Kurd Day
Kurd Day Team
ثمة معرض عالمي للحقوق تتهاوى فيه الأسعار إلى الحضيض, فما كان يشترى سالفاً بملايين الدنانير صار يباع الآن بدريهمات بخسة , وما كان مستحيلاً الحصولُ عليه أضحى يسيرا وهيناً , والحرية المقدسة التي أفنى الملايين أنفسم في سبيلها عبر التاريخ بات نيلها سهلاً مثل شربة ماء , وإلّا , من كان يصدق أن فرعوناً من وزن حسني مبارك يتهاوى عن عرشه خلال بضع عشر يوما من احتجاجات سلمية ويتنفس الشعب المصري الصعداء ويستعيد حريته بأقل الأثمان بعد عقود من المعاناة ؟ ومن كان يتنبأ بأن التونسيين سيتحررون من قبضة الاستبداد بهذه السهولة ويذوقون طعم الحرية التي حرموا منها دهراً ؟
إنها ثقافة جديدة تنتشر في العالم , وفَّرتها ثورةُ التكنولوجيا , سمتُها رفض الظلم والاستبداد وعدم الأرتضاء بالذل والخنوع وعمادُها جيل الشباب الطموح . ما عليك , إن كنت من طلاب الحرية والكرامة , إلّا أن تحشد شباباً متحمساً لا يحمل سلاحاً في ميادين وساحات المدن سلاحهم صوتهم وإعلامهم الفيس بوك وتخلق أزمة لدولتك التي تضطر في النهاية , وبعد أخذ وجذب قد يشوبه قليل من الدماء , للاستجابة لمطالبك والرضوخ لثورتك المخملية .
إزاء هذا الوضع يتبادر الكرد إلى ذهن المرء , هذا الشعب الذي كان من الأولى أن تطفو قضيته على السطح هذه الأيام , وهو , وباعتراف العالم , أكبر تجمع عرقي في العالم لم ينل بعد شيئاً من حقوقه القومية , وتعرض في سبيل حريته لأصناف الإبادة حد استخدام الأسلحة الكيماوية ضده .
انقسم وطن الكرد للمرة الأولى إلى قسمين بعد معركة جالديران بين الأمبراطوريتين العثمانية والصفوية , وللمرة الثانية إلى اربعة أقسام بعد مجيء الاستعمار الغربي عقب الحرب العالمية الثانية وفق معاهدة سايكس بيكو بين الدولتين الاستعماريتين إنكلترا وفرنسا , حيث اُلحق القسمُ الأكبر بالدولة التركية يليه القسم الملحق بإيران ثم العراق ثم سورية . ولعل الأنقسام الأخير كان كارثياً على الكرد أكثر مما سبقه لأنهم باتوا أقليات في دول يحكمها قوميون شوفينيون مارسوا أقصى درجات العنف ضدهم في مسعى لإذابتهم وصهرهم , وإلّا الإبادة المبرمجة للتخلص منهم . وليس بعيداً كان الكردي يساق إلى السجن والتعرض للتعذيب لمجرد تحدثه بالكردية إلى ابنه في الشارع . ورغم الوحشية التي عومل بها الكرد فإنهم لم يتقاعسوا في الدفاع عن هويتهم القومية والنضال من أجل حقوقهم المشروعة وجوبهوا بوحشية ليس لها مثيل وشراسة بغير تعقل أدت إلى مقتل مئات الآلاف منهم في تركيا والعراق وإيران ودمرت وحرقت الآلاف من قراهم ومدنهم بهمجية لا يمكن تصورها .
لإن كان كرد سورية يدعون إلى التريث لأسباب تبدو مقبولة لحد ما من جهة أن النظام سيستغل انتفاضتهم لإثارة النعرة القومية لدى العنصر العربي واصطفاف هذا الأخير المحتمل حول النظام ضد الكرد كما حصل في انتفاضة آذار, فإن أنظار الكرد تتجه اليوم نحو أخوانهم في تركيا , البلد الذي يضم أكثر من نصف أكراد العالم والذي دأب على قمع الكرد بالحديد والنار منذ قيام الجمهورية قبل ما يقرب من تسعة عقود حتى الآن .
لم يشهد التاريخ منذ الحرب العالمية الثانية أن شعباً أُبيد بأسلحة محرمة دولياً سوى الكرد , وعليه من المنطقي أن يكون الكردُ هم الرائدين في ميادين الاحتجاجات والثورات المخملية .
وحين ذكر الكرد يُعنى به كرد تركيا بالدرجة الأولى للأسباب التي ذكرناها آنفاً ولوجود تربة خصبة يمكن أن تنمو عليها ثورتهم تتمثل بالكم السكاني الهائل والهامش الديمقراطي في الدولة التركية وعزمها على الدخول في الاتحاد الأوربي وهو أمر يقيد تركيا إن هي حاولت الإقدام على ارتكاب أي حماقة بحق الكرد في ساحات المدن إذا هم انتفضوا سلمياً ضدها . ولكننا لا نجد حركة تذكر من قبل شباب الكرد هناك , لا هبة ولا زوبعة ولا عاصفة , حتى نيروز مر هذه السنة بصورة شبه هادئة . أمر يدعو إلى الدهشة بحق .
أين العشرون مليون كردي في تركيا ؟
أين الثلاثة ملايين في اسطنبول وحدها ؟
أين ملايين المهجرين إلى ميرسين وأزمير ومدن أخرى والذين دمرت قراهم ومدنهم وطردوا منها ليتشردوا في الغرب التركي وليعانوا ضنك العيش بذل وإهانة ؟
أين ذوي مئات الملايين من الشهداء الذين سقطوا منذ زمن ثورة شيخ سعيد بيران حتى الآن ؟
لماذا لا يحتجون في الميادين العامة مطالبين بحقوقهم على غرار ما فعل شباب مصر وتونسن ويخلقون أزمة لتركيا التي تعتبر نفسها في مصاف الدول الراقية ؟
أهو تقاعس ؟ أم أنهم يلحون أن مهر كردستانهم يجب أن يكون غالياً , فقد دفعوا قسطاً كبيرا منه وهم يصرون على دفع الأقساط الباقية بالروح والدم ؟
