جوان
مراقب و شيخ المراقبين
كان في المهجع معنا شاب من حلب ويقيم في" زور آفا " قريباً من مشفى" باسل الأسد " التابعة لمشروع دمر .
الشاب اسمه " ابراهيم" في الرابعة والعشرين من عمره, كان نظره ضعيفا للغاية, ليلاً كان تقريباً أعمى, نمسك بيده لكي نساعده على الذهاب الى الحمام مثلا. كان شاباً هادئاً عموماً, فرض احترامه علينا جميعاً. يجلس " ابراهيم " غالباً قريباً من الباب. بعض العناصر ولخبثهم الغير مبرر كانوا يتقصدون التحرش به وتعذيبه في كل فرصة. من بينهم عنصر في منتصف العشرينات من عمره, يقارب طوله المتروالسبعين ,اسمر البشرة ويتكلم اللهجة اللاتقانية. كان هذا يقف أمام " ابراهيم" ويضع العصا قريبا من عينيه حتى لتكاد تؤذيهما, ويصرخ به " أعمى ها" ويضرب بالعصا على جبينه, على انفه, على خده, لكن غليله لا يشفى فيأمر " ابراهيم " بفتح راحتيه ويضربه بالعصا عليهما حتى ينال منه هو التعب. نتفرج على المشهد المؤلم ونتألم لحال هذا الشاب المسكين بين يديه ولا أحد منا قادر على أن ينبس ببنت شفة, ولا أن يرد عنه ظلم هؤلاء الوحوش. حين كان يشبع الوحش رغبته في تعذيب الشاب وينصرف, نجتمع حوله لنحاول التخفيف عنه, لكنه كان متماسكاً وصابرا, قليلا ما كانت دمعة تسيل على خده من شدة الألم. كان شاباً قوي الإيمان, يصابر الوجع متجلداً بإيمانه.
الشباب المسخرين لتوزيع الطعام يأتون كل مرة بأخبار جديدة. منها أن في الفرع زنزانات منفردة ألقي فيها بالذين ثبتت عليه المشاركة في المظاهرة, أو أي نشاط فيها, من هؤلاء شاب اسمه " غيفارا" أعرف ان عائلته تملك دكانا صغيراً لبيع الخضار في ساحة " زور آفا " ومن المعروف عنهم أيضاً أنهم ينتمون إلى الحزب الشيوعي, وقد كان لهؤلاء دور فعال في المظاهرة عموماً.
في اليوم الأول للمظاهرة كانت قوات الأمن قد دخلت ساحة " زور آفا" بسياراتهم, واطلقوا النار فوق رؤوس المتظاهرين, وقد أثار هذا حنق الجماهير فهجموا على الدورية. استقل رجال الأمن سياراتهم وحاولوا الهروب, لكن المساحات الضيقة لأزقة المنطقة لم تسمح لسياراتهم بالدوران بسرعة فاضطروا للتخلي عنها والهروب فهجم المتظاهرين على سيارتي الأمن واضرموا فيهما النار.
أذكر تماماً كيف دخل خالي إلى غرفتنا ونحن نيام في حوالي التاسعة صباحاً وصرخ بنا " يا قليلو الناموس لازلتم نياماً والدنيا مشتعلة في زور آفا". قفزنا من فراشنا وارتدينا ثيابنا مزمعين الذهاب الى الساحة للإطلاع على الخبر, لكن والداي لم يسمحا لنا بالخروج واقترحا أن يذهب أبي وخالي أولاً للإطلاع على الوضع. وإحترما لوالدنا صمتنا مظهرين موافقتنا على الأقتراح.
ما كادت خطوات والدي وخالي توارب باب الحوش حتى قال لي أخي " حسن ": " سالو" ألن تأتي؟ وكيف لن آتي" أجبته. وخرجنا وعتاب والدتنا وارءنا تطلب منا التريث ريثما يتبين الخبر , وهي تقول أننا شباب ودمنا حامي وقد يصيبنا مكره ما, اجبناها بما معناه " ما يصير على اولاد الناس, يصير علينا أيضاً". كان صوتها يتبعنا" قربان, حيران" ونحن نسير باقصى سرعتنا ولا أدري كيف وفي لحظة وجدنا أنفسنا بين المتظاهرين قريباً من مطعم " توشكا" الذي يبعد عن " زور آفا" ما يقارب الثلاثة كيلومترات في الطريق بإتجاه حديقة تشرين. كان المتظاهرون يقصدون المدينة الجامعية لكي ننضم الى الطلبة الكرد في الجامعات. قوات الأمن قطعت الطريق علينا بعد المطعم بقليل. كانت القوات مؤلفة مما يقارب الثلاثمائة رجل مزودين بالدروع والهروات اصطفوا أمام المتظاهرين قاطعين أمامهم كل إمكانية للتقدم حيث أن الطريق محصور بين جبلين ويسير نهر بردى على أحد الجانبين بين الطريق والجبل.
أشار علينا بعض الكبار في السن أن نعود أدراجنا. رجلين كبيران في السن وأشيبا الشعر ظهرا بيننا وقدما أنفسهما على أنهما من منظمة لحقوق الأنسان, لكن الشباب لم يصدقوهما وظنوا أنهما من رجال الأمن المدسوسين, وطلبوا منهما أن يظهرا هويتهما وكانا يتكلمان العربية, قالا أنهما سيرافقوننا الى " زور آفا " ويجلوسون معنا لمعرفة مطالبنا, وقد ساعد هذا على تهدئة المتظاهرين وتشجيعهم على العودة فعليا. حينها أصر رئيس قوات حفظ النظام على.....
يتبع

الشاب اسمه " ابراهيم" في الرابعة والعشرين من عمره, كان نظره ضعيفا للغاية, ليلاً كان تقريباً أعمى, نمسك بيده لكي نساعده على الذهاب الى الحمام مثلا. كان شاباً هادئاً عموماً, فرض احترامه علينا جميعاً. يجلس " ابراهيم " غالباً قريباً من الباب. بعض العناصر ولخبثهم الغير مبرر كانوا يتقصدون التحرش به وتعذيبه في كل فرصة. من بينهم عنصر في منتصف العشرينات من عمره, يقارب طوله المتروالسبعين ,اسمر البشرة ويتكلم اللهجة اللاتقانية. كان هذا يقف أمام " ابراهيم" ويضع العصا قريبا من عينيه حتى لتكاد تؤذيهما, ويصرخ به " أعمى ها" ويضرب بالعصا على جبينه, على انفه, على خده, لكن غليله لا يشفى فيأمر " ابراهيم " بفتح راحتيه ويضربه بالعصا عليهما حتى ينال منه هو التعب. نتفرج على المشهد المؤلم ونتألم لحال هذا الشاب المسكين بين يديه ولا أحد منا قادر على أن ينبس ببنت شفة, ولا أن يرد عنه ظلم هؤلاء الوحوش. حين كان يشبع الوحش رغبته في تعذيب الشاب وينصرف, نجتمع حوله لنحاول التخفيف عنه, لكنه كان متماسكاً وصابرا, قليلا ما كانت دمعة تسيل على خده من شدة الألم. كان شاباً قوي الإيمان, يصابر الوجع متجلداً بإيمانه.
الشباب المسخرين لتوزيع الطعام يأتون كل مرة بأخبار جديدة. منها أن في الفرع زنزانات منفردة ألقي فيها بالذين ثبتت عليه المشاركة في المظاهرة, أو أي نشاط فيها, من هؤلاء شاب اسمه " غيفارا" أعرف ان عائلته تملك دكانا صغيراً لبيع الخضار في ساحة " زور آفا " ومن المعروف عنهم أيضاً أنهم ينتمون إلى الحزب الشيوعي, وقد كان لهؤلاء دور فعال في المظاهرة عموماً.
في اليوم الأول للمظاهرة كانت قوات الأمن قد دخلت ساحة " زور آفا" بسياراتهم, واطلقوا النار فوق رؤوس المتظاهرين, وقد أثار هذا حنق الجماهير فهجموا على الدورية. استقل رجال الأمن سياراتهم وحاولوا الهروب, لكن المساحات الضيقة لأزقة المنطقة لم تسمح لسياراتهم بالدوران بسرعة فاضطروا للتخلي عنها والهروب فهجم المتظاهرين على سيارتي الأمن واضرموا فيهما النار.
أذكر تماماً كيف دخل خالي إلى غرفتنا ونحن نيام في حوالي التاسعة صباحاً وصرخ بنا " يا قليلو الناموس لازلتم نياماً والدنيا مشتعلة في زور آفا". قفزنا من فراشنا وارتدينا ثيابنا مزمعين الذهاب الى الساحة للإطلاع على الخبر, لكن والداي لم يسمحا لنا بالخروج واقترحا أن يذهب أبي وخالي أولاً للإطلاع على الوضع. وإحترما لوالدنا صمتنا مظهرين موافقتنا على الأقتراح.
ما كادت خطوات والدي وخالي توارب باب الحوش حتى قال لي أخي " حسن ": " سالو" ألن تأتي؟ وكيف لن آتي" أجبته. وخرجنا وعتاب والدتنا وارءنا تطلب منا التريث ريثما يتبين الخبر , وهي تقول أننا شباب ودمنا حامي وقد يصيبنا مكره ما, اجبناها بما معناه " ما يصير على اولاد الناس, يصير علينا أيضاً". كان صوتها يتبعنا" قربان, حيران" ونحن نسير باقصى سرعتنا ولا أدري كيف وفي لحظة وجدنا أنفسنا بين المتظاهرين قريباً من مطعم " توشكا" الذي يبعد عن " زور آفا" ما يقارب الثلاثة كيلومترات في الطريق بإتجاه حديقة تشرين. كان المتظاهرون يقصدون المدينة الجامعية لكي ننضم الى الطلبة الكرد في الجامعات. قوات الأمن قطعت الطريق علينا بعد المطعم بقليل. كانت القوات مؤلفة مما يقارب الثلاثمائة رجل مزودين بالدروع والهروات اصطفوا أمام المتظاهرين قاطعين أمامهم كل إمكانية للتقدم حيث أن الطريق محصور بين جبلين ويسير نهر بردى على أحد الجانبين بين الطريق والجبل.
أشار علينا بعض الكبار في السن أن نعود أدراجنا. رجلين كبيران في السن وأشيبا الشعر ظهرا بيننا وقدما أنفسهما على أنهما من منظمة لحقوق الأنسان, لكن الشباب لم يصدقوهما وظنوا أنهما من رجال الأمن المدسوسين, وطلبوا منهما أن يظهرا هويتهما وكانا يتكلمان العربية, قالا أنهما سيرافقوننا الى " زور آفا " ويجلوسون معنا لمعرفة مطالبنا, وقد ساعد هذا على تهدئة المتظاهرين وتشجيعهم على العودة فعليا. حينها أصر رئيس قوات حفظ النظام على.....
يتبع