محمد شيخو

  • بادئ الموضوع بادئ الموضوع كول نار
  • تاريخ البدء تاريخ البدء

كول نار

Kurd Day Team
ثم وبعد انهيار ثورة 1975 وتشتت البيشمركة في الاصقاع ، ولجوئنا الى ايران ، كنت يائسا مرة أخرى ، كان كل شيء مظلما ، بائسا وحزينا ، لقد ضاعت أحلامنا ، كنت أشعر ان أنهار الدم التي جرت على ذرى الجبال قد راحت سدى ، فكتبت أغنية em belabûn li cîhanê وهكذا حتى رجعت من ايران ، بقيت تلك مشاعري ، وبقي يأسي كما هو ، عندما وصلت الى القامشلي في أواخر 1983 راحت أحلامي تنمو من جديد بعد ان شاهدت من حولي كيف ان هناك حركة كردية جديدة وثورة وطنية تشتعل في شمال كردستان، فكتبت : rabe gulistan .
لم يكن محمد شيخو الفنان منتميا لجهة سياسية كردية ، بالمعنى التنظيمي ( كما قال لي كثيرا ) ولكنه كان قريبا دوما من شعبه ومن حركته التحررية ، غنى لها ، ولم يسقط في مطب الدعاية السياسية المباشرة ، وان كان يحسب على هذا الطرف أو ذاك كما كان يحب ان يحسبه الآخرون ، الا انه كان بعيدا في حبه الوطني عميقا لمعانيه ، متواصلاً مع كل نبض صاف وثورة حرة ، وقريبا من كل شهيد يسقط على جبال كردستان، كان كالهواء ، يصل الى الجميع ولم يصل اليه أحد .
عاش فقيرا ، تشرد كثيرا ، دفع حياته ثمنا للقلق والرعب والخوف والتضييق ، ولم ينصفه ( الآخرون ) الا بعد رحيله للأسف ( هل ينصف الراحلون ؟ ) ، توفي في (المشفى الوطني ) بالقامشلي ، في الوقت الذي كانت قامشلي تعج بالمشافي الخاصة وبالاطباء الاكراد المختصين ، وتعج بالذين يستمتعون بصوته ، ولم ينجده أحد ، مات على سرير متسخ في اللامشفى الحكومي ، وذلك عار علينا جميعا
سألته ذات ليلة طويلة : محمد شيخو .. ما حكايتك مع فلك ؟
فقال ساخرا : لأنها تحمل النقيض في الوقت نفسه
فلك .. هي الوفاء وهي الخيانة في نفس الوقت ... اسمح لي ان لا أزيد على ذلك .
ابتسمت له ، فأدرك انني أعرف بعضا من الحكاية .. فغيّر الموضوع .. وراح يحدثني عن بداياته الفنية ، كان يطلب مني دائما ويقول : ليتك تكتب لي بخط فني وعريض حكمة فارسية تقول : " الضمير محكمة لا تحتاج لقاض " انها أهم حكمة في حياتي ، أريد ان أعلقها في بيتي .
كنت أوعده خيرا ، وأتكاسل ، وحتى هذا اليوم أفكر : ترى هل أنجز طلبه ، فأعلق اللوحة في مكان ما من هذه الأرض ؟
سلاما لروحك ايها الفنان الكبير .. وأعتذر منك ايها الصديق العزيز .. على تأخري في تخطيط اللوحة التي كنت تحب .


حين يهبط الزمن من مداره و يتوقف قليلا عند ذكرى إنسان، فلا بد للحياة أن تتكلم عنه بكل عنفوان و إخلاص، و تخرج من هذا الكون إلى قلب هاجسه حب الوطن و سعيه الدؤوب إلى تحقيقه بفنه و جسده و قلبه.
فن اختصر المسافات من حلم لا تحصى أمتاره الممتدة بين المدن و القرى.. حلم هو وطن يعيش فيه بعد أن دفن أيامه... حلم لا يستطيع نسيانه... كل الأشياء تدفن أمام الوطن.
اعتاد أن يكون كلامه رقيقا مليء بالأمل و الحب و النضال، و بأسلوب قلص مساحات التعبير و التفكير و الأسئلة التي عادة تتسابق في نفس الآخر حين سماع الألحان.
يا الله... من أين أتته هذه الإنسانية إنسانية تمنحه إذن دخول كل قلب؟!!!..
تنقل بين كل أماكن النضال، و نسي مشهد الموت... هذه الكلمة الغليظة التي تسرق السعادة من كل مكان.
رغم ذلك بقي كلامه هادئا، و فنه يخرج من حنجرته بطيئا متثاقلا بمعان، ليشق طريقه بكل ثقة في البقع الكثيفة باليأس و القنوط أمام الواقع، و ينتهك أعماق النفس.. ليصطدم صوته بمدارات متخبطة بأنات محتضرة، لتبدأ السماء بالمطر... و يحول صدأ المستحيل إلى زهور و تزول الغشاوة الماثلة أمام النظر...
إنه يحدق في اللامرئي أكثر من المرئي... و يغير الوجوه و الأحلام، و يشرق شمسا تنبت أملا في تربة اليأس.
منذ ذلك اليوم... التجأت إلى الحرية هربا من طاعة النفوس الصلبة.. التي تعاني من شيخوخة الصراع بين الكره و الظلم و الحقد.. لم تعد تبحث عن تلك الحياة.. تشبثت بالموت هربا من تلك الحياة، مزقت كل الرايات البيضاء.. أركنت لحظات الترف إلى زوايا الزمن.. و أدركت أن الوقت سيبقى يكابر وجوده عليك.. لذا تحدق عيونك في السماء الزرقاء.. و حلم يقود إلى مصافحة الوطن أو إلى الرمق الأخير
رحلت عنا جسدا بعد أن تشبث الموت بأحشائك و لكن دون أن يستطيع إلغاء روحك من أيامنا و الأيام القادمة.. تعيش في داخلنا.
كان يوما رماديا يوم رحلت.. رحلت إلى عالم آخر بريء..
 
رد: محمد شيخو

الله يرحمة ويرحم جميع الاموات
محمد نور شكرا لالك
 
رد: محمد شيخو

اشكرك جزيل الشكر على هذا الموضوع الرائع عن حياة الفنان الكبير محمد شيخو
كما اتمنى ان تكتب تلك الحكمة الفارسية التي كان يحبها شيخو على قبره ولك جزيل الشكر والأحترام
اخوك أذاد
 
عودة
أعلى