د. آلان كيكاني : حيَّ على الكتاب

  • بادئ الموضوع بادئ الموضوع Kurd Day
  • تاريخ البدء تاريخ البدء

Kurd Day

Kurd Day Team
إقرأ :
كلمة بدأ بها القرآن الكريم , حضَّ الله بها عباده على العلم والمعرفة سبيلا لإنارة العقول وهداية القلوب , وقرأ العرب الأميون وحفظوا القرآن ورددوه وتوحدوا به وكان لهم عرش كسرى الفرس وقيصر الروم .
وأنت تتجول في بلد ما من السهل عليك معرفة مدى التمدن الذي وصل إليه أبناء هذا البلد , لا من خلال القصور المشيدة بعناية ولا من خلال السيارات الفارهة بل من خلال عدد الناس الذين يقرأون في الحافلات والقطارات في أوقات سفرهم , أو من خلال عدد المكتبات المنتشرة في الأسواق على حساب الأفران ومحلات الساندويتش .
رغم منافسة الأنترنت والتلفزيون والراديو ظل الكتاب محافظاً على مكانته السامية وقيمته الفريدة وبقي ملجأ لرواد الثقافة ومنهلهم المفضل لأنه , علاوة على ما يحمل بين صفحاته من المعرفة , ذو قيمة تراثية وروحية ورومانسية كبيرة فمنه نشتم رائحة شيوخ الأدب مثل شكسبير وهوغو ونيرودا ناهيك عن الأنبياء والكتب المقدسة , ونتلمس فيه الملاحم الخالدة وعصرها التالد مثل مم وزين والألياذة وأوديسا وشاهنامة ورامايانا , آنذاك لم يكنْ الحاسوبُ ولا شبكته العنكبوتية .
نحن شعوب الشرق قليلو القراءة , شحيحو الاستهلاك للكتاب . وفي تقرير قرأته منذ فترة أن حركة الترجمة والطباعة في إسرائيل بملايينها الخمسة تفوق مثيلتها في العالم العربي بملايينه الثلاثمائة , وهذا يعني أن معدل استهلاك الفرد الإسرائيلي للكتاب يضاهي استهلاك مائة عربي , وهو بحق سر انتصار إسرائيل الدائم على العرب رغم فارق العدد والمساحة والثروة . وإذا كان السبب الرئيسي في قلة استهلاك الشرقي عامة والعربي خاصة للكتاب يعود إلى سوء الأوضاع الاقتصادية للمواطن واستهلاكه جل وقته في ملاحقة خبزه اليومي إلا أن جزءً كبيراً من السبب يعود إلى أسباب ذاتية تتمثل في إهمالنا لعنصر الثقافة كحاجة ماسة ومقدسة لكل إنسان وتركيزنا على الثقافة الدينية على حساب المجالات الأخرى .
في أول رحلة بالقطار قمت بها في بريطانيا بين لندن وبرايتون كنت أحمل في حقيبتي حفنة من المكسرات أقتل بها ملل السفر , ولشد ما كانت دهشتي عندما امتدت أيادي الركاب , على اختلاف أعمارهم , إلى حقائبهم لتخرج منها كتباً تقرأها بصمت وخشوع , وأنا امتدت يدي إلى كيس البزورات . تحولت عربة القطار إلى ورشة ثقافية فيها عشرات العمال المهرة إلا عامل واحد شذ عنهم هو الشرقي أنا !
ومن باب الصدفة كان المقعد المقابل لي هو الوحيد الشاغر من بين خمسين مقعداً ويفصلني عنه منضدة أنيقة وضعت عليها كيس البزورات وشرعت أقصقص بنهم وشراهة وأرمي القشور على ورقة فرشتها على سطح المنضدة , وفي إحدى المحطات صعدت سيدة حسناء مع كلبها الضخم , ولما لم تجد كرسياً تقتعده سوى ذلك الذي يواجهني وقفت بجانبي مترددة وقالت :
Execuse me sir, Are you OK with dogs ?
أي : اعذرني سيدي , هل أنت على علاقة جيدة مع الكلاب ؟
ورغم أنني كنت أتوجس خيفة وحذراً من كلبها العملاق قلت لها متصنعاً :
لمَ لا ؟ أنا على علاقة جيدة مع الكلاب ! تفضلي سيدتي واجلسي .
جلست وتكور الكلب عند قدميها وسرعان ما مدت يدها إلى حقيبتها وأخرجت منها كتاباً وقرأته بنهم .
سَرَتْ موجة من الخجل في أحشائي وبتُّ أسال نفسي :
المقعد ليس ملك لي إذن لماذا تستأذن هذه السيدة مني قبل أن تجلس ؟
من قال لها أنني أكره الكلاب ؟
أهي عنصرية منها تجاه ملامحي الشرقية أم ماذا ؟
ولكنني سرعان ما ربطت سؤالها بكيس البزر وعدم حملي للكتاب .
أجل , كأنها كانت تقول لي : إن الشعوب التي لا تقرأ لا تحترم الإنسان فما بالك بالحيوان ؟!
والحق أنها على صواب لو علمتم كم من القطط والجراء قتلت في طفولتي .
ودهشتي الكبرى كانت بعد أيام من إقامتي في برايتون عندما زرت منزل فرناندو , الإنكليزي السبعيني ذي الجذور الأسبانية , ودخولي حمام بيته لقضاء حاجتي , إذ كان هذا كبيراً , جداره الخلفي رفوف تتراكم عليها الكتب من الأرض إلى السقف وفي وسط الغرفة حمام إفرنجي , ومن شدة ذهولي عدت دون قضاء حاجتي ظناً مني أن فرناندو دلني إلى جهة خاطئة , إلا أنه عاد ليؤكد لي أنه ليس مخطئاً وأن الغرفةَ حمامٌ وليست مكتبته الشخصية . وبعد قضاء حاجتي حمل فرناندو قلماً وقرطاساً وجلس لصقي وشرع يحسب كالآتي : أنا أقضي كل يوم ثلاثين دقيقة في الحمام وهذا يعني خمس عشرة ساعة في الشهر وهو وقت كاف لقراءة ثلاثة كتب فلماذا أهدر هذا الوقت ولا أستغله للقراءة ؟! وتابع فرناندو عملياته الحسابية ليصل إلى نتيجة أنه قرأ في الحمام منذ ستين سنة ألفي كتاب !! وكل كتاب ينتهي من قراءته في الحمام يلقيه على الرف .
ألفا كتاب في الحمام فقط عدا تلك التي قرأها فرناندو في المطبخ وغرفة الجلوس والنوم وفي القطار والطائرة . ونحن لا ندري متى نمتلك قليلاً من الوقت نستغله في القيل والقال والقدح والذم والتجريح والنميمة والاغتياب ولعب الورق في سهرات تطول حتى الصباح .
اليوم صباحاً كنت في زيارة أحد معارض الكتاب وابتعت ستين كتاباً على أمل إنهائها في ظرف هذا العام الميلادي , وماذا عنكم ؟ هل من مبارز ؟
حيّوا على الكتاب .
د. آلان كيكاني
 
رد: د. آلان كيكاني : حيَّ على الكتاب

كل الشكر لالك بافي كدار على الطرح
دمت بروعه
 
رد: د. آلان كيكاني : حيَّ على الكتاب

طرح راقي وواعي و مميز
كل الشكر بافي كدار على الموضوع ...
 
رد: د. آلان كيكاني : حيَّ على الكتاب

الف شكر الك بافي كدار موضوع قيم جدا جدا وبالفعل ما في الذ من القراءة من الكتاب
الف شكر الك
 
رد: د. آلان كيكاني : حيَّ على الكتاب

مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه
 
هور يانعه في بساتين المنتدى نجني ثمارها من خلال الطرح الرائع لمواضيع اروع
وجمالية لا يضاهيها سوى هذا النثر البهي
فمع نشيد الطيور
وتباشير فجر كل يوم
وتغريد كل عصفور
وتفتح الزهور
اشكرك من عميق القلب على هذا الطرح الجميل
بانتظار المزيد من الجمال والمواضيع الرائعه
 
عودة
أعلى