"سلام عادل من أجل الأكراد" أتقدم بتحياتي واحترامي إلى كل القرّاء والأصدقاء الإيطاليين ، وأتقدم بشكري إلى كل العاملين في صحيفة "إلـ ـ مانيفستو" لقبولها لتكون منبراً لأفكاري وآرائي .إيطاليا بالنسبة لي تعبر عن مكانة خاصة جداً ، ليس فقط بسبب كون "روما" المكان الذي خرجت إليه عند بحثي عن الحل الديموقراطي للقضية الكردية ، بل ينبع أيضاً من الاحترام الذي أكِّنه للتاريخ الإيطالي وخبرتها النضالية . وقد عبَّرت عن أفكاري المتعلقة بهذه المواضيع بخطوطها العريضة في المجلد المسمى "دمقرطة الشرق الأوسط" من كتابي الأخير . وإن توفرت لي الإمكانيات فإنني أرغب في إقتسام آرائي مع الرأي العام الإيطالي في هذه الصفحة . فحتى لو لم أتمكن من الكتابة مباشرة لظروف العزلة الثقيلة التي أحيا فيها ، فإنني سأحاول نقل أفكاري .إنني أفكر في أن أكتب في هذه الصفحة عن التطورات المتعلقة بالمؤامرة الدولية التي جلبتني من "روما" إلى "إيمرالي" فيما بعد ، فإلى جانب كون هذا السياق ذو أهمية تاريخية في تأثيره بالنسبة للأكراد ، هو يتضمن جوانب تكشف عن علاقات وخصائص نظام العولمة القائم أيضاً ، وأعتقد أن ذلك هو الذي يحظى باهتمام الرأي العام التقدمي والديموقراطي الأوروبي أيضاً . لا شك أن الدروس التي استنبطتُها من مغامرتي على خط "أثينا ـ موسكو ـ روما" على مدى ثلاثة أشهر ذو قيمة تاريخية . فقدرتي على التعرف على "الحداثة الرأسمالية" التي تشكل المصطلح الأساسي لمرافعتي الأخيرة ، من بين ألف قناع وقناع ودرع ، لها علاقة مباشرة مع تلك المغامرة . فمن دونها ؛ ناهيك عن هذه التحليلات ، كنت إما بقيت قوموياً بدائياً مسَمَّراً بالدولتية القومية ، وإما أنهيتُ قدري المحتوم كحركة يسارية تقليدية مثل آلاف الأمثلة ، بما فيها اولئك الذين أسسوا الدولة . إنني أضع نصب عيني دائماً عدم الحسم في الكلام كمبدأ لعلم الاجتماع . ولكن لدي شعور قوي بأنني ماكنت قادراً على الوصول إلى قدرتي على التحليل التي أتمتع بها الآن . أريد التأكيد باقتضاب على الأمر التالي كنتيجة أساسية لهذا المسار ؛ القوة الأساسية للحداثة الرأسمالية لا تكمن في مالها ولا في سلاحها ، بل تتكوَّن قوتها الأصلية من قدرتها على خنق كل اليوتوبيات بما فيها اليوتوبيا الاشتراكية التي هي الأقوى على الإطلاق ، ضمن ليبراليتها التي تتلوَّن بألف لون وتتغلب على أعتى السَحَرَة . وما لم يتم تحليل ليبراليتها هذه التي تخنق كل اليوتوبيات البشرية ضمنها ، ناهيك عن مكافحة الرأسمالية ، فإن أعتى المدارس الفكرية لن تستطيع إنقاذ نفسها من أن تكون خادماً لها في أحسن الأحوال .نضالنا الذي نخوضه باسم الشعب الكردي ، بقدر ما هو نضال من أجل الوجود والهوية ، هو في نفس الوقت نضال من أجل خلق "الحداثة الديموقراطية" في مواجهة الإيديولوجية الحاكمة الخانقة لدى الحداثة الرأسمالية ، ونضالٌ لتقديم مساهمة من مهد البشرية "ميزوبوتاميا" .إن قيام الدولة التركية بوصم نضالنا الديموقراطي بالإرهاب مستفيدة من وهم الإرهاب العالمي ، ضمن جهودها لتقليل تأثير نضالنا ، أمر معروف من جانبنا ولا يتجاوز حدود الدعاية العادية . لأن مقاربة الدولة التركية من الحقوق الأكثر أساسية للأكراد حتى اليوم ، تتشابه كثيراً مع ذهنية فاشية النمط الأحادي الإستبدادية التي تجسدت في إيطاليا وألمانيا القرن العشرين . ما تمارسه الدولة التركية حتى في يومنا هذا بحق الأكراد هو الإبادة العرقية السياسية ، والإبادة العرقية الإقتصادية ، والإبادة العرقية الثقافية . وهناك مقاومة جادة للأكراد في مواجهتها ، ويتصدون لهذا الأمر بموقف منظم . ونحن مستمرون بتصميم في بحثنا عن الحل الديموقراطي السلمي في مواجهة القوموية الشوفينية الفاشية التي تم تحويلها إلى ثقافة البطش في كل الساحات التي يقطنها الأكراد ، وقد بذلنا جهودنا بهذا الصدد بشكل خاص منذ عام 1993 سواء بالقول أو بالخطوات العملية . وما قمنا به في عام 1999 رغم الأجواء السياسية الثقيلة ، وفي مرحلة كانت المؤامرة الدولية في أوج سرعتها ، مثل الإعلان عن وقف لإطلاق النار ، وسحب الكريلا إلى خلف الحدود ، وإرسال مجموعتين رمزيتان للسلام من أوروبا وقنديل ، ليست سوى جزء صغير من جهودنا هذه . وعلى نحو مماثل مجيء مجموعة من الكريلا من قنديل في عام 2009 من أجل إسكات السلاح والسلام الدائم ، ما هو إلا دليل على ثبات واستمرار جهودنا هذه على مدى عشر سنوات . أمام كل جهودنا هذه لم تتغير لغة ومواقف الدولة التركية مع الأسف ، وحتى يومنا هذا لم يحدث أي تغيير ولو كان صغيراً في سياستها ومواقفها التي تستصغر جهودنا السلمية وتصفها بأنها نابعة من الضعف ، وتقوم بتصعيد العنف بعملياتها العسكرية واعتداءاتها على شعبنا ، ولا تصرخ سوى بكلمة "التصفية" في كل مؤسساتها . وحكومة حزب العدالة والتنمية akp التي تدعي في أوروبا اليوم بوجود جهود من أجل حل القضية الكردية والدمقرطة ، تفعل كل ذلك بنمط في منتهى الخساسة والظلامية والخداع .هذه الحكومة هي ذاتها التي ملأت كل السجون بالأطفال الأكراد ، واستصدرت الترتيبات القانونية التي تطالب بالحكم على خمسة أطفال في شرناخ قبل فترة قصيرة بثلاثمائة وخمس سنين سجن . وهي صاحبة الذهنية التي تحتقر الأكراد وتنفي وجودهم ، والتي خلقت خلفيات إغلاق حزب المجتمع الديموقراطي dtp ، ووضع أيادي رؤساء البلديات المنتخَبين في الأغلال ، وصفهم في صف واحد وكأنها تسوقهم إلى معسكرات الاعتقال . الشعب الكردي لن يتخلى مطلقاً عن النضال من أجل حقوقه الأساسية ، كما لن يتنازل عن تنظيم صفوفه من أجل كرامته وحياته الحرة ، وسيحتفط بحقه في الدفاع المشروع ، ويناضل بالسبل السلمية والديموقراطية حتى ينال ويكسب حريته . أنا واثق تماماً من هذا الأمر.في نهاية مقالي الأول هذا الذي أكتبه في الأيام الأولى من عام 2010 ، أهنئ الشعب الإيطالي بسنته الجديدة ، وأتمنى أن تكون السنة الجديدة وسيلة لتحرر الشعوب والطبقات والأجناس المضطهدة . • نشر هذا المقال في جريدة "إلـ ـ مانيفستو" الإيطالية بتاريخ 9 كانون الثاني 2010 .