نوري بريمو ضفاف بلا أنهار

  • بادئ الموضوع بادئ الموضوع Kurd Day
  • تاريخ البدء تاريخ البدء

Kurd Day

Kurd Day Team
28717alsh3er.jpg



بعيداً عن أنباء السياسة وأخبار الحروب التي باتت طبولها تُقرَع هذه الأيام في سماء منطقتنا المتوسطية الملبدة بغيوم داكنة ملؤها لغة التهديد والوعيد التي قد تخلف وراءها مختلف المفاجئات التي قد لا تكون في حسبان أي منا، أردتُ أن أخوض في جانب حياتي آخر، فكلما أتأمَّل في المشهد الحزين الذي يتعرَّض له "النهر الأسود" سنويا على شكل حلقات صيفية لمسلسل عجاف عنوانه حبس المياه والجفاف الاصطناعي للمخرج التركي الذي يعتدي على المياه من منابعها ويحجبها عن مجراها الطبيعي الذي يفصل تخوم منطقتنا عفرين عن لواء إسكندرون الذي سلخته وسلبته تركيا في الثلاثينات من القرن الماضي، وحينما أتصوَّر كيف أنّ الجفاف يداهم أريافنا والعطش يصبح سيد الموقف وتيبس مواسمنا والخيبة تحصد أحلام أهلنا المزارعين بتحوَّل نهرهم إلى مجرَّد ضفاف سوداء بلا أي نهر أزرق يجري في عروق تربتها الحمراء ويخصبها ويعيد لها رونقها وعطاءها!؟، وعندما أرى بأم عيني بكاء أهلنا الصيفي على أطلاله الخريفية التي قد يطويها نسيان الاحتباس الأبدي لمياهه التي كانت تتدفق بغزارة وتروي العطشى في سهول عفرين الجميلة وبحيرة العمق الخصيبة والسليبة في آن واحد!؟.
كلما أتأمل وحينما أتصوّر وعندما أرى بأم عيني بكاء أهلي على أطلال نهرنا...، ينتابني خوف حقيقي على مستقبل نهري الفرات ودجلة اللذان قد يتعرضا لعين الخطر ومن نفس المصدر وقد يشكلا التحدي السياسي الأكبر بين البلدان المتجاورة (تركيا وسوريا والعراق) اللاتي قد تختلف فيما بينها بسبب ظاهرة الشح الطبيعي للمياه العذبة ولتزايد الحاجة البشرية ونظراً لسوء التوزيع المعمول به بين هذه الدول الثلاثة المتجاورة والمتقاسمة لهذا المورد المعطاء بشكل غير عادل، خاصة وأنّ الجارة الشمالية تركيا تعطي لنفسها حق التصرف الملكي والاحتفاظ بحصة سيادية بذريعة أنها الدولة ذات الحيازة النبعية، وبالتالي يخال لها أن تبقى صاحبة الامتياز والريع أولا وأخيرا، أما بالنسبة للجارتين الجنوبيتين (سوريا والعراق) فتنحصر حقوقهما حسب وجهة النظر التركية بالمطالبة فقط بحصة صغيرة أو بالأحرى أجرة العبور رغم أن هذين البلدين يندرجان في إطار البلدان ذات الندرة المائية على خلفيات بيئية وجغرافية وسياسية تؤدي في نهاية المطاف إلى حصول أزمات سياسية على خلفية مائية رغم أنها تمتلك عدد من الأنهار العابرة.
إنّ شحت المياه الصالحة للاستخدام الآدمي والزراعي أو بالأحرى ندرتها تُعتبَران عاملان رئيسيان في نشوب الأزمة المائية في البلد الواحد أو بين بلدان عديدة متتاخمة، ولعلَّ جوهر المشكلة يكمن في نشوب خلافات مقصودة أو في حصول خلل بيئي طبيعي في معادلة التوازن بين ظاهرة المياه الشحيحة من جهة وحاجة السكان المتزايدون من جهة أخرى.
وبالرغم من وجوب التزام كافة الدول بقواعد هلسنكي المتعلقة بكيفية توزيع المياه بين البلدان الحاضنة بشكل مشترك لينابيع أو روافد أو مجاري أو أنهار أو بحار أو محيطات، إلا أن هنالك ثمة صراعات مريرة تحدث مرارا وتكراراً ويبدو أنه لا مفر من حدوثها حول أحقية جرّ المياه وتحويل مساراتها للاستفادة منها وفقاً أو بالأحرى استغلالها وفقاً لاختلاف المصالح ولتباين السياسات المائية للدول المتنافسة في خضم هذه المحاصصات المخلة بالقوانين التي ينبغي أن تخضع لتوافقات دولية ملزمة لجميع المعنيين بهكذا نزاعات تضر بأصحابها قبل غيرهم.
إنّ السياسة المائية للجارة الشمالية لكل من سوريا والعراق بخصوص نهري دجلة والفرات وغيرهما، تستند بشكل رئيسي على إجراءات احترازية تركية أحادية الجانب ولا تأخذ إرادة الآخرين بعين الإعتبار، ولو أنّ الأمور لا تسير في هذا الاتجاه الاحتكاري فبأي حق تقوم تركيا بإنجاز عشرات السدود وأشباهها من المشاريع المائية القابضة التي يفوق تعدادها المائة والتي تحبس المياه لصالحها والتي أدت وتؤدي إلى تعطيش أهالي وأراضي الجارتين الجنوبيتين السائرتين شيئا فشيئا لجهة حرمانهما من اقتنائهما لحصتيهما الحقيقيتين من عطاءات عصبَي الحياة في كوردستان والجزيرة العليا وبلاد الرافدين على إمتدادها، ويتجلى الاستسهال التركي في بناء عدة سدود مثل (أتاتورك وكيبان وقره قابه وبيره جك وغيره) في إطار الشروع باستكمال تنفيذ خارطة طريق مشروع الـ (GAP)بدون استشارة الدول المجاورة المعنية بالأمر والتي قد يتضرَّر أمنها الزراعي والغذائي وقد تلحق بها أشد الأضرار المائية المباشرة وغير المباشرة الناجمة عن انخفاض مناسيب مياه الأنهار وتجرثمها وازدياد تركيز الملوحة وتراكم المخلفات المعملية في مجاريها.
إنَّ تعرُّض الأمن المائي لمخاطر الجفاف السياسي الناجم عن استغلال تركيا لمياه الفرات ودجلة عبر خزنها وحبسها في بحيرات سدودها الكثيرة، من شأنه أن يؤدي إلى ازدياد ظاهرة الهجرة الجماعية لمواطني كوردستان وسوريا والعراق بحثاً عن لقمة العيش في الخارج.
ولعلّ البيِّنة الأكثر وضوحاً على أنّ هنالك ثمة خلافات سياسية مفتعلة وليس بيئية، هي أنّ تركيا رفضت وترفض منذ أوائل القرن الماضي وحتى الحين التوقيع على أي التزام بأية اتفاقية تنص على وجوب إجراء تقسيم عادل للمياه مع جيرانها الذين لا بديل أمامهم سوى الرضوخ للاشتراطات التركية مقابل سماحها لهذه الأنهار أن تجري بخجل لكي لا تتحول أنهار دجلة والفرات والخابور وعفرين والأسود وسليخ وقويق وغيرها إلى ذكرى لأسماء واردة في صفحات التاريخ والجغرافيا، ولكي لا تغدو مجرّد ضفاف بلا أنهار.


نوري بريمو
7 ـ 2 ـ 2010
 
هور يانعه في بساتين المنتدى نجني ثمارها من خلال الطرح الرائع لمواضيع اروع
وجمالية لا يضاهيها سوى هذا النثر البهي
فمع نشيد الطيور
وتباشير فجر كل يوم
وتغريد كل عصفور
وتفتح الزهور
اشكرك من عميق القلب على هذا الطرح الجميل
بانتظار المزيد من الجمال والمواضيع الرائعه
 
عودة
أعلى