د. مهدي كاكه يي : عوامل القوة التي ترتكز عليها الدولة (التركية) (2)

  • بادئ الموضوع بادئ الموضوع Kurd Day
  • تاريخ البدء تاريخ البدء

Kurd Day

Kurd Day Team
440.jpg

تحدثنا في الجزء الأول من هذه الدراسة عن قسم من مصادر القوة لدى تركيا ككيان سياسي وفي هذا الجزء نستمر في ذكر عوامل قوة أخرى التي ساعدت تركيا منذ تأسيسها بعد إنتهاء الحرب العالمية الأولى، على الصمود والإبقاء على نفسها ككيان سياسي موحد الى الآن.
إن إحتلال كوردستان من قِبل أربع دول، ساهم في ضعف الحركة الكوردستانية و نجاح المحتلين في إخماد الثورات و الإنتفاضات الكوردستانية و النجاح في منع تحرر كوردستان و إستقلالها لحد الآن. هذا الإحتلال المتعدد لكوردستان و الكفاح الكورستاني المنفرد في كل إقليم، بمعزل عن بعضه البعض، يعمل على تسهيل مهمّة الأتراك في الإحتفاظ بسيطرتهم على الجزء الذي يحتلونه من كوردستان و ذلك بتفرغهم لإستعباد سكان الشمال الكوردستاني لوحدهم دون بقية الشعب الكوردستاني في الأقاليم الأخرى و في نفس الوقت فأن التعاون المشترك بين (تركيا) و الحكومات الأخرى المحتلة لكوردستان، يساهم كثيراً في مساعدة الأتراك في تطويق و تحجيم المد الثوري الكوردستاني و بالتالي إعاقة تحرر كوردستان. تُعتبر هذه النقطة أحد أهم عوامل القوة في الأمن القومي التركي، و إلا لو كانت كوردستان بأجمعها تحت الإحتلال التركي و /أو كانت الحركة الكوردستانية موحدة غير مشتة، لها قيادة موحدة تجعل من أقاليم كوردستان ساحة مشتركة لنضال الكوردستانيين تحت شعار و هدف واحد، في هذه الحالة كان بإستطاعة الكوردستانيين تأسيس دولتهم المستقلة و الإخلال بالمعادلة التركية و تقزيم دورها و أهميتها إقليمياً و دولياً.
إن (تركيا) عضوة في حلف الأطلسي و التي تعني أنها ربطت أمنها القومي بأمن العالم الغربي الذي يمنحها حصانة أمنية في حالة دخولها في حرب مع دولة أخرى في المنطقة أو حين تعرض أمنها القومي للخطر. كما يجب الإشارة الى أن ل(تركيا) جيش كبير، إكتسبت خبرات قتالية جيدة من خلال حربها ضد الشعب الكوردستاني في إقليم الشمال.
لـ(تركيا) علاقات جيدة مع إسرائيل، حيث أنه تم إبرام إتفاقيات عسكرية و إستخباراتية بينهما. (تركيا) تحصل على أسلحة إسرائيلية متطورة و تتبادلان معلومات إستخباراتية فيما بينهما. هذا التعاون الإستخباراتي نجح، على سبيل المثال، في خطف الزعيم الكوردستاني عبدالله أوجلان من قِبل المخابرات الإسرائيلية و الأمريكية و تسليمه الى (تركيا). كما هو معروف بأن لإسرائيل نفوذ في العالم الغربي، و خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تستغل (تركيا) علاقتها الودية مع إسرائيل في التأثير على مواقف الإدارة الأمريكية من القضايا التي تخص (تركيا)، حيث أنه مثلاً أن هذا النفوذ نجح الى الآن من الوقوف بوجه تبنّي الكونغرس الأمريكي إعتبار المجازر الأرمنية التي إرتكبتها (تركيا) أثناء الحرب العالمية الأولى مجازر إبادة ضد الإنسانية. إن إستمرار حالة العداء بين العرب و إسرائيل في المنطقة و بقاء القضية الفلسطينية بدون حل، يساعد على إستمرار العلاقات الودية بين كل من إسرائيل و (تركيا) نتيجة عزلتهما في المنطقة، حيث أن كل منهما محاط بدول و شعوب تحمل العداء لهما، إلا أن التطورات السياسية الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط قللت من أهمية تركيا بالنسبة لإسرائيل وبذلك أضعفت العلاقات بينهما.
إن أكثرية الشعب التركي هم مسلمون، حيث أن تركيا عضوة في منظمة المؤتمر الإسلامي، كما يجب أن لا ننسى أن الأتراك، خلال حكمهم للإمبراطورية العثمانية، حكموا شعوب المنطقة بإسم الخلافة الإسلامية. لذلك فأن (تركيا) لها وشائج و علاقات دينية تجمعها مع العالم الإسلامي. كما أن الطائفة السُنيّة هي التي تحكم (تركيا) و هذه إمتياز آخر للأمن القومي التركي، حيث أن أكثرية مسلمي منطقة الشرق الأوسط و العالم هم من الطائفة السُنّية (تبلغ نفوس الشيعة في العالم حوالى 213 مليون نسمة، بينما تصل نفوس السُنّة الى 1,17 مليار نسمة، من جانب آخر فأن نفوس الشيعة في منطقة الشرق الأوسط تصل الى 95 مليون نسمة و نفوس السُنّة هي حوالي 159 مليون نسمة). كذلك فأن معدل دخل الفرد في الدول ذات الأكثرية السُنية في منطقة الشرق الأوسط هو أعلى من ذلك في الدول ذات الأكثرية الشيعية.
إن الأتراك هم مؤسسوا الإمبراطورية العثمانية التي حكمت بلدان كثيرة و مساحات شاسعة في قارة آسيا و أوربا و عليه فأنهم ورثوا من أسلافهم الترك العثمانيين الخبرة الكثيرة في السياسة و الإدارة، التي أكسبتهم القدرة على إدارة شئون دولتهم بنجاح و ساعدت على ديمومة كيانهم السياسي، حيث دامت هذه الإمبراطورية لعدة قرون.
إستقلال الجمهوريات الإسلامية الناطقة بالتركية عن الإتحاد السوفيتي السابق بعد إنهياره، كان في صالح (تركيا)، حيث كان الإتحاد السوفيتي السابق يجاور (تركيا) و بذلك بدأت الإتصالات بين (تركيا) و هذه الدول التي أصبحت سوقاً رائجاً للمنتوجات التركية و قد تمتد أنابيب بترولها و غازها الى الموانئ التركية التي تعطي إنعاشاً للإقتصاد التركي الضعيف. كما أن إختفاء الإتحاد السوفيتي أدى الى إنخفاض التهديدات الروسية ل(تركيا) و التي قادت الى خفض الميزانية العسكرية المكلفة للخزينة التركية.
أصبحت (تركيا) بلداً سياحياً و أصبحت السياحة تجارة مربحة لها، حيث ترفد الخزينة التركية بمليارات الدولارات سنوياً. إن هذا المورد السياحي الضخم يساعد الإقتصاد التركي المتدهور و الذي بدوره يكون عامل مهم في صيانة الأمن القومي التركي و منع إنهيار إقتصادها.
أهمية منطقة الشرق الأوسط التي تحتفظ بأكثرية إحتياطي النفط في العالم و الإستراتيجية الهامة لموقعها بين آسيا و أوربا و كثافتها السكانية العالية التي جعلتها سوقاً مهماً للمنتوجات الغربية و وجود دولة إسرائيل في هذه المنطقة و النزاع التأريخي بين الشيعة و السُنّة فيها و صحوة الأفكار القومية لشعوب المنطقة التي ترزح تحت نير الإحتلال و مطالبتها بحق تقرير المصير و الإستقلال و التغييرات في توازن القوى العالمية التي ستحدث في المستقبل و مسار العولمة، كلها يشير الى ترجيح تدنّي الأهمية الإستراتيجية الإقليمية و العالمية ل(تركيا) في المستقبل، و التي ستهدد الأمن القومي التركي و تهدد مصيرها و وجودها ككيان سياسي.
 
عودة
أعلى