نـوري بـريـمـو: الكورد ومعضلة التوافق مع الجوار

  • بادئ الموضوع بادئ الموضوع Kurd Day
  • تاريخ البدء تاريخ البدء

Kurd Day

Kurd Day Team
في ظل هيمنة توازن الرعب المفروض حالياً على المشهد السوري الذي تأزم كثيراً وبات يئن تحت وطأة العربدة المسلحة لقوى النظام ولمواليه الذين يمارسون العسكريتاريا من جهة، ولمختلف القوى المتطرفة العاملة تحت أمرة أمراء الحروب الذين يمارسون الإرهاب من جهة أخرى، فإن المهتمين بالشأن السوري يدركون تماما مدى أهمية إحتكام كل طرف لجادة صواب الإبتعاد عن عسكرة الحلول وإعتماد مبدأ التوافق بين المكونات المتجاورة والمحافظة على التوازنات وتوفير مستلزمات الربط بين العامل الذاتي والموضوعي لدى التعامل مع أي ملف وخاصة إذا كان عالقاً وشائكاً ومتعلقا بالسير في دروب التعايش بين الجيران من الشعوب والأمم المتتاخمة فيما بينها، وهذا لا يعني البتة أن يتم تقييد الذات بأمور شكلية والإلتزام الأعمى بإعتماد معيار التوازن الميكانيكي بين الأسس المكوّنة لهذين العاملين رغم أهمية ذلك، وإنما ينبغي قدر الإمكان تأمين فسحة لحرية الإختيار بين الأولويات في هذا المنحى المهم أو ذاك الأقل أهمية، وذلك تبعاً لموجبات المرحلة وللمقوِّمات الذاتية المتوفرة في ظل الظروف الموضوعية الغير مقدور عليها في غالب الأحيان، وأيضا لداوعي بروز حالات الممكن والمتاح التي قد تتطلّب معالجة آنية لبعض أوجه الخلل التي يتم التركيز فيها على جانب ما أكثر من الآخر بهدف إبقاء آليات التوافق والتناغم دائمة الفعالية وفي متناول اليد، على أن يكون التحكُّم بمختلف المسارات عنصراً موجودا في الإطار المحدّد والمرشد للسياسة العامة وللتوجهات المرسومة بما يُحقق الخيارات المتوفرة مع الحفاظ على الثوابت المبدئية المتوافق عليها خدمةً للصالح العام.

ومن هنا تبرز مدى أهمية حفاظ الجانب الكوردي في كوردستان سوريا على توازن مختلَف العوامل الذتية والموضوعية المرتبطة بظروف الزمان والمكان التي لا يمكن تجاهلها لدي تحديد مسارات السياسة التي ينبغي انتهاجها في الأفق المنظور والأبعد، ففي الحين الذي تولي فيه حركتنا السياسية استراتيجية الدفاع عن الحقوق القومية المشروعة لشعبنا اهتمامها الرئيسي، ينبغي أن يجري التركيز بصورة أكبر على ضرورات توفير مستلزمات القوة الذاتية وعلى رأسها التلاقي وتوحيد الصفوف وترتيب البيت الداخلي، إنطلاقاً من بديهية مفادها وسؤددها هو أنَّ الهيكلية التنظيمية والمجتمعية المتماسكة تبقى تشكل أرضية صلبة وضمانة لتحقيق كافة ومختلف الحقوق، بصرف النظر عن ماهية الظروف الموضوعية المحيطة بالمشهد السياسي.
ولدى إجراء تحليل موضوعي لراهن الخطاب السياسي الكوردي، نجده في الغالب توفيقي ويعتمد العقلانية لكونه ينطلق في نسج خيوطه من ثوابت قومية ديموقراطية لاغبار على مشروعيتها، ومن إعتبارات أخرى ليس بالوسع الإستغناء عنها لأنها تتعلق بأخلاقيات ومسلكيات الحوار مع الجوار وفي مقدمتها تركيب وتكوين وحاضر ومستقبل سوريا، ومن عِبَر ودروس ذاتية مكتسبة ومن واقع الحرمان والتنكّر الذي عانى ويُعاني منه الكورد على مدى العهود الماضية، ومن تجربة اسهامنا الفعلي في الربيع العربي وفي هذه الثورة السورية المندلعة منذ حوالي سنتين ونصف.

وبهذا الصدد فإنّ أولوية التركيز على ضرورات الإلتزام بمنطق "مرونة في الشكل وصلابة في الجوهر" وتعزيز وتطوير إمكانياتنا الذايتة لكونها العامل الحاسم لتحقيق أهدافنا القومية الديموقراطية المشروعة، تبقى تشكّل حجر الزاوية والأساس لعناصر القوة الأخرى المحدّدة لحراكنا السياسي الممكن والفاعل على شتى الصعد والمستويات.

ومن هذا المنطلق وبالاعتماد على هكذا مكيال صحيح ونافع، ينبغي أن تشهد ساحة كوردستان سوريا حراكاً جماعياً وقائيا ولافتاً لأنظار الداخل والخارج في مجال العمل السياسي من أجل تفعيل المجلس الوطني الكوردي وتنفيذ اتفاقية هولير (11-7-2012) للتوصل إلى صيغة شراكة حقيقية داخل البيت الكوردي في ظل إطار موحد قادر على قيادة نضالات الكورد في هذه المرحلة الحساسة جداً، ولجهة تعزيز الموقع والدور الكوردي الذي بات يتعرّض لضغوطٍ مكثفة على الأصعدة السورية والإقليمية والدولية، وباتجاه تنشيط أدائه السياسي الذي أضحى لا يصلح لخدمة القضية وفق المطلوب والمرتجى في هذه المرحلة التاريخية، خاصة وأن المجلس الوطني الكوردي صار يقود أوسع القطاعات والشرائح في شارعنا الكوردي ولأنه يبقى الممثل والمدافع الأول عن مصالح الكورد الذين يتطلّعون بترقّب وتفاؤل الى ما ستؤول إليه الأوضاء وما سيقوم به مجلسنا من دور يخدم ويتوافق مع هذه المرحلة المصيرية من الوضع الشرق أوسطي الذي أضحى يشهد مستجدات ومتغيّرات متلاحقة قد تسرّ البعض وتزعج الآخر، حيث لا شك بأنَّ شعبنا الكوردي المضطهد من حقه أن يتطلّع إلى دور أكبر وأكثر فاعلية لحركته السياسية، لأن ذلك من شأنه توفير مقومات الإسهام المطلوب في مسيرة الدفاع التي ينبغي أن نخوضها جمعاً في هذا الظرف التاريخي الذي قد لايتكرر.

ومن باب التذكير، فإنَّ تمتين بنيان المجلس الوطني الكوردي في سوريا، من شأنه تقويم مواقفنا السياسية وإعطائها زخماً أكبر وتعزيز دفاعنا عن مناطقنا الكوردية ضد مختلف الغزاة المتربصين بشعبنا وأرضنا وعِرضنا، وهو ما يعزز في الوقت نفسه إرادة الكورد وقدراتهم على التضحية وإيمانهم بأن حركتهم السياسية قادرة أن تشكل بالفعل التحدّي الأكبر في الوقوف ضد غطرسة المجاميع الإسلامية الغازية والعروبية المتطرفة التي تحاول مداهمة ديارنا الكوردية، رغم أننا أصحاب حق ونسعى منذ الأزل لتوفير مستلزمات التوافق مع الجوار، وهنا يحق لنا الجزم بأنّ التوصل إلى شارع كوردي موحد ومؤيد للطبقة السياسية الكوردية هو مطلب محق واستجابة لا بديل عنها لمتطورات المرحلة ولمقومات الحراك القومي الديموقراطي الذي يفرضه واقعنا المحفوف بالمخاطر.

كل ذلك يؤكد بأنّ المحافظة على المجلس الوطني الكوردي كمرجعية كوردية موحدة ومستقرة ومتماسكة، يبقى يشكل العامل الأهم في رفع سوية خطابنا السياسي وأدائنا الميداني، في حين تكمن في هذه المرجعية سرّ قوتنا وعنوان صون كرامتنا وموضع ثقة شعبنا واعتزازه بنا كحركة مدافعة عن حق قومي مشروع في خضم هذه المشاريع المختلفة (علوية وسنية معتدلة وسنية متشددة وأخرى) المفروضة على الساحة السورية المندلعة لابل التأججة بنيران ذاتية وأخرى آخرية والتي باتت قاب قوسين أو أدنى من التقسيمات على أسس طائفية وعرقية ودينية وأخرى قد لاتخطر على البال والخاطر!، وحينها سيصبح بمقدور الطرف الكوردي محاورة الآخرين انطلاقاً من شرعيته في تمثيل الكورد وفق منهجية معتمدة أساساً على الثقة بالذات وخبرات أبناء شعبنا وشخصيته القادرة على الصعود والإنتاج في كل الظروف، ومن جديّة مشاركتنا في الحراك السوري المشترك الكامن في التوافق الديموقراطي السياسي وحشد مختلف الفعاليات والطاقات والإمكانات المتوفرة عند هذا الطرف أو ذاك، في سبيل التوصل إلى سوريا جديدة يحكمها نظام اتحادي تعددي يحترم الدستور والحق والقانون ويعترف بالفدرالية لكوردستان سوريا.

وطبيعي جداً أن نتطلّع كشعب كوردي نحو ممارسة دبلوماسية السباق مع الزمن وضرورة كسب واستثمار عامل الوقت لصالح خَيار الحراك القومي المنتج والمفيد، والسعي نحو الفوز عبر التخلص من الجمود والخوف والتردد والتبعية والمراهنات بشتى أشكالها وأنواعها ومن مختلف الظواهر السلبية المؤثرة على الانطلاق في مسيرة تلاقي وتوحيد الصفوف التي من شأنها إن تحققت أن تضع النظم والضوابط المطلوبة للعمل نحو مناخ توافقي سوري تعددي، وذلك لا ولن يتم إنجازه ما لم يكن الجانب الآخر أي جيراننا العرب مستعدون لتفهم وقبول حقيقة وجود الكورد كشعب يعيش على أرضه وفي وطنه كوردستان وكثاني أكبر قومية في البلد، والتعامل مع الحقية الكوردستانية بأساليب حضارية عبر الدخول مع قيادة الحركة الكوردية في حوار مفتوح مبني على الشراكة والتوافق الذي صار مطلب سهل وممتنع في آن واحد، على طريق بناء سوريا جديدة يتحقق فيها الفدرالية لكوردستان سوريا.

15-8-2013
 
عودة
أعلى