Kurd Day
Kurd Day Team

«هناك سوء فهم لموقف الأكراد عموما في الشمال السوري» يعكف زعيم «الاتحاد الديموقراطي» الكردي صالح مسلم محمد على إعادة الأمور إلى نصابها بعد أن أوحى دخول «قوات الحماية الشعبية الكردية» معركة حلب إلى جانب «الجيش الحر» ضد الجيش السوري، في الشيخ مقصود، بانقلاب في موقف واظبت القوة الكردية الأولى على الحفاظ على مقوماته، والابتعاد عن التورط في القتال بأي ثمن.
وتحاشى «الاتحاد» الكردي ـ و«الحماية الشعبية» ـ صداما مباشرا مع النظام كي يتاح له الاستمرار في بناء قوته العسكرية وإدارته المحلية، موفرا على أكراد الشمال دفع أثمان المواجهة، ومصائر في القامشلي وعامودا والدرباسية وكوبانيه وعفرين مماثلة لمصائر حلب أو حمص أو درعا الدموية. وكي يحمي التجمعات السكانية الكردية، ابتعد «الاتحاد» الكردي دفعة واحدة عن خيارات المعارضة الخارجية و«الجيش الحر» وحروب المدن المريرة، واختار في المقابل خندق معارضة الداخل مع «هيئة التنسيق الوطنية» الأقل كلفة سياسيا، وهو ما حفظ، حتى الأسبوع الماضي، الشيخ مقصود والاشرفية من تجربة النزوح، التي بدأت بخروج ١٥٠ ألفا منهما نحو عفرين وكوبانيه الآمنتين.
«هناك سوء فهم لموقف حزب الاتحاد الديموقراطي. نحن جزء من الثورة، واستراتيجيتنا هي الحراك الجماهيري مع حق الدفاع عن النفس. فعندما تعتدي السلطة علينا ندافع عن أنفسنا كما فعلنا في الشيخ مقصود، وعندما يعتدي علينا الطرف الآخر، كما في رأس العين، نقاتله أيضا» كما يقول مسلم لـ«السفير».
فقبل انفجار المعارك في الحيين الكرديين الكبيرين في حلب منذ أسبوعين، كان الحزب الكردي الأقوى في الشمال السوري، قد أمضى عاما ونصف العام في التزام الدفاع الايجابي. بيد أن ذلك لم يمنع حزب مسلم محمد من الاستمرار في بناء «قوات الحماية الشعبية» وتعزيزها ونشر حواجزها ورسم حدود المنطقة التي يطمح لوضع اليد عليها في الشمال السوري عندما ينضج الرهان على تداعي قوى المتحاربين، لينجو المركب الكردي في الطوفان السوري.
«قاتلنا في الشيخ مقصود دفاعا عن أنفسنا»، يقول صالح مسلم محمد، مضيفا «لم يكن الأكراد في موقف الهجوم. عندما اعتدي علينا دافعنا عن أنفسنا، وسندافع عن أنفسنا وسنرد الصاع صاعين والبادئ اظلم».
البادئ في معارك الشيخ مقصود لم يكن قرارا سياسيا من «لجان الحماية الشعبية» ولا من «حزب الاتحاد الديموقراطي». الاشتباك وتغير الخريطة في الحي الاستراتيجي، الذي تحاول المعارضة و«الجيش الحر» دخوله لاستعجال إسقاط حلب، سببهما دخول كتائب كردية تعمل مع «الجيش الحر». ويوضح مسلم «في حلب جاء الجيش الحر بكتيبة يغلب عليها الطابع الكردي، أكرادها من ضواحي حلب، تمركزوا في الحي الغربي للاشرفية، لا يزيد عددهم على العشرات. وهناك كتيبة صغيرة تدعى لواء صلاح الدين الأيوبي، وهي خليط كردي - عربي، تعمل بإمرة حزب آزادي، وقد دخلت حي بني زيد في الشيخ مقصود، وبعضهم يقوم بقصف مواقع النظام من المناطق التي دخلها. النظام يرد، ونحن اضطررنا للرد، لندافع عن الأهالي».
لكن ما بدا هدنة غير معلنة مع النظام بشكل خاص طيلة عام ونصف العام، واتفاقا مضمرا بعدم الاعتداء بين الطرفين، صادف تصدعه. الصفقة التي عقدها اوجلان، سجين «ايمرالي» الكردي، مع رئيس الاستخبارات التركية حاقان فيدان، في آذار الماضي، لم تكن لتقتصر على مجموعة من الإجراءات الدستورية التركية التي تستجيب لمطالب سياسية وثقافية كردية، وخطة وقف إطلاق للنار وانسحاب مقاتلي «حزب العمال الكردستاني» إلى جبال قنديل العراقية، لكنها حملت في شقها السوري، سلسلة تحذيرات تركية من نشوء كيان كردي في الشمال السوري، وحملت أيضا على توقع انقلاب في تعاطي «الاتحاد الديموقراطي» مع المعارضة السورية المسلحة، من الاستنكاف والخصام نحو التعاون، في سياق التجاوب مع اتفاق أوجلان ـ اردوغان.
لكن الرهان كان في غير محله، فالقتال في الشيخ مقصود الحلبي ليس وليد صفقة أوجلان مع الأتراك. ويقول مسلم «إذا كان النظام السوري يعتقد أن اتفاق العمال الكردستاني مع تركيا يعني أن ننصاع لرغبات الأتراك فهو مخطئ، لا توجد أي صفقة مع الأتراك أبدا، ونحن لا نحارب أحدا من اجل احد آخر. ليكفوا بلاهم عنا. نحن نتفاهم مع الآخرين، لا النظام ولا المعارضة يعترفان بنا». القتال يجري إذاً «لان النظام يفكر بإفراغ أحياء مقصود والاشرفية (التي يقطنها نصف مليون كردي). الأكراد لم يتحالفوا مع النظام، ولم نتحالف مع المعارضة المسلحة، نحن جزء من المعارضة الوطنية التي تمثلها هيئة التنسيق. لم يحصل أي تغيير في موقفنا والنظام يخطئ في تقديراته. نحن ما زلنا ملتزمين بسياستنا الأولى واستراتيجية الدفاع عن النفس، بل الأتراك دفعوا بجبهة النصرة وغيرها لقتالنا في رأس العين».
والاتفاق التركي ـ «الكردستاني» لم يغير شيئا في موقف المعارضة السورية الخارجية من الأكراد. رئيس «الائتلاف الوطني السوري» احمد معاذ الخطيب عرف في لقاء مع صالح مسلم محمد في القاهرة أن الكردية لغة يمنع تعليمها في سوريا. لم تغير نعم أوجلان من سجنه في جزيرة ايمرالي شيئا في موقف «حزب الاتحاد الديموقراطي»، ولم تدفع إرادة اردوغان عقد صفقة شاملة مع الزعيم الكردي تضم إلى السلام في الأناضول الكردي ـ التركي، «الائتلاف» إلى الاعتراف بـ«الاتحاد الديموقراطي»، واستقباله في صفوفه، والكف عن فرض ممثلين على الأكراد من خارج المؤسسات والأحزاب الكردية التاريخية.
«الائتلاف» السوري الباحث عن ارض تستقبله في الشمال السوري، قد يكون خسر فرصة تاريخية بالحصول على معقل آمن لحكومته الموقتة. الفرصة كانت متاحة من خلال الحوار لعقد صفقة تدمج الأكراد في المعركة ضد النظام من خلال ترابط المصالح، لكن الوصاية التركية على «الائتلاف» أقوى من الرغبات بالتوصل إلى صفقة يحصل خلالها الأكراد على اعتراف بدورهم وموقعهم السياسي، ويحصل «الائتلاف» والمعارضة المسلحة على امتداد ارضي وقوات منظمة قادرة على الدفاع عنها، وتشكل معقلا وظهيرا لـ«حكومة مؤقتة».
لكن الصد الذي لقيه الأكراد، سواء من «المجلس الوطني» أو «الائتلاف» بعده، لم يتغير. خرج الأكراد من كل المؤتمرات التي عقدتها المعارضة في الخارج تباعا للسبب نفسه: عدم الاعتراف بموقعهم الخاص ودورهم ومستقبلهم في سوريا ما بعد الرئيس بشار الأسد. «لم يتغير الموقف بعد تشكيل الائتلاف، قالوا بالحوار، فذهبنا إلى الحوار، التقينا عدة مرات، لكن شيئا لم يتغير، لم يعترف الائتلاف بوجود الهيئة الكردية العليا، ولا بوجود المجلس الشعبي لغربي كردستان المنتخب، ولا حتى بالأكراد. يريدون أكرادا بمواصفات من عندهم، لا نقبل أن يعين الآخرون من يمثلنا» ولن يغير شيئا كثيرا أن يتحدر «رئيس الحكومة الموقتة: غسان هيتو من أصل كردي لدى صالح مسلم محمد، الذي يقول ان «كرديته تشبه عروبة أو إسلام (الرئيس الأميركي باراك) أوباما».