Kurd Day
Kurd Day Team
مشرق عباس**
لاتشبه السليمانية الا نفسها، فتلك الساحرة الغافية على سفح «أزمر» طيعة امام المحبة حد الافراط، لكنها صلبة امام فلسفة الاستبداد، يسكنها التاريخ ولا يأسرها، وتغريها الحكايا الناعمة فتبتسم بلا تكلف.
اكبر شوارع السليمانية يدعى «60» او «الشستي» كان الى ما قبل عقدين منطقة تحظر السلطات تجاوزها على السكان. فالشارع الذي يحتضن المدينة كان قيدها الاكبر. يصوب العسكر ساعة الغروب فوهات بنادقهم في اتجاه الشارع لاصطياد من يغريه أفق الحرية بعبور رصيفه القاتل. هكذا يتذكر الاهالي، لكنهم لايترددون وهم يحصون ندوب الذاكرة في ان يقروا بأن نشوة البناء تطيح بمرارة الهدم.
«الشستي» اليوم تم العمل على تحويله الى شارع مبهر، طوق أخضر متألق ومضيء يستحق السليمانية وتستحقه.
راقبت لشهور، أنا الذي علمني ليل بغداد الأرق والعتمة واجترار الاسئلة العقيمة، مئات العمال ينشغلون بلا كلل في تعبيد الشوارع وزراعتها وإنارتها حتى ساعات الفجر. راقبت بنايات شاهقة ترتفع في شهور فقط يحسبها القادم من أفق كركوك تغازل بعضها بعضاً.
يربط اهالي السليمانية هذا النهوض السريع برجل يدعى برهم صالح هو رئيس حكومة الاقليم الذي كان وعد قبل عامين بحملة اعمار شاملة ووفى بوعده.
الحال يتغير هنا، والاقليم يجد هويته اليوم وان كان طريق «الاصلاح الشامل» لازمات الفساد والبيروقراطية والتحديث ودمقرطة الاحزاب مازال طويلاً.
من فوق قمة جبل «كويجة» سمحت لنفسي بأن اتحول الى دليل سياحي لمجموعة صحافيين قدموا من بغداد. هنا يقام أكبر مجمع ترفيهي في المنطقة ينتهي العمل فيه خلال عامين. هنا ينتهي العمل في فندق بمواصفات عالمية. وهذا البرج الاعلى في العراق. وذاك المول يتم تشييده على مساحة عدة كيلومترات.
بعد اعوام من التشكيك والتخوين لم يعد نجاح تجربة اقليم كردستان محل «جدل»، فالشعوب تنجح حين تتسق مع هويتها.
امام سيل الشعارات العريضة والخطب الرنانة التي لاكها السياسيون في بغداد لتبرير اخفاقاتهم، اكتفى الكرد برفع بطاقة الانجاز على الأرض، الانجاز الواقعي الذي تراه وتلمسه وتعيشه، لا الذي تقرأ عنه في بيانات صالونات السياسة ووعودها المؤجلة.
يقول احد المعنيين بحملة اعمار منتجع «احمد آوا» التابع للسليمانية الذي زرته برفقة السياسي والكاتب مصطفى الكاظمي، ان تعبيد شارع واحد في هذه الجبال المعقدة يتطلب امكانات تكفي لتطوير 50 شارعاً مماثلاً في المدن المستوية. تم قطع الجبال الصخرية وتسويتها ورصفها بالصخور لتجنب انهيارها. وتطلب نقل المعدات وآلات الحفر العملاقة شاحنات خاصة. واستدعي عمال ومهندسون وخبراء الى هذه المرتفعات النائية لتطويعها.
ارادة الانجاز ليست عدوى للأسف، ولايمكن تمنيها لمن يدير بغداد، وجدت بعض تفسيراتها في الموقع الشخصي لرئيس حكومة الاقليم، فالرجل الذي تولى المسؤولية قبل 720 يوماً تكاد روزنامة نشاطه أن تكون مملوءة لـ 720 يوماً، قال أخيراً ان «كردستان تغيرت الى الأبد في عيون الاخرين».
كردستان فرضت في الحقيقة هذا التغيير ولم تنتظره. قبل أيام كانت الاجواء تشير الى نكوص مخيف، مئات من الشباب طافوا شوارع زاخو ودهوك يرجمون بائعي الخمور ويحرقون الفنادق. ضاق صدري بمشهد خبرته كبغدادي عايش مدينته تذبح بقسوة في ظل عبارات «الله اكبر»... لكن الصورة مغايرة.
مثقفو كردستان، سياسيوها واعلاميوها ومنظماتها ونساؤها واطفالها، رفضوا شرطة الضمير، لم تنقطع وسائل الاعلام لأيام عن تكرار الصور الموجعة، تحدث الكل بوضوح وبلا مواربة. المستقبل لايحتمل المواربة. كان صوتهم مرتفعاً وواضحاً ومتماسكاً لا يعلوه أي صوت آخر، مشهد يجبرك على ان تردد بيقين وراء برهم «كردستان تغيرت».
عن مجلة الاسبوعية

لاتشبه السليمانية الا نفسها، فتلك الساحرة الغافية على سفح «أزمر» طيعة امام المحبة حد الافراط، لكنها صلبة امام فلسفة الاستبداد، يسكنها التاريخ ولا يأسرها، وتغريها الحكايا الناعمة فتبتسم بلا تكلف.
اكبر شوارع السليمانية يدعى «60» او «الشستي» كان الى ما قبل عقدين منطقة تحظر السلطات تجاوزها على السكان. فالشارع الذي يحتضن المدينة كان قيدها الاكبر. يصوب العسكر ساعة الغروب فوهات بنادقهم في اتجاه الشارع لاصطياد من يغريه أفق الحرية بعبور رصيفه القاتل. هكذا يتذكر الاهالي، لكنهم لايترددون وهم يحصون ندوب الذاكرة في ان يقروا بأن نشوة البناء تطيح بمرارة الهدم.
«الشستي» اليوم تم العمل على تحويله الى شارع مبهر، طوق أخضر متألق ومضيء يستحق السليمانية وتستحقه.
راقبت لشهور، أنا الذي علمني ليل بغداد الأرق والعتمة واجترار الاسئلة العقيمة، مئات العمال ينشغلون بلا كلل في تعبيد الشوارع وزراعتها وإنارتها حتى ساعات الفجر. راقبت بنايات شاهقة ترتفع في شهور فقط يحسبها القادم من أفق كركوك تغازل بعضها بعضاً.
يربط اهالي السليمانية هذا النهوض السريع برجل يدعى برهم صالح هو رئيس حكومة الاقليم الذي كان وعد قبل عامين بحملة اعمار شاملة ووفى بوعده.
الحال يتغير هنا، والاقليم يجد هويته اليوم وان كان طريق «الاصلاح الشامل» لازمات الفساد والبيروقراطية والتحديث ودمقرطة الاحزاب مازال طويلاً.
من فوق قمة جبل «كويجة» سمحت لنفسي بأن اتحول الى دليل سياحي لمجموعة صحافيين قدموا من بغداد. هنا يقام أكبر مجمع ترفيهي في المنطقة ينتهي العمل فيه خلال عامين. هنا ينتهي العمل في فندق بمواصفات عالمية. وهذا البرج الاعلى في العراق. وذاك المول يتم تشييده على مساحة عدة كيلومترات.
بعد اعوام من التشكيك والتخوين لم يعد نجاح تجربة اقليم كردستان محل «جدل»، فالشعوب تنجح حين تتسق مع هويتها.
امام سيل الشعارات العريضة والخطب الرنانة التي لاكها السياسيون في بغداد لتبرير اخفاقاتهم، اكتفى الكرد برفع بطاقة الانجاز على الأرض، الانجاز الواقعي الذي تراه وتلمسه وتعيشه، لا الذي تقرأ عنه في بيانات صالونات السياسة ووعودها المؤجلة.
يقول احد المعنيين بحملة اعمار منتجع «احمد آوا» التابع للسليمانية الذي زرته برفقة السياسي والكاتب مصطفى الكاظمي، ان تعبيد شارع واحد في هذه الجبال المعقدة يتطلب امكانات تكفي لتطوير 50 شارعاً مماثلاً في المدن المستوية. تم قطع الجبال الصخرية وتسويتها ورصفها بالصخور لتجنب انهيارها. وتطلب نقل المعدات وآلات الحفر العملاقة شاحنات خاصة. واستدعي عمال ومهندسون وخبراء الى هذه المرتفعات النائية لتطويعها.
ارادة الانجاز ليست عدوى للأسف، ولايمكن تمنيها لمن يدير بغداد، وجدت بعض تفسيراتها في الموقع الشخصي لرئيس حكومة الاقليم، فالرجل الذي تولى المسؤولية قبل 720 يوماً تكاد روزنامة نشاطه أن تكون مملوءة لـ 720 يوماً، قال أخيراً ان «كردستان تغيرت الى الأبد في عيون الاخرين».
كردستان فرضت في الحقيقة هذا التغيير ولم تنتظره. قبل أيام كانت الاجواء تشير الى نكوص مخيف، مئات من الشباب طافوا شوارع زاخو ودهوك يرجمون بائعي الخمور ويحرقون الفنادق. ضاق صدري بمشهد خبرته كبغدادي عايش مدينته تذبح بقسوة في ظل عبارات «الله اكبر»... لكن الصورة مغايرة.
مثقفو كردستان، سياسيوها واعلاميوها ومنظماتها ونساؤها واطفالها، رفضوا شرطة الضمير، لم تنقطع وسائل الاعلام لأيام عن تكرار الصور الموجعة، تحدث الكل بوضوح وبلا مواربة. المستقبل لايحتمل المواربة. كان صوتهم مرتفعاً وواضحاً ومتماسكاً لا يعلوه أي صوت آخر، مشهد يجبرك على ان تردد بيقين وراء برهم «كردستان تغيرت».
عن مجلة الاسبوعية