Kurd Day
Kurd Day Team
ATime For Drunken Horses

أمير العمري
يعتبر المخرج الكردي الإيراني بهمن قوبادي من أشهر السينمائيين في إيران، بل ولعله أهم السينمائيين الأكراد على الإطلاق، لما يتميز به من حس فني رفيع مدهش، وقدرة على التعبير عن قسوة الواقع الذي يعيشه الأكراد بصورة بصرية مليئة بالتفاصيل المثيرة للتأمل والدهشة: دهشة المعرفة.
أخرج قوبادي ثلاثة أفلام لفتت الأنظار بقوة إلى الموهبة السينمائية الكبيرة التي يتمتع بها هي “زمن الجياد السكرانة” A Time for Drunken Horses و”معزولون في العراق ” Marooned in Iraq و”السلاحف يمكن أن تطير ” Turtles Can fly.
وقد عرض مهرجان روتردام السينمائي الذي انتهى أخيرا، فيلمه الجديد الرابع “نصف القمر” Half Moon الذي يصلح لترجمته أكثر اسم ” قمر ١٤ ” فالمقصود هنا ليلة اكتمال القمر في منتصف الشهر الهجري، وهو ما يعد في الموروث الشعبي الشرقي تعبيرا عن غاية الجمال.
وإذا كان بهمن قوبادي قد عبر في أفلامه الثلاثة السابقة عن قضية التشتت الكردي ما بين كردستان العراق وإيران، مركزا على مشاكل العيش في المناطق الوعرة على الحدود بحثا عن منفذ لتهريب سلع بسيطة كوسيلة للتحايل على مقتضيات الحياة، وما يكتنف هذا كله من أخطار، فإنه في فيلمه الرابع يتعامل مع موضوع لا يبتعد كثيرا عن الواقعية التي عرف بها، وإن كان يمزج بين الواقع والشعر والتأمل الصوفي.
الاحتفال بالحرية
الموضوع يدور حول موسيقار كردي طاعن في السن هو “مامو” الذي يرغب في الرحيل من كردستان الإيران إلى كردستان العراق لتقديم موسيقاه هناك التي حرم من تقديمها منذ ٣٥ عاما (أي منذ سيطرة البعث وصدام حسين على الحكم) في حفل كبير ينتظر أن يكون بحق احتفالا كبيرا بعودة الحرية.
غير أنه يتعين على “مامو” أولا أن يجمع شمل أبنائه العشرة، وهم في الوقت نفسه أعضاء فرقته الموسيقية، ويجد أيضا وسيلة تنقله إلى أعالي الجبال عبرالحدود.
أحد أبنائه “كاكو” يتمكن من الاستعانة بحافلة قديمة تابعة لصديق له يعيره اياها، ثم يبدأ في جمع اخوته الباقين ويقنع السائق بعدم تناول أجر عن الرحلة بعد أن يقول له إنه سيجعله مشهورا في العالم كله، فأجهزة الإعلام الكبرى في العالم ستقوم بنقل الحفل الذي سيقام في كردستان العراق بمناسبة ذكرى الاطاحة بصدام حسين.
الموسيقار العجوز “مامو” يتلقى موافقة السلطات في كردستان العراق على استقباله مع فرقته بمن فيهم “هشو” مغنيته الوحيدة التي تعرف ألحانه وتستطيع أداءها.
غير أنه ليس مسموحا للمرأة بالغناء في إيران، ويتعين بالتالي أن يقوم مامو بإخفاء المغنية في مكان ما في الحافلة.
الموسيقار الكردي “مامو” يتطلع إلى تقديم موسيقاه في كردستان العراق مع مغنية الفرقة الوحيدة “هشو”
في الطريق تقع الكثير من الأحداث: يتعرض البعض للسرقة، وتقبض الشرطة على بعض الأبناء بعدهم إلى داخل البلاد بدعوى عدم حملهم تصريحا بالخروج معهم، ويصادر حراس الحدود الإيرانيين الآلات الموسيقية للفرقة ويحطمونها، ويقبضون على المغنية ويعيدونها من حيث أتت رغم توسل مامو واحتجاجه.
والأكثر غرابة أن كاكو الذي اقترض إحدى كاميرات الفيديو لتصوير الرحلة التاريخية، يكتشف في النهاية أنه كان يقوم بالتصوير دون وجود شريط داخل الكاميرا.
ورغم كل المصاعب يصر كاكو على الوصول إلى هدفه. يقرر التوجه إلى قرية قريبة يقيم فيها صديق قديم له يمكنه تدبير آلات موسيقية جديدة ومغنية بديلة. إنه أحد ثلاثة موسيقين أكراد من جيله ظلوا على قيد الحياة من الذين يعرفون موسيقاه وقيمتها.
لكن القدر يقف بالمرصاد، فعندما يصل مامو ورفاقه بصعوبة إلى القرية، يجدون أن الموسيقار العجوز قد فارق الحياة، وسكان القرية يدفنونه.
صوت غنائي عذب كصوت الملائكة يأتي من بعيد بين الحين والآخر، صوت يخترق القلوب ويتردد صداه العذب في أرجاء الجبل.
مامو يلمح داخل الحفرة جسد صديقه وقد تحرك بتأثير الصوت العذب. يلح مامو على الطبيب أن يخرج صديقه من القبر مصرا أنه لا يزال حيا.. “لقد عادت إليه الحياة بعد سماعه الغناء الجميل”. الطبيب يعيد فحص قلب الميت فقط لكي يؤكد مجددا أنه فارق الحياة بالفعل ولا أمل في استعادته!
قداس جنائزي
يقول قوبادي إنه استلهم موضوع فيلمه من مقطوعة موتسارت الشهيرة “قداس جنائزي” Requiem آخر ما ألفه الموسيقار الشهير عام ١٧٩١ قبيل وفاته، ورأى البعض أنه كتبه لجنازته.
وفي الفيلم إشارات كثيرة إلى الموت: موت الصديق وقت الحاجة إليه، والإحساس الداخلي العميق لدى بطلنا “مامو” باقتراب النهاية، واللقطات المتقاطعة في وعيه بين آونة وأخرى، التي يرى فيها نفسه وهو يرقد داخل القبر.
ويجعل المخرج مامو يصل بالفعل إلى الرغبة في أن يدفنه أبناؤه، فيضع نفسه داخل حفرة شبيهة بالقبر، ويرفض كل توسلاتهم للخروج منها، بعد أن بلغ منه اليأس مبلغه بسبب إحساسه باستحالة تحقيق حلمه.
صوت عذب جميل يتردد، ويصل إلى التجسد في صورة امرأة تهبط من السماء فوق سطح الحافلة.. تطلب منه أن يطمئن، فهي تحفظ موسيقاه وأغانيه، وقد رتبت كل شئ مع الجانب الآخر، في كردستان العراق، وقد أتت لكي تصطحبه معها.
هذه المرأة- الملاك هنا، بكل ما يحمله هذا من دلالات في سياق الفيلم، قد تكون أيضا قد أتت برسالة أخرى. إنها تدل “مامو” وترشده إلى نهايته، إلى موته الذي لا مفر منه.
تساؤلات معذبة
مامو مصر على الوصول إلى غايته رغم ما يقابله من مصاعب في الطريق النهاية القلقة للفيلم تطرح الكثير من التساؤلات الروحانية عن علاقة الفنان بالإبداع، عن الرغبة في التشبث بكل الطرق، بتحقيق الهدف رغم معرفة المرء بأن النهاية قد تكون على مرمى حجر منه، الحلم الذي يتحقق بمعجزة قبل الموت، معنى الحياة التي تذوب وتتلاشى تدريجيا، ثم قد تهرب منا فجأة قبل الأوان.
عن الموت في فيلمه يقول بهمن قوبادي “إن علاقة مامو بالموت هي نفس علاقتي به. إنني في أعماقي أخشى الموت كثيرا. هذا الخوف دائم في حياتي اليومية، افكر فيه وانا أسير في الشارع، وأنا أعمل، وأنا أخلد إلى النوم في الليل. وعندما أفكر فيما سأفعله في اليوم التالي فإنني أخشى في داخلي الموت”.
وجود المرأة
ويصور قوبادي في فيلمه مشهدا هائلا لمئات من النساء ينتشرن فوق التلال الخضراء ينشدن الأغاني.
ويقول بطلنا إن هذه القرية الواقعة قرب الحدود التركية العراقية الإيرانية، لجأت إليها ١٣٣٤ مغنية هربا من الحظر والمنع والاضطهاد.
ليس من الضروري أن تكون الصورة هنا واقعية تماما، فالمؤكد أنها تعبير مجازي عن سياسة إقصاء المرأة من المجتمع، وعن غياب المرأة عن السينما أيضا: المرأة المبدعة التي تمارس الفن أيضا على طريقتها.
الرقابة الذاتية
السلطات الإيرانية منعت عرض الفيلم في إيران في أول حالة من نوعها لفيلم من أفلام قوبادي، بل وحظرت عليه إخراج الأفلام. أما سببب منع الفيلم فيعود إلى أن السلطات اعتبرته يدعو إلى “الانفصال” أي انفصال الأكراد عن إيران، وهو اتهام ينفيه بقوة مضيفا أنه لو كان يعرف ما سيحدث من منع للفيلم، لكان قد صور فيلمه تماما كما كان يريد، بعيدا عن “الرقابة الذاتية” التي فرضها على نفسه.
ويتميز الفيلم، مثل كل أفلام قوبادي، بالتحكم الشديد في الصورة بكل مستوياتها: الضوء والألوان، الداخل والخارج، النهار و الليل، مع المحافظة على المصدر الطبيعي للضوء، والتمكن من التصوير في أكثر الظروف الطبيعية قسوة: البرد الشديد وهطول الأمطار والثلوج في مناطق شديدة الوعورة.
ويستخدم أيضا الموسيقى والغناء الكردي عبر أجزاء الفيلم، في الوقت المناسب، دون اقحام او مباشرة، بحيث تتسلل الموسقى بهدوء تحت جلد الصورة، تضفي عليها مسحة روحانية خاصة.
البحث المعذب
المرأة- الملاك تقود مامو إلى الخلاص.. إلى الموت “نصف القمر” أخيرا، هو على نحو ما، فيلم من أفلام الطريق مثل الفيلم الكردي العراقي “عبور التراب” إلا أنه يختلف عنه تماما، سواء في الشكل أوالمضمون.
وهو يعبر بقوة، عن الهوية الكردية، ولكن في سياق إنساني مفتوح، وبلغة تستخرج الدلالات الشعرية الكامنة في الصورة.
وهو يجعل بحث بطله “مامو” عن التحقق من خلال الإبداع، هو ذلك البحث الصوفي المعذب لكل فنان في عالمنا.
وليلة ” قمر ١٤ ” في الفيلم هي الليلة التي تظهر فيها المغنية- الملاك، وتنتهي فيها مشكلة البحث عن وسيلة للخروج من إيران إلى كردستان العراق، ويصل فيها بطلنا إلى نهاية رحلة الحياة بالموت. إنها في هذا السياق هي ليلة التحقق وليلة الموت: فهل لا يحدث التحقق إلا بعد الموت!


أمير العمري
يعتبر المخرج الكردي الإيراني بهمن قوبادي من أشهر السينمائيين في إيران، بل ولعله أهم السينمائيين الأكراد على الإطلاق، لما يتميز به من حس فني رفيع مدهش، وقدرة على التعبير عن قسوة الواقع الذي يعيشه الأكراد بصورة بصرية مليئة بالتفاصيل المثيرة للتأمل والدهشة: دهشة المعرفة.
أخرج قوبادي ثلاثة أفلام لفتت الأنظار بقوة إلى الموهبة السينمائية الكبيرة التي يتمتع بها هي “زمن الجياد السكرانة” A Time for Drunken Horses و”معزولون في العراق ” Marooned in Iraq و”السلاحف يمكن أن تطير ” Turtles Can fly.
وقد عرض مهرجان روتردام السينمائي الذي انتهى أخيرا، فيلمه الجديد الرابع “نصف القمر” Half Moon الذي يصلح لترجمته أكثر اسم ” قمر ١٤ ” فالمقصود هنا ليلة اكتمال القمر في منتصف الشهر الهجري، وهو ما يعد في الموروث الشعبي الشرقي تعبيرا عن غاية الجمال.
وإذا كان بهمن قوبادي قد عبر في أفلامه الثلاثة السابقة عن قضية التشتت الكردي ما بين كردستان العراق وإيران، مركزا على مشاكل العيش في المناطق الوعرة على الحدود بحثا عن منفذ لتهريب سلع بسيطة كوسيلة للتحايل على مقتضيات الحياة، وما يكتنف هذا كله من أخطار، فإنه في فيلمه الرابع يتعامل مع موضوع لا يبتعد كثيرا عن الواقعية التي عرف بها، وإن كان يمزج بين الواقع والشعر والتأمل الصوفي.
الاحتفال بالحرية
الموضوع يدور حول موسيقار كردي طاعن في السن هو “مامو” الذي يرغب في الرحيل من كردستان الإيران إلى كردستان العراق لتقديم موسيقاه هناك التي حرم من تقديمها منذ ٣٥ عاما (أي منذ سيطرة البعث وصدام حسين على الحكم) في حفل كبير ينتظر أن يكون بحق احتفالا كبيرا بعودة الحرية.
غير أنه يتعين على “مامو” أولا أن يجمع شمل أبنائه العشرة، وهم في الوقت نفسه أعضاء فرقته الموسيقية، ويجد أيضا وسيلة تنقله إلى أعالي الجبال عبرالحدود.
أحد أبنائه “كاكو” يتمكن من الاستعانة بحافلة قديمة تابعة لصديق له يعيره اياها، ثم يبدأ في جمع اخوته الباقين ويقنع السائق بعدم تناول أجر عن الرحلة بعد أن يقول له إنه سيجعله مشهورا في العالم كله، فأجهزة الإعلام الكبرى في العالم ستقوم بنقل الحفل الذي سيقام في كردستان العراق بمناسبة ذكرى الاطاحة بصدام حسين.
الموسيقار العجوز “مامو” يتلقى موافقة السلطات في كردستان العراق على استقباله مع فرقته بمن فيهم “هشو” مغنيته الوحيدة التي تعرف ألحانه وتستطيع أداءها.
غير أنه ليس مسموحا للمرأة بالغناء في إيران، ويتعين بالتالي أن يقوم مامو بإخفاء المغنية في مكان ما في الحافلة.
الموسيقار الكردي “مامو” يتطلع إلى تقديم موسيقاه في كردستان العراق مع مغنية الفرقة الوحيدة “هشو”
في الطريق تقع الكثير من الأحداث: يتعرض البعض للسرقة، وتقبض الشرطة على بعض الأبناء بعدهم إلى داخل البلاد بدعوى عدم حملهم تصريحا بالخروج معهم، ويصادر حراس الحدود الإيرانيين الآلات الموسيقية للفرقة ويحطمونها، ويقبضون على المغنية ويعيدونها من حيث أتت رغم توسل مامو واحتجاجه.
والأكثر غرابة أن كاكو الذي اقترض إحدى كاميرات الفيديو لتصوير الرحلة التاريخية، يكتشف في النهاية أنه كان يقوم بالتصوير دون وجود شريط داخل الكاميرا.
ورغم كل المصاعب يصر كاكو على الوصول إلى هدفه. يقرر التوجه إلى قرية قريبة يقيم فيها صديق قديم له يمكنه تدبير آلات موسيقية جديدة ومغنية بديلة. إنه أحد ثلاثة موسيقين أكراد من جيله ظلوا على قيد الحياة من الذين يعرفون موسيقاه وقيمتها.
لكن القدر يقف بالمرصاد، فعندما يصل مامو ورفاقه بصعوبة إلى القرية، يجدون أن الموسيقار العجوز قد فارق الحياة، وسكان القرية يدفنونه.
صوت غنائي عذب كصوت الملائكة يأتي من بعيد بين الحين والآخر، صوت يخترق القلوب ويتردد صداه العذب في أرجاء الجبل.
مامو يلمح داخل الحفرة جسد صديقه وقد تحرك بتأثير الصوت العذب. يلح مامو على الطبيب أن يخرج صديقه من القبر مصرا أنه لا يزال حيا.. “لقد عادت إليه الحياة بعد سماعه الغناء الجميل”. الطبيب يعيد فحص قلب الميت فقط لكي يؤكد مجددا أنه فارق الحياة بالفعل ولا أمل في استعادته!

يقول قوبادي إنه استلهم موضوع فيلمه من مقطوعة موتسارت الشهيرة “قداس جنائزي” Requiem آخر ما ألفه الموسيقار الشهير عام ١٧٩١ قبيل وفاته، ورأى البعض أنه كتبه لجنازته.
وفي الفيلم إشارات كثيرة إلى الموت: موت الصديق وقت الحاجة إليه، والإحساس الداخلي العميق لدى بطلنا “مامو” باقتراب النهاية، واللقطات المتقاطعة في وعيه بين آونة وأخرى، التي يرى فيها نفسه وهو يرقد داخل القبر.
ويجعل المخرج مامو يصل بالفعل إلى الرغبة في أن يدفنه أبناؤه، فيضع نفسه داخل حفرة شبيهة بالقبر، ويرفض كل توسلاتهم للخروج منها، بعد أن بلغ منه اليأس مبلغه بسبب إحساسه باستحالة تحقيق حلمه.
صوت عذب جميل يتردد، ويصل إلى التجسد في صورة امرأة تهبط من السماء فوق سطح الحافلة.. تطلب منه أن يطمئن، فهي تحفظ موسيقاه وأغانيه، وقد رتبت كل شئ مع الجانب الآخر، في كردستان العراق، وقد أتت لكي تصطحبه معها.
هذه المرأة- الملاك هنا، بكل ما يحمله هذا من دلالات في سياق الفيلم، قد تكون أيضا قد أتت برسالة أخرى. إنها تدل “مامو” وترشده إلى نهايته، إلى موته الذي لا مفر منه.
تساؤلات معذبة
مامو مصر على الوصول إلى غايته رغم ما يقابله من مصاعب في الطريق النهاية القلقة للفيلم تطرح الكثير من التساؤلات الروحانية عن علاقة الفنان بالإبداع، عن الرغبة في التشبث بكل الطرق، بتحقيق الهدف رغم معرفة المرء بأن النهاية قد تكون على مرمى حجر منه، الحلم الذي يتحقق بمعجزة قبل الموت، معنى الحياة التي تذوب وتتلاشى تدريجيا، ثم قد تهرب منا فجأة قبل الأوان.
عن الموت في فيلمه يقول بهمن قوبادي “إن علاقة مامو بالموت هي نفس علاقتي به. إنني في أعماقي أخشى الموت كثيرا. هذا الخوف دائم في حياتي اليومية، افكر فيه وانا أسير في الشارع، وأنا أعمل، وأنا أخلد إلى النوم في الليل. وعندما أفكر فيما سأفعله في اليوم التالي فإنني أخشى في داخلي الموت”.
وجود المرأة
ويصور قوبادي في فيلمه مشهدا هائلا لمئات من النساء ينتشرن فوق التلال الخضراء ينشدن الأغاني.
ويقول بطلنا إن هذه القرية الواقعة قرب الحدود التركية العراقية الإيرانية، لجأت إليها ١٣٣٤ مغنية هربا من الحظر والمنع والاضطهاد.
ليس من الضروري أن تكون الصورة هنا واقعية تماما، فالمؤكد أنها تعبير مجازي عن سياسة إقصاء المرأة من المجتمع، وعن غياب المرأة عن السينما أيضا: المرأة المبدعة التي تمارس الفن أيضا على طريقتها.
الرقابة الذاتية
السلطات الإيرانية منعت عرض الفيلم في إيران في أول حالة من نوعها لفيلم من أفلام قوبادي، بل وحظرت عليه إخراج الأفلام. أما سببب منع الفيلم فيعود إلى أن السلطات اعتبرته يدعو إلى “الانفصال” أي انفصال الأكراد عن إيران، وهو اتهام ينفيه بقوة مضيفا أنه لو كان يعرف ما سيحدث من منع للفيلم، لكان قد صور فيلمه تماما كما كان يريد، بعيدا عن “الرقابة الذاتية” التي فرضها على نفسه.
ويتميز الفيلم، مثل كل أفلام قوبادي، بالتحكم الشديد في الصورة بكل مستوياتها: الضوء والألوان، الداخل والخارج، النهار و الليل، مع المحافظة على المصدر الطبيعي للضوء، والتمكن من التصوير في أكثر الظروف الطبيعية قسوة: البرد الشديد وهطول الأمطار والثلوج في مناطق شديدة الوعورة.
ويستخدم أيضا الموسيقى والغناء الكردي عبر أجزاء الفيلم، في الوقت المناسب، دون اقحام او مباشرة، بحيث تتسلل الموسقى بهدوء تحت جلد الصورة، تضفي عليها مسحة روحانية خاصة.
البحث المعذب
المرأة- الملاك تقود مامو إلى الخلاص.. إلى الموت “نصف القمر” أخيرا، هو على نحو ما، فيلم من أفلام الطريق مثل الفيلم الكردي العراقي “عبور التراب” إلا أنه يختلف عنه تماما، سواء في الشكل أوالمضمون.
وهو يعبر بقوة، عن الهوية الكردية، ولكن في سياق إنساني مفتوح، وبلغة تستخرج الدلالات الشعرية الكامنة في الصورة.
وهو يجعل بحث بطله “مامو” عن التحقق من خلال الإبداع، هو ذلك البحث الصوفي المعذب لكل فنان في عالمنا.
وليلة ” قمر ١٤ ” في الفيلم هي الليلة التي تظهر فيها المغنية- الملاك، وتنتهي فيها مشكلة البحث عن وسيلة للخروج من إيران إلى كردستان العراق، ويصل فيها بطلنا إلى نهاية رحلة الحياة بالموت. إنها في هذا السياق هي ليلة التحقق وليلة الموت: فهل لا يحدث التحقق إلا بعد الموت!
التعديل الأخير: