باختصار بعد هزيمة الإمبراطورية العثمانية التركية وتقسيم تركتها بين كل من فرنسا وبريطانيا وروسيا القيصرية وبموجب اتفاقية سايكس بيكو السرية في عام 1916م والتي تم على أثرها تقسيم كوردستان التي كانت تحت سيطرة الإمبراطورية العثمانية إلى أربعة أجزاء ارتبطت بالدول المجاورة سياسيا في ظل الاستعمار الغربي و بعد خروجه من المنطقة والى اليوم بالإضافة إلى القسم الشرقي من كوردستان والذي يرزح تحت سيطرة الدولة الفارسية الإيرانية منذ عام 1514م وهكذا تحولت كوردستان جغرافيا وبشريا تحت ظل الكيانات المجاورة .
ورغم إبرام معاهدات دولية واتفاقيات تقر بحق الشعب الكوردي في تقرير مصيره كمعاهدة سيفر عام 1920م وغيرها من الاتفاقيات , ومن ثم المؤامرات والاتفاقيات التي أحيكت ضد الشعب الكوردي وحولت دون تحقيق طموحه وحقه في تقرير المصير, فمنذ الاستعمار الغربي في المنطقة ابتداء من فرنسا وبريطانيا تحولت كوردستان إلى مستعمرة دولية وإقليمية ومن ثم تتابع هذا الواقع وفي ظل سياسة القطبين وتوازناتها وحساباتها وملحقاتها الإقليمية , فقد غذى الجميع مصالحهم على حساب قهر ودماء الشعب الكوردي .
كما إن الظروف الدولية والإقليمية في ما مضى تسببت و حولت قوى الشعب الكوردي المتمثلة بحركته الحزبية إلى حالة استتباع لمؤثرات خارجية , مما كان يخلق حالة ضادية سياسية فئوية داخل مجموع القوى الكوردية بشكل عام وفي كافة أجزاء كوردستان بسبب الواقع الجيو سياسي المجزأ وتعقيداته , مما فرضت حالة تضاد واقتتال اخوي بين القوى الكوردية آنذاك , إلا إنها كانت حالة غريبة على الأمة الكوردية وشاذة في مفهوم الكوردايتي كون الأمر لم يكن اقتتال عائلي أو عشائري إذ لا يمكن استثناء هذا النوع من الصراع في أي مجتمع كان وفي مراحله التاريخية ؟ وبالطبع كان صراع القوى الكوردية شكل عدم قبول المجتمع الكوردي لها سواء من مثقفيها أو حتى لسان حال ألاوعي في المجتمع الكوردي .
كل هذا وما زال الشعب الكوردي يعاني من ابسط حقوقه المشروعة كأمة تعيش على أرضها التاريخية , ولم يتمكن أعداء هذا الشعب من شطبه بكل الوسائل القذرة التي قاموا بها بفضل الإرادة القوية للأمة الكوردية والتي حافظت على نفسها كمجتمع متضامن ومتكاتف رغم تجزئته وواقعه المرير.
ولازال هذا هو الواقع الجيوسياسي للأمة الكوردية في يومنا الراهن وفي ظل النظام العالمي الجديد , وباستثناء الإقليم الجنوبي من جغرافية كوردستان الطبيعية والذي يحيا الفيدرالية ضمن العراق الموحد و بات مهدد بكل الذرائع من قبل الجوار لعدم إمكانية انعكاسه لديهم , رغم إيمان الكورد بنيل حقوقهم ضمن إطار وحدة البلاد للدول التي تغتصبهم , إلا إن الأمور تبدو في تطور نسبي ومستمر في المنطقة , وربما بات يظهر في الأفق ملامح طيبة بالنسبة للكورد في شمال كوردستان ( تركيا ) بعد فشل السياسات القمعية المتعاقبة للدولة الفاشية التركية وخاصة دبلوماسيتها في تصعيدها الأخير ضد إقليم كوردستان الفيدرالي في شمال العراق والحزب العمال الكوردستاني .
وهنا يجدر الإشارة إلى إن المفاهيم العالمية الجديدة وكما تبدو لا تبنى علاقاتها على الأشكال و المفاهيم والصراعات التي كانت سائدة قبل المتغيرات الدولية في نهاية القرن الماضي، بل إنها باتت تتخذ البدائل الحقوقية و المفاهيم الإنسانية وإشاعة الديمقراطية في العلاقات السياسية بين الدول والشعوب , بالإضافة إلى المفاهيم الاقتصادية وتطوراتها بحيث ملائمتها للمفاهيم والقيم العصرية وليس على مستوى الدول فقط وإنما الأفراد ......الخ.
ومن المعلوم إن النظام العالمي الجديد قائم على ما فوق القومية ولو التقى مصالحه الإقليمية في شيء منها كما انه غير قادر أو باحث على إزالة الطبيعية القومية للإنسانية ويقينياتها التاريخية , بل إن مفهوم العصر ينطلق من مبدأ المصالح المشتركة والمساواة والعدالة سواء بوحدة الشعوب وفق مصالحها أو انفصالهم لعدم إمكانية وجوب وبلورة المصلحة المشتركة انطلاقا من مبدأ حق تقرير المصير.
فالواقع المعاصر يتطلب من الكورد اتخاذ الوحدة السياسية بين القوى الكوردية بنسبة لحقوق الشعب الكوردي في مجمل الأجزاء بناء على الممكن والمتغير وضمان التواصل القومي للشعب الكوردي والانطلاق من طبيعته وطموحاته في الحياة , فالمجتمع الكوردي والكوردستاني يتمتع بأواصر القربى العائلية والعشائرية الموزعة في مجمل أجزاء كوردستان ولا زال قائما وبقوة وفرض نفسه باستمرار في ظل الواقع المجزأ ولعل أدق تفسير لوحدة الأمة الكوردية انخراط الأجزاء في ثورة ونضال الجزء الآخر بأرواحهم وأموالهم والعكس بالعكس وعلى مدار التاريخ في حديثه وقديمه , لذا يتوجب الانطلاق من مبدأ ومفهوم الكوردايتي وكما كان يفرضه المجتمع الكوردي في حاضره وعلى مر مراحله التاريخية كونه السمة القومية والغريزية والفطرية ومن اليقينيات الطبيعية والتاريخية للأمة الكوردية وكما هو الحال للأمم جمعاء , لذا يفترض ويتطلب من القوى الكوردية في ظل المتغيرات العالمية والإقليمية رسم وصياغة المنهاج السياسي المنطلق من مبدأ التضامن والتعاضد للأمة الكوردية والانطلاق من الواقع المعاش للشعب الكوردي والخروج وطي صفحة الماضي نهائيا وخاصة في هذا الوضع والكل فيه مستهدف , واستدراك الحركة الطبيعية والواقعية للتاريخ والدخول في فضاءه المتجدد ومنهجه المفتوح .
مما قرأت