Kurd Day
Kurd Day Team
كرونولوجيا ثورة أيلول الكردية (1961-1975)
صلاح برواري
موقع نوروز 12/10/2004
في أواسط الشهر الماضي (أيلول/سبتمبر) مرت الذكرى السابعة والأربعون لاندلاع ثورة أيلول الكردية الكبرى في كردستان العراق، بقيادة الزعيم الكردي الخالد "مَلاّ مصطفى بارزاني"- والد السيد مسعود بارزاني (رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني).
ولأن تلك الثورة كانت، ولاتزال، تعتبر من أشهر وأوسع الثورات الكردية المسلحة، في التاريخ المعاصر للشعب الكردي عموماً، وفي تاريخ كردستان العراق خصوصاً، فقد ارتأينا تقديم هذه "الكرونولوجيا"، التي تؤرخ لأهم المراحل المفصلية الهامة لهذه الثورة، منذ نشوبها وحتى خفوتها:
11/9/1961: اندلعت ثورة أيلول الكردية الكبرى في كردستان العراق، بقيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني، وبزعامة القائد الكردي الأشهر "مَلاّ مصطفى بارزاني" (14/3/1903-1/3/1979)، ضد الحكم الفردي للزعيم "عبد الكريم قاسم" (1914-1963)، الذي تولى حكم العراق في 14/7/1958 (ثورة الرابع عشر من تموز/يوليو الشهيرة، التي أطاحت بالحكم الملكي في العراق).
8/2/1963: حدث الانقلاب البعثي المعروف (انقلاب شباط الأسود)، الذي أطاح بحكم الزعيم عبد الكريم قاسم. وأُعدم الجنرال قاسم في نفس اليوم.
14/2/1963: عين الانقلابيون البعثيون الجنرال عبد السلام عارف (1921-1966) رئيساً جديداً للجمهورية العراقية.
11/3/1963: صدر البيان المؤرخ في 9 آذار (مارس) من مجلس قيادة انقلابيي شباط (فبراير)، والقاضي بتحقيق مطالب الثوار الكُرد (هدنة مؤقتة).
9/6/1963: فشلت هذه الهدنة المؤقتة، وتجدد القتال في كردستان العراق ضد حكومة شباط الانقلابية البعثية في بغداد. وشارك في الحرب، إلى جانب الجيش العراقي، لواء من الجيش السوري (بقيادة العقيد الدرزي فهد الشاعر)، اشتهر بجرائمه المروعة ضد السكان المحليين.
10/2/1964: عقدت هدنة مؤقتة بين ملا مصطفى بارزاني وحكومة الجنرال عبد السلام عارف. واستاء أعضاء المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني من عقد هذه الاتفاقية بين بارزاني وعارف، وأصبح ذلك نقطة خلاف بين الطرفين، ظهرت آثاره الخطيرة لاحقاً.
4/4/1964: تفاقمت الخلافات الفكرية والسياسية بين بارزاني وقيادة حزبه، وحدث شرخ كبير بينهما، نجم عنه خروج ثلاثة عشر من كبار أعضاء قيادة الحزب والثورة على إرادة قائد الثورة. وعقد "جناح المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني- بقيادة السياسيَين الكرديين الشهيرين، المحاميين إبراهيم أحمد وجلال طالباني" كونفرانساً، تقرر فيه تجريد ملا مصطفى بارزاني من منصبه بصفته رئيساً للحزب. ورد بارزاني بعقد مؤتمر مضاد، في بداية تموز/يوليو من نفس العام، قرر فيه طرد هؤلاء القادة الثلاثة عشر، والذين عاد بعضهم في ما بعد للعمل تحت قيادة بارزاني، بينما بقي آخرون تحت قيادة جلال طالباني. وكان، ولا يزال، الكثير من المثقفين الكرد يعتبر هذا الخلاف خلافاً بين التجديد والتقليد، داخل صفوف الثورة الكردية العراقية. وفشلت كل جهود الوساطة بين الطرفين، حيث شن بارزاني حرباً شعواء ضد قوات "جناح المكتب السياسي"، واضطرهم للجوء إلى إيران.
15/3/1965: فشلت الهدنة المؤقتة، وتجدد القتال بين بارزاني وحكومة عبد السلام عارف. وكانت إيران مشجعة على القتال، وتمكن بارزاني من إقناعها بتهجير جناح "المكتب السياسي"، المعارض له، من أراضيها؛ واضطرّهم إلى التعاون مع الحكومة العراقية، في ما بعد، بعد أن سد في وجوههم كل السبل.
14/4/1966: قُتل رئيس الجمهورية العراقية، الجنرال عبد السلام عارف، في حادث سقوط عَرَضي لطائرته الهليكوبتر، واحترقت جثته حتى تفحمت وزالت معالمها تماماً.
16/4/1966: عُيّن الجنرال عبد الرحمن عارف، شقيق الجنرال عبد السلام عارف، رئيساً جديداً للجمهورية العراقية.
7/5/1966: أصيبت حكومة عبد الرحمن عارف بنكسة عسكرية فظيعة، إثر انتصار قوات (البيشمركة) الكردية في واحدة من أكبر المعارك التاريخية (معركة هندرين)، التي لعب فيها أيضاً الضباط الشيوعيون العراقيون دوراً مشهوداً، إلى جانب قوات الثورة الكردية.
29/6/1966: اضطرت حكومة عبد الرحمن عارف إلى إجراء مفاوضات مع الثورة الكردية، وإصدار ما عُرف ب (بيان البزاز) الشهير، والمتضمن إطلاق سراح السجناء السياسيين الكرد، وتحسين الحالة الاقتصادية في كردستان.
وفي أثناء فترة الهدنة هذه، حضر الصحافي السوفييتي الكبير (يفغيني بريماكوف) إلى كردستان، وأجرى عدة مقابلات صحافية مع بارزاني. وبعد عودته، نشر عدة مقالات مسهبة وإيجابية عن الثورة الكردية.
17/7/1968: قاد حزب البعث العراقي انقلاباً عسكرياً ضد حكومة عبد الرحمن عارف (الذي نفي إلى تركيا، ولا يزال حياً)، وتولى رئاسة الجمهورية العراقية اللواء أحمد حسن البكر (1916- 4/10/1982، والذي عزله صدام حسين عن الرئاسة عام 1979).
10/10/1968: فشل بيان البزاز (وسمّي كذلك نسبة إلى رئيس الوزراء العراقي عبد الرحمن البزاز، أيام حكومة عبد الرحمن عارف)، وتجدد القتال بين الثورة الكردية وحكومة البعث الجديدة. وزادت إيران الشاه من دعمها للثورة الكردية، وزودتها (35) ألف قطعة سلاح دفعة واحدة، للتمكن من الوقوف بوجه هذا العدو المشترك.
11/3/1970: عُقد أشهر وأكبر اتفاق للسلام في تاريخ الحركة التحررية الكردية، بين قيادة الثورة الكردية وحكومة البعث العراقية (بقيادة البكر- صدام)، وسمته الحكومة (بيان 11 آذار). نصت أهم بنود هذا الاتفاق على منح الحكم الذاتي (الأوتونومي) لإقليم كردستان العراق، والبدء بإعمار ما خربته الحرب، وكذلك إشراك خمسة وزراء كُرد في الحكومة العراقية.
توسط (الاتحاد السوفييتي)، وبصورة غير رسمية، في إنجاح مفاوضات هذا الاتفاق. وكان لهذه الوساطة تأثير كبير في قبول (بارزاني) الدخول في المداولات مع الحكومة البعثية. لذلك يعتبر البعض أن هذا الاتفاق، من حيث البُعد الدولي، شكّل نصراً ديبلوماسياً للاتحاد السوفييتي- وكان ذلك أول نصر مشهود له في العراق منذ عام 1958.
كذلك تم رأب الصدع في صفوف الثورة الكردية؛ حيث عاد جناح (المكتب السياسي) للحزب الديمقراطي الكردستاني (بقيادة إبراهيم أحمد- جلال طالباني) للعمل مع (بارزاني) ثانية، بغية إنجاح عملية السلام، وتوحيد الصف الكردي.
29/9/1971: تعرض الزعيم الكردي الملا مصطفى بارزاني إلى محاولة اغتيال، دبرتها له مخابرات الحكومة العراقية، للتمكن من فرض شروط مُذلّة على الثورة الكردية، بعد موت قائدها. وتسبب ذلك بنوع من التوتر وعدم الثقة بين الطرفين.
16/7/1972: حدثت محاولة الاغتيال الثانية للزعيم بارزاني، وانكشفت خيوط اللعبة البعثية. لكنّ قيادة الثورة الكردية آثرت مواصلة السير في طريق السلام، الذي أصبح مزروعاً بالكثير من الألغام الجاهزة للانفجار في أي وقت؛ حيث تعرضت العديد من مقار الحزب الديمقراطي الكردستاني، وفي مختلف المدن العراقية، إلى عمليات مداهمة وتفجير.
وأصبحت كردستان العراق مثل برميل من البارود، سرعان ما ينفجر عند اقتراب شرارة أو لهب!. وفعلاً انفجر الوضع كلياً في آذار/مارس 1974، على غير ما توقعته الحكومة العراقية، وأعلن (بارزاني) الثورة مجدداً، رغم العديد من محاولات التهدئة بين الطرفين، التي قام بها (الاتحاد السوفييتي)، بل وحتى العديد من رجالات الثورة الكردية.
وقفت (إيران)، هذه المرة أيضاً، إلى جانب الثورة الكردية بقوة، وزودتها ببطاريات المدفعية والصواريخ، ومختلف المساعدات اللوجستية.
وحسب اعتراف (صدام حسين)، الذي كان نائباً لرئيس الجمهورية العراقية؛ فقد تكبد الجانب الحكومي، وخلال عام من القتال الدامي، أكثر من ستين ألف إصابة في صفوفه، ما بين قتيل وجريح. وقدمت الثورة الكردية أيضاً الكثير من الضحايا والخسائر.
6/3/1975: انتكست الثورة الكردية انتكاسة فظيعة، لم يشهد لها التاريخ الكردي مثيلاً، إثر إبرام (اتفاق الجزائر) المعروف، بين (صدام حسين) والشاه الإيراني (محمد رضا بهلوي)، وبمباركة كل من الرئيس الجزائري (هواري بومدين) والملك الأردني (الحسين بن طلال)؛ وتولى وزير الخارجية الأميركي (هنري كيسنجر) إنضاج هذه الطبخة السياسية.
التقت مصالح إقليمية ودُولية عديدة، على مذبح الحركة الكردية!. وتنازل صدام حسين، مقابل هذا الاتفاق، عن عشرات الكيلومترات من أراضي كردستان العراق الحدودية، وعن قسم كبير من (شط العرب) لإيران الشاه. وقرر قائد الثورة الكردية العجوز والمتعَب (ملا مصطفى بارزاني)، إنهاء الثورة - رغم توسلات العديد من قادتها العسكريين والسياسيين، بعد أن رأى الأفق مسدوداً أمامه بالكامل!. ولجأ إلى (إيران) مع عشرات الألوف من المقاتلين والناس العاديين، بعد أن بدأت (حكومة البعث) تزرع الرعب والدمار في كل أنحاء كردستان العراق.
وفي إيران، بدأ الأسد الكردي العجوز (ملا مصطفى بارزاني) يعاني من وطأة مرض (السرطان)، وعرف أنه سيصبح أضحوكة لدى الثعلب الإيراني الماكر (الشاه محمد رضا بهلوي)؛ فآثر السفر إلى أميركا (صديقته اللدودة!)، ليقضي نحبه هناك، في مستشفى (جورج تاون) بواشنطن، بعد صراعٍ ضارٍ مع المرض.
ـــــــــــــــــ
* كاتب وصحافي كردي عراقي
( عن كتاب " كردستان.. بين التاريخ والجغرافيا"، لكاتب المقال، مُعَد للطبع).
صلاح برواري
موقع نوروز 12/10/2004
في أواسط الشهر الماضي (أيلول/سبتمبر) مرت الذكرى السابعة والأربعون لاندلاع ثورة أيلول الكردية الكبرى في كردستان العراق، بقيادة الزعيم الكردي الخالد "مَلاّ مصطفى بارزاني"- والد السيد مسعود بارزاني (رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني).
ولأن تلك الثورة كانت، ولاتزال، تعتبر من أشهر وأوسع الثورات الكردية المسلحة، في التاريخ المعاصر للشعب الكردي عموماً، وفي تاريخ كردستان العراق خصوصاً، فقد ارتأينا تقديم هذه "الكرونولوجيا"، التي تؤرخ لأهم المراحل المفصلية الهامة لهذه الثورة، منذ نشوبها وحتى خفوتها:
11/9/1961: اندلعت ثورة أيلول الكردية الكبرى في كردستان العراق، بقيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني، وبزعامة القائد الكردي الأشهر "مَلاّ مصطفى بارزاني" (14/3/1903-1/3/1979)، ضد الحكم الفردي للزعيم "عبد الكريم قاسم" (1914-1963)، الذي تولى حكم العراق في 14/7/1958 (ثورة الرابع عشر من تموز/يوليو الشهيرة، التي أطاحت بالحكم الملكي في العراق).
8/2/1963: حدث الانقلاب البعثي المعروف (انقلاب شباط الأسود)، الذي أطاح بحكم الزعيم عبد الكريم قاسم. وأُعدم الجنرال قاسم في نفس اليوم.
14/2/1963: عين الانقلابيون البعثيون الجنرال عبد السلام عارف (1921-1966) رئيساً جديداً للجمهورية العراقية.
11/3/1963: صدر البيان المؤرخ في 9 آذار (مارس) من مجلس قيادة انقلابيي شباط (فبراير)، والقاضي بتحقيق مطالب الثوار الكُرد (هدنة مؤقتة).
9/6/1963: فشلت هذه الهدنة المؤقتة، وتجدد القتال في كردستان العراق ضد حكومة شباط الانقلابية البعثية في بغداد. وشارك في الحرب، إلى جانب الجيش العراقي، لواء من الجيش السوري (بقيادة العقيد الدرزي فهد الشاعر)، اشتهر بجرائمه المروعة ضد السكان المحليين.
10/2/1964: عقدت هدنة مؤقتة بين ملا مصطفى بارزاني وحكومة الجنرال عبد السلام عارف. واستاء أعضاء المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني من عقد هذه الاتفاقية بين بارزاني وعارف، وأصبح ذلك نقطة خلاف بين الطرفين، ظهرت آثاره الخطيرة لاحقاً.
4/4/1964: تفاقمت الخلافات الفكرية والسياسية بين بارزاني وقيادة حزبه، وحدث شرخ كبير بينهما، نجم عنه خروج ثلاثة عشر من كبار أعضاء قيادة الحزب والثورة على إرادة قائد الثورة. وعقد "جناح المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني- بقيادة السياسيَين الكرديين الشهيرين، المحاميين إبراهيم أحمد وجلال طالباني" كونفرانساً، تقرر فيه تجريد ملا مصطفى بارزاني من منصبه بصفته رئيساً للحزب. ورد بارزاني بعقد مؤتمر مضاد، في بداية تموز/يوليو من نفس العام، قرر فيه طرد هؤلاء القادة الثلاثة عشر، والذين عاد بعضهم في ما بعد للعمل تحت قيادة بارزاني، بينما بقي آخرون تحت قيادة جلال طالباني. وكان، ولا يزال، الكثير من المثقفين الكرد يعتبر هذا الخلاف خلافاً بين التجديد والتقليد، داخل صفوف الثورة الكردية العراقية. وفشلت كل جهود الوساطة بين الطرفين، حيث شن بارزاني حرباً شعواء ضد قوات "جناح المكتب السياسي"، واضطرهم للجوء إلى إيران.
15/3/1965: فشلت الهدنة المؤقتة، وتجدد القتال بين بارزاني وحكومة عبد السلام عارف. وكانت إيران مشجعة على القتال، وتمكن بارزاني من إقناعها بتهجير جناح "المكتب السياسي"، المعارض له، من أراضيها؛ واضطرّهم إلى التعاون مع الحكومة العراقية، في ما بعد، بعد أن سد في وجوههم كل السبل.
14/4/1966: قُتل رئيس الجمهورية العراقية، الجنرال عبد السلام عارف، في حادث سقوط عَرَضي لطائرته الهليكوبتر، واحترقت جثته حتى تفحمت وزالت معالمها تماماً.
16/4/1966: عُيّن الجنرال عبد الرحمن عارف، شقيق الجنرال عبد السلام عارف، رئيساً جديداً للجمهورية العراقية.
7/5/1966: أصيبت حكومة عبد الرحمن عارف بنكسة عسكرية فظيعة، إثر انتصار قوات (البيشمركة) الكردية في واحدة من أكبر المعارك التاريخية (معركة هندرين)، التي لعب فيها أيضاً الضباط الشيوعيون العراقيون دوراً مشهوداً، إلى جانب قوات الثورة الكردية.
29/6/1966: اضطرت حكومة عبد الرحمن عارف إلى إجراء مفاوضات مع الثورة الكردية، وإصدار ما عُرف ب (بيان البزاز) الشهير، والمتضمن إطلاق سراح السجناء السياسيين الكرد، وتحسين الحالة الاقتصادية في كردستان.
وفي أثناء فترة الهدنة هذه، حضر الصحافي السوفييتي الكبير (يفغيني بريماكوف) إلى كردستان، وأجرى عدة مقابلات صحافية مع بارزاني. وبعد عودته، نشر عدة مقالات مسهبة وإيجابية عن الثورة الكردية.
17/7/1968: قاد حزب البعث العراقي انقلاباً عسكرياً ضد حكومة عبد الرحمن عارف (الذي نفي إلى تركيا، ولا يزال حياً)، وتولى رئاسة الجمهورية العراقية اللواء أحمد حسن البكر (1916- 4/10/1982، والذي عزله صدام حسين عن الرئاسة عام 1979).
10/10/1968: فشل بيان البزاز (وسمّي كذلك نسبة إلى رئيس الوزراء العراقي عبد الرحمن البزاز، أيام حكومة عبد الرحمن عارف)، وتجدد القتال بين الثورة الكردية وحكومة البعث الجديدة. وزادت إيران الشاه من دعمها للثورة الكردية، وزودتها (35) ألف قطعة سلاح دفعة واحدة، للتمكن من الوقوف بوجه هذا العدو المشترك.
11/3/1970: عُقد أشهر وأكبر اتفاق للسلام في تاريخ الحركة التحررية الكردية، بين قيادة الثورة الكردية وحكومة البعث العراقية (بقيادة البكر- صدام)، وسمته الحكومة (بيان 11 آذار). نصت أهم بنود هذا الاتفاق على منح الحكم الذاتي (الأوتونومي) لإقليم كردستان العراق، والبدء بإعمار ما خربته الحرب، وكذلك إشراك خمسة وزراء كُرد في الحكومة العراقية.
توسط (الاتحاد السوفييتي)، وبصورة غير رسمية، في إنجاح مفاوضات هذا الاتفاق. وكان لهذه الوساطة تأثير كبير في قبول (بارزاني) الدخول في المداولات مع الحكومة البعثية. لذلك يعتبر البعض أن هذا الاتفاق، من حيث البُعد الدولي، شكّل نصراً ديبلوماسياً للاتحاد السوفييتي- وكان ذلك أول نصر مشهود له في العراق منذ عام 1958.
كذلك تم رأب الصدع في صفوف الثورة الكردية؛ حيث عاد جناح (المكتب السياسي) للحزب الديمقراطي الكردستاني (بقيادة إبراهيم أحمد- جلال طالباني) للعمل مع (بارزاني) ثانية، بغية إنجاح عملية السلام، وتوحيد الصف الكردي.
29/9/1971: تعرض الزعيم الكردي الملا مصطفى بارزاني إلى محاولة اغتيال، دبرتها له مخابرات الحكومة العراقية، للتمكن من فرض شروط مُذلّة على الثورة الكردية، بعد موت قائدها. وتسبب ذلك بنوع من التوتر وعدم الثقة بين الطرفين.
16/7/1972: حدثت محاولة الاغتيال الثانية للزعيم بارزاني، وانكشفت خيوط اللعبة البعثية. لكنّ قيادة الثورة الكردية آثرت مواصلة السير في طريق السلام، الذي أصبح مزروعاً بالكثير من الألغام الجاهزة للانفجار في أي وقت؛ حيث تعرضت العديد من مقار الحزب الديمقراطي الكردستاني، وفي مختلف المدن العراقية، إلى عمليات مداهمة وتفجير.
وأصبحت كردستان العراق مثل برميل من البارود، سرعان ما ينفجر عند اقتراب شرارة أو لهب!. وفعلاً انفجر الوضع كلياً في آذار/مارس 1974، على غير ما توقعته الحكومة العراقية، وأعلن (بارزاني) الثورة مجدداً، رغم العديد من محاولات التهدئة بين الطرفين، التي قام بها (الاتحاد السوفييتي)، بل وحتى العديد من رجالات الثورة الكردية.
وقفت (إيران)، هذه المرة أيضاً، إلى جانب الثورة الكردية بقوة، وزودتها ببطاريات المدفعية والصواريخ، ومختلف المساعدات اللوجستية.
وحسب اعتراف (صدام حسين)، الذي كان نائباً لرئيس الجمهورية العراقية؛ فقد تكبد الجانب الحكومي، وخلال عام من القتال الدامي، أكثر من ستين ألف إصابة في صفوفه، ما بين قتيل وجريح. وقدمت الثورة الكردية أيضاً الكثير من الضحايا والخسائر.
6/3/1975: انتكست الثورة الكردية انتكاسة فظيعة، لم يشهد لها التاريخ الكردي مثيلاً، إثر إبرام (اتفاق الجزائر) المعروف، بين (صدام حسين) والشاه الإيراني (محمد رضا بهلوي)، وبمباركة كل من الرئيس الجزائري (هواري بومدين) والملك الأردني (الحسين بن طلال)؛ وتولى وزير الخارجية الأميركي (هنري كيسنجر) إنضاج هذه الطبخة السياسية.
التقت مصالح إقليمية ودُولية عديدة، على مذبح الحركة الكردية!. وتنازل صدام حسين، مقابل هذا الاتفاق، عن عشرات الكيلومترات من أراضي كردستان العراق الحدودية، وعن قسم كبير من (شط العرب) لإيران الشاه. وقرر قائد الثورة الكردية العجوز والمتعَب (ملا مصطفى بارزاني)، إنهاء الثورة - رغم توسلات العديد من قادتها العسكريين والسياسيين، بعد أن رأى الأفق مسدوداً أمامه بالكامل!. ولجأ إلى (إيران) مع عشرات الألوف من المقاتلين والناس العاديين، بعد أن بدأت (حكومة البعث) تزرع الرعب والدمار في كل أنحاء كردستان العراق.
وفي إيران، بدأ الأسد الكردي العجوز (ملا مصطفى بارزاني) يعاني من وطأة مرض (السرطان)، وعرف أنه سيصبح أضحوكة لدى الثعلب الإيراني الماكر (الشاه محمد رضا بهلوي)؛ فآثر السفر إلى أميركا (صديقته اللدودة!)، ليقضي نحبه هناك، في مستشفى (جورج تاون) بواشنطن، بعد صراعٍ ضارٍ مع المرض.
ـــــــــــــــــ
* كاتب وصحافي كردي عراقي
( عن كتاب " كردستان.. بين التاريخ والجغرافيا"، لكاتب المقال، مُعَد للطبع).