أسطورة جبل آغري» ليشار كمال ... أحمد وكول باهار

  • بادئ الموضوع بادئ الموضوع berzano
  • تاريخ البدء تاريخ البدء
أسطورة جبل آغري» ليشار كمال ... أحمد وكول باهار

[fot1]في روايته[/fot1] «أسطورة جبل آغري» التي صدرت ترجمتها عن دار «بدايات» السورية (جبلة ـ 2005) يستلهم الروائي الكردي التركي يشار كمال أجواء الملاحم الأسطورية التي تحفل بها ثقافات العالم. يقدم نصاً أسطورياً مأسوياً أقرب إلى الحكايات والسير الشعبية التي تروى شفاها وتتوارثها الأجيال. يشار كمال الذي رشح مراراً لنيل جائزة نوبل في الآداب، يختار رقعة جغرافية معروفة: جبل آغري والمناطق الكردية المحيطة بها مثل وان، هكاري، موش، تبليس... والقرى المتناثرة على سفوح الجبال في جنوب شرقي تركيا حيث يقطن الأكراد. يغزل خيوط حكايته، الدافئة والعذبة، في هذا الفضاء المتخم بالعادات والتقاليد والطقوس والأعراف المتوارثة. القدر يصنع المصائر، و «أنا الفرد» خاضع لإرادة الجماعة، فالأعراف تحدد السلوك والممارسات. ولئن ظهر بطل أسطوري في زمن مجهول فلأن القدر قد اختاره، ولأن العناية الإلهية تدخلت فوهبت للبطل صفة البطولة.
الرواية، التي ترجمها شوكت أقصو، تتناول في خطوطها العامة قصة حب خاصة ربطت بين أحمد وكول باهار(«زهرة الربيع» في الكردية) ابنة الباشا الكردي محمود خان الموالي للعثمانيين. ثمة مصادفة لعبت الدور الرئيس في ميلاد هذا الحب. الشاب أحمد الريفي البسيط، الذي يسكن في قرية «سوريكا» المنسية على أطراف جبل آغري، يجد ذات صباح أمام بيته المتواضع حصاناً أصيلاً غالياً ذا سرج جميل مطرز بالذهب والفضة يوحي بان صاحبه من ذوي الجاه والنفوذ. العرف يقول، في تلك البلاد الطازجة والقاسية، بان الحصان الذي يختار باب أحد البيوت ويقف عنده، فهذا يعني بأنه هدية لصاحب البيت من السماء ولا يجوز، بأي حال، التفريط به حتى وإن ظهر صاحبه الحقيقي وطالب به. والعرف يطالب، كذلك، بان يبعد صاحب البيت الحصان ثلاث مرات، فإن عاد في كل مرة فهو له، وهكذا فعل أحمد وعاد الحصان في المرات الثلاث.
علم صاحب الحصان محمود خان، باشا قرية بيازيد، بالأمر، فأرسل رجاله لاستعادة الحصان مع رسالة تفيد بأنه على استعداد لأن يدفع لأحمد من المال قدر ما يشاء. يكون الرد: «فليطلب الباشا الروح، لكن الهدية (الحصان) لن يحصل عليها!». يتدخل باشوات الكرد لحل الخلاف لكن الأعراف أقوى من جميع الوساطات: «منذ أن خلقت الدنيا، من الذي أعاد حصاناً وقف على بابه؟». يشن محمود خان البالغ القسوة، «صاحب الأنف المدبب والمعقوف كمنقار النسر»، هجوماً ساحقاً ويحرق بيوت البسطاء الذين هربوا مع أحمد، بعد التهديد، إلى منطقة هكاري حيث أكراد شمدينان. على رغم الدمار تخفق الحملة في العثور على الحصان، ولم يعثر المهاجمون إلا على شيخ طاعن في السن يلقب بـ «الصوفي» فيكون السجن من نصيبه.
للباشا المستبد ثلاث بنات جميلات، هن كوليستان («حديقة الزهور» في الكردية)، وكولي زر (ذات الجدائل الصفر)، وكول باهار. الأخيرة تخاطر بنفسها وتزور الصوفي السجين لتعلم منه حكاية الشاب أحمد الذي رفض الانصياع لأوامر والدها الباشا. شجاعة الشاب تثير في نفس الفتاة الجميلة، التي تضحك بنعومة، الإعجاب. تصل الباشا أنباء عن مكان اختباء احمد، فيرسل ابن أحد الباشوات في طلبه، محملاً الرســول رســـالة تقول إنه يعفو عن الشاب المتمرد، وعن القرويين. لكن عندما يصل أحمد الى قصر الباشا يكون السجن مصيره، فالباشا لا يعرف الوعود والعهود. ويمهل الشاب السجين أربعين يوماً حتى يعود حصانه أو سيكون مصيره الإعدام.
تلتقي كول باهار بحبيبها أحمد في السجن القريب من قصر الباشا. هذه مغامرة قاتلة تقدم عليها العاشقة. وما كان ذلك ليتم لولا تعاطف ميمو، رئيس السجانين، مع رغبتها. بعد محاولات سرية كثيرة، تقوم بها كول باهار، يستعاد الحصان، غير ان الباشا يتذرع بأنه ليس حصانه. تقترب المهلة المحددة للإعدام من النهاية، وقبيل نهاية اليوم الأخير تتوسل العاشقة إلى رئيس السجانين كي يطلق سراح أحمد ومن معه. يوافق ـ وهو يعلم بان هذا العمل يقوده إلى حتفه ـ شريطة أن تهديه خصلة من شعرها. توافق كول باهار. وعندما قُتل ميمو، بعد ان أطلق السجناء، وُجد وقد امســـك بـــيده اليسرى المـــشدودة إلى قلبه تلك الخصلة المقدسة. كان، بدوره، عاشـــقاً. هذه الحادثة لا تــمر بسلام، فعلى رغم موافقة الباشا، بعد إلحـــاح الأهـــالي، وضغط الحشود الهــائلة، وشيوع قصة الحب التي راح يتـــغنى بــها الشعراء والرعاة، على زواج ابنـــته كـــول باهـــار من أحـــمد بيد أن هذا الحب اليانع بدأ يذبل!
فالعاشق الذي نفذ شرط الباشا المستحيل وهو الذهاب إلى قمة آغري، وإشعال النار هناك إيذاناً بالوصول، وبدء الاحتفال، عرف ان ميمو لم يطلق سراحه، وهو يعلم انه سيموت، لو لم تعطه فتاته شيئاً، كان ذلك خـــصلة الشعر التي أخمدت نار الحب في قلب احمد. وفق الاعتقاد السائد لدى الأهـــالي ثمة في قمة جبل آغري بيدر من نار، وبئر تصل إلى قلب العالم السفلي». لم يصل أحد إلى قمته وعاد سالما. «لم يغفر آغري في أي وقت من الأوقات لمن صعد إلى قمته، لمن نظر إليه من هناك، لمن سرق ناره» باستـــثناء احمد الذي وصل القمة وعاد سالماً ومنـــتصراً. هـــذا الانتصار حزين بسبب إهداء الحبيبة لرئيس السجانين خصلة مــن شعرها. تنتهي قصة الحب على ضفاف بحيرة كوب في اسفل جبل آغري إذ غاب احمد في زرقة البحيرة وبقيت كول باهار تنتظر عودة «أوليـــس» من البحار عبثاً. والـــى الآن «عندما ينتفض الكون من سباته، ويزهر فصل الربيـــع كل عـــام، يأتـــي رعــاة جبل آغري من كل الجهات. يخلعون عباءاتهم ويلقون بها فوق التراب النحاسي للبحيرة ويجلسون فوقه، فوق تراب المحبة الذي عمره ألف عام»، ومن خـــلال شدو ناياتهم الحــزينة يستعــيدون قصة حب وغـــضب جـــبل آغري.
«أسطورة جبل آغري» ككل الملاحم العالمية تنطوي على صراع بين الخير والشر. بين المحبة والكره. محمود باشا وأنصاره القلائل في جهة، وأحمد وأنصاره الكثر في الجهة الأخرى. ينتصر الخير والحب في النهاية. لكن الروح النبيلة للعاشق تحول دون قبوله الفتاة ـ الحبيبة التي وهبت خصلة من شعرها لغيره. تلك هي التراجيديا، فبعد فصول من العذاب والتضحية والوفاء تنتهي قصة الحب بالألم!
يصوغ يشار كمال روايته بلغة سلسة وشفافة، وبغنائية مؤثرة، وهو يروي ملحمته بضمير الغائب، ويكاد يكون غائباً في السطور، فهو أشبه براوٍ يقرأ قصة من كتاب مفتوح. وهو مخلص إلى حد بعيد لثقافة المكان، ومستوى وعي الشخصيات. يبتعد عن كل ما يعيق سلاسة السرد، وتدفق الكلام وكأنه ينشد أغنية، ويستعير الكثير من عناصر البيئة ومفرداتها. ولا يغفل عن تقديم وصف آسر ووجيز: «وفي الصباح يهبط الضــباب الناعم فيضفي على التلال القابعة خلف السهول الممتدة لوناً ازرق جميلاً، فتبدو كتلال صغيرة ساكنة مفعمة بالرقة والجمال»، وعن كول باهار يكتب «عندما تضحك يتورد خداها وتتدفق عيناها الدافئتان بشوق عميق... كانت تضع في عنقها عقداً من الذهب، وتطوق ساقيها بالخلاخل الذهب المزينة باللؤلؤ والزمرد...».
قصص الحب الخالدة لا تكون كذلك لو لم تعترض سبيلها عقبات ومحن وأهوال بحيث تدفع العاشقين إلى التضحية، والحب، كما يقول المخرج الروسي اندريه تاركوفسكي، هو التضحية. ولئن اختلفت الأزمنة والأمكنة، ولئن تباينت العقبات وذرائع الرفض، فإن نيران الحب التي تشتعل بين جوارح العشاق تبقى متشابهة. وثمة رموز تصاحب هذه القصص وتمنحها الخلود. في «أسطورة جبل آغري» ثمة طائر ابيض صغير يأتي من البعيد يغمس جناحيه بزرقة مياه البحيرة، ويمر فوقها ظل حصان شديد السواد». رحل العاشقان لكن الطائر والحصان، مكثا في مهد الحب الجميل، كرمزين، يحرضان مخيلة الأكراد الجبليين إلى الآن، فيروون، دون ملل، قصة الحب تلك، ويستعيدون تفاصيلها كأسرار بيض في بياض ثلوج جبال آغري الشاهدة على خسارات [fot1]كثيرة.[/fot1]

ابراهيم حاج عبدي - نقلاً
 
هور يانعه في بساتين المنتدى نجني ثمارها من خلال الطرح الرائع لمواضيع اروع
وجمالية لا يضاهيها سوى هذا النثر البهي
فمع نشيد الطيور
وتباشير فجر كل يوم
وتغريد كل عصفور
وتفتح الزهور
اشكرك من عميق القلب على هذا الطرح الجميل
بانتظار المزيد من الجمال والمواضيع الرائعه
 
عودة
أعلى