال قائم في وسطها مع الانفصال شامخ في الهواء راسخ فيما حوله من الماء والزاب الكبير محدق به فاصل بينه وبينها بإذن ربه لامحط للجيش عليه ولا وصول للسهام إليه سطحه للزراعة متسع وفي كل ضلع من جوانبه كهف مرتفع ياوي اليه من شاء للامتناع فيمتنع والماء محيط بأساسه والثلج لا يزال يشتعل سببه برأسه والصعود اليه في بعض الطريق يستدعي العبور على أوتار مضروبة مصلحة لمن يطيق ومن لا يستطيع التسابق جر بالحبال يعلق بها وكذلك ترفع البغال للطواحين والذخائر التي يحتاج إليها في كل حين والملك عليهم معتبر عند الأكراد ولهم على كلمته اعتماد يدعى بهاء الدين بن قطب الدين وولده فى الملك يجري مجراه ويخلف في سيرته أباه وكان له ابن عم آخر يدعى شمس الدين داود عصا على دولة الأعداء مدة وعجزوا عنه وقد اجتهدوا في غيلته بكل حيلة فلم يقدروا عليه فبالغوا في الإحسان إليه وأمروه بالانتقال عن الجبل ليأمنوا اعتصامه فاحتصن التوصل في التوسل حتى سكن ببعض المدن فلما قر في دا ر كانت بنيت للسلطان وغرس فيما حولها بستانا ًجامعاً لأشجار ذات أفنان مختلفة الثمار محفوفة بالارتفاع فغلة من دنانيرهم عشرون ألف دينار والدار أعظم ما يكون من دور السلطنة لما فيها من البسط والآلات المثمنة فخولوه في سكنها وسمحوا له بالفاكهة وثمنها إلى إن اخترمته ريب المنون فترك ولده الحركة وعاد إلى حربهم يؤدى اليه خراج بلاده ويقطع منها ما شاء من أقاربه وأجناده و يأخذ الخفارة من جميع الطرقات من أذربيجان من تبريز إلى خوى ونقشوان وكل وظائف مستخدميه بضمان من الكتاب والمنشدين والنواب والمتصرفين والوكلاء ولا يقم طعامهم ضيفانه الى ثلث الليل المعلوم الى نصف نصف النهار اى غداء كان ولا يطعم ضيفانه الى ثلث الليل عشاء ولايجعل في خبزه ملحا لياكل منه من كان حربا أو صلحا(34) .
ويجاور الجولمركية من الاكراد قوم يسكنون الجبال من بلاد تدعى مركوان(35) كثيرة الثلوج والأمطار مخصبة ربيعها زاهر بانواع النبات والازهار وصفها منوط بالحان الاطيار وشتاؤها وافر الاسمان والالبان عزيز اللحوم المنوعة وهي منزحمة(36) لارمية من بلاد أذربيجان وكان لهم بها اميران بدر الدين والامير حسن اخوان شقيقان وبالرعا يا رفيقان تبلغ عدتهم ثلاثة الاف وهم لمن جاورهم من الزرزارية والجولمركية اخلاف ويعاملونهم بالرافة والاحسان ويجاور الجولمركية من قبل بلاد الروم جبال وبلاد يقال لها كوار(37) ذات سعة وامكان ومرعى للحيوان وخصب مستمر في سائر الأحيان واليها ينسب من بها من السكان فيحسب انه من قبيلة وكان الأمير شمس الدين هو المدارى عنهم وعدة قومه ثلاثة آلاف ويلي الجولمركية وجه عقر شوش وبلاد العمادية وبلاد الزيبار(38) وبلاد الهكار اما الزيبارية فيبلغون خمس مئة عددا أصحاب بازازية لهم سوق وبلد وكان حروب بينهم وبين المازنجانية مددا ثم قر قرارهم وانجدوا وكان ملكهم احدهما الامير ابراهيم بن الامير محمد الزامي وكان موقرا زمن الخلافة معروفا بالحشمة وبقي ولده بعده صغيرا فاحتاج الى الاعتضاد بالمبارز كك ليكون له ظهيرا والثاني الشهاب ابن بدر الدين برش توفي ابوه وخلفه كبيرا ولولا المازنجانية لم يدع لهم سواه اميرا فاستولى على الرعية استيلاءً كثيرا ً واما الهكارية فانهم مقيمون ببلاد العمادية تزيد عدتهم على اربعة الاف حربية وكانت امارتهم الى اميرين اخوين احدهما الامير ابوبكر والاخر الامير على يعرف والدهما بالطراوسي فاما ابو بكر فانه كان ممتنعا برجاله وكثرة احتياله وقوة جباله ونوابه وجيوشه واحزابه وبقي مدة لا يعبا بهم ولا به مع انه سير له العساكر واستعان عليه بكل ماكر الى ان حكم بالموصل نصرانى يقال له مسعود البرقوطي وعزل عنها الامير رضي الدين بابا القزويني البكري رحمه الله فاحتال النصراي على الامير ابي بكر بكل حيلة واعانه عليه في المكيدة بعض القبيلة فحسنوا له الوثوق اليه والنزول الى الطاعة على يديه وسير له الرهائن اربعة من الصبيان الى السلطان احدهم مباركشاه والثاني سيف الدين ابن المبارز كك الذي استنابه في القصر أبوه والآخران وجركتم والدهما فيبلغ بكر الدين كان باربل نائبا في ذلك الزمان فاعتر ونزل إلى الباب وبقي عند السلطان معظم المقدار إلى .........فيه ذوو الاعتراض وقالوا لن احضر ولده وأهله فما عليه اعتراض ولما طلبوا منه سير إليهم بالنزول فلم يأخذوا أمره بالقبول وعاد مؤكدا لطلبهم برسول وتأخر حضورهم فاشتبهت على السلطان أمورهم فأمر بالاحتياط عليه وعلى من معه من أصحابه وكان إذ ذاك متوجها إلى حمص في أحزابه فلما وصلوا إلى مراغة أذربيجان توجه إجابة لداعي السلطان وكان موثقا عنده في المكان فانتهز الفرصة في الخروج من الوثاق وخلص من معه من الرفاق وركب ما وجد من الخيل عريا وساق بناء ً على أن الجبل قريب وطمعا ًفي أن يدركه الليل فيستتر فلما أحس القوم بفراره خافوا صولة سلطانهم ونادوا اولام اولام على آثاره فتنبه عليه قوم من الاختاجية وهم رعاة الخيل وهو يحث فرسه بكزلك وهي مذية فرماه احدهم بسهم أصابه به وتواثبوا عليه أصحابه فلم ينجح منهم احد الإ رجل كان لما انهزموا قد دخل البلد, وأما أكثر الرهائن كان البارز شير سير من سرق ولده وهرب كل منهم يلحق ولده وبقي الأمير علي أخوه مستقلاً بالهكارية وحده إلى أن أتاه اليقين فخلف فيهم ولده غرس الدين صاحب قلعة هرور(39) ونشأ الأمير محمد بن الأمير أبي بكر شجاعا ً فقصد قلعة الجبال فأخذها واحرق بالمكان الدور وأراد أن يقيم بها إن ساعده القدر المقدور .
والهكارية يأخذون الخفارة في أماكن كثيرة من بخارى إلى جبل الجزيرة ويليهم من قبل المرج جبال القمرانية وكهف داود وهذه الأماكن أوطان النستبكية وقليل ماهم لكنهم حماة رماة وطعامهم مبذول على خصاصة وعدتهم لا تزيد على خمس مئة وأميرهم مقيم بالقمرانية يقال له(40) .............ويقابل الجولمركية من قبل الموصل البختية وهم قوم كانوا يضاهون الحميدية لكنهم شعبهم أكثر وقبيلهم أكثر فكان لهم كبراء واعيان فهلك أمراؤهم وتشتت كبراؤهم وتفرق جمعهم المعهود ولم يبق منهم الإ شرذمة قليلة تفرقت بين القبائل والشعوب وكان من بقايا أمرائهم فخر الدين خدم صاحب ماردين فأبعده لأقوال قيلت وشعبهم كثيرة وقبائلهم متفرقة منهم السندية وهم أكثر شعبهم عددا وأوفرهم مددا يبلغون ثلاثين ألف مقاتل مختال مخاتل والمحمدية وكان أميرهم شروين لا تزيد على ست مئة رجل والداسنية كانوا أولي عدد وعدد وجمع ومدد إلى أن نزح أميرهم البدر بن كيابك من ذلك البلد بالأهل والولد إلى منعة وقد تشتت شملهم وتفرق جمعهم وكان عدتهم لاتزيد في بلد الموصل على ألف رجل وأميرهم علاء الدين كورك بن إبراهيم ولا ينقص في بلد العقر عن خمس مئة وأميرهم عمر بن أبي علي وموسى بن بهاء الدين والدنبلية وهم يسكنون جبال المقلوب والمختار مطلوبون بالخفارة أميرهم كلتي ولا تزيد عدتهم على ألف متفرقين في البلاد متمزقين بكل واد .
الفصل الثاني
في اللر
وهؤلاء طائفة كثيرة العدد ومنهم فرق مفرقة في البلاد وفيهم ملك وإمارة وأقدام وشطارة ولهم خفة في الحركات وصدق في القول يقف الرجل منهم إلى جانب البناء المرتفق ويلصق بطنه بأحد الزوايا القائمة به ثم يصعد فيه الىان يرتقي صهوته العليا ومنهم من يجالس الرجل ماله ويأخذه منه وهو لايدري وربما امسك الرجل منهم وضرب بالسياط وعوقب اشد العقاب فلا يقر انه اخذ ولا يعرف فاذا حلف بستر الله واقسم عليه به اقر واعترف وفي بلاد مصر والشام منهم طوائف وفي البلاد الشامية معظمهم , ولهم في هذا وقائع مشهورة واحوال مشهودة ومما يحكى ان السلطان صلاح الدين ابا المظفر يوسف بن ايوب رحمه الله حضر اليه رجل منهم واظهر له اشياء من افعاله اللطيفة وحركاته الخفيفة حتى انه وقف الى جانب بناء مرتفع وارتفع والتصق به وارتفع حتى استوي على اعلاه وصلاح الدين رحمه الله يظهر العجب من شطارته وخفة حركته وقدرته على ما لايقدر عليه امثاله فلما ترك خلع عليه واكرمه وحمله على فرس واقطعه اقطاعا ًجليلا وقال له اشتهي ان يكون عندنا جماعة منكم فاننا ما نستغني عنكم لنتوصل بكم الى حصون الاعداء فبقي ذلك اللري يجلب له واحدا بعد واحد ممن يقدر على هذا منهم فكلما جاء واحد منهم اكرمه صلاح الدين وخلع عليه واقطعه القطاع حتى لم يبق احد منهم وبقي مدة لم يحضر احد ا ًالى صلاح الدين .فقال له لاي شيئ ما عدت جبت لنا احدا فقال والله يا مولاي ما بقي احد يقدر على هذا مثلنا فلما تحقق صلاح الدين من اسرها في نفسه ثم جمعهم واوقف خلف كل رجل منهم رجلا واومأ اليهم فضربوا رقاب اولئك النفر , لان صلاح الدين لما راى ذلك منهم فزع منهم على نفسه وخاف ان هو قتله وحده يبقى وراءه من يفعل مثل فعله فاحتال عليهم بذلك لئلا ينزل عليه احدهم فيقتله به واما ما يروى من مشي هذه الطائفة على الحبال المعصوبة على قامات من الأرض وانقلابهم عليها في الهواء حتى يصير رأس الرجل منهم منكوسا ً إلى الأرض ورجله متعلقة بالحبل ثم يستوي على قامته ثم يمشي على الحبل بالقبقاب ويلعب فوقها بالمخاريق ما تحار له الألباب ويحال فيه إلى نوادر العجب العجاب وإن نساءهم يفعلن وتركضن أشد ركض ثم تطيح عنها في قوة جريها إلى الأرض ثم تثب عليها فيستوي على ظهرها ثم تصير حزاما ً لبطنها ثم تترك صهوة الفرس وتعتنق العنق تارة من أعلاها وتارة من تلقاء صدرها إلى غير ذلك من عجائب الأفعال و غرائب الخفة في المجال ودأب من هو منهم في الشام أحد ما قدروا عليه ووصلت أيديهم إليه وقد عرف صبرهم على الضرب فما بقي يضرب أحد منهم إذا اتهم بل يحلف بستر الله ويقسم عليه به فيقر ويعترف ويرد ما أخذه ويقول نحن نأخذ قبيح ونحن نرد مليح وقد أوردنا هاتين اللقطتين بعادتهم على ما ماهي عليه وهم ببلادهم أهل منعة وهي اللران كبير وصغير ومأمور وأمير وسارقهم لايقطع على السرقة هكذا جرت عادتهم في بلادنا.
الفصل الثالث
في الشول
وهؤلاء حكمهم حكم شبنكارة وما يبعد بعضهم من بعض في موازنة العقول إلا أنه لايخلو بينهم من دماء تطل ومواثيق فيما بينهم تحل وفيهم كرم وسماح تقصدهم الفقراء وتترك في قراهم وتقيم في ضيافاتهم وقراهم وادلهم فيها ولهم فهم حسن الظن إذا أنزلهم الفقير أنزلوه في بيوتهم يمسي ويصبح عندهم وبين نسائهم فإن اطلعوا على أحد منهم أنه خان أوتطرق على حريم أخرجوه من بيوتهم وتبعوه فإما نجا وإما أدرك فقتل ولا يقتلون أحدا ً منهم في بيوتهم سترا ً على حريمهم وخوفا ً من تنفير الفقراء منهم لحسن ظنهم فيهم
الفصل الرابع
في شبنكارة
وهم احسن من اللر طريقا واقل فريقا وفيهم رعاية الزمام وتمسك من الشريعة المطهرة بزمام ولهم باس وشجاعة وعندهم لامرئهم سمع وطاعة على انهم اشد من الاسود اذا غضبوا واخف من البرق اذا وثبوا يكن الرجل منهم في اسفل الجبل العالي ثم ياذن في الصعود ويرشق محاذيه السهم فيكاد يسبق السهم وقد بلغ غايته وما انحدر او يوافي هو واياه على قدر .
الهوامش :
1- هي قبيلة شوانكاره او شبانكاره المعروفة وكما هو واضح من النص فان المؤلف لم يدرج طائفتي اللر وشوانكاره ضمن الطوائف والقبائل الكردية وقد أثار هذا الموضوع جدلا بين الباحثين حيث ذهب فريق منهم على اعتبارهما طائفتين كرديتين وعدهما فريق اخر طائفتين مستقلتين عن الكرد .
2- يقصد المؤلف الاكراد الايوبين .
3- مملكة سيس :من اعظم مدن الثغور الشامية بين انطاكية وطرسوس على عين زربة وبها مسكن ابن ليون سلطان تلك الناحية الارمني (معجم البلدان ).وكانت مدينة سيس عاصمة مملكة ارمينية الصغرى في كيليكيا .
4- يعتبر المرحوم محمد علي عوني ان دياوشت محرفة من ماه دشت _ما يدشت (خلاصة تاريخ الكرد وكردستان ،هامش ص361) وهي قلعة وبلد،من نواحي خانقين (معجم البلدان ).
5- في صبح الأعشى دراتنك وهو تصحيف من درتنك وهي منطقة هالمان التاريخية وتعرف في الجغرافية الإسلامية بإسم حلوان و تعرف اليوم باسم زهاو .
6- دقوقاء او دقوق مدينة بين اربل وبغداد تقع الى الشمال من مدينة كركوك وتعرف ايضا باسم طاووق .
7- اشنة او اسنة هي مدينة شنو الحالية في كردستان ايران .
8- في صبح الاعشى زنكلية وكلاهما محرفة من زنكنة القبيلة الكردية المعروفة (خلاصة تاريخ الكرد وكردستان ص 361).
9- كنكور او كنكاور تقع بين همذان وكرمنشاه وهي قصر اللصوص في المصادر الجغرافية الاسلامية .
10- في صبح الأعشى ورد اسم هذه القبيلة خطا ب الباسرية
.11- سقوط الخلافة العباسية على يد هولاكو سنة 656هــ 1258م .
12- القرياوية تحريف عن القرتاوية _الكرثاوية (خلاصة ...هامش ص 362)
13- _دربند"قره بويلي " الذي يرى هوفمان انه كائن في جبل بجوار نهر الزاب الصغير (خلاصة تاريخ الكرد.......هامش ص 362).
14ـ_كرخيني : هي منطقة كركوك الحالية وتعرف ايضا باسم " باجرمي "
15ـ نسبة الى السلطان المنصور سيف الدين ابو المعالي ابو الفتح قلاوون التركي الصالحي النجمي كان من اكبر الأمراء الظاهر وتملك في رجب سنة 678ه(شذرات الذهب ج 7ص715)
16ـ نسبة إلى السلطان المملوكي العادل كتبغا (694هــ 1298م)
17ـ مبارز الدين كك وحسام الدين كك :يذكر الباحث العراقي المرحوم عباس العزاوي في كتابه "الكاكائية في التاريخ ": إن أخبارهما فصلت في كتاب " تاريخ اربل " للمستوفي الاربلي _ للأسف الشديد _ لم اطلع على هذا الكتاب .
18ـ هو محمد بن ابراهيم بن ساعد شمس الدين ابو عبد الله الانصاري المعروف بابن الاكفاني السنجاري المولد والاصل المصري الدار ،فاضل جمع شتات العلوم وبرع في علوم الحكمة خصوصا الرياضي فانه امام في الهيئة والهندسة والحساب والطب وله في ذلك تصانيف عديدة
منها: "ارشاد القاصد الى اسنى المقاصد " و"اللباب في الحساب " و"نخب الذخاير في معرفة الجواهر " و"غنية اللبيب عند غيبة الطبيب " و" كشف الرين في امراض العين "وكانت عربيته ضعيفة وخطه رديء توفي في طاعون مصر سنة 749هـ_1348م _ " الوافي بالوفيات _تاليف :صلاح الدين ابن خليل ابن ايبك الصفدي .ج 2_ص 25"
19ـ ابن صلايا الصاحب تاج الدين ابو المكارم محمد بن نصر بن يحيى الهاشمي العلوي نائب الخليفة باربل ،قتله هولاكو بقرب تبريز في ربيع الاخر سنة 656ه_1258م(شذرات الذهب في اخبار من ذهب )
20ـ تل هفتون :بليدة من نواحي اربل في وسط الجبال وفيها سوق حسنة وخيرات واسعة واهلها كلهم اكراد .(معجم البلدان )
21ـ سورة الغاشية .
22ـ بلاد السهرية :بلاد السوران .
23ـ شقلاباذ هي مدينة شقلاوة الحالية في كردستان العراق .
24ـ خفتيان ابي علي او خفتيا ن الصغير ،قلعتان عظيمتان من أعمال اربل ،إحداها على طريق مراغة يقال لها خفتيان الزرزاري على راس جبل من تحتها نهر عظيم جار وسوق وواد عظيم ،والأخرى خفتيان سرخاب بن بدر في طريق شهرزور من اربل وهي أعظم من تلك وأفخم ،ويكتب في الكتب خفتيذكان .(معجم البلدان ) والمقصود بخفتيان أبي علي أو خفتيان ا لصغير هو دربند " هاوديان " الحالي قرب رواندز ( جريدة خبات العدد 819__21__3__1993_مقا ل للمؤرخ زــ بلال .
25ـ الدشت :بليدة في وسط الجبال بين اربل وتبريز ،رايتها عامرة كثيرة الخير ،واهلها كلهم اكراد .(معجم البلدان ) وهو سهل حرير (خبات العدد 819)
26ـ الدربند :هو( كلي علي بل) الوقع بين سلسلتي جبال كوره ك ونواخين (خبات العدد819)
27ـ إشارة إلى الحديث المنسوب الى الرسول :" الأكراد جيل من الجن كشف عنهم الغطاء " (محاضرات الادباء ومحاورات الشعراء والبلغاء ) للراغب الاصفهاني ج 1ص 426 .
28-يقول المستشرق كاترمر : ان الكلمة تعني "ولد الذهب "بالكردية زرزاروا .( دائرة المعارف الإسلامية ،المجلد الثاني ص 222
29ـ مرت :هي قرية بينها وبين ارمية منزل واحد في طريق تبريز ،وهي كبيرة ذات بساتين وفي أهلها شجاعة .(معجم البلدان )
30ـ جبل جنجرين :هو جبال كردستان على الخرائط الحديثة ،ولم اعثر على اسم جنجرين في كتب البلدانيين التي اطلعت عليها وربما كلمة جنجرين تصحيف من ال حجرين والمقصود بالحجرين هو مسلتا "طوبزاوه "و "كيله شين "الحجر الاخضر بالكردية ،عليهما نقوش اشورية كلدانية يرجع عهدها إلى عام 800 ق .م "مادة اشنةـ دائرة المعارف الاسلامية المجلد الثاني"
31ـ ملاذ كرد:في دائرة المعارف الاسلامية انها نهر براز كرد _،والرستاق تقع في جنوب "شمدينان " (خلاصة ..هامش ص365
32ـ عقبة الخان : دربند رواندز الشهير (خلاصة ...هامش ص366)
33ـ نسبة الى الخليفة الاموي مروان بن الحكم
34ـ اشارة الى تقليد شائع بين معظم الشعوب الشرقية
وبموجب هذا التقليد لا يجوز ان تقتل من أكل من خبزك وملحك .
35ـ مركوان : تصحيف من مركور
36ـ متاخمة
37ـ ربما كوان والسجع يقتضي ذلك
38ـ في صبح الاعشى بلاد الدينار وهذا خطا
39ـ هرور :حصن منيع من اعمال الموصل شماليها ،بينهما
ثلاثون فرسخا وهو من اعمال الهكارية بينه وبين العمادية ثلاثة اميال .وهرور ايضا :حصن من اعمال اربل في جبالها من جهة الشمال "معجم البلدان "
_درتنك :هي منطقة "هالمان " التاريخية والتي عرفت في الجغرافية الاسلامية باسم " حلوان " وتعرف اليوم باسم " زهاو "
40ـ بياض في الأصل .
لتحميل المخطوطه