فؤاد عمر : لا بد أن تمارَس السياسية والكتابة بمسؤوِلية تاريخية

  • بادئ الموضوع بادئ الموضوع Kurd Day
  • تاريخ البدء تاريخ البدء

Kurd Day

Kurd Day Team
في أعقد مراحل الثورة السورية،وأهم مراحل نضال الشعب الكردي ، تظهر بعض البيانات والتصريحات والادعاءات التي لا تخدم سوى الهدم والتشتت ونشر الظلامية. اذ تأتي الاتهامات الموجهة ضد لجان الحماية الشعبية وحركة المجتمع الديمقراطي متزامنة مع انعقاد مؤتمري القاهرة وجنيف ، وفي وقت ينزلق فيه الحدث السوري نحو منعطف خطير . حيث تندرج تلك الفتن في سياسات إفشال مساعي حزب الاتحاد الديمقراطي في ايجاد مخرج للازمة المعاشة .

لجان الحماية الشعبية التي تعتبر أهم مكسب شعبي لغربي كردستان، والتي بدونها لا يمكن لأحد التحدث لا عن الثورة ولا السياسية ولا عن الفن ولا الثقافة ولا حتى عن وحدة الصف الكردي أيضا ، ولما كان هناك وجود للذين يتهجمون عليها أيضا . إنها مؤسسة تشكلت وفق عمقاً سياسياً ومسؤوليةً وطنيةً وديمقراطية ، وذلك للدفاع عن كافة شرائح المجتمع الكردي وعن مكاسب الثورة السورية في الحرية والديمقراطية .

مع كل شاردة وواردة، وبمناسبة ودون مناسبة ، تعمل بعض التيارات لإخراج حركة المجتمع الديمقراطي القوة الاساسية في غربي كردستان من المعادلة السياسية ، وكأنه مع كل منعطف ومع كل تقدم تحرزه هذه الحركة ، يتم مضاعفة الهجمات ضدها بشتى الوسائل ، وكأنها سياسة أردوغانية نقية تصب جام حقدها على كل مسكب كردي أينما وجد ومهما كان . فهم لم يتركوا لا شاردة ولا واردة إلا وجعلو منها قضية العصر، وعندما تنعدم الحجج ،لا يترددون في خلق الفتن وقلب الحقائق ، وهذا ليس بالامر الجديد ، إذ أنه منذ الايام الاولى لظهور حزب الاتحاد الديمقراطي تكاثفت التهم والادعاءات والاحقاد ضده بمناسبة أو بدونها .

إن تحريض الجيش الحر ضد حركة المجتمع الديمقراطي ، لا يعني سوى ضرب الحراك الثوري السوري ، وتمكين النظام والقوى الاقليمية من التحكم بمسار الثورة السورية ، بينما انجرار الجيش الحر بهذه السهولة الى هكذا الاعيب ، دون الاخذ بعين الاعتبار واقع الثورة السورية ، ودون فهم حقيقة النضال الذي تقوده حركة المجتمع الديمقراطي ضد ظلم واستبداد النظام البعثي ،لا يمكن ان يفسرسوى أنه من نتاج تاثيرات الحرب التضليلية التي تستهدف التلاحم الكردي العربي من خلال تشويه حقيقة احدى اهم القوى والاكثر جماهيرية بين الشعب الكردي في سوريا عموما ، وبذلك فهو أمام واجب إعادة النظر في أحكامه المسبقة تجاه هذه الحركة ، والتعمق اكثر بالهدف من وراء ضرب هاتين القوتين ببضعهما البعض في هذه المرحلة بالذات . ورغم اسفي لظهور بيانين متضاربين من كلا الطرفين الذين يصارعان نظام الظلم والاستبداد ، إلا انهما حملا سياسة واضحة غير ملتوية ، لم نعهدها لدى باقي القوى السياسية الاخرى يميناً ويساراً . وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على ارتباط وتمسك كل منهما بأهدافه مهما كانت الفروقات والتباينات والاختلافات في الفكر والممارسة .

بالطبع عندما نقر بالاختلاف والتباين والتضاد في المجتمعات ، فهذا يعني شرعية الصراع التنافسي الفكري والايديولوجي والثقافي ، وعندما تتواجد الاحزاب والقوى السياسية فهذا يعني شرعية الصراعات التنافسية الحزبوية ايضا ، وهكذا هي شرعية الصراع الجنسوي والطبقي .. وصولاً الى الافراد أيضا .

علينا جميعا أن نفهم ونعي هذه القضية أو الظاهرة كي نتعاطاها بشكل سليم ، وبناء عليه لا يصح لأحد أن ينكر وينفي حق الجهة المتصارع معها في ممارسة نشاطها المختلف عنه ، لانه بذلك ينفي حقه أيضا في ذلك.. ولكن أن ينتهج البعض الفتنة والتآمر وقلب الحقائق، ويتبع سبل وطرق تهدد بحرب أهلية شاملة ، فهذا محرم ومرفوض أخلاقاً وسياسةً وهوبمثابة خط احمر لدى جميع الوطنيين الشرفاء ، وغريباً عن المصلحة الوطنية والقومية أيضاً. فمجرد اتباع نهج الفتنة بين الجيش الحر وحركة المجتمع الديمقراطي ، بدلاً من اختيار تفعيل ورقة التفاهم بين المجلسين الكرديين في مثل هذه المرحلة الخطيرة والخطيرة جداً ، إنما يشير الى نوايا سياسية بعيدة عن المصلحة الوطنية والقومية الكردية والعربية ، بينما الإصرارعلى متابعة هذا السلوك من قبل بعض القوى يقود الى آلاف الاسئلة ويطرح شبهات بعيدة المخاطر .

وفرضا أنه كانت هناك أخطاء ، فلماذا لا يتم الاتصال بممثلي لجان الحماية وتسوية الأمور ؟ لماذ لم يقوموا بتفعيل ورقة التفاهم بين المجلسين ؟ ألا يعني هذا عدم اعترافهم بالمجلس الكردي أيضا ؟ ألا يعني انهم يقفون ضد تطوير الاتفاق بين المجلسين ، لمصلحة من كل هذا ؟! بينما يتسارعون الى إقحام الجيش الحر وتحريضه على حركة المجتمع الديمقراطي ، وبكل سهولة يتم اتهام حزب الاتحاد الديمقراطي بالارتباط بالنظام ؟ أليست هذه سياسة قديمة وثقافة بالية مارستها الاستخبارات السورية والتركية على الكرد والعرب على حد سواء ؟ ألا يطرح هذا التصرف ألف سؤال ويدعوا الى إعادة النظر في حقيقة النوايا وبطلان هذه الاتهامات ، وبالتالي يدفع بنا الى البحث والتمحيص جلياً خلف النوايا والأهداف ، بل يقود الى أبعد من ذلك حول وجود قوى اقليمية تقف وراء كل ذلك ، فسوريا تمر بمنعطف خطير ومصيري ، يتطلب الحرص الشديد في التعامل مع مثل هذه الامور، بينما تفعيل ورقة التفاهيم بين المجلسين الكرديين أمر يحظى بأهمية كبيرة جدا.

كنت قد عرفت السياسة السلطوية في العديد من مقالاتي بأنها المضادة للديمقراطية و عددت أهم صفاتها مثل الفتنة والتآمر والخداع والكذب وقلب الحقائق ...الخ ، وأؤكد هنا على كرهي ومناهضتي لثقافة السياسة السلطوية التي لم تكن يوما إلا سبب كل استبداد وظلم . ولكن طالما أن نمط الغالبية من القوى والسياسين وصولا الى المثقفين والافراد مازالت مرتكزة الى مفهوم سلطوي منفصل عن المجتمع كثقافة وذهنية ليس في غربي كردستان وسوريا فقط بل في العالم أجمع ، لذا لا يمكنهم ممارسة سياسة غير سلطوية حتى وان ارادوا ذلك .

بالمقابل إن النمط المرتكز في سياساته الى ارادة مجتمعية ، لا يمكن أن ينتهج سياسة سلطوية حتى وإن أراد ذلك أيضا ، اذ انها تتتاقض مع طبيعة بنيته وجوهر ونهجه ،الامر الذي يؤدي الى تشتته وتبعثره .

وبهذا الخصوص يتم ارتكاب أخطاء فادحة عندما يتم تناول حركة المجتمع الديمقراطي مفهوم وممارسة نهج وأيديولوجيا دون تمييزها عن باقي التيارات الأخرى . اذ تظهر بعض التحاليل الفكرية والسياسية على أن حركة المجتمع الديمقراطي تنتهج ذات السياسة " نفي الاخر "التي تمارسها العديد من القوى السياسية . وللتوضيح فقط ، لو أن حركة المجتمع الديمقراطي أرادت انتهاج سياسة نفي الاخر ، لتمكنت من ذلك بكل سهولة في ظل هذه المعطيات الكمية والنوعية ، اعتمادا على الفارق الشاسع بين القدرات والامكانيات .ولكنها لم تتبع هذا النهج ولن تتبعه ، وظهور بعض الأخطاء نتيجة ما يفرضه الواقع من صعوبات ونقص في التجربة يؤكد ذلك ولا ينفيه ، فحركة المجتمع الديمقراطي تدرك تماما ان ترسيخ أسس السياسة المرتكزة الى المجتمع هي الكفيلة لخلق ثقافة ديمقراطية وبالتالي ترسيخ ثقافة سياسية مناهضة ومغايرة للسياسة السلطوية ، وهي الوحيدة الكفيلة بإنهاء ظاهرة الفتنة والنفاق وسياسة الكذب والخداع .

ومن هذا المنطلق لا يصح ضمن هذا الكم الهائل من الفوضى العارمة التي تعيشها سوريا والتي تمثل ساحة صراع دولي اقليمي داخلي وحالة من الفوضى العارمة بكل ما تعنيه الكلمة من بعد وعمق ، تناول مسيرة حركة المجتمع الديمقراطي أو اتهامها ، بناءً على اتهامات وادعاءات لم تثبت صحتها ، بالمقابل يتم التغاضي أو اختصار انحرافات النهج السياسي للبعض الاخرعلى أنه أخطاء مقبولة . إن دعم ومساندة هذا التجربة الفريدة والجريئة لحركة المجتمع الديمقراطي ونقد اخطائها أيضا بمسؤولية ،هو أحد السبل لتجاوز ثقافة نفي الآخر ، وثقافة التعصبية الضيقة التي ننتقدها جميعاً .

الجميع يعي تماماً أنه لو كان لدى حركة المجتمع الديمقراطي أية سياسة لمنع نشاط الاخرين ، لتمكنت من القيام بذلك بكل سهولة ، ولكن لا قيمها ولا قناعاتها ولا فلسفتها تتوافق مع مثل هذه الرؤية ، بل من الملاحظ انها تتفادى قدر الامكان الدخول في مثل هذا السجال ايضا ، ويعرف الجميع أن هناك مراكز ثقافية وأندية سياسية في العديد من المناطق في غربي كردستان تاربعة لقوى مستقلة واحزاب سياسية اخرى ، تقوم لجان الحماية الشعبية بحمايتها ولم تمنع نشاطاتها . والجميع يعرف أيضا انه لولا تشكيل لجان الحماية الشعبية ، لعانى الشعب الكردي الأمرين ، إذ أنه مستهدف على مستوى الداخل وكذلك على المستوى الاقليمي وعلى رأسه تركيا. ولولا لجان الحماية الشعبية لربما خرج السيد مصطفى جمعة رئيس حزب آزادي دون أن يعود سالماً، ولولاها لتكرر كل يوم مشهد مماثل لمشهد اغتيال رئيس تيار المستقبل الكردي مشعل تمو . ومنذ يومين تم اشتهاد احد النشطاء الشبابيين لهذه الحركة ، كل هذا انما يؤكد أن عمل لجان الحماية إنما يهدف الى ضمان السلم وحماية المواطنين والسياسيين أيضا . وبالتالي يخدم الحراك السياسي للثورة .

يحتار الانسان كيف يتعامل مع البعض من من تلك القوى ، ان قمت بواجبك تجاه شعبك ، يقيمون الدينا عليك، تحت حجج وذرائع واهية ويستغلون أية هفوة مهما كانت صغيرة ليجعلوا منها قضية تاريخية ، وان لم تقوم بواجبك ، سوف تتعرض للتهجم أيضا لأنك الوحيد القادرعلى فعل ذلك .

وأخيراً إن الانجرار خلف سياسة الفتنة والتآمرالتي تستهدف القوة التي نجحت في تنظيم ساحة واسعة من المجتمع والشعب الكردي من خلال مواصلتها الليل بالنهار، لا يخدم سوى من يريدون الاصطياد في المياه العكرة . شاكراً كل الشكر جميع الكتاب والمثقفين الذين كتبوا حول هذا الموضوع بمسؤولية ، أما الذين أخطؤا فصبوا الزيت على النار، فأتمنى منهم إعادة النظر في أقلامهم .

فؤاد عمر

كاتب ومحلل سياسي

5/06/2012
 
عودة
أعلى