أوسكار عامودا
أوسكار عامودا
نبذة تاريخية عن نشأة الاديان:
وبالطبع لم يكن الانسان البدائي يعرف القراءة والكتابة ولذلك كل ما تعلمه كان عن طريق التلقين من آبائه واجداده وبالتالي اصبح علم وحكمة الاباء والاجداد، اي الاسلاف، كنزاً قيماً يحفظه الاشخاص كبار السن في القرية او القبيلة. ويصبح الشخص الاكثر علماً رئيساً للقبيلة، وطبيباً يعالج امراضهم بما تعلمه من الاسلاف، ويحكم بينهم بما يراه عدلاً ان نشب بينهم خلاف. ولا شك ان موت شخص كهذا يمثل فقداً عظيماً للقبيلة، تحاول تعويضه بأن تتخيل ان روح هذا الفقيد ما زالت تعيش بينهم وتحاول ارشادهم الى ما فيه خيرهم. وبالتدريج اصبح لمثل هذه الروح مكانة عظيمة في ثقافة و " فولكلور" هذه المجموعات من البشر، ونتج عن هذا ما يسمى ب " عبادة الاسلاف Ancestor Worship ". فكان اذا اصاب هذه المجموعة شر او مرض، عزوه الى ان روح احد الاسلاف غاضبة عليهم ولذلك وجب عليهم إرضاءها بالرقص وبتقديم الهدايا والقرابين. وهذه الهدايا والقرابين تمثل ركناً مهماً من اركان الدين، اذ يقوم الدين على ركنين: إيمان وعمل. والعمل تابع للايمان، فهو شعائره ومظهره. ومن هذه الشعائر الرقص والسحر والقرابين والمعابد. وما زالت بعض القبائل في امريكا الجنوبية تؤمن بهذا القول وتعمل به ..
وارواح الاسلاف هذه كانت في العادة مرتبطة بأماكن معينة مثل صخرة او شجرة كبيرة في وسط القرية، فأدى هذا الى تقديس هذه الاحجار والاشجار، اذا تصوروا وجود قوى روحية كامنة فيها فعبدوها، وبالتدريج اصبحت هذه الصخرة او الشجرة رمزاً لروح احد اسلاف تلك القبيلة. ومن ثم تبلورت فكرة عبادة الاصنام. وكان الصنم في البدء عبارة عن قطعة من حجر او جذع شجرة. وقد عظّم قدماء العبرانيين الاشجار وكذلك فعل عرب الجاهلية. ومن هذه الاشجار، الاشجار المعروفة ب "Rothem " في العبرانية و " رتم" في العربية]. وتحظى مثل هذه الاشجار بالرعاية والعناية فيحتفل الناس بها وكأنها ذات حس وشعور و " ذات انواط" كانت شجرة خضراء عظيمة، كانت عرب الجاهلية تاتيها كل سنة تعظيماً لها، فتعلق عليها اسلحتها وتذبح عندها، وكانت قريبةً من مكة. ولما كانت ارواح الاسلاف متعددة، قاد هذا الى تعدد الآلهة او الشرك. ويعرف الشرك باسم "Polytheism " في الانكليزية، من كلمة " Polys" اليونانية ومعناها " كثير" ومن كلمة يونانية ثانية هي "Theos " وتعني " الاله". ويختلف الشرك عن عقيدة ال "Polydaemonism " القائلة بوجود الارواح والجن.
وعبد بعض الاقوام والقبائل الظواهر الطبيعية لتوّهمهم ان فيها قوىً روحيةً كامنة. فألهوا الشمس والقمر وبعض النجوم. وقد كانت الشمس والقمر اول الاجرام السماوية التي لفتت انظار البشر لما في الشمس من اثر بارز في الزرع والارض وفي حياة الانسان بصورة مطلقة. كذلك القمر لاثره في نفس الانسان بما يبعثه من نور يهدي الناس في الليل. فلما تقدم الانسان وزادت مداركه في امور ما وراء الطبيعة، تصور لهما قوى غير مدركة وروحاً وصفات اخرى من الصفات التي تطلق على الآلهة. فخرجتا من صفتهما المادية البحتة ومن طبيعتهما المفهومة، وصارتا مظهراً لقوى روحية لا يمكن ادراكها، انما تدرك من افعالهما ومن اثرهما في هذا الكون، فعبدوا الشمس والقمر والنجوم . ويقال ان طائفة من بني تميم عبدت " الدُبران" وان بعض قبائل لخم وخزاعة عبدوا " الشَعرى" ولذلك جاء في الاية 49 من سورة " النجم": " انه هو رب الشعرى".
ولما تقدم الانسان البدائي في حياته واصبح مزارعاً، صارت مياه الامطار والانهار مصدر رزقه وقوته. ولما كان اعتماده على فيضان الانهار كبيراً، نجد ان قدماء المصريين، مثلاً، قدموا القرابين من العذارى لنهر النيل لكي يرضى عنهم ويفيض عليهم بالخيرات. وكذلك فعلت مجموعات اخرى من البشر. وقد ارتبطت فكرة خصوبة الارض بخصوبة الام التي تنتج اطفالاً كثيرين، ونتج عن هذا فكرة " الإلهة الام Mother Goddess". ونحت النحاتون الاصنام على هيئة أمرأة حبلى وعارية. وقد وجُدت هذه التماثيل في عدة اقطار في اوروبا والشرق الاوسط والهند. وقد سميت " الالهة الام" بعدة اسماء، فكانت " إنانا Inana" في " سومر Sumeria " و " عشتار Ishtar" في بابل و" عنات Anat" في ارض كنعان ( فلسطين) و " ايسيس Isis" في مصر و " افرودايتي Aphrodite" في اليونان.
وفي حوالي العام 4000 قبل الميلاد ظهرت حضارة عظيمة في منطقة ما بين النهرين (دجلة والفرات) " Mesopotamia "، اسسها قوم عرفوا ب "السومريون Sumerians"، بنوا مدن مثل " أور Ur" و " كيش Kish" وبنوا معابد ضخمة لآلهتهم. وجاء بعدهم " الكلدانيون " Chaldians " والاكديون " Akkadians" وبنوا اعظم مدينة في ذلك الحين وسموها " بابل" وتعني هذه التسمية " باب أيل" و"أيل " هذا هو إله الساميين القدماء. وكانت مدينة بابل مشهورة بالجنائن المعلقة التي بناها الملك نبخذنصر لزوجته، وتعتبر هذه الجنائن من عجائب الدنيا السبعة. وكان الكلدانيون يعتقدون ان للآلهة في السماء قصوراً ضخمة وحدائقا، ولذلك بنوا بابل على طراز القصور السماوية، كما تخيلوها . وكان في اعتقادهم ان كل الآلهة اتحدوا مع بعضهم البعض وتغلبوا على قوى الفوضى التي كانت تسيطر على العالم. ولذلك كانوا يقيمون احتفالاً سنوياً يستمر احدى عشر يوماً يلقي فيه رجال الدين الاشعار الدينية مثل قصيدة "إنيوما إليش Enuma Elish" التي تمجد انتصار الآلهة على قوى الفوضى وتحكي قصة خلق الكون. وتبتدئ القصة بخلق الآلهة انفسهم. تدعي الاسطورة ان الآلهة ظهروا، كل إلآهين مع بعض، من ماء مقدس كان موجوداً منذ القدم. واكبر ثلاثة من الآلهة كانوا: أبسو Apsu" إله المياه العذبة، وزوجته " تيامات Tiamat" إلهة المياه المالحة، و " مومو Mummu" إله الفوضى. ثم تكاثرت الآلهة بأن خرج إلاهان من كل إله قبلهم. فظهر " لاهمو ولاهامن" "Lahmu and Lahamn"، إله الماء وإله الارض. ثم ظهر " أنشر" و "كٍشر" " Ansher and Kisher"، اله السماء واله البحر. واخيراً ظهر إله الشمس " ماردوخ Marduk "، الذي تغلب على الالهة " تيمات" وخلق كل القوانين التي تحفظ توازن العالم. واخيراً خلق " ماردوخ" الانسان . .
يظهر ان اسطورة " ماردوخ" هذه اثرت في سكان ارض كنعان ( فلسطين) فخلقوا لانفسهم إله سموه " بعل Baal"، إله العواصف والخصب. وكذلك إله آخر اسمه " يام Yam"، إله البحار. واكبر الآلهة اسمه : أل " El ". وفي احد مجالس " أل" تشاجر " بعل" مع " يام" وتغلب عليه وكاد ان يقتله، عندما تدخلت " أشيرة " زوجة كبير الآلهة " أل" فقالت له: " ليس من الشهامة قتل الاسير". فعفا عنه. واستمر " يام" إله البحار يثير الزوابع في البحار ويدمر السفن، بينما استمر " بعل" إله العواصف يرسل الرياح لتخصب الارض وتلقح النباتات .
ولكي يُقرّب الانسان البدائي كل هولاء الآلهة الى ذهنه تخيّل لهم اشكالاً معينة ونحت اصناماً تمثلهم على الارض، وجاء وقت اعتقد فيه الانسان ان لهذه الاصنام قوة – اذا تقدم لها بقربان – على ان تفعل الخير له وتُلحق الضرر بأعدائه. فاذا تنازع رجل مع جاره جاء الى صنمه المحبوب وصلى له ليلحق الضرر بجاره، ولكن الجيران هم الاخرون كانت لهم اصنامهم. وبينما يدعو الرجل اصنامه لتضر أعداءه، راح يشعر بالقلق إزاء ما قد تفعله اصنام اعدائه له ولأهل بيته. واضطر الناس ان يفكروا في شئ يحميهم من اصنام اعدائهم، فوضعوا حول اعناقهم تماثيل صغيرة لاصنامهم لحماية انفسهم من قوة الارواح الشريرة التي تُحارب في صفوف الاعداء. واصبحت هذه التماثيل الصغيرة هي التمائم او " الطواطم "Totem و بدأ بعض الناس يعتقدون ان بعض هذه التمائم تستطيع القاء التعاويذ على الآخرين وتجعلهم يمارسون السحر. وراح هولاء البعض يؤمنون بأنهم بهذه التمائم ومناداة الاسماء الحقيقية لبعض الارواح يستطيعون فتح ابواب المستقبل ورؤية ما يُخبئه لهم.
وبرغم هذه التماثيل والطواطم كان الانسان البدائي يواصل التفكير في الخالق الاول ويتصوره مصدراً رئيسياً للقوة والخلق، يهيمن على كل شئ ويسيطر على اركان الكون الاربعة، ولكنه رغم ذلك يحتاج الى مساعدين ينظمون الحياة على الارض ويمكّنوا عامة الناس من الاتصال بهذا الاله الكبير. وتباينت صور هذا الخالق في اذهان البشر، فمنهم من جعله ذكراً ومنهم من جعله انثى. واستمر تطور الاديان مع تطور الانسان نفسه، فظهرت فكرة ان هذا الاله يستطيع ان يبعث رسلاً للناس ليوضح لهم الخير والشر، وتبلورت هذه الفكرة بظهور النبي ابراهيم .....
...... لها تتمة ربما لن أكتبها ......
الفصل الأول ..من كتاب قراءة نقديى للإسلام
د . كامل النجار