komahestiyan
كاتب
السيرة الذاتية للكاتب عزيز نيسن....بقلمه
ولد أبي في إحدى قرى الأناضول ، رحل في سن الثالثة عشر من عمره إلى اسطنبول . أما أمي فقد كانت من قرية اناضولية أخرى ، رحلت هي الثانية وفي سنٍ مبكرة جدا إلى اسطنبول أيضاً، ليلتقيا هناك فيتزوجا ، وأولد أنا .
لَم يكن لدي أدنى خيار عندما ولدت في أكثر الأيام ناريّة وربما أكثرها دموية . فالتوقيت كان غير مناسب أبدا ، حيث اندلعت الحرب العالمية الأولى في عام مولدي أي 1915. ولسخرية الأقدار أن جاءت ولادتي في مكانِ غير مناسب أيضا ، وذلك على جزيرة (Heybeli) التي تقبع بعيدة عن شاطئ اسطنبول التي كانت المصيف المميز لسكان تركيا الأثرياء .
وبطبيعة الحال الأغنياء لا يَستطيعونَ العيش بدون فقراء، فكَان هذا الاحتياج سبباً عظيماً كي أعيش وعائلتي على هذه الجزيرة.
أنا لا أَقْصد بهذه الدلالات أني كُنْت سيئ الحظ أبدا , بل العكس هو الصحيح ، حيث بقيت - طيلة حياتي – أَعتبر نفسي محظوظاً جداً في عدم المَجيء مِنْ عائلةٍِ مشهورةٍ ، نبيلةٍِ ، وغنية .
الأجواء في الدول الرأسمالية تبدو ملائمة للتجار، أمّا في البلدان الاشتراكية الأمر يبدو مناسباً أكثر لنا نحن معشر الكتّاب. و بذلك يستطيع الرجل أن يحدد إلى مَن وأين سينتمي، فمهنة الكتابة تعني الانتماء للحالة الاشتراكية. لهذا حددت منذ كان عمري عشر سنوات أي في طفولتي المبكرة موقفي في أن لا أصير تاجرا رأسماليا ففي تركيا ما يكفيها من كومه نفاياتٍ رأسمالية. فكان علي إذن أَنْ أصبح كاتبا حتى و إَنّ خلت عائلتي تماما من أي شخص يستطيع القراءة أو الكتابة ..
أثناء سنوات عمري الأولى ، لم أَستطع فعل ما أريد، وبالمقابل لم أحب ما أعْمل ، فقد أردتُ وحلمت بأَنْ أكون كاتبا ، إلاّ أنني وجدت نفسي جندياً. ففي ذَلِك الوَقت كان الأطفال تعساء سيئي الحظ ولا يمكن لهم دراسة معنى الحُريَّة في مدارس كانت عسكريةَ ، لذلك اضطررت الالتحاق بمدرسة داخليةَ عسكريةَ..!
في عام 1933 ظهر إلى الوجود قانون اللقب ، هذا القانون الذي يمنح كل تركي الحق في اختيار الاسم الأخير لنفسه كلقب. ومن خلال هذا القانون أتضح مكنون النفوس الوضيعة فأصبح أشد الناس بخلاً معروفا ب "الكريم", وأكثر الجبناء اتخذوا لقب "الشجعان" ، وأشد الناس كسلا منحوا أنفسهم لقب "دؤوب" . أمّا المثير للمرارة فقد كان في اختيار أحد معلمينا لقبَ "بارعِ " وهو بالكاد يستطيع توقيع اسمه تحت ذيل رسالته .
لقد أصبح هذا القانون هديةُ للتمييز العنصري الذي انتشر بين الناس من خلال خليط من الألقابِ ،التي فقط جعلت منهم أتراك.
دوما كنت أحل بالمرتبة الأخيرة في أيّ نوع من أنواع الصراعات, فكيف إذن بالألقاب .! فقد تخلفت أيضا في معركة الألقاب اللطيفة و لم يتبقى لي أي لقب يمكنني الزهو و الفخر به. لذا اتخذت اسمَ "Nesin" أي "هذا صحيح" ، ربما كان بدافع التأمل والتفكير في مسائلة ذاتي ما إذا كان هذا صحيح..!
بدأتُ كتابة القصة أثناء فترة خدمتي العسكريةِ. ومنذ ذلك الوقت نعمت بالحنق والاستياء مِنْ قبل رؤسائي كجندي يكتب للصحافة . لَمْ أَكْتبْ باسمِي الصريح إنما اسم أبي : عزيز نيسين، أما اسمي الحقيقي "نصرت نيسين" فقد حجب وأصبح طي النسيان.
بعد سنوات عندما ذهبت لاستلام نقود حقوقَي المحفوظة عن ترجمة كتبي لغات أجنبية, اكتشفت بأنه يتعين عليّ المعاناة أيضا لإثْبات أنّني هو ذاته الكاتب عزيز نيسين، لأن أوراقي الرسمية و هويتي تقول بأنني "نصرت عزيز".
يوما أخذت قصة كنت قد كتبتها عن طفولتي ، كان حلمي دفع الناس للبكاء . ذهبت إلى رئيس تحرير إحدى المجلات, متوقعا أنه سينشج في البكاء بينما يقَرأَ قصّتَي، لكن هذا الرجل عديم الفهم تملكه الضحك بصوت عالي و راح يمسح دموعه قائلا: برافو، رائع جداً، أكتبْ المزيد مثل هذه ، واجلبْهم إلينا...
كانت هذه أولى نكسات الكتابة عندي، قرّائي يسخرون من أغلب المواضيع التي كَتبتها لإبْكائهم. لكني عندما أصبحتُ كاتب معروفاً، لم أعرف مكمن المرح في كتاباتي و لكني أستطيع القَول الآن أنني أَعْرفُ كيف أكون صانعاً للمرح. لم يكن هناك وصفةَ أَو صيغه جاهزة تفسر الأمر، لكن ما اكتشفته بنفسي أن المرح عمل جاد جداً.
أثناء سجني الأول عام 1946 كان السؤال المتكرر من قبل الشرطة لمدّة ستّة أيام:'' مَنْ الكاتب الحقيقي لهذه المقالاتِ التي تنشر باسمِكِ؟ "؟ حتى الشرطة لم يصدقوا أنني كاتب هذه المقالات. و لكن لم يستمر الشك طويلاً حيت اتهمتني الشرطة بعد سنتين بأنّني كَتبتُ مقالات أخرى بأسماء مستعارة.
في المرة الأولى حاولت إثْبات أنّني كتبت، وفي حال الثانيةَ بأنّني لَمْ أَكْتبْ. و بهذا شهد أحد الخبراء أنني كتبت مقالتي باسم مستعار لذا سجنتُ ستّة عشرَ شهرَ بسبب مقال لم أكتبه..!
في سنة 1956 فزت بالمرتبة الأولى في مسابقةِ المرحِ الدولية، ورَبحتُ النخلةَ الذهبيةَ. الصُحُفُ والمجلاتُ التي لا تَنْشرَ كتاباتَي بتوقيعِي قبل فوزي بالنخلةِ الذهبيةِ، بادروا للنشر باسمي و لكن هذا لَمْ يَدُمْ طويل، حيث منعت الصحف نشر اسمي ثانية فاضطرت دخول المسابقةِ ثانيةً في عام 1957 لرِبْح نخلةِ ذهبية أخرى . بعد ذلك ظهر اسمِي ثانية في الصُحُفِ والمجلاتِ.
في عام 1966، في مسابقةِ المرح الدولية في بلغاريا، حققت المرتبة الأولى ورَبحت القنفذَ الذهبي.
أثناء الثورةِ السياسيةِ في تركيا في 27 مايو/ِ 1960، خلال بهجتِي تَبرّعتُ بنخلتي الذهبيةَ لخزينةِ الدولة. و بعد بضعة شهور من هذا الحدث رميتُ ثانيةً في السجنِ. أنقذتني النخلةَ الذهبيةَ الثانيةَ والقنفذَ الذهبي و جعلتاني متفائل بأيامِ سعيدة و مستقبل أفضل. كنت أقول لنفسي بأن الناس تحتاجني لكي أدهشهم وأضحكهم.
منذ ذلك الحين كَتبتُ أكثر مِنْ ألفي قصّة. لا تندهشوا حيث لا شيء يدعو للاستغراب، فأنا ملتزم بدعم عائلتي و أجد أني ملتزم بكِتابَة أكثر مِنْ أربعة آلاف قصّة ... !
أَنا في عمر ثلاثة وخمسين عاما، لَي ثلاثة وخمسون كِتابُ، و ديوني أربعون ألف ليرةُ, و لي أربعة أطفالِ وحفيدِ واحد. كتاباتي تُرجمتْ إلى ثلاث وعشرين لغةِ، كتاباتي المسرحية التي بلغت سبعة عشرَ مسرحيّة تم عرضها في سبعة بلدانِ.
السببان الوحيدان اللذان يجعلاني أَختفي عن الآخرين: إعيائي، والآخر تقدمي في العمر. و باستثناء هذين السببين أعتقد أني منفتح و مكشوف و قد أبدو شابا بالنسبة لعمري، لكني منهمكاً في العمل طيلة عمري، وهذا ما تبقى لي من العمر.
الكاتب الساخر عزيز نيسين (1915 – 1995)
بعض العبارات المقتطفة من قصصه:
كما أن المرء عندما تدخل في عينيه سيخين من نار , يصبح أعمى ,
فإن نبع الحب ينضب إذا خدع المرء من قبل أول حبيب أحبه قلبه .
الأسطورة عبارة عن عدم
يكبر مثل كرة الثلج
و لا ترجع عدماً إلا أذا سحقت نفسها بنفسها .
ما أشد يأس المرء و هو يتدحرج في الفراغ
فيحاول التمسك بأوراق تتطاير وتتساقط حوله , ما أرعب ذلك !
ليست ثمة أي لطخة مثيرة للندم في ماضينا
تعجز الدموع عن غسلها و إزالتها .
أن تعيش الشعر أجمل بكثير من كتابته .
يمكن لرواية أن تؤثر فينا بمقدار ما نجد أنفسنا و أمانينا فيها .
لم تبتكر العطور لإخفاء الروائح الكريهة
و إنما ابتكرت لترش على الأجساد النظيفة .
كلما عرفت البشر أكثر كلما أحببت الحيوانات أكثر .
على المرء ألا يقول ماذا كنت
عليه أن يقول إلى أين المآل .
قال الأجداد :
العبادة سراً و الإثم سراً
وحده الله لا يسقط .
وهذه بعض المقتطفات الهامة :
قالت لي أن الرجال الذين دخلوا حياتها أساؤوا إليها كثيراً , هذا صحيح , لكنهم نفعوها أيضاً
إذ جعلوها أكثر تسامحاً و تفهماً و إلا لما تفهمتني الآن .
ثم أضافت
أنه لا معنى من هروبنا من المحيط الذي نحن فيه , لأننا على كل حال لن نتمكن من الهروب من أنفسنا
ما دمنا نأخذ أنفسنا و ذكرياتنا إلى كل مكان نذهب إليه .
قالت أن ثمة حقائق فظة و قبيحة جداً نتجنب الكلام عنها , و لكننا لا نتخلص من حضورها بتجاهلها , لأنها هي الحياة نفسها .الفن أيضاً يتهرب من تلك الحقائق القبيحة التي لا مفر منها .
مثلاً هل تجد أي تعبير فني عن دخول الناس إلى المرحاض في الرواية أو المسرح أو السينما ؟
لما دوماً يكيلون لي الاتهامات ؟
كثيراً ما فكرت بسبب لهذا ..إنهم في الغالب يتهمونني بذنوب ارتكبوها هم ,
أو أيضاً بذنوب لم يجرؤ على ارتكابها و بذلك يغسلون ضمائرهم .
الآثام غير المقترفة هي أكثر سفالة و نذالة من تلك التي اقترفت .
إنها تلك الآثام السرية المكبوتة عن خوف وجبن . هذا ما يحملونني إياه .
لم أتحمل الاشمئزاز الذي يثيره فيّ الدفاع عن نفسي
في مواجهة حملاتهم القذرة فتظاهرت بأن ما يقال صحيح
و تظاهرت بعدم الاكتراث بكل ما يقال عني .
حتى في السفالة يمكن للمرء أن يكون أصيلاً و ذا قلب شهم
أليس بطولة أن أتحمل كل كل تلك الأقذار لأوسخ بها من يحيط بي أيضاً ؟
إن شهوة الانتقام تحرقني . لكنني لا أعرف إلى من أوجّه حقدي .
أرغب بقلب نفسي كما يقلب الجورب داخله خارجه , لأتفرج على نفسي .
أهي التي ترغب في الزواج بي , أم أنا في حقيقة الأمر من يرغب بالزواج منها ؟
هي رغبتي في ستر خجلي العاري , ما يدفعني إلى اسقاط رغبتي عليها هي .
ولد أبي في إحدى قرى الأناضول ، رحل في سن الثالثة عشر من عمره إلى اسطنبول . أما أمي فقد كانت من قرية اناضولية أخرى ، رحلت هي الثانية وفي سنٍ مبكرة جدا إلى اسطنبول أيضاً، ليلتقيا هناك فيتزوجا ، وأولد أنا .
لَم يكن لدي أدنى خيار عندما ولدت في أكثر الأيام ناريّة وربما أكثرها دموية . فالتوقيت كان غير مناسب أبدا ، حيث اندلعت الحرب العالمية الأولى في عام مولدي أي 1915. ولسخرية الأقدار أن جاءت ولادتي في مكانِ غير مناسب أيضا ، وذلك على جزيرة (Heybeli) التي تقبع بعيدة عن شاطئ اسطنبول التي كانت المصيف المميز لسكان تركيا الأثرياء .
وبطبيعة الحال الأغنياء لا يَستطيعونَ العيش بدون فقراء، فكَان هذا الاحتياج سبباً عظيماً كي أعيش وعائلتي على هذه الجزيرة.
أنا لا أَقْصد بهذه الدلالات أني كُنْت سيئ الحظ أبدا , بل العكس هو الصحيح ، حيث بقيت - طيلة حياتي – أَعتبر نفسي محظوظاً جداً في عدم المَجيء مِنْ عائلةٍِ مشهورةٍ ، نبيلةٍِ ، وغنية .
الأجواء في الدول الرأسمالية تبدو ملائمة للتجار، أمّا في البلدان الاشتراكية الأمر يبدو مناسباً أكثر لنا نحن معشر الكتّاب. و بذلك يستطيع الرجل أن يحدد إلى مَن وأين سينتمي، فمهنة الكتابة تعني الانتماء للحالة الاشتراكية. لهذا حددت منذ كان عمري عشر سنوات أي في طفولتي المبكرة موقفي في أن لا أصير تاجرا رأسماليا ففي تركيا ما يكفيها من كومه نفاياتٍ رأسمالية. فكان علي إذن أَنْ أصبح كاتبا حتى و إَنّ خلت عائلتي تماما من أي شخص يستطيع القراءة أو الكتابة ..
أثناء سنوات عمري الأولى ، لم أَستطع فعل ما أريد، وبالمقابل لم أحب ما أعْمل ، فقد أردتُ وحلمت بأَنْ أكون كاتبا ، إلاّ أنني وجدت نفسي جندياً. ففي ذَلِك الوَقت كان الأطفال تعساء سيئي الحظ ولا يمكن لهم دراسة معنى الحُريَّة في مدارس كانت عسكريةَ ، لذلك اضطررت الالتحاق بمدرسة داخليةَ عسكريةَ..!
في عام 1933 ظهر إلى الوجود قانون اللقب ، هذا القانون الذي يمنح كل تركي الحق في اختيار الاسم الأخير لنفسه كلقب. ومن خلال هذا القانون أتضح مكنون النفوس الوضيعة فأصبح أشد الناس بخلاً معروفا ب "الكريم", وأكثر الجبناء اتخذوا لقب "الشجعان" ، وأشد الناس كسلا منحوا أنفسهم لقب "دؤوب" . أمّا المثير للمرارة فقد كان في اختيار أحد معلمينا لقبَ "بارعِ " وهو بالكاد يستطيع توقيع اسمه تحت ذيل رسالته .
لقد أصبح هذا القانون هديةُ للتمييز العنصري الذي انتشر بين الناس من خلال خليط من الألقابِ ،التي فقط جعلت منهم أتراك.
دوما كنت أحل بالمرتبة الأخيرة في أيّ نوع من أنواع الصراعات, فكيف إذن بالألقاب .! فقد تخلفت أيضا في معركة الألقاب اللطيفة و لم يتبقى لي أي لقب يمكنني الزهو و الفخر به. لذا اتخذت اسمَ "Nesin" أي "هذا صحيح" ، ربما كان بدافع التأمل والتفكير في مسائلة ذاتي ما إذا كان هذا صحيح..!
بدأتُ كتابة القصة أثناء فترة خدمتي العسكريةِ. ومنذ ذلك الوقت نعمت بالحنق والاستياء مِنْ قبل رؤسائي كجندي يكتب للصحافة . لَمْ أَكْتبْ باسمِي الصريح إنما اسم أبي : عزيز نيسين، أما اسمي الحقيقي "نصرت نيسين" فقد حجب وأصبح طي النسيان.
بعد سنوات عندما ذهبت لاستلام نقود حقوقَي المحفوظة عن ترجمة كتبي لغات أجنبية, اكتشفت بأنه يتعين عليّ المعاناة أيضا لإثْبات أنّني هو ذاته الكاتب عزيز نيسين، لأن أوراقي الرسمية و هويتي تقول بأنني "نصرت عزيز".
يوما أخذت قصة كنت قد كتبتها عن طفولتي ، كان حلمي دفع الناس للبكاء . ذهبت إلى رئيس تحرير إحدى المجلات, متوقعا أنه سينشج في البكاء بينما يقَرأَ قصّتَي، لكن هذا الرجل عديم الفهم تملكه الضحك بصوت عالي و راح يمسح دموعه قائلا: برافو، رائع جداً، أكتبْ المزيد مثل هذه ، واجلبْهم إلينا...
كانت هذه أولى نكسات الكتابة عندي، قرّائي يسخرون من أغلب المواضيع التي كَتبتها لإبْكائهم. لكني عندما أصبحتُ كاتب معروفاً، لم أعرف مكمن المرح في كتاباتي و لكني أستطيع القَول الآن أنني أَعْرفُ كيف أكون صانعاً للمرح. لم يكن هناك وصفةَ أَو صيغه جاهزة تفسر الأمر، لكن ما اكتشفته بنفسي أن المرح عمل جاد جداً.
أثناء سجني الأول عام 1946 كان السؤال المتكرر من قبل الشرطة لمدّة ستّة أيام:'' مَنْ الكاتب الحقيقي لهذه المقالاتِ التي تنشر باسمِكِ؟ "؟ حتى الشرطة لم يصدقوا أنني كاتب هذه المقالات. و لكن لم يستمر الشك طويلاً حيت اتهمتني الشرطة بعد سنتين بأنّني كَتبتُ مقالات أخرى بأسماء مستعارة.
في المرة الأولى حاولت إثْبات أنّني كتبت، وفي حال الثانيةَ بأنّني لَمْ أَكْتبْ. و بهذا شهد أحد الخبراء أنني كتبت مقالتي باسم مستعار لذا سجنتُ ستّة عشرَ شهرَ بسبب مقال لم أكتبه..!
في سنة 1956 فزت بالمرتبة الأولى في مسابقةِ المرحِ الدولية، ورَبحتُ النخلةَ الذهبيةَ. الصُحُفُ والمجلاتُ التي لا تَنْشرَ كتاباتَي بتوقيعِي قبل فوزي بالنخلةِ الذهبيةِ، بادروا للنشر باسمي و لكن هذا لَمْ يَدُمْ طويل، حيث منعت الصحف نشر اسمي ثانية فاضطرت دخول المسابقةِ ثانيةً في عام 1957 لرِبْح نخلةِ ذهبية أخرى . بعد ذلك ظهر اسمِي ثانية في الصُحُفِ والمجلاتِ.
في عام 1966، في مسابقةِ المرح الدولية في بلغاريا، حققت المرتبة الأولى ورَبحت القنفذَ الذهبي.
أثناء الثورةِ السياسيةِ في تركيا في 27 مايو/ِ 1960، خلال بهجتِي تَبرّعتُ بنخلتي الذهبيةَ لخزينةِ الدولة. و بعد بضعة شهور من هذا الحدث رميتُ ثانيةً في السجنِ. أنقذتني النخلةَ الذهبيةَ الثانيةَ والقنفذَ الذهبي و جعلتاني متفائل بأيامِ سعيدة و مستقبل أفضل. كنت أقول لنفسي بأن الناس تحتاجني لكي أدهشهم وأضحكهم.
منذ ذلك الحين كَتبتُ أكثر مِنْ ألفي قصّة. لا تندهشوا حيث لا شيء يدعو للاستغراب، فأنا ملتزم بدعم عائلتي و أجد أني ملتزم بكِتابَة أكثر مِنْ أربعة آلاف قصّة ... !
أَنا في عمر ثلاثة وخمسين عاما، لَي ثلاثة وخمسون كِتابُ، و ديوني أربعون ألف ليرةُ, و لي أربعة أطفالِ وحفيدِ واحد. كتاباتي تُرجمتْ إلى ثلاث وعشرين لغةِ، كتاباتي المسرحية التي بلغت سبعة عشرَ مسرحيّة تم عرضها في سبعة بلدانِ.
السببان الوحيدان اللذان يجعلاني أَختفي عن الآخرين: إعيائي، والآخر تقدمي في العمر. و باستثناء هذين السببين أعتقد أني منفتح و مكشوف و قد أبدو شابا بالنسبة لعمري، لكني منهمكاً في العمل طيلة عمري، وهذا ما تبقى لي من العمر.
الكاتب الساخر عزيز نيسين (1915 – 1995)
بعض العبارات المقتطفة من قصصه:
كما أن المرء عندما تدخل في عينيه سيخين من نار , يصبح أعمى ,
فإن نبع الحب ينضب إذا خدع المرء من قبل أول حبيب أحبه قلبه .
الأسطورة عبارة عن عدم
يكبر مثل كرة الثلج
و لا ترجع عدماً إلا أذا سحقت نفسها بنفسها .
ما أشد يأس المرء و هو يتدحرج في الفراغ
فيحاول التمسك بأوراق تتطاير وتتساقط حوله , ما أرعب ذلك !
ليست ثمة أي لطخة مثيرة للندم في ماضينا
تعجز الدموع عن غسلها و إزالتها .
أن تعيش الشعر أجمل بكثير من كتابته .
يمكن لرواية أن تؤثر فينا بمقدار ما نجد أنفسنا و أمانينا فيها .
لم تبتكر العطور لإخفاء الروائح الكريهة
و إنما ابتكرت لترش على الأجساد النظيفة .
كلما عرفت البشر أكثر كلما أحببت الحيوانات أكثر .
على المرء ألا يقول ماذا كنت
عليه أن يقول إلى أين المآل .
قال الأجداد :
العبادة سراً و الإثم سراً
وحده الله لا يسقط .
وهذه بعض المقتطفات الهامة :
قالت لي أن الرجال الذين دخلوا حياتها أساؤوا إليها كثيراً , هذا صحيح , لكنهم نفعوها أيضاً
إذ جعلوها أكثر تسامحاً و تفهماً و إلا لما تفهمتني الآن .
ثم أضافت
أنه لا معنى من هروبنا من المحيط الذي نحن فيه , لأننا على كل حال لن نتمكن من الهروب من أنفسنا
ما دمنا نأخذ أنفسنا و ذكرياتنا إلى كل مكان نذهب إليه .
قالت أن ثمة حقائق فظة و قبيحة جداً نتجنب الكلام عنها , و لكننا لا نتخلص من حضورها بتجاهلها , لأنها هي الحياة نفسها .الفن أيضاً يتهرب من تلك الحقائق القبيحة التي لا مفر منها .
مثلاً هل تجد أي تعبير فني عن دخول الناس إلى المرحاض في الرواية أو المسرح أو السينما ؟
لما دوماً يكيلون لي الاتهامات ؟
كثيراً ما فكرت بسبب لهذا ..إنهم في الغالب يتهمونني بذنوب ارتكبوها هم ,
أو أيضاً بذنوب لم يجرؤ على ارتكابها و بذلك يغسلون ضمائرهم .
الآثام غير المقترفة هي أكثر سفالة و نذالة من تلك التي اقترفت .
إنها تلك الآثام السرية المكبوتة عن خوف وجبن . هذا ما يحملونني إياه .
لم أتحمل الاشمئزاز الذي يثيره فيّ الدفاع عن نفسي
في مواجهة حملاتهم القذرة فتظاهرت بأن ما يقال صحيح
و تظاهرت بعدم الاكتراث بكل ما يقال عني .
حتى في السفالة يمكن للمرء أن يكون أصيلاً و ذا قلب شهم
أليس بطولة أن أتحمل كل كل تلك الأقذار لأوسخ بها من يحيط بي أيضاً ؟
إن شهوة الانتقام تحرقني . لكنني لا أعرف إلى من أوجّه حقدي .
أرغب بقلب نفسي كما يقلب الجورب داخله خارجه , لأتفرج على نفسي .
أهي التي ترغب في الزواج بي , أم أنا في حقيقة الأمر من يرغب بالزواج منها ؟
هي رغبتي في ستر خجلي العاري , ما يدفعني إلى اسقاط رغبتي عليها هي .