Kurd Day
Kurd Day Team
المحامي مصطفى أوسو : التجريد من الجنسية بين آهات الضحايا... واستمرار الجريمة
رئيس منظمة ( DAD )
افتتاحية العدد ( 35 تشرين الأول 2009 ) من جريدة العدالة الشهرية
رئيس منظمة ( DAD )
افتتاحية العدد ( 35 تشرين الأول 2009 ) من جريدة العدالة الشهرية
بعد مرور سبعة وأربعين عاماً على صدور المرسوم التشريعي رقم ( 93 ) تاريخ 23 / 8 / 1962 القاضي بإجراء إحصاء استثنائي في محافظة الحسكة، ودخوله حيز التنفيذ العملي والفعلي في الخامس من شهر تشرين الأول من نفس السنة، والنتائج التي ترتبت عليه بتجريد عشرات الآلاف من أبناء الشعب الكردي في سوريا من جنسيتهم السورية التي كانوا يحملونها منذ نشوء الدولة السورية الحديثة بشكل تعسفي، لايزال ضحايا هذا المشروع العنصري السيئ الصيت يعيشون تحت وطأة آثاره السلبية ونتائجه المدمرة، ولا يزال هؤلاء الضحايا يطلقون صرخات الاستغاثة وآهات الألم ... ويعانون أوضاعاً اقتصادية واجتماعية وإنسانية... صعبة للغاية، نتيجة استمرار هذه الجريمة البشعة.
لقد جاء هذا المرسوم التشريعي المشؤوم، ليقسم المواطنين السوريين إلى ثلاث درجات، المواطنين الذين يحملون الجنسية السورية في الدرجة الأولى، وفي الدرجة الثانية، يأتي المواطنين الذين جردوا من الجنسية السورية وسجلوا في سجلات خاصة عرفت بـ ( أجانب محافظة الحسكة )، وفي الدرجة الثالثة يأتي المواطنين الذين تجاهلتهم السلطة نهائياً فلم يرد لهم قيد في أية سجلات حكومية رسمية، عرفوا بـ ( مكتومي القيد )، فكانت معاناتهم أكبر وأشد وطأة بكثير من معاناة أشقائهم ( الأجانب، الذين جردوا من الجنسية )، ومنذ ذلك الحين وحتى الآن وأعداد هؤلاء ( الضحايا ) المجردين من الجنسية في تزايد مستمر بسبب التكاثر السكاني الناجمة عن الولادات الطبيعية، دون أن يسوى وضعهم ويتم معالجة أوضاعهم السيئة في كافة مجالات الحياة.
أن تجريد هذه الشريحة الواسعة من أبناء الشعب الكردي في سوريا - التي تجاوزت اليوم ربع مليون إنسان - من جنسيتها السورية، وما ترتب عليها من حرمانهم من سائر الحقوق المدنية الأخرى المستمدة من الحق في الجنسية، خلقت لديهم شعور بالغبن وبالدونية والاغتراب عن وطنهم وعن أرضهم المتوارثة أباً عن جد، وجعلتهم عرضة للفقر والتشرد والحرمان والضياع...، وحرمتهم من حق التملك والتنقل والسفر...، ومن حق الانتفاع بالأراضي الزراعية وحق العمل لدى دوائر الدولة ومؤسساتها...، وحتى من حق العمل في المطاعم والمقاهي السياحية في العاصمة دمشق والمدن الأخرى التي هجرت إليها بسبب أوضاعها الاقتصادية الصعبة والمتردية، وكذلك حرمتهم من حق المشاركة في الحياة العامة للبلاد...الخ.
ورغم أن التجريد من الجنسية، يتناقض جملة وتفصيلاً مع نص و روح الدستور السوري، وكذلك مع القوانين الوطنية الأخرى، وبشكل خاص مع القانون رقم ( 68 ) لعام 1951 ومع المرسوم التشريعي رقم ( 21 ) لعام 1953 ومع القرار رقم ( 82 ) لعام 1958 ومع المرسوم التشريعي رقم ( 21 ) لعام 1958 ومع المرسوم التشريعي رقم ( 67 ) لعام 1961 وكذلك مع المرسوم التشريعي رقم ( 267 ) لعام 1969 ورغم أنه ( التجريد من الجنسية ) أيضاً يتعارض مع القوانين والمواثيق والعهود الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وخاصة المادة ( 15 ) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 والمادة ( 16 ) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 والمادة ( 7 ) من اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 رغم كل ذلك، فأن الحكومات السورية المتعاقبة على دفة الحكم في البلاد، لم تقدم على معالجة هذه القضية الوطنية ذات الأبعاد الإنسانية ولم تحاول إيجاد الحلول المنصفة لها خلال كل هذه السنوات الطويلة، رغم المطالبات المتكررة والنداءات المتواصلة من قبل القوى والأحزاب السياسية والمؤسسات المدنية والجماهيرية.
وإننا نستطيع أن نقول: أن الأوضاع ازدادت سوءاً، سنة بعد أخرى، بالنسبة إلى المجردين من الجنسية السورية بشكل خاص والشعب الكردي في سوريا عموماً، بعد أن أضيف إلى هذا المرسوم المشؤوم سلسلة متكاملة من المشاريع العنصرية والسياسات الشوفينية والإجراءات والتدابير الاستثنائية بحق الشعب الكردي في سوريا، من قبيل: سياسة التعريب ونزع يد المواطنين الكرد عن أراضيهم الزراعية وإعطائها للمواطنين العرب ( الحزام العربي )، وإجراءات فصل العمال والطلاب الكرد من معاملهم ومعاهدهم، وعدم تسجيل الولادات الجديدة في محافظة الحسكة إلا بعد موافقة الأمن السياسي، وصدور المرسوم التشريعي رقم ( 49 ) لعام 2008 الناظم لأحكام التملك والاستثمار في المناطق الحدودية...، والتي تهدف في مجملها إلى تغيير التركيبة الديمغرافية للمحافظة، وطمس المعالم القومية للشعب الكردي ونفي وجوده التاريخي والحضاري المميز وصهره في بوتقة القومية العربية، وعرقلة تطوره في كافة مجالات الحياة.
ومما لاشك فيه أن استمرار العمل بنتائج الإحصاء الاستثنائي في محافظة الحسكة، لا يخدم بأي شكل من الأشكال مصالح البلاد وعملية تطورها وتقدمها وازدهارها...، كما وأنه لا يلبي على الإطلاق تعزيز وتمتين وحدتها الوطنية، لا بل أنه يخلق جواً من التنافر والعداء بين أبناءه ويلحق أشد الأضرار بالاقتصاد الوطني...الخ.
وقد بات ملحاً وضرورياً جداً، أن تبادر السلطة الحاكمة في البلاد إلى معالجة المعاناة الإنسانية المتفاقمة لهؤلاء المواطنين ( الضحايا ) المجردين من الجنسية السورية وإيجاد حل شامل وجذري لها، وإعادة جنسيتهم السورية إليهم وتصحيح أوضاعهم القانونية والاجتماعية والاقتصادية...، ورفع الظلم والاضطهاد القومي عن كاهل الشعب الكردي في سوريا، ومعالجة قضيته القومية على أساس الاعتراف الدستوري بوجوده كثاني قومية في البلاد ومنحه حقوقه القومية الديمقراطية في إطار وحدة البلاد، وإطلاق الحريات الديمقراطية وإلغاء حالة الطوارئ والأحكام العرفية...، تأسيساً لدولة الحق والقانون، الدولة التي يمارس فيها المواطن حقوقه وحرياته الأساسية المنصوص عنها في القوانين والدساتير الوطنية والدولية بدون عراقيل أو قيود من أية جهة كانت، ويؤدي التزاماته وواجباته تجاه مجتمعه وبلده انطلاقا من إحساسه بانتماءه الوطني.