Kurd Day
Kurd Day Team

1 - الإتقان والإحسان والإنجاز
*الإتقان والإحسان
يقول الله تعالى : {وترى الجبال تحسبها جامدة وهى تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون } النمل / 88 .
ويقول صلى الله عليه وسلم : [ إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه ]
فالإتقان في معناه العام : إحكام الشيء ، وقالوا : الإتقان هو أداء عمل ما بإحكام دون خلل ، فالله تعالى خلق العوالم وفق قوانين ، هي غاية في الدقة ، ونهاية في الإتقان ، فكل متقن عامل ، وليس كل عامل متقناً ، حتى يختبر كل واحد منا نفسه ، فهو الوحيد الذي يحكم على قوله وفعله وسائر عمله ، إن كان متقناً أم لا .
يقول على بن أبى طالب : قيمة كل امرىء ما يحسنه ، فما قيمة امريء في الحياة ، لا يحسن العمل ولا يطوره ولا يبدع فيه ولا يحكم أمره ، أى بمعنى آخر لا يتقنه .
والإتقان هو طريق التفوق في الحياة ، والتميز على الناجحين ، لأنه أحد وجهين لعملة نادرة في الحياة ، وهي التفوق والتميز ، فكيف يحدث ذلك ؟
لكى نجيب على هذا التصور أو على هذا السلوك العملى ، تعال نتعرف في إيجاز على الفرق بين الإتقان والإحسان .
فالإحسان : هو قوة كامنة داخل النفس , أما الإتقان : فهو الصورة الظاهرة لهذه القوة ، بالتالى لا يتحقق تفوق إلا باستكمال هذين الوجهين : قوة داخلية تدفع وتشجع ، وقوة خارجية : هي ثمرة هذه القوة الداخلية ، مما تعطيه من طاقة وزاد .
فالإحسان في الإصطلاح الاتيان بالمطلوب شرعاً على وجه حسن ، وكما بينه النبى صلى الله عليه وسلم :
( أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك )
والإتقان هو بالفعل ثمرة الإحسان , وعليه فالإتقان يقوي بقوة الإحسان , ويضعف بضعفه , ولذلك فالإتقان في كل شيء هو الأداء على وجه حسن , بمعني بذل كل الوسع والاستطاعة , للتغلب على كافة العوائق , والأخذ بكافة الأساليب خاصة الحديثة منها .
· الإتقان والانجاز
حتى الإتقان يحتاج إلى توضيح ، فقد يظن البعض :
إن مجرد الإنجاز هو الإتقان ، ولكن هناك أيضا فرق بين الإتقان والإنجاز , فالإنجاز هو إتمام المهمة أو العمل أو المسئولية كالمتفق عليه ، في حين إن الإتقان هو الإجادة في إتمام المهمة وبأفضل ما يمكن , أى محاولة للإكمال .
· الإتقان طريق التفوق
ومن ثم فالإتقان هو طريق التفوق في الحياة ، ونضرب أمثلة قرآنية تقرب لنا هذه الحقيقة :
أولاً : في قوله تعالى :
{ يا أبت استئجره إن خير من استئجرت القوي الأمين}
القصص / 26 .
فالقوي تشير إلى الإتقان ، والأمين تشير إلى الانضباط الداخلى ، والقوة الكامنة .
ثانياً : في قوله تعالى :
{ قال اجعلنى على خزائن الأرض إنى حفيظ عليم }
يوسف / 55 .
فالعلم إشارة إلى الإتقان ، والحفيظ إشارة واضحة إلى الانضاط الداخلى والإحسان .
· أنواع الإتقان من ناحية الإنجاز
أولاً : إتقان الهيئة والشكل
لما كان الإتقان هو الصورة الظاهرة لأى عمل أو مهمة ، فوجب على أهل الإتقان استكمال كل ما هو يسر النظر ، ويسد العيوب في أى ثغرة قد تتواجد في الشكل أو الهيئة , لقد وجدت ثغرة صغيرة في مقبرة سعد بن معاذ ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم ببنائها , وقد تساءل من حضر ، هو ميت فهل تنفعه أو تضره ؟
فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
[ إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه ] رواه البيهقي
فليس الأمر له ارتباط بميت أو حيى ، أو فائدة أو ضرر ، وإنما إتقان , لأن الله يحب الإتقان .
ثانياً :إتقان الوقت والزمن
فالإتقان أداء العمل بإحكام دون خلل ، ولذلك فالخاسر الذي لا يوظف السنة الربانية ، أو لا يتخلق بها في عمله :
الدهر ساومنى عمري فقلت له
ما بعتُ عمرى بالدنيا وما فيها
ثم اشتراه بتدريج بلا ثمنٍ
تبتْ يدا صفقةٍ قد خاب شاريها
وقد قيل : ( من اشتغل بغير المهم فقد ضيع الأهم )
فالوقت فرصة للإتقان ، فإن عمرك وقتك الذي أنت فيه ، فكيف تتقن وقتك ؟
هذا ما اختصره المتخصصون في التالى :
1- إنجاز الأعمال في أوقاتها المحدودة .
2- احترامنا للمواعيد والتزامنا بها .
3- مراعاتنا للآخرين عبر المداراة والاحترام والتعاون .
4- تكيفنا مع ظروف العمل في الشدة والرخاء .
5- الحفاظ على نسبة جيدة من التواصل مع الأفراد عبر اللقاءات أو الاتصالات .
6- حدّد قدراً من الوقت للقاءات والاتصالات مثل : 3 دقائق لكل مكالمة , وساعة للقاء , وفق الأهمية .
7- عدم التخلى عن الثوابت والمباديء في التعاملات مع الغير ، حتى لا يكون صاحبها فريسة للاهتزاز أو الهزيمة .
وعلى أى حال ، حتى نحظي باهتمام الآخرين ، ونوفر لأنفسنا فرصاً جيدة للتفاعل مع المجتمع ، يجب أن نراجع طرقنا في التعامل مع الوقت ، فإتقانه هو السبب الوحيد في تنظيم علاقاتنا مع الآخرين .
ثالثاُ : إتقان المعاملات والعلاقات
فإذا نجحنا في إتقان الهيئة والشكل ثم إتقان الوقت ، استطعنا بمهارة أن نتقن فن العلاقات والمعاملات بالناس ، الذي يعزز وجودنا في المجتمع ، لذا لا تدع العمل المتواصل يسلب منك أحلى ما في الحياة ، في أن تتذوق ثمرة جهودك ، أو أن تشعر بلذة العمل ، أو أن تستمتع بحياتك الأسرية والزوجية والاجتماعية .
ومن صور إتقان المعاملات ، ما اتفق عليها الخبراء بهذا المجال ، فقالوا :
1- انتهز الفرص فأقدار الله لا نصنعها بل هى فرص تأتينا ، فالذنب ليس ذنب الأوقات , بل ذنب الإنسان نفسه .
2- حدّد أولوياتك أولاً ثم التزم بها ما أمكن ، ومن لم لا يعرف أولوياته ولا يلتزم بها ضيع عمره فيما لا فائدة منه .
3- تنظيمك الشخصي ، وهذا يتطلب تغيير عاداتك الشخصية ، مثل التسوق والجلوس مع الأصدقاء ، وقضاء أوقات في النادى ، وهذا يحتاج إلى مراقبة دائمة لحياتنا اليومية .
4- شارك الآخرين وأشركهم في أعمالك ، تستمر في أعمالك , ولا ترتبط بشخصك سلباً أو إيجاباً ، فالمشاركة تدفعك دائما نحو التفاءل والطموح والتجديد .
5- زج بنفسك في الأعمال المشتركة , تقوي صلاتك بالمشاركين ، وتنجز المهام ، وتحقق التفاهم معهم ، وتجعلك تتقن العمل ، وتحصل على نتائج أفضل ، فيد الله مع الجماعة.
2ــ كيف حقق النبي صلى الله عليه وسلم الإتقان ؟
لقد تبين لنا أن حديث الإتقان المشهور قاله النبى صلى الله عليه وسلم في حادثة وفاة سعد بن معاذ في سد ثغرة في المقبرة ، حتى يتحقق في فهم المتقنين أن الإتقان سلوك لا يرتبط بحجم العمل أو شكله أو أهميته ، وحياة النبى صلى الله عليه وسلم كانت كلها تدعو إلى الإتقان وممارسته ، قولاً وفعلاً .
- ومن ثم حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تعليم الإتقان للناس منذ الصغر ، فيقول للغلام :
[ يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك ]
- ويحذر من أى انحراف يضر بإتقان الصف المؤمن ، ففي فتح مكة ، كان سواد منحرفاً بجواده عن بقية الجيش ، فؤخزه النبي صلى الله عليه وسلم على بطنه قائلاً : سوى الصف يا سواد .
- وفي غزوة أُحد كان الدرس قاسياً حتى نتعلم نحن كيف نتقن العمل وإلا ينهار الهدف ، لقد كان الأمر واضحاً وصريحاً من النبي صلى الله عليه وسلم :
[ لا تتركوا أماكنكم ولو رأيتم الطيور تتخطفنا ] .
- وبعد دفن سعد بن معاذ في مشهد حضرته الملائكة ، تقول أم سعد : هنيئاً لك الجنة ، فيقول لها النبي صلى الله عليه وسلم : يا أم سعد لا تحتمى على الله الجنة ، فسأله الصحابة : كيف ألا يذهب سعد إل الجنة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم إن القبر ضم سعداً ضمة ، قالوا : ولم يا رسول الله ؟ فقال : لأنه كان في خلقه مع أهله سوء .
فالإتقان في كل جوانب الحياة ، وليس في شأن دون آخر ، فما فائدة أن يتقن الإنسان مهنته ، ولا يتقن حاله مع نفسه ، أو يتقن حاله مع الله , ولا يتقن حاله مع الناس ، فالإتقان جملة واحدة لحياة سعيدة بكل جوانبها .
- حتى الإتقان في دعوة الآخرين بالتأنى والتمهل وعدم العجلة والتسرع في الحكم عليهم ، فقد وقع سهيل بن عمرو أسيراً في أيدي المسلمين يوم بدر ، وكان خطيباً مفوهاً بليغاً ، فأراد عمر بن الخطاب أن يُقلع أسنانه الأمامية حتى لا يخطب ضد المسلمين ، ويحرض الأعداء على القتال ، فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً : دعنى أنزع ثنتي سهيل ، فلا يقوم علينا خطيباً , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
[ دعها فلعلها أن تسرك يوماً ]
وفي فتح مكة أسلم سهيل ، وحسن إسلامه ، ولما مات النبي صلى الله عليه وسلم , أراد بعض أهل مكة أن يرتدوا عن الإسلام ، فقام سهيل يخطب فيهم ، ويذكرهم بالله ، ويحثهم على الثبات ، والتمسك بالدين ، فسمعوا له وأطاعوا .
فأصبح التأنى جزءاً أصيلاً من الإتقان ، نحو تحقيق الهدف ، ففي الحكمة :
( من تأنى نال ما تمنى ) ، يقول على بن أبى طالب :
( لا تطلب سرعة العمل ، واطلب تجويده ، فإن الناس لا يسألون في كم فرغ ، وإنما ينظرون إلى إتقانه وجودته ) .
- وأوضح النبي صلى الله عليه وسلم أن من الإتقان السرعة في الخيرات والعجلة بها ، ففيما رواه أبو داود قول النبى الحبيب صلى الله عليه وسلم :
[ التؤدة في كل شيء إلا في عـمل الآخـرة ] .
تحقيقا لقوله تعالى :
{ وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين } آل عمران / 133 .
- وكان النبى يوجه أصحابه نحو المعالى ، متطلعين إلى النجاح في هذه الحياة ، بإتقان عملهم والثبات على هذا الخلق ، فقد جاءه الصحابى الجليل حكيم بن حزام وسأله أن يعطيه من الأموال ، فأعطاه ، ثم سأله مرة ثانية فأعطاه ، ثم سأله مرة ثالثة فأعطاه ، ثم قال له معلماً :
[ يا حكيم إن هذا المال خضر حلو ( أى إن الإنسان يميل إلى المال كما يميل إلى الفاكهة الحلوة اللذيذة ) فمن أخذه بسخاوة نفس ( بغير سؤال ولا طمع ) بورك له فيه ، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيـه ، وكان كالذي يأكل ولا يشـبع ، والـيد العـليا ( التى تعـطى ) خيـر من الـيد السـفلى ( التى تأخذ ) ] متفق عليه .
فأصبحت القناعة معلماً من معالم الإتقان ، في الرضا بما قسم الله ، ولو كان قليلاً ، وعدم التطلع إلى ما في أيدي الناس ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :
[ قد أفلح من أسلم
ورزق كفافاً
وقنّعه الله بما آتاه ] رواه مسلم
هي القناعة لا ترضي بها بدلاً
. فيها النعيم وفيها راحة البدن
انظر لمن ملك الدنيا بأجمعها
. هل راح منها بغير القطن والكفن
- وإذا كان إتقان الشيء هو إحكامه ، فأقرب المعانى العملية في حياة الإنسان التى تحقق الإتقان بمعنى الإحكام ، هو الاعتدال ، ولقد قالها النبى صلى الله عليه وسلم لسلمان الفارسي حينما علم بقوله لأبى الدرداء : [ إن لربك عليك حقاً ولنفسك عليك حقاً ولأهلك عليك حقاً فأعط كل ذي حق حقه ] فقال النبى صلى الله عليه وسلم : [ صدق سلمان ] البخارى
فالاعتدال في جوانب الحياة ، هى صورة مشرقة من صور الإتقان ، وكان هذا ديدن النبى صلى الله عليه وسلم حينما قال :
[ أما والله إنى لأخشاكم لله وأتقاكم له
لكنى أصوم وأفطر ، وأصلى وأرقد ، وأتزوج النساء
فمن رغب عن سنتى فليس منى ] البخارى .
والاعتدال هو التوسط والقصد ، لقوله النبى صلى الله عليه وسلم : [ القصد القصد تبلغوا ] ( اى الزموا التوسط في تأدية أعمالكم يتحقق ما تريدونه على الوجه الأتم ) رواه البخارى
فالإتقان في الإنفاق هو الاعتدال دون إسراف أو تقتير ، والإتقان في تناول الطعام والشراب هو الاعتدال ، والاتقان في النفقة هو الاعتدال فلا ينهك جسده ولا يجعل عمله يؤثر على عبادته أو واجباته الحياتية .
فالاعتدال من سنة النبى صلى الله عليه وسلم لمن أراد أن يتقن حياته ، يقول معاوية :
( ما رأيت إسرافاً في شيء إلا وإلى جانبه حق مضيع ) .
- وطالبنا النبى صلى الله عليه وسلم بالإتقان في الصلاة ، من أجل تحقيق الإتقان كعادة في حياتنا ، بهذا التدريب اليومي في أوقات اليوم المختلفة سواء كان فرضاً أونافلة .
فمن الإتقان عدم التهاون في الأوقات ، وعدم الانشغال بالأشكال دون الجوهر والضرورى ، وعدم الدقة في اختيار التوقيت المناسب في إنجاز العمل ، وعدم اكتمال العمل والانشغال بغيره في نفس الوقت ، وعدم ترتيب العمل عند تنفيذه ترتيباً منطقياً منظماً ، وعدم المبادرة في أول الوقت لأداء العمل وتأخيره إلى اللحظة الأخيرة ، أرأيت كيف أن الصلاة تنظم حياة الإنسان في جوانبها كلها ، وليس في جانب دون جانب ؟ .
منقول تلقائي