اسمها مجاري، لذلك هي جارية، ومجاري جارية أحسن من ساقية نشفانة ونهر من كتر ما هو فاضي عم يزمِّر عالكوع، النهر ما معه يمشي، والساقية مو ساقية حالها لتسقينا، أما نحن فعايشين عالمياه المعدنية يا تقبري قلبي، وكلها من النبع العالي، وبده يجي يوم نشتري فيه الماء من السويد عبر تاجر وطني حربوق متعهد جبل جليدي، وسيأتي ذاك اليوم الذي سيوزعون فيه علينا بونات ماء،
سيأتي ذلك اليوم الذي ستتذكر فيه نادماً كيف كنت ترشرش حبك يا جميل على سيارتك الجميلة وبربيشك بإيدك وما حدا قدك، وسيأتي ذلك اليوم الذي ستشتهي فيه نقطة الماء، قطرة الماء، سمِّها ما تشاء، لكن دونها لا تستطيع الحياة، حتى كوكتيل الفواكه الذي يلمع بيدك الآن لا يمكنه الحياة دون ماء، فالفواكه بدها ماء كمان، وبالتأكيد الخضار بدها ماء، ولا شك في أن الحيوانات كمان بدها ماء، بس قول نحنا ما عنا حيوانات غير الغنم والماعز وقليل من الأبقار، أما الحمير فلقد ذبحها الجزارون وأكلناها بس على أساس لحم ضان، إي نعم انفقدت الحمير، انقرض ذلك الحيوان الأسطوري الذي عاش حياته كلها سعيداً بين حقول البرسيم والفصة، باستثناء فترات العمل القاسية التي كانت تضايقه قليلاً، لكن يبقى عمل الحمار الريفي أحلى من عمل حمار المدن، فحمار الريف يعمل عتالاً لأكياس الفواكه والخضار، بينما حمار المدن يعمل في الأعمال السوداء كجر طنابر المازوت أو حمل المواد الممنوعة إذا كان يعيش في مناطق حدودية، وكم من حمار قُتِل برصاص شرطة مكافحة التهريب يا حبيب، إيييييه.. لكن الحمير من ضحايا اللحامين الجزارين كانت أكثر، وقلنا بأننا لم نعد نعرف ماذا نأكل، لحم جاموس جايبينه من بلاد الهند والسند بيطعمونا ياه على أساس عجل، لحم بغل من ما وراء البحار بيمرقوا لنا إياه على أساس جمل، والحمار انتحل شخصية الخاروف فأثبت أنه حمار، ونحنا عم ناكل، وعم ناكل، وما عم نعرف شو عم ناكل، لذا فلقد حوَّلنا على المازوت وصرنا نباتيين، وما عاد ناكل غير فواكه وخضار، وشو خضار يا معلم، شغلة بتخلي ضبانات العقل تطير ومن ثم تحط على مدارج صباطك، مشان يظبط قياسك، أنت خود 42.. ضروري تاخد 43 بس لأنو نفس السعر، الزايد أخو الناقص، عم أحكيك جد، بس شو خضار مغسولة وعم تلمع، صار في أناقة عنا حتى على البسطات، ما عاد في من هديك الخضار اللي بيرموا لك اياها مع ترابها الأحمر وبدها سيفة وليفة لتتنضف منه التراب العلقان.. شو بك عم تضحك؟!..شوفي ؟!!!...ما في شي حبيب، بس هالخضار اللي عم تشتريها نضيفة ومغسولة وعم تلمع ما هي إلا خضار مروية كل شبر بندر بمياه المجاري. وبس بدك تشتري بيبين معك الخيار الابن الحلال اللي رضعان من أمه الأرض حليب زلال اسمه الماء من الخيار الابن الحرام اللي رضعان مية بلاليع ومجاري وريغارات، ابن الحلال علقان فيه تراب أحمر عند الشرشوبة تبع الخيارة، أما ابن البلاليع فلون شرشوبته أسود ومغسول بشدة، لا سوَّد الله لأحد عيشته كما هي سوداء علينا الآن، فقل لي أي خضار تأكل.. أقل لك من أنت ...
