عيد بأية حال عدت يا عيد

  • بادئ الموضوع بادئ الموضوع سليفي
  • تاريخ البدء تاريخ البدء
عيد بأية حال عدت يا عيد بما مضى أم لأمر فيك تجديد
الأيام تمر والسنون تحصدنا حصد المناجل للسنابل , والعيد يعقبه عيد ..!
بالأمس القريب ودعنا عيد الفطر بما لنا وما علينا , وبعد أيام سوف نستقبل عيد الأضحى ولا ندري ماذا يخبئ لنا , والسؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح دائما ما الذي تغير ..؟
والإجابة المعتادة والتي حفظناها عن ظهر قلب , لا شيء ..! .
وجهلنا بالمستقبل , وبالذي يحمله لنا في طياته يزيدنا حيرة ولا ندري أهو لنا أم علينا ..؟ والأيام بين الناس دول نودع هذا ونستقبل ذاك , وهكذا تدور بنا عجلة الزمن إلى ما لا نهاية وكأن الأمر قد أفلت من أيدينا , وأصبح لزاما علينا أن نستسلم صاغرين لكتاب قد سبق علينا بالسعادة أم بالشقاء , ونحن لا حول لنا ولا قوة .
ولم يبق لنا إلا بصيص أمل نعيش به يومنا , وننتظر ما يحمله لنا الغد .. هكذا علمتنا الحياة .. سؤال يعقبه سؤال , وجواب يبحث عن جواب . وهكذا نتيه في دوامة تطحننا فيها رحى الأيام إلى ما لا نهاية ..! .
ومهما حاولنا لا بد لنا من أن نتابع لعبة الأقدار حتى النهاية , بغض النظر عن النتائج التي نصل إليها سلبا كانت أم إيجابا , شئنا ذلك أم أبينا , والسؤال الذي يحيرني ويقض علي مضجعي هل نحن اخترنا لأنفسنا ..؟ أم هي مشيئة فرضت علينا وعلى كره منا ..؟
سنوات وسنوات , بذلنا فيها الكثير من الجهد والتعب والمشقة وعانينا منها الكثير , ولم نجني منها سوى الغصص واللوعة والأسى , ولا ندري كم قطعنا من الطريق الذي نسير عليه . هل يا ترى ما زال أمامنا متسع من الوقت .. أم أن الوقت بدأ ينفد ..؟ وهل يا ترى ما زلنا نملك القوة والعزيمة لنعوض الذي فات ..؟ وإن أكثر ما يعذبني هو أننا نسارع الخطو نحو نقطة النهاية , نتخبط فيها خبط عشواء .
إن أصعب شيء على المرء هو أن يقلب صفحات دفاتره القديمة , ويطل عليها إطلالة خجولة ..! فلا يجد فيها ما يدعوه للتفاؤل 0مما يزيد في عثراته نحو مستقبل قد لا يكون أفضل حالا , ولم يبق في الكأس إلا بقايا وشل كدرت صفوه الأيام , والأيام في حقيقتها مغنم ومغرم .. والغبن فيها أنها لا تعطي بقدر ما تأخذ , ولا ندري إن كنا قد أخطأنا السبيل أم أنها حكمة الله في خلقه ..؟ وماذا يا ترى يكمن وراء هذه الحكمة ..؟ هذا هو السؤال الذي حير العقول وأعجز أولي الألباب ....! .
كثيرا ما يكون المرء ضحية أفكاره وطموحاته , والتي قد لا تتناسب مع قدراته الذاتية أو أنها جاءت خلافا لحكم أجرته المقادير فيجرفه التيار إلى حيث لا يشتهي , وهذا الذي أظنه قد حصل لي بالذات , وقد قالها لي الكثيرون , البعض قالها علنا والبعض الآخر قالها على استحياء ..! .
قالوا , أنني ضحية طموحاتي عندما ركبت البحر بسفينة مصنوعة من ورق وظننت بأنني في مأمن من الموج , ولا بد لي من أن أصل إلى الشاطئ الآخر لأعيش نشوة النصر , لكنني اكتشفت أنني أعيش في أكذوبة اصطنعتها لنفسي , ولكن هيهات وقد فات الأوان . فالبحر لا يرحم والذي يصارع الموج لا يسلم . إنها لعبة الأغبياء والحمقى فالذي يراهن على غيره مع عدم معرفة سابقة به , أو معرفة بنيت على سوء تقدير منه يكون كالمستجير من الرمضاء بالنار .
يقول الكاتب الساخر نيسن : " إن مصيبة هذا الكر الصغير أنه لا مستقبل له إلا أن يكون حمارا , ومع ذلك فهناك من يحسده " . وهذا ما حدث معي تماما عندما أوهمني الكثيرون بأنني رجل مجدّ ومجتهد , وأمتلك من الإمكانات ما يتيح لي تحقيق الكثير , ولكنهم لم يبحروا في خفايا نفسي ولم يطلعوا على سريرتي , بينما كنت أعلم علم اليقين ما الذي ينقصني وماذا أريد .
لم أكن أتوانى في يوم من الأيام في البحث عن تلك الحلقة المفقودة والضالة المنشودة التي كانت تهز كياني وتشتت قدراتي , وتسيطر على تفكيري وتخترق حصوني لتعيث فيها فسادا , والتي كنت أتمنى أن أبلغ من خلالها الغاية المرجوة وكنت مؤمنا بما لا يقبل الشك بضرورة تلك الحلقة وأن ليس منها بد لأنها سوف تكون الخطوة الأولى على الطريق الصحيح , ولكنني أردت أمرا وأراد الله غيره ..! .
وذهبت كل محاولاتي أدراج الرياح , فلا أرضا قطعت ولا ظهر أبقيت , وكنت أتساءل دائما ما هو السر وراء ما يحدث لي , هل هو نتيجة تقديرات خاطئة مني ... أم هو حقيقة حالة من التردد تمنعني من اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب ... أم أنها شروط تعجيزية أضعها لأقنع نفسي بعدم وجود الشخص المناسب ..؟ وكأنني أدمنت على حالة من عدم الاستقرار قفزة هنا وقفزة هناك كالراقص على خشبة المسرح لا يهدأ ولا يسكن ... أم أنها هي الحقيقة بعينها وليس لأحد أن ينكرها ...؟ وبغض النظر إن كنت مترددا أم غير متردد فقد بذلت من الجهد ما كان جديرا بأن أثاب عليه , وأن أحقق ولو اليسير مما أصبوا إليه .
وإنها لمن مفارقات الحياة أن يثاب المسيء ويعاقب المحسن وأن يعطى الكسول الخامل ويحرم المجد المجتهد , وأن يكون حجم العقوبة بحجم ما نقدمه من التضحيات وبقدر ما نتفانى في الإخلاص .
يقول لارشفوكو : " الإساءة إلى معظم الناس , ليست خطرا مثل الإسراف في الإحسان إليهم " .
قد أحملك أكثر مما تحتملين , وقد أشركك بأمور ربما أنت بغنى عنها , وربما كان من الأولى أن أخفف عنك وأن أحمل عنك , ولكن ضاقت قوتي بالذي أحمله وليس باليد حيلة .
فكان لا بد لي من أن ألجأ إليك . وهل من سواك أستصرخه .. ؟ وأنت ملاذ الخائف ومأمن الهارب , ومن سواك أشكو إليه ألم البعاد وسكاكين الغربة تقطع في أحشائي وأنا بين أهلي وعشيرتي .
رغم ذلك كله أجدني دائما أحتاج من أكلمه , أتحاور معه , أبثه همومي وأشتكي إليه من هم قد ألم بي , وأستشيره في أمر ربما أجد عنده المخرج , وأنى لي بمثل هذا الشخص إن لم تكوني أنت ؛ وأنت موضع سري ومصدر ثقتي ومنبع حبي ..! .
لذلك أجد نفسي ودون أن أدري أحمل القلم لأبوح لك بأحلامي , لأرتل لك الآهات من ألم قد ألمّ بي , وأجمع كل عذابات السنين لأفرغها بلهفة بين يديك , مع يقيني بحجم المعاناة التي تعيشينها , وبالظروف الصعبة التي تمرين بها , وبالتحول الكبير في حياتك . وأنت طفلة الأمس التي لم تفطم بعد , ومع علمي بميولك ورغباتك والكيفية التي ترغبين أن تسير الحياة وفقها .
يقول كنفشيوس : " إذا وجدت شخصا يستحق أن تتحدث معه ولم تخاطبه , فإنك تكون قد افتقدته , وإذا وجدت شخصا لا يستحق أن تتحدث معه وخاطبته فإنك تكون قد أضعت كلامك سدى " .
ومن يستحق أن أتحدث معه إلاك .. أيتها المرأة التي أبت إلا أن تبلغ الكمال .. أيتها المرأة التي آمنت بما تفعل فضربت صفحا عن كل ما يقال .. أيتها المرأة التي لا تخون ولا تغدر ولا تنكر ولا تقتر .. أيتها المرأة التي أبت إلا أن تكون ملاكا , في زمن خارت فيه قوى الناس وتنصلوا من إنسانيتهم فأصبحوا شجرة بغي ..! .
فالناس صادقهم كذاب , وأمينهم خائن , ومادحهم هجاء وثقتهم غادر , هم كنافخ الكير إن لم يصبك منه الشرر علقت بك رائحته ! .
لذلك لا مهرب منك إلا إليك , ففيك وجدت ذاتي وبك أيقظت ما كان نائما في سبات عميق وأحييت الذي كان قد أشرف على الهلاك , وبدأت أسترق النظر إلى المستقبل رغم عجزي عن فتح الباب على مصراعيه حتى الآن , وبك جددت الحافز في نفسي وأيقظت همتي لتحقيق أمور كانت أشبه بالمستحيل .
شيء واحد بقي في نفسي كيفما أدرت وجهي أجده ماثلا أمامي , لا مهرب لي منه ولا منجى وهو ما يؤلمني أشد الألم وقد أثرته معك لأكثر من مرة , وآليت على نفسي وقطعت لك عهدا بأن لا أعود إلى ما قد يجرح شعورك أو يثير لديك إحساس بالتجني عليك , وهذا ما أرفضه جملة وتفصيلا , وإنما الغاية كانت أكبر من ذلك وأسمى بكثير والله تعالى يقول : " وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان " . فكيف بي وأنا أعد لك في كل يوم العشرات من التضحيات التي تقدمينها لي بشكل عفوي وبرغبة منقطعة النظير دون تحفظ أو تردد ودون حساب للربح أو الخسارة , وكيف بي وأنت تمطرين في كل يوم عشرات بل مئات اللآليء من عينيك الجميلتين فأغرق فيهما حتى الثمالة .
فآه وألف آه .. أيتها النرجسة البرية .. عوسجة أنت .. سنبلة أبت إلا أن تتحفنا بالثمار والغلال , يا غريبة الدار والجيران , يا قمرا ما انفك يطل علينا في كل ليلة فيضيء سماء قريتنا حيث يحلو السمر , يا صفصافة أظلتنا بفيئها عندما كان يلفحنا حر الهجير , يا شجرة من الجنة تؤتي أكلها كل حين , فالأرض قد أصبحت بعدك قفرا .. والأنهار بعدك عطشى .. والينابيع قد جفت والسماء انكدرت , والنجوم اندثرت ..! .
دخل عروة بن الزبير بستانا لعبد الملك بن مروان فقال عروة : ما أحسن هذا البستان يا أمير المؤمنين ؛ فقال له عبد الملك : أنت والله أحسن منه , إن هذا يؤتي أكله كل عام , وأنت تؤتي أكلك كل يوم ! .
فهل نحصد بعد كل الذي زرعناه , الندم والأسف والحسرة والأسى , أم كان لزاما أن تؤتي الشجرة أكلها بعد أن أخصبت , وليس من العقل في شيء أن نفسد كل الذي حققناه في لحظة انفعال لا تسمن ولا تغني من جوع , فأنا لست فقط شريكك في هذه المعادلة , بل أنا وأنت في كفة واحدة إن رجحت فكلانا المستفيد وإن علت فكلانا الخاسر , ولأنني أعيش حالتك كما أنت تعيشينها ويستحيل على أي إنسان أن يصل معك إلى ما وصلت أنا إليه مهما كان قربه منك ومهما كانت درجة قرابته لك ومهما بالغ في حبه تجاهك , فهذه الحالة ليس لأي إنسان أن يصلها بالغا ما بلغ من العلم والمعرفة والحب والتضحية , فالذي بيني وبينك ليست حالة حب ولا حالة قرابة ولا حالة مصلحة ولا حالة مودة ولا حالة حرص ولا حالة تفاهم وانسجام بل هي كل هذه الحالات مجتمعة لا غنى لواحدة منهن عن الأخرى ولا قيمة لإحداها بمعزل عن الأخريات , أضيفي إلى ذلك كله أن هناك الكثير من الظروف والعواطف والمشاعر التي لا يستطيع الإنسان خلقها , بل تأتي نتيجة أمور لا يد لنا فيها وتفرض علينا بالكيفية التي قدر لها .
ولم تكن محض اجتهاد مني ولا منك , بل الكثير منها أوجدته الظروف حيث لا دخل لإرادتي أو إرادتك في ذلك , فتلاقينا على أمر قد قدر ثم جمعتنا المعاناة وأنضجتنا الأيام , ودفعتنا بذات الاتجاه وحدة الهدف .
لذلك كان لزاما علينا أن نستثمر كل صغيرة وكبيرة في سبيل تحقيق هذا الهدف بأقصى ما يمكن من الحرص والحذر والثقة بالنفس وبالجد والمثابرة وإعطاء كل شيء حقه وأن لا نترك لأي أثر سلبي أن يسيء إلى هذه العلاقة وينال منها .
يقول جبران خليل جبران : " الرغبة نصف الحياة , أما عدم الاكتراث نصف الموت " .
وقد أوصى أوجست كونت قبيل وفاته بأن يكتب على شاهدة قبره " الحب مبدؤنا , والنظام قاعدتنا , والتقدم غايتنا " .
رغم كل الذي كتبته لك , ورغم أن بعض الكلمات كانت تحمل طابع القسوة نتيجة إصراري على أن أوصل لك ما أريد , وبالكيفية التي أضمن فيها الحصول على النتائج المرجوة , ونتيجة يقيني بأن ما أكتبه لك هو من الضرورة بمكان لكي تستطيعي أن تتابعي الطريق وأنت في مأمن وأن تضعي الخطوة الأولى على الطريق الصحيح , وقد أخطأ قديما الذي قال : بأن العبرة في النهاية وأنا أقول العبرة دائما في البداية فالمقدمات الصحيحة تؤدي إلى نتائج صحيحة والمقدمات الخاطئة تؤدي إلى نتائج خاطئة . وهذا ما لا يختلف عليه اثنان , وفي نفس الوقت فأنا لا أنكر بأن هناك بعض الحالات الاستثنائية ولظروف ما قد تحقق بعض النتائج المرضية بغض النظر عن المقدمات ولكنها بالنتيجة تبقى حالة استثنائية .
قد يختلف الاسلوب وتتراوح الكلمات بين القسوة والمرونة , وكان لا بد لي من أن أنهج تجاهك منهجا يكون حصنا لك من عاديات الزمن ولم أر خيرا من قول عمر بن الخطاب عندما قال : إن هذا الأمر لا يصلح له إلا القوة في غير عنف واللين في غير ضعف . ومهما اختلف الاسلوب فإن الهدف من وراء ذلك واضح وهو أن أنأى بك عن عبث العابثين ورعونة الذين لا خلاق لهم .
ولقد قلت لك وأعدتها مرارا وتكرارا حتى أصابني الملل والعجز من كثرة التكرار وبالقابل يقينا قد أصابك الكثير من الاشمئزاز لهذا التكرار , ولكن ردود الفعل التي كانت تصدر عنك وكذلك ردود الفعل العكسية التي كانت تصدر عني كانت تفرض علي أن أراوح في مكاني , بل كانت كثيرا من الأحيان ترجع بي خطوات إلى الوراء وكان الأمر يحتاج مني الكثير من الجهد والوقت لأستجمع قواي وأبدأ من جديد .
لأنني لا أستطيع أن أتجاوز مسألة لا يزال الجدل فيها قائما إلى مسألة أخرى ربما تكون مرتبطة ارتباطا وثيقا بالتي سبقتها ومحصلة حتمية لها , ونكون بذلك كالنعامة التي تدفن رأسها في التراب وتظن أنها أصبحت في مأمن من الأعداء . ولكي أتلافى التراكمات التي قد تحدث في علاقتنا أشد الخلل , ورغبتي في أن نكتب دائما على صفحة بيضاء نقية خالية من أي أثر لخلافات الماضي حتى وإن كانت بسيطة , والخلافات بتقديري كلها واحدة صغيرها وكبيرها طالما تؤدي في النهاية إلى نتيجة واحدة , ولأننا إذا تجاوزنا الخلاف الصغير لا بد وأن نصطدم يوما بصخرة الخلاف الكبير . لأن الخلاف دائما يبدأ صغيرا ثم يكبر وعندها سنجد أنفسنا مكرهين أمام خلافات كبيرة , وقد تكون عندئذ مستحيلة الحل ..! .
وأخشى ما أخشاه هو تراكم الخلافات الصغيرة وما ينتج عنها من سوء العشرة وأن ينقلب الود كرها وحبيب الأمس يصبح عدو الغد إنها معادلة صعبة .
كنت كثيرا ما أثير مثل هذه المسألة كما سبق وأشرت إلى ذلك وكنت أحترق بين نارين نار الخلافات وأن أمر عليها مرور الكرام دون معالجة هذه الخلافات أسبابها ونتائجها ونار الضغط عليك وأنا أعلم يقينا بأنك تتألمين لهذا الضغط , ربما لأمر كنت تعتقدينه وهو أنني ما زلت أنظر إليك على أنك لم تبلغي بعد الدرجة التي تأهلك لتحمل المسؤولية كاملة , وكنت دائما أكرر لك بالتأكيد القاطع الذي لا يقبل الشك أن الدافع الوحيد وراء ذلك هو أولا حبي لك وحرصي الشديد عليك شريطة أن لا يكون هذا الحب قيدا , وثانيا لكي لا أترك أية ثغرة في علاقتنا قد تتسرب من خلالها بعض الهفوات أو الاختلافات فتترك بعض الآثار السلبية على هذا الحب العظيم وهذه العلاقة المقدسة .
وللحقيقة أقول أن جوابك الأخير قد أثلج صدري , وأسعدني أيما إسعاد وأخرجني من حيرتي وأعطاني دفعا آخر نحو الأمام وفتح كل الأبواب التي كنت أظن أنها قد أوشكت أن تغلق إلى الأبد , لأنني كنت أعيش حالة من القلق المضني وأنا أدور ضمن دوامة الاختلاف في التقدير والخلاف في وجهات النظر , وكنت أملك الرغبة القوية كي أخرج من هذه الدوامة بالسرعة الممكنة قبل أن أتيه فيها ويبتلعني الطوفان .
لأن الجدل حول هذه المسألة أخذ أكثر من حجمه واستهلك أكثر مما يستحق لذلك كنت أقترب شيئا فشيئا إلى نقطة النهاية ولحسم موقفي في أحد اتجاهين , فإما أن نخرج من دوامة الخلافات والاختلافات شريطة أن لا نعود إليها البتة وإما أن أترك العنان لنفسي كي تغوص في عمق هذه الدوامة إلى حيث لا رجعة وأكون بذلك قد أرحت واسترحت . إذ من المستحيل الاستمرار في وضع غير مستقر سواء كان بالنسبة لك أو لي لأن الاستمرار في وضع كهذا إلى أجل غير محدود فيه الكثير من إضاعة الوقت دون طائل . فمن الجنون أن نضيع عمرنا كله في سبيل نتائج غير مضمونة أو محكوم عليها مسبقا بالفشل .
فالخلاف الذي لا يمكن تجاوزه خلال شهور , لا يمكن أن نتجاوزه خلال سنوات مهما طال أمدها , ومن العبث أن نختلف على أمر ما ثم ننتظر سنوات وسنوات كي نتجاوز هذا الخلاف , وكأننا نتحكم في عجلة الزمن نوقفها متى شئنا وبالقدر الذي نشاء وهل العمر يحتمل كل هذه الخلافات ؟ وهل هذه الخلافات من الأهمية بمكان حتى نضيع من أجلها سنوات عمرنا ..؟ وكم يا ترى تخفي لنا الأيام في طياتها من السنوات وإنه لمن الجنون بل من الحمق أن نهدر عمرنا كله لا نكاد ننتهي من خلاف حتى يبدأ آخر وهكذا إلى ما لا نهاية .
لذلك كنت متيقنا دائما وإن جاء هذا اليقين متأخرا بعد أن أضعت في سبيله جل سنوات عمري وهو إما أن نختلف وفي هذه الحالة لا بد لنا من أن نفترق , بل من مصلحتنا أن نفترق لأن استمرارنا في الخلاف سيجر علينا وعلى الذين هم من حولنا الكثير من الويلات والذين ندعي بأننا نكن لهم الكثير من الحب والاحترام ثم نحرق الأخضر واليابس ..! .
وإما أن لا نختلف أبدا حيث نكرس وقتنا كله في خلق أسباب السعادة والنجاح لأنفسنا وللذين نحس بالمسؤولية تجاههم .
وبذلك نكون قد هيأنا لأنفسنا حالة من الاستقرار والهدوء نستطيع من خلالها أن نكون فاعلين مبدعين , لا أن نكون صخرة تتحطم فوقها أسباب السعادة , نعرف ماذا نريد وكيف نحقق ما نريد وفي الوقت الذي نريد نحسب لكل شيء حسابه ونضع لكل شيء اعتبارا , ونخصص لكل نشاط من أنشطة الحياة وقتا .
قرأت للدكتور شوقي أبو خليل مقالا يذكر فيه خمس وصايا للزوجين فيقول :
الأولى – إلزما الصدق في بيتكما , فالصدق يخلق الثقة والكذب يخلق في النفس الشك والارتياب .
الثانية – الابتعاد عن الانفعالات العصبية , فهي تجعل البيت جحيما لا يطاق .
الثالثة – حذار من الإسراف وعليكما بالاقتصاد فإنه نصف المعيشة , والإسراف لا يكون في الأمور المادية فحسب بل في كل ما يتعلق بالحياة الزوجية حتى الكلام يحتاج إلى الاقتصاد وعدم الإسراف .
الرابعة – لا يمدح أحدكما غريبا أمام الآخر , فالكلمة الطيبة بينكما لكما , وكلمات الإعجاب هي للزوج والزوجة فقط .
الخامسة – حافظا على نضارتكما وطهركما جسدا وروحا , والقلوب جبلت على حب من أحسن إليها .
أحيانا أنظر إلى الإنسان وقد خلقه الله فأحسن خلقه , ورفعه فوق كل الكائنات الأخرى , بما خصه به من العقل والحكمة والمنطق السليم وبما لا يحصى من الصفات الجميلة والجليلة والنبيلة والله تعالى يقول : " ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم " . ثم يأخذني العجب من الإنسان والدرجة الوضيعة التي وصل إليها والسقوط المروع في هاوية الرذيلة . فمن الكذب إلى الخيانة .. إلى الظلم .. إلى الاعتداء على الحرمات وهتك الأعراض وكأنه لا شاغل له إلا الرقص على جراح الآخرين .
ثم نضيع أحلى سني عمرنا في خلافات ومهاترات ومشاحنات لا نجني منها إلا الندم وليت الأمر توقف عند هذا الحد , بل ذهبنا إلى أبعد من ذلك بكثير , حيث يكثر الجناة والظلمة وأما المجني عليهم فلا حصر لهم . وكأننا ننتقم من أنفسنا بأنفسنا وهكذا تدور بنا عجلة الزمن إلى ما لا نهاية , ومع كل إطلالة شمس أو غروبها يعيد التاريخ نفسه وتبدأ معاناة جديدة , ولكننا نجهل القربان القادم من يكون ..! .
على كل حال فإن الشرح يطول حول هذه الجدلية ولا أريد الخوض في تفاصيلها لأن في ذلك رهقا والمجال أضيق من أن يتسع للخوض في مثل هذه المسائل فقد خاض فيها الكثيرون من قبلنا ولكن الشر أبى عليهم إلا أن يستسلموا , والمعركة ما تزال مستمرة ..؟! .
وأرجو أن نكون أنا وأنت من جنود هذه المعركة , كما أرجو أن ينكشف الغبار عن أرض المعركة كي نستجلي الحقيقة , ويتبين لنا الغث من السمين .
وإنما أردت فقط أن أختم هذا الجدل الذي كثر حوله اللغط وأن أسدل عليه الستار نهائيا , إذ لا مجال للعودة إليه أبدا لأن مجرد التفكير بالعودة إلى هذا اللغط يكون بداية النهاية .
ولو أنه كان بودي أن أكتب لك في غير هذا المجال وأن أتحاور معك في غير هذه المسائل لنتجاوز القاعدة التي أدمن عليها الكثرة الغالبة من الناس , ونعيش نحن الحالة الشاذة من القاعدة والتي لا يعقلها إلا القلة القليلة ممن رحم الله . والتي قلتها لك في اللقاء الأول ثم كررتها كثيرا على مسامعك بأننا يجب أن نكون الحالة الشاذة للقاعدة لأن هناك الكثير من الأعمال الجليلة التي يمكن القيام بها والكثير من اللحظات السعيدة التي يجب أن نحرص عليها ونعيشها بكل تفاصيلها وهناك الكثير الكثير من الأشياء الجميلة والتي تستحق منا الكثير .
فأنت بلا شك استثناء عن القاعدة لأنني صرحت بذلك كثيرا وقلت لك أنك امرأة استثنائية جاءت في ظروف استثنائية فلذلك أحببتك حبا استثنائيا وأطعتك طاعة استثنائية وأعطيتك عطاءا استثنائيا ومازلت مستعدا لأفعل لك كل ما هو استثنائي , فقط لأنك امرأة استثنائية ..؟! وأرجو أن تستوعبي هذه الحالة وتحافظي على استثنائيتك , ربما تتأثرين بقصد أو بغير قصد ببعض ما ألصقه بنا المجتمع شئنا ذلك أم أبينا .
أنا لا أتهمك وأبرئ نفسي فكما حالك هو حالي , وإنما أردت لي ولك أن نكسر هذا القيد لننطلق نحو فضاء أرحب , علنا نحقق بعض ما نطمح إليه شريطة أن لا ننسلخ من جلدنا وأن لا نجتث جذورنا من التربة التي أنبتتنا بل نحافظ على كل ما هو أصيل , ثم نجعل منه قاعدة لنا ننطلق من خلالها لتحقيق حياة حرة كريمة بما يتفق وما نحن مؤمنين به .
وللأمانة والحقيقة أقول لقد كانت استجابتك للمستجدات من الأمور ولما كانت تفرضه دواعي العلاقة بيننا أكثر مما كنت أتوقع بكثير , ولكنها لم تبلغ الحد الذي يتكافأ مع إمكاناتك ومع الذي كنت أطمح إليه وأريده لك , ولأنك كبيرة ولأنك عظيمة ولأنك كاملة فلا يليق بك إلا ما هو كامل .
ولأنني كنت حريصا على كل يوم يمر من عمرك بل كل دقيقة وكل ثانية وهذا الذي خلق ربما نوعا من الهوة وسوء الفهم بيننا , ولكنني رغم هذا وذاك فأنا سعيد كل السعادة لأنني أعشق امرأة مثلك وكلي رجاء وكلي أمل أن نكون قد استوعبنا الدرس واتقنا قواعد اللعبة حتى نكون في مأمن من نزوات أولئك الهامشيون , ولا نكون ضحية حماقات الآخرين ورعونتهم .
إن أكثر ما يثير إعجابي بك واحترامي لك وثقتي بك هو صراحتك ووضوحك المعهودين فيك وتحاولين قدر ما تستطيعين وبمشيئتك أن تكوني أشبه بكتاب مفتوح بالنسبة لي وأرجو أن تستمري على هذه الحال كما هي – كما أرجو أن تكوني فقط كذلك بالنسبة لي – لا تخفين عني صغيرة ولا كبيرة سلبا ولا إيجابا بغض النظر عن النتائج , رغم أنك تعرضين نفسك أحيانا لردات فعل عنيفة تصدر عني فأغلظ لك في القول . وحقا إنه لأمر عجيب إذ وأنا في قمة انفعالاتي لا أملك إلا أن أحني الرأس لك إكبارا وإجلالا , وأقدس فيك سعة الصدر وهذا الحلم العظيم .
خرج زين العابدين يوما من المسجد فلقيه رجل فشتمه , وبالغ في شتمه وأفرط فأقبل عليه زين العابدين وقال له : ما ستر عنك من أمرنا أكثر , ثم ابتسم له وقال : ألك حاجة نقضيها لك ؟ فاستحيا منه الرجل ؛ فألقى إليه بثياب وخمسة آلاف درهم . فقال له الرجل : أشهد أنك من أولاد رسول الله .
إن أكثر ما يؤرقني ويوصلني إلى حالة لا أستطيع معها أن أصفح فيها أو أن أتجاوزها عندما أتعامل مع شخص كان موضع ثقتي ثم غدر بي وخاصة إذا كان هذا الشخص من الذين أحبهم ولهم عندي مكانة خاصة فإنها الخطيئة التي لا تغتفر والخطأ الذي لا تقال عثرته ! .
فمحال أن تعود الثقة إلى ما كانت عليه بعد الطعن فيها فإن من الجروح جروح لا تندمل أبدا بل تبقى نازفة حتى الموت وكذلك الثقة إذا فقدت فلا تعيدها كل اعتذارات العالم ومهما بلغ بنا الندم أو طلبنا التوبة , فإما أن تكون هناك ثقة وإما ألا تكون ولا خيار آخر , فالثقة لا تقبل التجزئة فإما أن نأخذها جملة وإما أن ندعها جملة . وإن أكثر أنواع انعدام الثقة خطورة هو انعدام الثقة بين الزوجين فإذا فقدت الثقة لم يبق بعدها شيء في العالم كله ينفع معها ولا يمكن للحياة الزوجية أن تستمر بدون ثقة لأن في الحياة الزوجية أشياء لا يمكن لها أن تنبني إلا على الثقة – عفوا ليس هناك أشياء فقط , بل كل شيء .. كل شيء – فالحب بين الزوجين يحتاج إلى الثقة , والوجود في منزل واحد يحتاج إلى الثقة , والنوم على سرير واحد يحتاج إلى الثقة , والجلوس إلى مائدة الطعام يحتاج إلى الثقة , والخروج في مشوار إلى خارج البيت يحتاج إلى الثقة , وتبادل الحديث يحتاج إلى الثقة . ثم ماذا بعد ... ؟
إذن الحياة الزوجية منذ اللحظة الأولى وحتى الفراق بالطلاق أو الموت تحتاج إلى ثقة وهل أدل على ذلك من قوله تعالى : " ولقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا " .
وليس أخطر على الإنسان ولا أقبح من التعصب للرأي , لأنه أعدى الأعداء وأدوأ الداء , وكفى بالإنسان فخرا أن في اعترافه بالخطأ فضيلة لأنه ينم عن رغبة وقناعة قويتين بأن لا عودة إلى الخطأ , وكفى بنفسك الآن عليك حسيبا .
هذا هو العيد الثاني الذي يأتي وأنت بعيدة عني , ولكنني ما زلت وسوف أبقى على العهد أصونه وأحرسه وأحميه , وسوف أبقى على العهد ما بقيت الأيام والشهور والسنين حتى تنخسف الأرض وتهبط السماء وتندثر النجوم وتحشر الوحوش والناس إلى ربهم أفرادا وجماعات .
حتى هناك أرجو أن تكون جنتك جنتي ونارك ناري , إذ ليس لأية واحدة منهما معنى إذا لم تكوني أنت فيها فالنار تصبح جنتي وأنت فيها , والجنة تستحيل جحيما إن لم تكوني فيها .
فلا عيد إلا معك , ولا فرح إلا بك , ولا حياة لي إلاك , فأنت عيدي الأصغر .. وأنت عيدي الأكبر , وأنت فرحي وفيك حزني ومن نور عينيك تنبلج صباحات أعيادي ..؟! .
أرجو أن لا يتسرب الملل إلى نفسك من طول الرسالة , فأنا لا أكتب لك مجرد رسائل فحسب , بل أكتب لك شطر نفسي وعقلي وروحي . يقال – إذا علمت رجلا فقد علمت فردا , وإذا علمت امرأة فقد علمت أسرة . وليس لك إلا أن تحتملي غلظتي , فإن من أراد مغانم الحب والسعادة عليه أن يتحمل مغارمها ..؟! .
يقول ألفرد دي موسييه : " لكي ينضج الحب لا بد له من قطرات الندى , ولكي يعيش الإنسان ويحس لا بد له من العبرات " .
ويقول جبران خليل جبران : " إذا بحت بأسرارك للريح , فلا تلم الريح إذا باحت بها للأشجار " .
لك مني قبلات العيد الأصغر , ومثلها أضعافا مضاعفة للعيد الأكبر .. وما بقي منها أخبئه للأعياد القادمة ...؟! .
ولك مني قبلات لا تنتهي عندما نكون معا ... ولك مني أشياء أخرى كثيرة عندما تحجبنا الظلال عن عيون الناس .. ونرحل كنجمتين في فضاء لا نهائي .. !!! .
فبك تنعش الصباحات .. ومعك يحلو السمر ..!!! .



علي ســـــليفي


23 / 11 / 2009


علي سليفي
 
رد: عيد بأية حال عدت يا عيد

بالنسبة لي شتان ما بين العيدين

في عيد الفطر كان والدي معنا

في عيد الاضحى .... لن يكون هنا ولا في اي مكان

فرق شاسع بين العيدين وكان المسافه الفاصلة دهر ا وعمرا

شكرا لالك علي على روعه الطرح
 
رد: عيد بأية حال عدت يا عيد

شكراً على مرورك الجميل دمت بخير
اخوك
علي سليفي
 
هور يانعه في بساتين المنتدى نجني ثمارها من خلال الطرح الرائع لمواضيع اروع
وجمالية لا يضاهيها سوى هذا النثر البهي
فمع نشيد الطيور
وتباشير فجر كل يوم
وتغريد كل عصفور
وتفتح الزهور
اشكرك من عميق القلب على هذا الطرح الجميل
بانتظار المزيد من الجمال والمواضيع الرائعه
 
عودة
أعلى