نحن الكورد متنا آلافاً وهُجّرنا مليوناً

  • بادئ الموضوع بادئ الموضوع جوان
  • تاريخ البدء تاريخ البدء

جوان

مراقب و شيخ المراقبين

فتح الله حسيني / لم يعرف شعب في العالم برمته ، طعم العلقم ، وطعم مرارة الهجرة شتاتاً شتاتاً ، مثلنا نحن ، الكورد ، طاردنا شبح اللعنات والدكتاتوريات قرية قرية ، قصبة قصبة ، مدينة مدينة ، جسداً جسداً ، جوعاً جوعاً ، عراءً عراءً ...


فكان على الكوردي أن يرحل ، يهجر ، ينزح ، من مكانه الأول ، وعلى الدوام لا يستقر به مقام أو قعر إلا في اللحد أو في ضريح مجهول أو في قبر جماعي أو في عراء صامت خارس مثل العالم برمته أيضاً ، ذاك العالم الفسيح ، الذي كان ينظر الى مأساة الكوردي الاستثنائية فلا يعجبه هموم وطوى الآخرين ، فيسد حواسه ويخرس وينام ملئ جفونه في سبات تام ، بينما كانت الانسانية ترسم ملامح صورتها المشوهة تاريخاً وجغرافيا على حد سواء . لم يك الكوردي يريد ، من أحد ، أي أحد ما ، أن يتألم من أجله ، ومن أجل قدره المشؤوم، والمسموم معاً ، بقدر ما كان، الكوردي ، يريد أن يكون له وطن ، لا كفن ، وطن في رقعة جغرافية خانها التاريخ بلا عبرة ، رقعة على خارطة ممزقة بفعل أيادي المؤرخين المزيفين ، فكان الموت ، ليتكون الهجرة ، الهجرة مليوناً من الكورد ، بعد أن كان الموت المحتم يرسم مصير الكوردي وهو في فناء داره ، الضالة ، الموثقة ، المتأبطة وداعاً لطفل أو كهل أوأمرأة شابة أو أرملة ، أو فتاة بعمر الورد أو عمر الكيمياء لا يهم ، المهم أن الكوردي كان يهاجر ، الى حيث مصائر مجهولة غير مرسومة مسبقاً والى أقدار لم يشئها الله بل شائها الطغاة . هناك ، طفلة على كتف أمها، تغيث ، وتستغيث ولكن تستغيث بِمَنْ ؟ فأمها أيضاً تستغيث وتصرخ أمام شفاعة الإله ، وفي الجهة الأخرى ، ثمة رضيع يفتح فاهه للهواء ، بعد أن منع عنه الماء ، ليكون الدم المراق أمامه ، ربما هو دم شقيقه أو جاره أو أحد كورده من قصبة أخرى مهجر مثله ، ليكون الموت في عراء هادئ، خال إلاّ من بكاء الكوردي مناجياً الصحراء والحدود والأسلاك الشائكة ، وفي الجهة الثالثة ، ثمة جمهرة من النسوة والرجال، مسنون ومسنات ، يتسلقون التلال البعيدة جداً ، ويحلمون بقمم الجبال ، هرباً من الريح السامة ، بأعمارهم وأعامرهن التي لا تأكلها التعب ، والسماء تنزف زعافاً ، يتسلقون لحماية ونجاة أطفالهم وأطفالهن ، باحثين عن جودي ، بعد أن كان الطوفان العصي والعصيب في سفر نوح ، والجبال مهما كانت قاسية فهي تظل وظلت الملاذ الى أن كان الاستقرار في وحشة الفناء ، وفي الجهة الرابعة ، ظلام وظلام وظلام ، يخيم على رؤوس الكورد المهجرين ، عنوة ، قسراً ، ويخيم الجوع والتعب والهلاك والقبور ، وفي الجهة الخامسة ، ثمة فتية يتسابقون على الموت، فأن كنت، بين موتين ، فلا بد من موت سريع ، والكورد عايشوا الموت كما عايش بشر آخرون السفوح المخضرة ، وفي الجهة السادسة طفل وحيد أضاع كل أهله ، يفترش الأرض ، بينما طفل آخر يحضر وجبة الطعام ، الطعام المعشب أو الذي لا يؤكل إلا في الفناء والبراري المقفرة ، وفي الجهة السابعة طائرات تحوم وتجول بضحكاتها وطلقاتها الحية على رؤوس الكورد جميعهم ، وفي الصورة الثامنة طفلة صغيرة تضحك كأنها تسخر من الموت المخيم ، وفي الجهة التاسعة ثمة أطفال هائمون على سفح الطلقة الأخيرة من الرحمة ، يلهون مع الموت ، لأنهم لم يعرفوا إلاه ، وفي الجهة العاشرة غير الأخيرة ، كورد كثيرون يسيرون الى المجهول ، مجهول عرفته الانسانية بعد أن كان الكورد هدفا للخردل والسيانيد والهجرة ، ولم يك للكورد إلا الهواء والعراء . في ذكرى الهجرة المليونية ، تحية الى الكوردي الذي ضحى بالمستحيل ، بالغالي والنفيس من أجل إقامة وطن يقال له كوردستان .​
 
هور يانعه في بساتين المنتدى نجني ثمارها من خلال الطرح الرائع لمواضيع اروع
وجمالية لا يضاهيها سوى هذا النثر البهي
فمع نشيد الطيور
وتباشير فجر كل يوم
وتغريد كل عصفور
وتفتح الزهور
اشكرك من عميق القلب على هذا الطرح الجميل
بانتظار المزيد من الجمال والمواضيع الرائعه
 
عودة
أعلى