العنف الهندسي

أوسكار عامودا

أوسكار عامودا
الـــــــــعنف الـــــــهندسي

كنا صغاراً ياصاحبي , صغاراً جداً , مثل فراخ الاوز , واقفين على طرفي الشارع كسطور الكتابة . وكان ثمت هرج كبير , هرج مهول .
وكان المعلمون , الذين يقفزون بين الصفوف ملوحين بعصيهم ,اشبه بقطط مذعورة , يصرخون : (( انتبهوا , لوّحوا بأيديكم حين يمر الرئيس )) ....ومر الرئيس , مر وسطنا ملوحاً بيديه , ثم اختلطت الصفوف الهندسية وراء الموكب , وتحولت إلى كتل سوداء متدحرجة , عنيفة في فوضاها .
سقطت على الأرض مراراً , تصطدم بي الاجساد والارجل , وانا اجاهد للخروج من البحيرة الآدمية , وحين وصلت إلى البيت كان وجهي اقرب إلى التراب منه إلى وجه طفل ....
تلك كانت بداية العنف ياصاحبي , بداية امتدت اسبوعين في مدينة صغيرة قرب جبال طوروس , بداية فرح رسمي " عنيف " ..وكان علينا ان نهتف طوال الوقت , داخل حجرات الدراسة وخارجها , وان نزين الجدران مرات ومرات , حيث يقتضي الامر ولا يقتضي , وان نعلق اعلاماً صغيرة على صدورنا , حيث يقتضي الامر ولا يقتضي , وان نرسم فرحاً غامضاً على وجوهنا , دونما التفات إلى اعماقنا ..
كان عنف الفرح " الرسمي " عنفاً يفوق طاقة طفل لا رسمي , ومع ذلك كان علي ان اتحمله في خضوع ساحق , وأن أصير عنيفاً بدوري , عنيفاً إلى درجة تفوق طاقة طفل ...
تلك كانت بداية العنف ياصاحبي ...........

" ســــــليم بركــــــــات "
 
عودة
أعلى