اليورو... بُنيّ على كذبة!

  • بادئ الموضوع بادئ الموضوع Rojda
  • تاريخ البدء تاريخ البدء
العيب الأكبر في عملة أوروبا الموحّدة
اليورو... بُنيّ على كذبة!!







يتعرض اليورو لهجوم لم يسبق له مثيل، إذ يتبيّن أن الوعود التي ارتكز عليها ما هي إلا كذبة. وتأتي توقعات صناديق التحوط بشأن دين اليونان سلبيةً، فيما يعما سياسيو منطقة اليورو في الكواليس على إعداد رُزم إنقاذ غير متقنة. لكن تشوب هذا الاتحاد النقدي عيوب أساسية تحتاج إلى إصلاح، إن أراد هؤلاء السياسيون لعملة أوروبا الموحدة الاستمرار.
أعربت المستشارة الالمانية أنجيلا ميركل عن فائق احترامها وتقديرها لرئيس الوزراء اليوناني جورجيوس باباندريو. فبعد أن اجتمعا لمناقشة الأزمة الاقتصادية اليونانية، ذكرت ميركل أن حكومته بذلت {مجهوداً جباراً}. وأوضحت أن اليونانيين طبقوا مجموعة من التدابير أثارت إعجاب الأسواق الرأسمالية {خلال فترة زمنية قصيرة جداً}.
كذلك عبّرت ميركل عن سرورها برؤية النجاح الذي حققه إصدار سندات الحكومة الجديدة في اليونان، قائلة: {حقّقت هذه الخطوة النجاح}. بدا باباندريو أيضاً مسروراً، فيما راح يستمع إلى القائدة الألمانية، شاكراً إياها من كل قلبه على دعمها. ثم أكد أنه لم يطلب منها أي مساعدة مالية.
يبدو أن هذين السياسيين حققا ما كانا يهدفان إليه. فأخيراً، كشف باباندريو عن سلسلة تدابير صارمة فرضت اقتطاعات بملايين الدولارات على المتقاعدين والسائقين والموظفين الحكوميين. وفي اليوم التالي، تمكن مفاوضو الحكومة اليونانية بسهولة من تأمين 5 مليارات يورو (6.8 مليارات دولار أميركي) على شكل قروض جديدة في السوق الرأسمالية الدولية. اعتبرت ميركل هذه الخطوة {إشارة بالغة الأهمية}. وأعلن باباندريو: {أنها الطريقة الوحيدة كي تنقذ اليونان مستقبلها}. فظهر هذان القائدان كفائزين يحتفلان بانتصارهما. وأرادا إيصال رسالة إلى الشعب مفادها أن الأزمة اليونانية انتهت.
استراحة قصيرة
حبذا لو انتهت الأزمة! فقد فاز هذان القائدان بمعركة، وليس بالحرب. نعم، أعطت أوروبا نفسها استراحة ستدوم بضعة أسابيع. فلم تتبدد الشكوك بشأن إمكان الدفاع عن اليونان والعملة المشتركة على الأمد البعيد، وعما إذا كانت هذه الدولة تستطيع النهوض بمفردها، كما أكّد وزير الخارجية اليوناني بالوكالة ديمتري دروتساس في مقابلة مع {شبيغل}.
لا شك في أن المخاطر كبيرة. فقد أعلنت اتحادات اليونان التجارية وغيرها من مجموعات المصالح الخاصة عن إضرابات جديدة وتظاهرات واسعة النطاق. كذلك تشهد التوقعات الاقتصادية لهذا البلد، الذي يرزح تحت ديون طائلة، تراجعاً مستمراً أسبوعاً بعد آخر. ويبدو المضاربون في الأسواق المالية الدولية مقتنعين تماماً بأن أثينا ستعاني مجدداً مشاكل مالية، ربما في شهر أبريل (نيسان)، حين تُضطر اليونان إلى تسديد قروض قيمتها 12 مليار يورو، أو ربما في شهر مايو (أيار)، عندما يحين موعد تسديد 8 مليارات أخرى.
كتب جوناثان كلارك، مدير أحد صناديق التحوط في نيويورك، إلى مستثمريه: {لسنا مقتنعين البتة بأن السياسيين اليونانيين يملكون رأسمالاً سياسياً كافياً للمضي قدماً في إصلاحاتهم}. وعلى نحو مماثل، توقع هانز غونتر ردكر، كبير خبراء استراتيجيات النقد الأجنبي في المصرف الفرنسي البارز BNP Paribas، أن يواجه هذا البلد والدول المحيطة به {صدمة مالية انكماشية}.
وإحدى المسائل التي أثارتها هذه الأزمة استقرار اليورو والوحدة السياسية الأوروبية، فضلاً عن السؤال الدائم: مَن سينتصر في الصراع على مستقبل العملة؟ يتألف الفريق الأول من القطاع المالي الدولي، الذي يراهن بالمليارات على إفلاس اليونان وتراجع اليورو. أما الفريق الثاني فيضم الحكومات الأوروبية المصممة على الدفاع بكل ما أوتيت من قوة عن عملتها الموحدة، التي بدأ العمل بها قبل 11 سنة.
بين الخير والشر
بلغت حرب الأعصاب ذروتها الأولى الأسبوع الماضي. فقد حفل هذا الصراع بالخدع والتهديدات، والمراهنات والاحتيال، فضلاً عن مشاهد مأساوية تذكّر بأفلام هوليوود التي نرى فيها سائقين يتسابقان نحو حافة هاوية سحيقة والخاسر هو مَن يضغط أولاً على الفرامل. وفي خطوة درامية نموذجية، حاولت الحكومات الأوروبية تصوير الصراع كما لو أنه معركة أخيرة بين الخير والشر: بين سياسيين يدعمون مصلحة أوروبا العامة ووحوش مالية جشعة لا تهتم إلا بمصالحها الخاصة وأرباحها المالية.
لكن الوضع ليس بهذه البساطة. فكثير من المراهنين الأشرار لا يعملون في القاعات التجارية التابعة للمراكز المالية الدولية، إنما في المكاتب الحكومية في أثينا ومدريد وبرلين وبروكسل. وقد استغل هؤلاء اليورو، فضلاً عن الخداع والتزوير، ليعيشوا طوال سنوات على حساب الآخرين، أو أنهم غضوا النظر عما يدور من حولهم.
بدأ مفهوم أن العملة الأوروبية الموحدة لا ترتكز إلا على مجموعة من الأكاذيب يترك تأثيراً سلبياً بالغ الأهمية. أدرك جميع مؤسسي اليورو أن هذه العملة الجديدة لن تستقر إلا إذا التزمت الدول الأعضاء كافة بسياسات مالية سليمة وأنفقت على الأمد الطويل مبالغ توازي ما جنته من عائدات ضريبية، لكن كثيرين تجاهلوا هذا المبدأ من البداية.
انتهاك القواعد
ما إن بدأ العمل باليورو حتى تحوّل الاتحاد النقدي إلى اتحاد مديون. فأضحى انتهاك قواعد الموازنة القوية، التي فرضها الاتحاد على نفسه، ممارسة شائعة وليس ذلك في اليونان فحسب. كُسرت هذه القواعد علانية حيناً وفي الخفاء أحياناً. وأثار هذا الانتهاك في بعض المناسبات صراعاً بين الدول الأعضاء، فيما حظيت هذه الممارسات بموافقة الجميع في مناسبات أخرى. وبدا المنتهكون بالعموم مقتنعين بأن هذه المسائل ستنحل في النهاية وأن آخرين سيسددون الفاتورة عنهم.
سرعان ما تلت الكذبة الأولى كذبة ثانية. وعد أعضاء منطقة اليورو بدعم العملة الموحدة باعتمادهم سياسة موحدة. تكمن المشكلة في أن هؤلاء ما كانوا مستعدين للوفاء بوعدهم. بدلاً من ذلك، تصرفت كل دولة من أعضاء منطقة اليورو الستة عشر كما لو أنها لا تزال تدير عملتها الخاصة (ولا تزال تتصرف على هذا النحو). فسار كل بلد على هواه في مسائل متعلقة برفع الضرائب أو خفضها واقتراض المال وتخفيض الكلفة، كما لو أنه لا يُفترض به أن يأخذ دول منطقة اليورو الأخرى في الاعتبار.
لكن في الاتحاد المالي، لكل قرار اقتصادي تأثيراته على سائر الدول الأعضاء. فعندما تنخفض كلفة الأجور في ألمانيا مثلاً، يتأثر أصحاب الأعمال والعمال كلهم، حتى لو كانوا يعيشون في أبعد بقع أيرلندا أو البرتغال.
في الماضي، خففت معدلات التبادل عواقب التطورات المتضاربة والمختلفة. فكلما ازداد بلد قوة اقتصادياً، ارتفعت قيمة عملته. أما إذا ضعف، فتتراجع قيمتها.
خيارات غير محببة
تختفي آلية التكيُّف هذه في الاتحاد النقدي، ما يؤدي إلى تداعيات خطيرة. مثلاً، إذا تراكمت على أحد البلدان ديون طائلة، لا تستطيع الحكومة اللجوء إلى الخيار الألطف: خفض قيمة عملتها. عوضاً عن ذلك، تُضطر إلى فرض تدابير صارمة تؤثر مباشرة في مستوى معيشة مواطنيها، كما يحصل اليوم في اليونان، حيث مُنيت الأجور ورواتب التقاعد بتراجع ملحوظ ولحقت بنفقات الحكومة اقتطاعات كبيرة.
هذه عاقبة لا بد منها في الاتحادات النقدية. لكن الحكومات الأوروبية لم تتقبل هذا الخطر، ورفضت بعناد الإقرار بأخطائها. فحافظت بدلاً من ذلك على الوضع القائم وتبنت موقف لامبالاة. سارت الأمور على خير ما يُرام لفترة معيّنة، لكن ما عاد بالإمكان اليوم إخفاء هذا الخلل في التوازن. ولم تكن اليونان الدولة الوحيدة في منطقة اليورو التي راكمت ديوناً طائلة باتت تهدد اليوم بانهيارها. فثمة عدد من الدول يواجهه الخطر نفسه، منها البرتغال وأيرلندا وإيطاليا وإسبانيا.
في حال أفلست إحدى الدول الكبرى في القارة، فستواجه أوروبا خيارين، كلاهما مرّ. فإذا تقبّل الأوروبيون الإفلاس بكل بساطة، قد يولد سلسلة مترابطة من ردود الفعل في الأسواق المالية، على غرار ما حدث بعيد إفلاس بنك ليمان بروزرز في عام 2008. لكن إذا قررت دول منطقة اليورو الأخرى أن تهب لمساعدة البلد المفلس ومده بالقروض، يوضح توماس ماير، كبير الخبراء الاقتصاديين في بنك دويتشه: {سينعكس ذلك سلباً على أهلية ألمانيا الائتمانية}.
لا عجب في أن تؤدي لعبة المراهنة على اليونان إلى توتر شديد في العواصم الأوروبية. فالمخاطر كبيرة، ويتمتع اللاعبون الكثر بقوة مالية ضخمة. نرى هؤلاء اللاعبين جالسين في مكاتبهم في أبنية مانهاتن وشققهم الفخمة في جزر كايمان ومقرات المصارف الدولية الكبرى. ولجميعهم غاية واحدة: جني المال من مأساة اليونان، أو على الأقل الحرص على ألا يخسروا أي مال بسببها.
يشكّل تفادي الخسارة هدف مصارف أوروبية كثيرة أيضاً، هذه المصارف التي اشترت خلال السنتين الماضيتين كميات كبيرة من السندات اليونانية. مثلاً، تملك مؤسسات مالية ألمانية (كمؤسستي Commerzbank وHRE) راهناً سندات خزينة يونانية بقيمة 32 مليار يورو تقريباً، فيما أن حيازات المصارف الفرنسية من السندات اليونانية تبلغ ضعف هذه القيمة.
صفقات مغرية
بدت الصفقات مغرية جداً. فخلال مختلف مراحل الأزمة المالية، تمكنت المصارف من اقتراض المال من المصرف الأوروبي المركزي بمعدلات ما انفكت تتدنى حتى بلغت في النهاية 1%. وعندما استخدمت هذا المال الرخيص لشراء سندات يونانية، بعائدات تصاعدية تصل إلى 5%، كان يُفترض بهذه الصفقة أن تكون آمنة، أشبه بترخيص لطبع المال.
أصيب مديرو الائتمان بصدمة كبيرة عندما اكتشفوا في الأسابيع الأخيرة أن عميلهم، الذي افترضوا أنه يتمتع بقدرة عالية على تسديد ديونه، معرض للإفلاس. فراحوا منذ ذلك الحين يحضون الحكومات الأوروبية على أن تهب في أسرع وقت ممكن لمساعدة الحكومة اليونانية بمعونة شاملة تدعمها الحكومات.
وتعاظم هذا الضغط بسبب أهم المستثمرين واسعي النفوذ الذين يألفون العمل في قاعات التبادل التجاري في المصارف الاستثمارية الكبرى وغرف الإدارة التنفيذية في مراكز صناديق التحوط. اعتبر بعض هؤلاء أن سقوط اليورو بات محسوماً. لذلك يبذلون اليوم قصارى جهدهم كي تصدق توقعاتهم.
من هؤلاء المهاجمين مدير أحد صناديق التحوّط في نيويورك، جون بولسون، الذي يتحكم في صندوق قيمته 30 مليار دولار أميركي. اعتُبر بولسون خبيراً متمرساً في عالم الاستثمار منذ راهن في مطلع عام 2005 على انهيار سوق العقارات الأميركية. ولا شك في أنه أصاب بتوقعه هذا. وقال بولسون في جلسة استماع أمام الكونغرس الأميركي قبل بضعة أسابيع أنه لا يهدف إلا إلى {حماية أموال مستثمرينا}. فبدت كلماته تلك باردة وخالية من أي مشاعر، حتى أنك تخاله يطلب طبقاً من البطاطا المقلية.
مراهنة
يشمل أعداء العملة الموحدة أيضاً جون تايلور وجوناثان كلارك، مضاربان أميركيان بارزان يديران FX Concepts، أحد أكبر صناديق التحوّط في العالم (مقره في نيويورك). فيملك التجار في {برنامج النقد العالمي} التابع لهذا الصندوق ثلاثة مليارات دولار. ذكر كلارك في مطلع شهر فبراير (شباط): {نراهن على تراجع سعر اليورو}. وفي الفترة نفسها تقريباً، سجل صافي المراكز القصيرة باليورو التي تتسم بالمضاربة ارتفاعاً كبيراً في بورصة شيكاغو للتجارة.
ورد في تحقيق أطلقته وزارة العدل الأميركية قبل أسبوعين أن المهاجمين تبنوا على الأرجح مقاربة تآمرية في بعض المناسبات. وتشك السلطات في أن تكون صناديق التحوط التي يديرها بولسون وغيره من عمالقة هذا القطاع، بما فيها الصندوق الذي يرأسه المستثمر الغني عن التعريف جورج سوروس، قد خططت لهجوم على اليورو. كذلك تعتقد أن اللاعبين توصلوا على ما يبدو إلى اتفاقات غير قانونية بشأن المضاربات.
علاوة على ذلك، تملك دائرة الرقابة المالية الفدرالية في ألمانيا أدلة مهمة على أن المضاربين زادوا أخيراً من استهدافهم اليونان، ذلك باستغلالهم على ما يبدو لعبتهم المفضلة، أدوات مقايضة مخاطر الائتمان. فقد سبق أن أدت هذه اللعبة دوراً بارزاً في الأزمة المالية.
بوليصة تأمين
تقوم أدوات مقايضة مخاطر الائتمان على عقد يدفع بموجبه أحد الفريقين رسوماً سنوية لشراء حماية من التخلف عن السداد، فيما أن البائع (الفريق الثاني) يعده بتغطية الخسائر في حال التخلف. إذاً، تمثّل هذه الأدوات بوليصة تأمين ضد التخلف عن سداد قيمة السندات أو أي دين آخر. فيحصل الشاري على مبلغ من المال في حالة التخلف عن سداد قيمة السندات التي يشملها العقد.
في شهر فبراير (شباط) الفائت، امتلك المستثمرون {بوليصات تأمين} لسندات حكومية يونانية قيمتها 85 مليار يورو، ضعف ما كانوا يملكونه قبل سنة، حسبما أشار تقرير أعده مسؤولو دائرة الرقابة المالية الفدرالية لوزارة المالية الألمانية.
حذر منظمو المصارف الألمانية من أن أدوات مقايضة الائتمان هذه قد تتحول إلى مشكلة حقيقية تعيق جهود الحكومة اليونانية لجمع المال وتزعزع تماسك الاتحاد النقدي. فمع ارتفاع ثمن هذه الأدوات، يفقد المستثمرون ثقتهم بالسندات اليونانية. ويؤكد تقرير دائرة الرقابة المالية الفدرالية أن هذا قد يؤدي إلى {إضراب لشراة} السندات اليونانية، ما يزيد {خطر فشل عملية إعادة التمويل، خطر قد يفضي إلى تخلف عن السداد}.
للحد من أي مضاربات مستقبلية تعتمد على أدوات مقايضة مخاطر الائتمان، اقترح منظمو المصارف إنشاء سلطة أوروبية مركزية تُسجَّل فيها الأدوات المالية المثيرة للجدل. فتتيح هذه الخطوة للسلطات بأن تكتشف في الحال مواضع الخلل الناتجة من المضاربات. لكن خبراء دائرة الرقابة المالية الفدرالية يعارضون فرض حظر عام على أدوات مقايضة مخاطر الائتمان، معتبرين أن ذلك {سيؤدي إلى نتائج عكسية}.
مراقبة المصرفيين
فضلاً عن أدوات مقايضة مخاطر الائتمان، يراقب المنظمون الماليون أيضاً كبار المصرفيين، الذين عقدوا أخيراً اجتماعات كثيرة مع القادة الأوروبيين. أحدهم مدير بنك دويتشه التنفيذي، جوزف أكرمان، الذي سافر إلى أثينا قبل أسبوعين ليلتقي رئيس الوزراء باباندريو ويناقش معه السبل التي تتيح لليونان اقتراض رساميل جديدة بشروط معقولة.
بعد الاجتماع بباباندريو، تحدث أكرمان عبر الهاتف مع جنز ويدمان، أحد مستشاري ميركل. ذكر أكرمان أن اليونان تحتاج إلى قروض بقيمة 15 مليار يورو كي تحل مشاكلها. وأراد أن يعرف ما سيكون شعور الحكومة الألمانية تجاه قيام مجموعة من المصارف الخاصة والمؤسسات الحكومية، مثل مصرف KfW التابع للدولة، باقتسام هذا المبلغ؟ وتابع أكرمان موضحاً أن بإمكان بنك دويتشه تنظيم هذه الصفقة.
لكن ويدمان غالط أكرمان، موضحاً له أن الصفقة التي يقترحها لا تنتهك المعاهدات النقدية الأوروبية كافة فحسب، بل تخفض أيضاً جزءاً كبيراً من مخاطر الائتمان التي تواجهها المصارف التجارية المشاركة على حساب دافعي الضرائب الألمان. كذلك قال عدد من ممثلي الحكومة الألمانية بامتعاض: {كان من الأفضل، بموجب هذه الظروف، لو أننا أصدرنا القروض نحن بأنفسنا}.
لكن كانت تنتظر السياسيين الألمان في برلين بعد أيام مفاجأة لا تقل سوءاً. فعلى رغم رفض برلين هذه الفكرة، أفادت الصحف البريطانية أن الحكومة الألمانية تعدّ رزمة إنقاذ تستند إلى خطة أكرمان.
الضربة القاضية
شكّلت هذه مناورة مزعجة تعتقد حكومة برلين أنها من ابتكار تلك المؤسسات المالية نفسها في نيويورك ولندن، التي طالما عارضت العملة الأوروبية الموحدة. ويبدو أن خصوم اليورو شعروا أخيراً أن الوقت قد حان لتسديد الضربة القاضية إلى هذه العملة الضعيفة.
ردت الحكومات الأوروبية على هذه المحاولات باستراتيجية ثنائية. فقد أعدت خلف الكواليس رزمة إنقاذ حكومية في حال أشهرت اليونان حقاً إفلاسها. لكنها أوضحت علانية أن حكومة أثينا عليها مساعدة نفسها بنفسها في المستقبل القريب. وهدفت هذه الحكومات إلى الحد من مراهنة المضاربين على إفلاس اليونان، مبتعدة في الوقت نفسه عن أسس الاتحاد النقدي الأوروبي.
بدأ قبل وقت طويل الإعداد لهذه الحملة التي أُطلقت الأسبوع الماضي. فقد كشف رئيس الوزراء باباندريو الأربعاء الماضي عن تدابيره الصارمة: رفع معدل الضريبة على القيمة المضافة من 19% إلى 21%، ضرائب إضافية من شأنها أن تزيد أسعار البنزين والديزل والكحول والسجائر واليخوت والأحجار الكريمة والسيارات الفاخرة، تجميد رواتب التقاعد، ووضع سقف لأجور الموظفين الحكوميين ورواتبهم.
في المقابل، حصل باباندريو على {رد الفعل المباشر} الذي وُعد به. فقبل أن يكشف رئيس الورزاء اليوناني تفاصيل خطته الصارمة، {رحبت} بها بروكسل. وأثنت عليها برلين، معتبرة إياها {إشارة بالغة الأهمية}. كذلك مدحتها باريس لأنها في نظرها خطة {صارمة وملموسة}.
لا يُعتبر ما حدث في أثينا مفاجأة كبرى. فقد اتفق وزراء مالية الاتحاد الأوروبي في منتصف شهر فبراير على النطاق المالي والأرقام المحددة لهذا البرنامج الحكومي الصارم.
{أداوت التعذيب}
تلا الضغط على أثينا الجزءُ الثاني من استراتيجية الحكومة: تهديد الأسواق المالية. بدأ هذا الهجومَ رئيس مجموعة اليورو، رئيس وزراء لوكسمبورغ جان كلود يانكر. فإذا لم توقف الأسواق المالية مضارباتها ضد اليورو، على رغم خطة اليونان الطموحة، حذّرها يانكر، مؤكداًَ لها أنها سترى {خطوات حاسمة ومنسقة}. ثم أضاف أنه ما زال يملك في جعبته بعض {أدوات التعذيب}.
سارع ممثلو الحكومات الأوروبية وكبار موظفي المصارف المركزية إلى التوضيح أن يانكر عنى ما قاله. فقد أثار البعض نقاشاً بشأن احتمال سن قانون لوقف التداول بالمشتقات المالية التي تتعرض لمضاربة عالية. وذكر آخرون أن وكالات التصنيف الخاصة قد تواجه بعض المنافسة مستقبلاً، في حال مُنح المصرف المركزي الأوروبي صلاحية تقييم أهلية البلدان الائتمانية هو بنفسه، بدلاً من الاعتماد على وكالات تصنيف خاصة، مثل Standard & Poor's. فجاء رد فعل وكالة التصنيف Moody's سريعاً، إذ أغدقت ثناء مبالغاً فيه على برنامج اليونان الصارم.
بعد ذلك، أصدرت اليونان سندات حكومية جديدة حققت نجاحاً كبيراً وتزامن مع إعلان برلين وباريس وبروكسل النصر.
تبدو الشخصيات الرئيسة في هذه القصة متفائلة، إلا أنها ليست واثقة تماماً من نجاحها. فهل تطبّق اليونان فعلاً برنامجها القاسي الذي يخفض الكلفة؟ هل تتخطى الحكومة هذه المحنة؟ وهل يرتدع المضاربون؟
استعداد لأسوأ الاحتمالات
لا يعلم أحد الإجابة عن هذه الأسئلة. لذلك ثمة أوروبا أخرى (مخفية بمعظمها عن أعين العامة) قائمة راهناً بموازاة اجتماعات القمة الأوروبية العلنية والتصريحات الحكومية والزيارات الرسمية. فخلف أبواب المقرات الحكومية الموصدة، يستعد وزراء المالية وكبار موظفي المصارف المركزية لأسوأ الاحتمالات: عجز اليونان عن تفادي الإفلاس بمفردها، ما يرغم شركاءها الأوروبيين على التدخل.
يعمل فريق سري مؤلف من نحو ستة خبراء على إعداد تدابير إنقاذ منذ أسابيع. يشمل الفريق يورغ أسموسن، مسؤول بارز في وزارة المالية الألمانية، ونظيره الفرنسي. ويمثل المصرف المركزي الأوروبي كبير خبرائه الاقتصاديين، يورغن ستارك. أما المفوضية الأوروبية فيمثّلها مسؤول رفيع الشأن. كذلك يتناوب ممثلو بعض البلدان الواهبة المحتملة على المشاركة في هذه المناقشات.
قطع الفريق شوطاً كبيراً في تحضيراته. فقد أخبر أسموسن أخيراً رئيسه، وزير المالية الألماني فولفغانغ شويبل، عضو في الاتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ: {يمكننا دفع المال في غضون 48 ساعة، إن لزم الأمر}. ستتألف رزمة الإنقاذ من قروض وضمانات قروض تُقدمها إلى اليونان دول منطقة اليورو المشاركة. ستبلغ قيمة هذه الرزمة 25 مليار يورو، مع تحمل ألمانيا نحو 20% من العبء. علاوة على ذلك، استبعد الفريق أي مخاوف من انتهاك عملية الإنقاذ معاهدات الاتحاد الأوروبي. فالأَولى في نظرهم الحفاظ على تكامل الاتحاد النقدي. وإذا طُبّق هذا البرنامج، فلن تبقى السندات المضمونة سندات يونانية، بل ستصبح أوراقاً مالية بعلاوة مخاطر ألمانية.
هذا هو الاحتمال الأسوأ في نظر الحكومة الألمانية التي شددت دوماً على نيتها تفادي تقديم مساعدات مالية لبلدان منطقة اليورو الأخرى بأي ثمن. كذلك سيُعتبر هذا الاحتمال برهاناً على أن الاتحاد النقدي الأوروبي سيئ التصميم وأن أعضاء منطقة اليورو مترابطون بطريقة طالما رفضها السياسيون الألمان بشدة: فالديون اليونانية ستصبح ديوناً ألمانية.
ولا شك في أن هذا الاحتمال سيشكّل الكذبة الأوروبية الكبرى، لأن المادة 125 من المعاهدة حول عمل الاتحاد الأوروبي، أو ما يُسمى ببند {منع عمليات الإنقاذ}، تنص بوضوح: {لا يحق لأي دولة من الدول الأعضاء أن تضطلع بالتزامات حكومات مركزية أو إقليمية أو محلية أو غيرها من السلطات العامة أو الهيئات التي يحكمها القانون العام أو المهام العامة لأي من الدول الأعضاء الأخرى}.
{رؤية مشوشة}
عندما بدأت المفاوضات الجادة بشأن عملة أوروبية مشتركة قبل عقدين تقريباً، خشي خبراء كثر من أن تكون هذه خطوة لا تلائم إلا الأوقات التي يكون فيها الاتحاد في أفضل أحواله. في تلك الفترة، أي نحو أواخر ثمانينات القرن العشرين، اقترح السياسي الفرنسي جاك ديلور، رئيس المفوضية الأوروبية آنذاك، عملة أوروبية موحدة. لكن هذه الفكرة لم تلقَ من ألمانيا إلا الاستهجان والرفض، خصوصاً بين كبار موظفي المصرف المركزي في فرانكفورت.
لاحقاً، أخبر كارل أوتو بول، الذي كان آنذاك رئيس المصرف المركزي الألماني {بوندسبانك}، الكاتب ديفيد مارش أن اقتراح ديلور كان مجرد {رؤية مشوشة} و}مجموعة أفكار جامحة}. ولم يعتقد بول أن الاتحاد النقدي سيبصر النور في المستقبل القريب. قال: {ظننت أنه سيحدث خلال المئة سنة المقبلة}.
لكن غاب عن ذهن كبير موظفي المصرف المركزي الألماني هذا مدى قوة التطورات السياسية. فقد أيقظ سقوط جدار برلين المخاوف القديمة من السيطرة الاقتصادية الألمانية، خصوصاً في فرنسا. إذ اعتقد الرئيس الفرنسي آنذاك، فرنسوا ميتيران، أن الاتحاد النقدي يشكّل وسيلة ملائمة للقضاء على الموقف المسيطر الذي تتمتع به العملة الألمانية. ومقابل الموافقة على التخلي عن المارك الألماني، حظي المستشار هلموت كول بموافقة فرنسا على الوحدة الألمانية وبإنجاز آخر رسّخ اسمه في كتب التاريخ: فلم يكن المستشار الذي حقق الوحدة الألمانية فحسب، بل أيضاً الذي ساهم في ولادة العملة الأوروبية الموحدة.
ساهم عدد من العوامل السياسية في ولادة اليورو، فيما وُضعت مخاوف خبراء الاقتصاد جانباً. مثلاً، اشتكى وزير الاقتصاد والمالية الألماني السابق، كارل شيلر، من أن المارك الألماني سيذوب في الاتحاد النقدي الجديد {كما تذوب قطعة السكر في كوب من الشاي}. كذلك حذّر منتقدو هذه العملة الموحدة من أن الاتحاد النقدي لن ينجح ما لم يترافق باتحاد سياسي. فبدون الأخير ستمزق قرارات الدول الأعضاء المتناقضة بشأن السياسة المالية والاقتصادية الاتحاد النقدي بسرعة.
معارضة الاتحاد النقدي
لم ترق فكرة اتحاد نقدي أوروبي للعامة أيضاً. فقد عارضها 60% من الشعب الألماني، لأنهم خافوا من أن يُضطروا في النهاية إلى تحمل ديون الدول الأعضاء التي تعاني مشاكل مالية.
أدرك السياسيون في بون مخاوف مواطنيهم، وبذلوا قصارى جهدهم لتقديم ضمانات إضافية تدعم العملة الأوروبية. فضمّنوا مثلاً معاهدة ماستريخت بنداً ينص على أنه لا يحق لأي دولة في الاتحاد الأوروبي تسديد ديون دولة أخرى. علاوة على ذلك، روّج وزير المالية الألماني آنذاك، ثيو ويغل، لما دُعي ميثاق الاستقرار.
إذاً، ما كان يُفترض القبول إلا بالدول القوية مالياً. ولمعرفة إذا كانت الدول تتحلى بهذه الميزة، عدد الميثاق ما عُرف بمعايير الاستقرار التي يلزم أن تستوفيها الدول الأعضاء. وبموجب هذه المعايير، تُمنع البلدان من تكديس ديون تفوق 60% من ناتجها المحلي الإجمالي. كذلك، ما كان يُسمح للدول الأعضاء باستدانة مبالغ إضافية إذا كان نطاق القروض يتخطى الثلاثة في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي. فقد نصت قاعدة ويغل: {3.0 تعني 3.0}. وكان يلزم فرض عقوبات صارمة على مَن ينتهك هذه القواعد.
لا عجب في أن ألمانيا كانت لا تزال تساورها شكوك كثيرة حين بدأ العمل باليورو في الأول من يناير (كانون الثاني) عام 1999، كعملة بنكية في البداية بمعدل تبادل بلغ 1.1789 دولاراً. أما أوراق اليورو النقدية، فأُصدرت بعد ثلاث سنوات ضمن إطار أكبر برنامج تبادل نقدي في تاريخ البشرية. وفي احتفال أقيم عند بوابة براندبورغ، شغّل لاعبو الموسيقى أسطوانات، فيما استبدل وزير المالية آنذاك، هانز ايشيل، 200 مارك ألماني قديمة بأوراق اليورو الجديدة.
وفرة اقتصادية
تفاجأ الألمان حين تبين في البداية أن لهذه العملة الجديدة فوائد مالية كثيرة. فقد ولّد الاتحاد النقدي منطقة اقتصادية موحدة تشمل اليوم 16 دولة و320 مليون نسمة. كذلك بقيت الأسعار مستقرة، لكن الأهم أن اليورو ثبّت وجوده كعملة احتياطية ثانية إلى جانب الدولار الأميركي.
صحيح أن الدول الأوروبية كافة نعمت بفوائد العملة الجديدة، لكن المستفيدة الكبرى كانت ألمانيا، التي ظلت طوال سنوات أكبر مورّد في العالم. في الماضي، أُرغمت الصناعة الألمانية على القبول بخسائر فادحة كلما خُفضت قيمة اللير الإيطالي أو الفرنك الفرنسي، ما كان يجعل البضائع الألمانية باهظة الثمن تلقائياً. أما اليورو، فقد ضمن للمصدرين الألمان أسعاراً ثابتة خلال الظروف الاقتصادية العالمية المضطربة. مثلاً، خلال الأزمة المالية الأخيرة، تبيّن أن العملة الموحدة {مفيدة جداً}، بحسب الخبير في القانون الدستوري بول كيرتشوف.
لكن اليورو كان منذ البداية أكثر هشاشة مما أقر به المستثمرون والسياسيون. فقد استغل عدد من الدول الأعضاء واجهة العملة العالمية القوية ليتبع بكل جرأة نمط حياة يفوق إمكاناته. فراحت هذه الدول تكوّم ديوناً طائلة وانغمست في منافسة غريبة، ساعيةً إلى التحايل على قواعد الاستقرار الأوروبية بأذكى الطرق.
والمفارقة أن ألمانيا كانت الأكثر إبداعاً بينها. ففي إحدى المناسبات، حاول وزير المالية آنذاك، ثيو ويغل، الإغارة على احتياطي الذهب في {البوندسبانك}. وفي مناسبة أخرى، باع خلفه هانز ايشيل جزءاً من حصص الحكومة في مؤسستي البريد والاتصالات السلكية واللاسلكية الألمانيتين إلى مستثمرين خاصيين. وهدفت المحاولتان إلى تحسين إحصاءات ديون ألمانيا، ولو صورياً. وكانت ألمانيا، من بين الدول كافة، البلد الثاني بعد البرتغال الذي أخضعه الاتحاد الأوروبي إلى إجراءات عجز مكثّفة.
مولد سقيم
كان على المفوضية، التي تتخذ من بروكسل مقراً لها، أن تُطبق آلية العقوبات في وقت أبكر. لكن المستشار الألماني غيرهارد شرودر، الذي نعت اليورو ذات مرة بأنه {مولد سقيم أبصر النور قبل أوانه}، وعد باعتماد عدد من التحسينات. وقد نجح هذا المستشار في تفادي العقوبات بتملقه لمختلف البلدان الأوروبية.
ومع احتمال فرض الاتحاد الأوروبي إجراءات عجز تنفيذية على ألمانيا، أجرى وزير المالية في حكومة شرودر {تحسينات في طريقة تطبيق ميثاق الاستقرار والنمو} خلال اجتماع خاص لمجلس الشؤون الاقتصادية والمالية (إيكوفين) في 20 مارس 2005. لكن هذا العنوان المنمق كان مضللاً بالتأكيد. فبعد الاجتماع، ازداد احتمال حدوث انتهاكات {استثنائية وموقتة} لقيمة العجز المرجعية.
اعتبر {البوندسبانك} أن هذه التغييرات {ستُضعف لا محالة قواعد السياسة المالية السليمة}. لذلك، كتب هذا المصرف المركزي: {بات هدف بلوغ سياسة مالية عامة مستدامة في دول الاتحاد النقدي كافة مهدداً}.
في تلك المرحلة، بدا واضحاً أن الميثاق فقد فاعليته. فتراكمت الانتهاكات والخدع التي اعتمدها أعضاء الاتحاد النقدي لبلوغ معايير الاستقرار: فسُجلت العائدات بتواريخ قديمة وأُخفيت النفقات والديون.
حيل مبتكرة
قامت الدول الست عشرة، منذ انضمامها إلى منطقة اليورو، 43 مرةً بانتهاك قاعدة العجز، التي تستلزم ألا يتخطى صافي الدين الجديد ثلاثة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. حدث معظم هذه التعديات خلال السنتين الماضيتين. وقد تصدرت اليونان لائحة المنتهكين. فلم تتمكن هذه الدولة من إنزال معدل عجزها تحت هذا الحد {السحري} سوى مرة واحدة، وذلك باعتمادها حيلة مبتكرة بالفعل: فقد جمّل اليونانيون إحصاءاتهم بإدخالهم ممارسة البغاء وتجارة السوق السوداء والمقامرة إلى حساب ناتج اقتصادهم. نتيجة لذلك، ارتفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة مذهلة بلغت 25% في العام 2006 وانخفض العجز إلى 2.9%.
فضلاً عن ذلك، أدت مصارف الاستثمار الكبرى دوراً أساسياً في التلاعب بهذه الأرقام. فاستعان اليونانيون بأدوات مالية معقدة ليحصلوا على قروض إضافية لم تظهر في إحصاءات العجز الصادرة عن مكتب الإحصاءات الأوروبي. وارتكزت هذه القروض المخبأة على ما يُعرف بالمقايضات {التي يمكن معها التحايل على قواعد ماستريخت بطريقة قانونية بالكامل}، حسبما أوضح عميل أحد البنوك.
في مطلع العام 2002، زوّد المصرف الأميركي {غولدمان ساكس} اليونان بقرض إضافي بقيمة مليار دولار تقريباً، ما أثار موجة من الاستهجان في مختلف أنحاء أوروبا. حتى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل استنكرت هذه الخطوة، معتبرة أن {من المخزي أن يتبيّن أن المصارف، التي أوصلتنا إلى حافة الهاوية، كان لها أيضاً يد في تزوير الاحصاءات في اليونان}.
{تجميل} الديون
ما هي إلا فترة قصيرة حتى صار لميركل سبب أكبر يدفعها إلى الغضب. فبعد سنة على صفقة غولدمان، عقد مكتب لندن التابع لبنك دويتشه صفقة مشبوهة مع اليونان. فبالتعاون مع قسم التمويل الحكومي التابع لشركة يوروهيبو (صارت اليوم جزءاً من Commerzbank)، منح هذا المكتب أثينا قرضاً لشراء معدات عسكرية.
يؤكد متحدث باسم يوروهيبو: {في عام 2003، أمنت يوروهيبو قرضاً للحكومة اليونانية قيمته مليار يورو دُفع السنة الفائتة. استندت هذه الصفقة إلى عمليتي مقايضة أمّنهما مصرف في لندن للحكومة اليونانية}.
رفض بنك دويتشه التعليق على تفاصيل هذه العملية. لكن، يُقال في الكواليس إن مكتب الإحصاءات الأوروبي حقق في هذه الصفقة وتبيّن له أن هدفها لم يكن مطلقاً {تجميل} الديون، مع أن لا أحد يستطيع إنكار أن هذه بالتحديد كانت غاية الصفقة. فقد عنت أن اليونانيين ليسوا مضطرين إلى إدراج القرض في دفاترهم حالاً، إنما بعد بضع سنوات، حين تكون الأسلحة قد سُلّمت.
تباعد دول اليورو
لا تُعتبر الحيل والخدع العامل الوحيد الذي يقوّض أسس اليورو. فما يزيد الطين بلة مواصلة البلدان سعيها وراء سياساتها المالية الخاصة، مخفّضة الضرائب والإنفاق الحكومي كما يحلو لها. لذلك، لم تبلغ الدول كافة المستوى الاقتصادي عينه، حسبما أمل مؤسسو الاتحاد النقدي. على العكس، تتباعد هذه الدول أكثر فأكثر.
من جهة، نرى دول الاتحاد الأوروبي الكبرى التي ترأسها ألمانيا. فقد منحتها العملة الجديدة قدرة تنافسية أكبر، وصارت اليوم تنتج أكثر مما تستهلك. ومن جهة أخرى، ثمة دول مثل إسبانيا وأيرلندا اجتذبت كميات كبيرة من الرساميل الأجنبية وشهدت فيها الأجور وأسعار الأصول ارتفاعاً سريعاً. في الماضي، كان المصرف المركزي في هذين البلدين يسارع إلى تخفيض قيمة البيسيتا أو الجنيه الأيرلندي، داعماً بالتالي الصادرات. إلا أن العملة الموحدة أقفلت صمام الأمان هذا.
من العيوب التي شابت تصميم معاهدة ماستريخت بند {منع عمليات الإنقاذ}. فينص هذا البند على ضرورة تحمّل كل بلد مسؤولية ديونه الوطنية الخاصة. ومما لا شك فيه أن هذه القاعدة لم تتحلَّ يوماً بالمصداقية الكافية.
يصر أوتمار إيسنغ، كبير اقتصاديي المصرف المركزي الأوروبي السابق، على أن هذا البند لا يفسح في المجال أمام أي تسويات. كان الرئيس الألماني الراهن، هورست كولر، أحد مصممي معاهد ماستريخت عندما كان مسؤولاً رفيع الشأن في وزارة المالية. في عام 1992، أجرت معه {شبيغل} مقابلة سألته فيها عما إذا كان الاتحاد النقدي يسمح بإفلاس أحد أعضائه. فأجاب كولر: {لمَ لا؟}. غير أن هذه الضمانات بدأت تفقد قيمتها، على ما يبدو، عندما لاح الخطر في الأفق.
اتفاق واقع الحال
في شهر فبراير الماضي، أعلن بير شتاينبروك، وزير المالية آنذاك، أن {على الاتحاد أن يهب لمساعدة} أي دولة من دول منطقة اليورو تواجه مشاكل مالية. ويوضح الخبير الاقتصادي في هامبورغ ديرك ماير، أن ثمة اتفاق إنقاذ بين دول منطقة اليورو يفرضه واقع الحال، وأن بند منع عمليات الإنقاذ {لا تأثير له}.
تبيّنت اليوم صحة آراء كثيرين أمثال بروفسور جامعة هارفارد مارتن فيلدشتاين، الذي توقع انهيار اليورو منذ سنوات. يوضح فيلدشتاين أن هذه الأمور تحدث عندما تُرغم بلدان مختلفة على العيش وفق معدل فائدة واحد لا يناسب الأعضاء كلهم. كذلك يحذر من تطور سبق أن توقعه قبل 15 سنة: سقوط الاتحاد النقدي.
على نحو مماثل، استعاد أعداء اليورو الألمان (أمثال الخبير الاقتصادي ويلهلم هنكل وويلهلم نولينغ، رئيس سابق للمصرف المركزي التابع للولاية في هامبورغ) ثقتهم بنفسهم. وذهبوا إلى حد التهديد بالتقدُّم بشكوى في المحكمة الدستورية الألمانية في حال تلقت اليونان المساعدة من ألمانيا لأن ذلك يمثّل انتهاكاً لبنود المعاهدة.
اقتراحات ساذجة
تدور منذ مدة مناقشات حول ما إذا كان من الضروري طرد اليونان من الاتحاد النقدي أو على اليونانيين التخلي طوعاً عن اليورو. كذلك اقترح بعض النقاد الجريئين عودة ألمانيا إلى المارك الألماني كي لا تُضطر إلى تحمّل مسؤولية الديون الأجنبية.
لكن هذه الاقتراحات ساذجة. من المحتمل أن يكون اليورو قد أبصر النور قبل أوانه. لكنه هذا لا يُعتبر سبباً وجيهاً للتخلي عنه قبل الأوان أيضاً.
ومن المؤكد أن أي شرخ في الاتحاد النقدي لن يشكّل عاراً سياسياً فحسب، بل كارثة اقتصادية أيضاً. فخلال عشر سنوات، اعتادت الشركات والمصارف الأوروبية أسس حسابات أوروبية موحدة. وسيؤدي التخلي عنها إلى خلل اقتصادي حاد لدرجة أن الأزمة اليونانية ستبدو تافهة بالمقارنة معه.
لا تحتاج أوروبا إلى عملة جديدة، لا بل إلى ثقافة الاستقرار والشفافية والمصداقية التي وعدت الحكومات شعبها بها ولم تحققها. صحيح أن لمنطقة اليورو سياسة نقدية موحدة، غير أنها تفتقر إلى سياسة اقتصادية ومالية مشتركة.
{ميثاق الاستقرار ليس كافياً}
كشفت هذه الأزمة عن مواضع الخلل. يذكر كليمنز فويست، بروفسور متخصص في الاقتصاد في جامعة أكسفورد ورئيس المجلس الاقتصادي في وزارة المالية الألمانية: {اتضح أن ميثاق الاستقرار ليس كافياً}. لكن فويست يعتقد أن سائر أجزاء المعاهدة التي تعطي اليورو إطاره القانوني ليست ملائمة أيضاً.
بدأ الخبراء الحكوميون يفكرون في ما إذا كان الاتحاد النقدي بحاجة إلى صندوق استقرار خاص به، صندوق يشبه بتصميمه صندوق النقد الدولي. كذلك يظنون أن ميثاق الاستقرار بحاجة إلى تدعيم.
فضلاً عن ذلك، يدرس البعض راهناً السبل الأنسب لتعزيز المعاهدة وتحسينها للتخلص نهائياً من ثقافة الخداع التي سادت في السنوات الماضية. وإحدى الأفكار المطروحة الطلب من الدول الأعضاء الحصول على موافقة سائر الدول في حال أرادت رفع عجزها فوق عتبة الثلاثة في المئة.
قد لا تدعم ألمانيا تشكيل حكومة اقتصادية أوروبية لمنطقة اليورو، حسبما تطالب فرنسا منذ زمن. بيد أن الحكومة الألمانية مقتنعة بضرورة تعزيز التعاون بشأن السياسة الاقتصادية وتنسيقه بتفصيل أكبر في المستقبل.
تحمّل العبء
يفكّر المسؤولون الحكوميون أيضاً في سن قانون إعسار (insolvency) خاص بدول الاتحاد النقدي. وسبق أن تصور رئيس المجلس الاقتصادي كليمنز فويست الشكل الذي سيتخذه هذا القانون. عند تطبيقه، يصبح بإمكان الدولة المتضررة التقدم بطلب إعسار.
وفي مقابل منح هذه الدولة معونات لتسدد دينها، ستفرض عليها دول الاتحاد الأخرى شروطاً صارمة. يؤكد فويست أهمية أن تتحمل الدولة الواهبة جزءاً من العبء بإلغائها بعض ديون البلد المتضرر، ويعزو هذه الخطوة إلى أن الدول الواهبة ستصبح أكثر حذراً من البداية، في حال فُرض عليها تحمل جزء من الخسارة.
قد تُعتمد التغييرات بسرعة أكبر مما هو متوقع بسبب التزايد الملحوظ في وعي حكومات منطقة اليورو. في الماضي، شاع الافتراض أن الاقتصادات الصغيرة التي تبقى على الهامش لا تشكل أي خطر يهدد الاتحاد النقدي. وقد استُخدم هذا الافتراض كحجة لتبديد الشكوك حول إذا كانت اليونان مستعدة لتصبح عضواً في منطقة اليورو.
لكن الأزمة الأخيرة تُظهر أن البلدان الصغيرة قد تهدد أيضاً كامل مشروع العملة الموحدة. يذكر أحد دبلوماسيي بروكسل رفيعي الشأن: {أدرك القادة الأوروبيون اليوم أن أعضاء الاتحاد الأوروبي كلهم في المركب نفسه، وأن أعضاءه يعتمدون أحدهم على الآخر في السراء والضراء}.


رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو
برلوسكوني


المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل




مدير بنك دويتشه التنفيذي جوزف أكرمان


المستثمر البارز جورج س
وروس



جون تايلور، مضارب يشارك في إدارة صندوق التحوط FXConcepts



رئيس الوزراء اليوناني جورجيوس باباندريو

شرطة مكافحة الشغب تحمي أحد فروع مصرف اليونان الوطني خلال صدامات مع المتظاهرين في أثينا - 24 فبراير

حظي اليورو بترحيب كبير لدى إطلاقه في 1 يناير 2002

اتمنى ان اكون وفقت بنقل الموضوع للفائدة...
 
رد: اليورو... بُنيّ على كذبة!

شكرا على الموضوع والمعلومات العامة عن اليورو.عزيزتى روجدااا
وينقل الموضوع الى القسم المناسب...لكم مودتى
 
رد: اليورو... بُنيّ على كذبة!

اسفه بس والله حسيت بس استعجلت يالله شكرا الكم يا بيشمركه مني جيان
ماشاء الله الم اديه تعبانه متلي متلك حسيت بيها كل الايام والله
اموت عليها و اموت عليك ...
 
هور يانعه في بساتين المنتدى نجني ثمارها من خلال الطرح الرائع لمواضيع اروع
وجمالية لا يضاهيها سوى هذا النثر البهي
فمع نشيد الطيور
وتباشير فجر كل يوم
وتغريد كل عصفور
وتفتح الزهور
اشكرك من عميق القلب على هذا الطرح الجميل
بانتظار المزيد من الجمال والمواضيع الرائعه
 
عودة
أعلى