Kurd Day
Kurd Day Team
التعددية...نعمة أم نقمة؟
جريدة صوت الأكراد*
بادئ ذي بدء والتزاما منا بمبدأ الحيادية الإيجابية حيال واقع حال التنوع السكاني (القومي والديني والطائفي) المتأصل والموجود بشكل شعوب متاخمة لبعضها في سوريا على مرِّ المراحل التاريخية التي تعززت وأثمرت علاقات حسن جوار طبيعية لا يجوز التفريط بها تحت أية ذرائع شوفينية، فالحالة الجيوسياسية السورية تقتضي من الجميع (أفراداً كانوا أم أحزاب سياسية أم جمعيات حقوقية) الاحتكام لمبدأ الاعتراف بوجود الآخر واحترامه ونبذ الانحيازية السلبية في التخاطب المتبادل الذي ينبغي أنْ يُصاغ بعيداً عن الأنانية والمحسوبية مع إحترام خصوصيات مختلف ألوان قوس قزح الطيف السوري المعروف بفسيفسائه الجميلة.
وقبل الإجابة على السؤال الذي اخترناه عنواناً لمقالتنا التي قد يعتبرها البعض حشراً للأفكار وغير مستساغة، يبدو أنّ هنالك ثمة استفسار هواجسي قد لا يخطر على بال أحد، وهو: هل بإمكاننا كسياسيين ديمقراطيين أو كنشطاء مناصرين لحقوق الإنسان أنْ نطوي صفحة النعرات التي خلقتها الأجهزة الشوفينية ونبادر إلى فتح صفحة جديدة عنوانها التسامح فيما بيننا وتهيئة الطيف السوري بهدف معاصرة ثقافة عصرنا والتلاؤم قدر المستطاع مع أنماط الشراكة الحقيقية المترافقة مع الفعل السياسي التشاركي الدارج في بلدان كثيرة من هذه المعمورة وخاصة تلك الديار المعروفة بطبائعها الاجتماعية العصرية التي قد لا يراها البعض منسجمة مع طباع أمثالنا من آدميي المراتب المتدنية في ترتيب سلـّم الحضارة البشرية الحالية المزهوّة بتعايش واندماج ووئام وتجاذب وحوار حضاراتها المتنافسة في إطار الكل المختلف، بعكس ما يحدث في ديارنا الممجوجة بالخصام والانشقاق والمقاطعة والتنابذ والتناطح في حلبة صراع الحضارات.
للأسف الشديد قد يكون الجواب: كلا لسنا بمستوى مسؤولية معاصرة أية ثقافة عصرية يتفوق بها الآخرون ويمتازون بها عن أمثالنا، فهكذا ثقافة إنفراجية تقتضي توافق أطراف المعادلة حول قواسم مشتركة لأجل التـنعّم بخصال التعددية التي هي نعمة جامعة وليست نقمة مفرقة، بعكس ما جرى ماضياً ويجري حاضراً في سوريا التي تعاني من سلطنة الأكثرية على الأقليات ومن سطوة العربي متمثلاً بالسلطة على الكوردي ومن هيمنة المركز على الأطراف ومن..الخ، حيث تخالفت وتتخالف الأعراق بشكل تعسفي ً، وهكذا دواليك حتى بقي حبل الصراعات منشوراً على جرار التعددية التي جرى إعدامها على يد الدوائر الاستبدادية بعد أن تم تشويهها علنا ويُنظـَر إليها بمنظور سلبي ويُساء فهمَها ويُساء إليها في أغلب الأوقات، في حين لولا تفاعل الكوردي مع العربي والمسلم مع المسيحي والعنصر الإيجابي مع السلبي كالأبيض مع الأسود والغني مع الفقير والقوي مع الضعيف والرأي مع الرأي الآخر وغير ذلك، ولولا وجود التنوع والطباق والجناس في الطبيعة والطبائع والجنس واللون والقوم والاعتقاد و...، لاختلَّ توازن المعادلة ولما استمرت الحياة على وجه هذه البسيطة التي بسطت ذراعيها لتحتضن هذا التعداد التعددي الهائل من الآدميين على اختلاف ألوانهم ومنابتهم ومشاربهم، أما الموعظة فتكمن في مدى إيماننا بالآية الكريمة: يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم...صدق الله العظيم.
فالتعددية أياً كان شكلها ومضمونها ونوعها، هي حقيقة وجودية راسخة ينبغي احترامها في إطار تعزيز صلات الرحم والقربى، لكنْ شريطة أنْ لا يجري تفسيرها وترجمتها لصالح تشتيت الشمل وتشظية المتشظي عبر تحريض هذا الطرف بالضد من ذاك بقصد خلق الفتنة والبلبلة وشق صفوف الأمم والشعوب والأحزاب وغيرها، لأنّ ذلك قد يؤدي إلى توتير الأجواء وقلب الآية وقراءة الأمور بعكس ما ينبغي .
وفي الختام وبخصوص الاستفادة من نعمة التعددية فإنّ المطلوب الآني في سوريا هو أن تتخلى السلطة السورية عن مسلكية صهر الضعفاء في بوتقة الأقوياء أو طمس الأقليات في بطون الأكثرية، إذ لا بد أن نواصل مراكمة حوارنا السياسي وحراكنا الديمقراطي للبدء بتفاعلات سياسية حيوية تنسجم مع واقعنا الطبيعي وتتلاءم مع معطيات الحالة السورية وتتوافق مع السياسات الدولية الجديدة التي باتت تحوم حول تخومنا والتي لا محال ستخترق حدود بلدنا عاجلا أم آجلا، وأن نبحث عن المشترَكات ونبتعد عن المختلـَفات فيما بيننا، وأن نعترف بحقوق بعضنا ونحترم إرادة بعضنا ونتعامل مع بعضنا بأساليب حضارية وبرامج توافقية مجدية تخدم مصالحنا المشتركة مع ضرورة صون استحقاقات كافة الأفرقاء، من خلال الأخذ بما يناسب تعدديتنا ورفض ما لا يناسبها، لخلق حالة اتحادية طوعية متطورة وقادرة على استيعاب رؤى وتطلعات مختلف شعوبنا المتجاورة عبر التاريخ.
=============================
*جريدة صوت الأكراد: الجريدة المركزية للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي) ـ العدد (422) ـ كانون الثاني 2010